حرق الله قلوبهم … أ.د كمال حطاب
كنا نقرأ قديما عن السويد وأنها من أكثر الدول غنى ورفاهية ونزاهة وشفافية ، وأنها الأقل فسادا وتعديا على المال العام .. كما كنا نقرأ بأنها من أعلى الدول في معدلات الانتحار .. وكنت دائما أحاول تفسير هذا التناقض بين زيادة الرفاهية وزيادة الانتحار على أنه الخواء الروحي والنفسي والاجتماعي ، فهؤلاء القوم ربما تقدموا ماديا ولكنهم روحيا ونفسيا يعانون من أشد حالات فقر الروح .. القلق والاضطراب والأمراض النفسية التي لا تنتهي .. ولعل من الأمراض والأحقاد النفسية ما قام به متطرف جبان حاقد مريض نفسيا وروحيا ، وسمحت به حكومة السويد ، من حرق المصحف الشريف والإساءة إلى الإسلام .. و توجيه الإهانة والازدراء لما يقارب ملياري مسلم ، دون أدنى شعور بالخجل أو الخوف أو القلق لما يمكن أن تكون عليه ردة فعل المسلمين ..
إنه الخواء الروحي والعقد النفسية هي التي تدفع هؤلاء إلى الانتحار وإلى القيام بأفعال ربما تسول لهم بها أنفسهم الخبيثة بأنهم سيحققون شهرة عالمية تشبع أرواحهم الخبيثة ولكن هيهات هيهات .. فلم يكن التعدي على الآخرين ومقدساتهم ليشفي أمراضهم النفسية . ولذلك فإن خير وسيلة أمامهم للإشباع الروحي .. هي الانتحار ..
إنه الانتحار هو الدواء الشافي لمن أظلمت نفوسهم واسودت قلوبهم .. بأحقادها البغيضة ووساوسها الملعونة ..
كنت دائما أدعو إلى مقاطعة السلع التي تنتجها هذه الدول المسيئة ، وحتى الخدمات التي تقدمها شركاتهم .. غير أنني اليوم لا أجد المقاطعة كافية …وربما توجد حلول أخرى لأمثال هؤلاء المسيئين للأديان والمقدسات ..
كنت دائما أقول بأن المقاطعة هي خيار فردي تقوم به الشعوب وربما لا تقوى عليه الحكومات نظرا للعلاقات الدبلوماسية الدولية ..
غير أنني اليوم أقول بأن مقاطعة الشعوب لا تكفي .. ولا بد أن تقوم الدول والحكومات بالمقاطعة ، ولا تكتفي بالشجب والتنديد ، لا بد أن تنتفض حكومات الدول الإسلامية التي تمثل ما يقارب الملياري مسلم ، في وجه هؤلاء المسيئين ، وتوقفهم عند حدهم . إن هذا الفعل الشنيع قام به شخص مع طائفة متطرفة بموافقة نظام قضائي يمثل دولة السويد .. وبالتالي فإن الدول الإسلامية مطالبة بأن تقوم بدورها لإيقاف هؤلاء وغيرهم من الحاقدين المعتدين .
أي نظام قضائي وأي عدالة وأي حرية تعبير هذه التي تسمح بالتعدي على ملياري مسلم .. وأي نزاهة وشفافية وتقدم هو هذا الصنيع القبيح .. فإذا لم يكن هذا فسادا وإجراما فما هو الفساد والإجرام ..
إن أمراضهم النفسية وأحقادهم الدفينة هي التي جعلتهم يحرقون المصحف .. حرق الله قلوبهم .. وزادهم شقاء واضطرابا .. وخواء روحيا .. ومتعهم بلذة الانتحار وسهل لهم سبل الموت الرحيم .
إن المسلمين مطالبون بردة فعل تجاه هذه الأفعال المسيئة ، فبالإضافة إلى المقاطعة لا بد أن يعكف المسلمون على مصاحفهم ، ويعرفوا أهميتها ومكانتها وقيمتها ، لا بد أن يعيشوا قرآنهم ، ويعايشوا كلمات ربهم ، ويتعايشوا معها في حياتهم ، من خلال التطبيق اليومي لهذه الآيات ..
إن هذا التعدي على المصحف الشريف لم يكن ليحدث لو أن المسلمين يعظمون كتاب ربهم ويعطونه المكانة اللائقة والرفيعة .. ويصفونه الوصف الذي وصفه به الوليد بن المغيرة قبل الإسلام ” والله إن له لحلاوة، وان عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى ” ..
ربما لا يجد كثير من المسلمين حلاوة القرآن كما وجدها ذلك الجاهلي المنصف ، الذي لم يكن مسلما ، قبل أن يعود لجاهليته ويقول إنه لسحر يؤثر .. وربما لا يعرف المسلمون اليوم طلاوته ولا أعلاه أو أسفله .. وربما لا يعرفون لماذا يعلو ولا يعلى عليه .. وربما يصدق فينا قول الشاعر :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم .. ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ، ودنسوا .. محياه بالأطماع حتى تجهما
مما لا شك فيه أن علم القرآن هو أشرف وأقدس العلوم ، وهو أساس كل العلوم التي عرفها البشر ..
إن هذه الأفعال المشينة والمسيئة من قبل أعداء الإسلام – على بشاعتها وشناعتها وقبحها – تمثل فرصة للمسلمين لكي يتقربوا أكثر من القرآن ، ويعظموه ويوقروه بتطبيق ما جاء فيه .. إنها فرصة مهمة لعودة المسلمين إلى كتاب ربهم ليعرفوا قيمته ويرفعوه فيرتفعوا به ، ويعزوه ويكرموه ، فيزدادوا عزة وكرامة ومكانة بين الشعوب .