يوم البيئة العالمي ويوم النكسة .. أ.د كمال حطاب
يبدو أن الأمم المتحدة ، قد تخصصت في تنظيم الاحتفالات على مستوى العالم ، من خلال توزيع أيام السنة على المناسبات الأكثر أهمية ، وليس مهما ما إذا كانت مناسبات حزينة أو سعيدة ، فالمهم هو أن تحتفل دول العالم.. تحتفل بيوم البيئة وتهتف ضد استخدام البلاستيك … ، ولا ندري هل كان تخصيص يوم الخامس من حزيران للاحتفال بيوم البيئة مقصودا ، كمحاولة لإلهاء العالم ، عن جريمة كبرى قام بها الصهاينة قبل 56 عاما، باحتلال فلسطين كاملة واحتلال سيناء ، والجولان ، هل كان تخصيص هذا اليوم للاحتفال مقصودا ، أم أنهم لا يأبهون بفلسطين ولا يتذكرون هذه الجريمة ، وقد غدا الاحتلال دولة قائمة معترف بها من معظم دول العالم ، بما فيها العديد من الدول العربية ؟
ولعل البعض يقول بوجود شبه كبير بين المناسبتين ، فالعالم في الوقت الحاضر ، قد أجرم بحق البيئة ، وقد ظهر الفساد في البر والبحر ، وحتى في الجو وما فوق الغلاف الجوي ، الذي أصبح ملوثا ببقايا الصواريخ والمركبات الفضائية وغيرها من الملوثات ، أجرمت الشركات الكبرى بحق البيئة من خلال تلويث البحار والأنهار بالسموم الكيماوية وحتى النووية ، كما أجرموا بحق الكائنات الحية ، فانقرضت مئات الأصناف من الكائنات الحية من البحار والأنهار والأدغال ، من خلال الصيد الجائر ، أجرموا بحق الأرض من خلال التجارب النووية واستنزاف الموارد مما زاد من التلوث بالإشعاع وزاد من التصحر واتساع ثقب الأوزون ودخول الإشعاعات الضارة وزيادة الأمراض والأوبئة التي لم تظهر في الأقوام السابقة ..
إن الجرائم بحق البيئة هي جرائم فظيعة يلمس آثارها كل إنسان على وجه هذه الأرض ، وعلى قدر فظاعة هذه الجرائم ، فإن الجرائم التي قام بها الصهاينة كانت أشد وأفظع ، ففي الخامس من حزيران من عام 1967 قامت عصابات الصهاينة بالاعتداء على ثلاث دول عربية ، فقتلت عشرات الآلاف وجرحت مئات الآلاف وهجرت الملايين من نساء وأطفال وشيوخ من بيوتهم ومن قراهم ومدنهم ، لكي يتشتتوا في أراض الشتات، كما أطلقوا عليها .. ولكي يصبحوا لاجئين أو نازحين في مخيمات لا تليق بإنسانية الإنسان ولا تحفظ كرامته ..
لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا بل قامت بشرعنة الاحتلال وأظهرت القلق على العنف المتبادل بين الجانبين ، ودعت جميع الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس ، أظهرت القلق على ما تمارسه سلطات الاحتلال من قتل وأسر وتشريد وهدم واعتداء على كافة المقدسات التي عرفها البشر .. غير أن الأمر لا يستدعي أن تحرك ساكنا ، ولا يستدعي حتى الشجب والإدانة ، فقد غدا الاحتلال أمرا طبيعيا ، وقامت الأمم المتحدة بواجبها في هذا الصدد وأصدرت مئات القرارات التي لم ينفذ منها قرارا واحدا ضد الاحتلال ..
ولذلك دعونا نحتفل بالبيئة !! ونقوم بحملات إعلانية ضد البلاستيك ، فالبلاستيك خطير جدا ، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نوقف شركات البلاستيك أو نحد من قدرتها على الإنتاج ، فالبلاستيك مفيد أيضا في صناعات كثيرة !!
لقد غدت منظمة الأمم المتحدة أشبه بمؤسسات أو شركات تنظيم الاحتفالات والأعراس والمناسبات ، أو جمعيات تكفين الضحايا ودفن الموتى ، فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يتحرك إلا بإمرة الأقوياء ، لإسكات المظلومين وحماية الظالمين ، لإسكات المقاومين وحماية المحتلين ..
لم تعد الأمم المتحدة وسيطا نزيها ، وربما لم تكن في يوم من الأيام وسيطا نزيها ، ولذلك فإن الأمم الحرة هي التي تدافع عن حقها ، ولا تتنازل عن حقوقها ، وتستمر في مقاومتها إلى أن تسترد حقوقها كاملة ، مهما طال الزمن . وسيبقى يوم الخامس من حزيران ، ذكرى أليمة ، تدفع إلى المزيد من التمسك بالحقوق المفقودة ، ذكرى أليمة تذكر المحتلين بأنهم طارئون على هذه الأرض ، وأن مصيرهم إلى الزوال .