جنين .. وما بعدها أ.د كمال حطاب
لا يكاد يمر يوم في فلسطين دون أن يرتقي شهداء أو يدخل المستشفى جرحى أو يزج في الزنانين أسرى مخطوفون من أبناء فلسطين .. في ظل احتلال همجي جبان لا يقيم وزنا لأحد ، ويضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية التي تنص على حماية الأراضي والشعوب المحتلة ..
ففي كل يوم يقوم المحتل المجرم بإراقة الدماء ، والاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ ، أمام الكاميرات والشاشات التي تبث الصورة إلى جميع الأحياء في هذا العالم .. دون أن يتحرك أحد لنصرة المظلومين ..
غير أن الاعتداء الأخير في جنين ومخيم جنين ليس كغيره من الاعتداءات ، وما نجم عنه من آثار ستكون له ما بعده ، إن هذا الاعتداء سيغير المعادلات وقواعد الاشتباك في الضفة .. فلن تتمكن قوات الاحتلال من بعد ، من الاعتداء دون أن يعتدى عليها ، لن يتمكنوا من دخول جنين بسهولة دون أن يتكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات .. إن منظر الآليات المصفحة التي تمزقت في جنين هو بداية تمزيق كيانهم الهش وسقوط دولتهم بيت العنكبوت ، إن انطلاق الصواريخ من جنين ، وسقوط الطائرات المسيرة فوق جنين هو بداية التغيير في المعادلة وميزان القوى ..
إن هذا الاحتلال لا يعرف غير لغة واحدة هي لغة القوة ، أو لغة البندقية والرصاص ، لغة العبوات الناسفة ، لغة الصاروخ ، لن يحسب هذا الاحتلال الجبان حسابا لأحد ، إلا لمن يحمل الصاروخ والبندقية ، وبغير ذلك لا يعترف بقانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو أي ميثاق إنساني ..
لقد رأينا جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين ، وسمعنا أصواتهم وصراخهم عندما أصابتهم الصواريخ أو شظيات الصواريخ ..رأيناهم يهربون مذعورين كالجرذان .. إنه الذعر والرعب والهلع هو الذي سيخرجهم من أرض فلسطين ، ليعودوا من حيث جاؤوا .. فليعودوا إلى البلدان التي جاؤوا منها قبل أن تكون فلسطين مقبرتهم .
إن الآلام والمعاناة التي تعيشها القدس ونابلس وجنين ، ينبغي أن تعيشها تلك المدن التي احتلها اليهود وظنوا أنه مانعتهم حصونهم فيها .. فلا يصح أن يأمن المحتل على أي شبر من أرض فلسطين مهما طال الزمان ..
إن سقوط الصواريخ على المدن المحتلة التي ظن الصهاينة أنها في مأمن ، مهمة عظيمة مقدسة ، أتقنتها المقاومة في غزة ، وسوف تتقنها المقاومة في جنين ونابلس وكافة المناطق المحتلة .. وإن استمرار هذه الحالة هي مسؤولية المقاومة الباسلة ، المقاومة المقدسة ، المقاومة التي تقدم الدماء وتقدم الشهداء في سبيل الله ، وفي سبيل التحرير والحرية والكرامة ..
إن جنين لا تختلف كثيرا عن غزة وسائر المدن الفلسطينية ، وكما تحررت غزة ، يمكن أن تتحرر جنين ، وكذلك نابلس والخليل وطولكرم وسائر مدن الضفة الغربية ..
إن دماء الشهداء والجرحى الغالية على كل إنسان حر ، هي وقود الثورة ووقود التحرير ، وهي التي تحيي موت القلوب ، كما تحيي الضمائر والعزائم والحمية .. الحمية للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات واسترداد الحقوق المغتصبة .
وفي ظل قوله تعالى ” فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ “َ ( البقرة ، 194) وقوله تعالى ” وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ” ( النساء ، 104) وقوله تعالى “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ” وغيرها من الآيات التي تحدد قواعد الاشتباك مع العدو .. يمكن أن يتحقق النصر والتحرير .. لا يتحقق النصر باتفاقيات سلام تمكن المحتل من الأرض .. وتمكنه من الغطرسة وانتهاك القوانين الدولية .. إذا كان ولا بد من اتفاقيات فلتكن اتفاقيات عزة وكرامة ومعاملة بالمثل .. ولتكن قواعد الاشتباك مستمدة من القرآن الكريم .. ” وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ” فليخرجوا من أرضنا ومقدساتنا .. وليذهبوا حيث شاؤوا فلا شأن لنا بهم .. وإلا فلينتظروا مصيرهم المحتوم .