عودة إلى الصفحة الرئيسية

الذكاء الاصطناعي والتنمية … أ.د كمال حطاب

الذكاء الاصطناعي والتنمية
أ.د كمال حطاب
اختلف الاقتصاديون قديما وحديثا حول أي القطاعات الاقتصادية في المجتمع هو القطاع الرائد ، أي أنه يقود القطاعات الأخرى نحو التنمية ، هل هو القطاع الصناعي أم الزراعي أم التجاري ، وإذا كان القطاع الصناعي فهل هي الصناعات السلمية أم الحربية ؟ هل هي الميكنة أم الحوسبة أم التطبيقات الذكية أم تقنيات البلوك شين ؟؟
قبل قرنين من الزمان ، اشتهر الطبيب الفرنسي كيناي بنظريته عن الجدول الاقتصادي ،والتي أثبت فيها أن القطاع الزراعي هو صاحب الفضل على كل القطاعات ، فالمزارعون هم الذين يكونون الفائض ، وبقية القطاعات عالة عليهم .. وربما كان مصيبا في ذلك الوقت ، الذي كان الناس فيه يواجهون المجاعات في كل مكان ..
أما في القرن العشرين فقد ثبت أن قطاع الصناعات العسكرية هو القطاع الرائد وأن معظم البلدان المتقدمة هي البلدان التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية ، ولا تزال هذه الدول متفوقة متقدمة في الصناعات العسكرية ، ولا تزال الصناعات العسكرية تقود بقية القطاعات نحو التنمية حتى وقتنا الحاضر ..
أما في القرن الحادي والعشرين فيبدو أن قطاع الكمبيوتر كان له دور رئيسي في الريادة والقيادة لبقية القطاعات إلى جانب الصناعات العسكرية ، وظهرت شركات وادي السيليكون لتحقق أرقاما فلكية في الاقتصاد الأمريكي والعالمي ، وتشعب عن الكمبيوتر والإنترنت ، التطبيقات الذكية ، إضافة إلى قطاع التكنولوجيا المالية ، ولا شك أن دول العالم ستكون عالة على من يبدع في هذه المجالات ..
إن برامج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون هي الرائدة في هذا العقد الذي نعيش فيه حيث يتوقع أن يتجاوز حجم سوق الذكاء الاصطناعي تريليونات الدولارات في السنوات القليلة القادمة ..
غير أن ما يقلق البشر من الذكاء الاصطناعي هو خوفهم من عدم القدرة على التحكم في ما سيؤول إليه هذا الذكاء .. فتسخير منتجات الذكاء الاصطناعي لكل فرد وبما يتناسب مع كافة خصائصه وإمكاناته وميوله ، ربما سيصيب البشرية بالعجز في فترة قصيرة جدا .. فلن يحتاج الناس إلى أطباء أو معلمين أو مرشدين نفسيين أو مهندسين أو أي تخصص .. فكل ذلك يمكن توفيره من خلال الذكاء الاصطناعي ..
وحتى ما يحتاجه الإنسان من طعام وشراب سوف يقوم الذكاء الاصطناعي بمراقبة بيولوجية كل إنسان وما ينقصه من طعام وشراب ويقوم بتوفيره من خلال الطلبات المبرمجة مع شركات الديلفري المرتبطة بالذكاء الاصطناعي .. وكذلك بالنسبة للصحة والتعليم والعلاقات الاجتماعية وغيرها من الجوانب التي يعيشها الإنسان .
هل يمكن أن يتحقق ذلك بحيث يصبح الإنسان نفسه عالة على أجهزة الذكاء الاصطناعي وبرامجه ؟ أم إن الأمر فيه مبالغات كبيرة ؟ خاصة وأن أجزاء كبيرة من مناطق العالم لا تزال بعيدة عن الإنترنت ، وربما عن الكهرباء وما يتعلق بها من تكنولوجيا وكمبيوتر وتطبيقات إلكترونية ..
ربما تتحول مجتمعات الـــــ واحد في المئة المترفة إلى ضحايا لبرامج الذكاء الاصطناعي أما مجتمعات الـــ 99% الفقيرة ، فإنها لن تستطيع أن تخضع لهذه البرامج ، حتى ولو رغبت في ذلك ، نظرا لعدم وجود الإمكانات المادية اللازمة لمثل هذه التحولات أو التطورات .. وبالتالي ستبقى معظم دول العالم النامية بعيدة عن سيطرة الذكاء الاصطناعي إلا في قطاعات محدودة جدا ..
لعل من أكثر منتجات الذكاء الاصطناعي انتشارا ، برنامج الشات جي بي تي ، والذي انتشر بشكل سريع في معظم دول العالم ، ومع ذلك فإن استخدامات معظم دول العالم لهذا البرنامج ربما يغلب عليها التسلية وإضاعة الوقت والغش والخداع والاحتيال وغيرها من الاستخدامات التي تمكن من أكل أموال الناس بالباطل ، وحصول البعض على غير ما يستحقه . وبالتالي لا بد أن تكون برامج الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء بحيث تحمي نفسها من الاستخدامات العبثية أو المسيئة ، وتضع حدا لاستخدامها في الاحتيال أو الاستغلال .. فإذا كانت هذه البرامج ذكية فعلا ، فليس من الذكاء أن تمكن الفاسدين من استغلالها من أجل تنفيذ أغراض غير قانونية.

أكتب رداً:

You must be logged in to post a comment.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]