البريكس .. زوبعة في فنجان ؟؟ أ.د كمال حطاب
البريكس .. زوبعة في فنجان ؟؟
أ.د كمال حطاب
يتطلع كثير من الناس إلى دول البريكس كمنقذ أو مخلص من الظلم الذي تعاني منه معظم شعوب العالم نتيجة الهيمنة الغربية الرأسمالية .. والنظام العالمي الجديد والذي يدار من خلال الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة العالمية .. إلخ وينسى هؤلاء المنبهرين بالبريكس أن الظلم الذي يمكن أن ينجم عن هذه الدول في حالة سيطرتها حقيقة على الاقتصاد العالمي سيكون أكبر بكثير مما هو متحقق فعلا .. هذا في حالة نجاحهم في الاتفاق على نموذج اقتصادي عالمي جديد .. وإن كان هذا النجاح يبدو مستحيلا من وجهة نظر طائفة كبرى من الباحثين والمحللين .. فلماذا يبدو هذا النجاح مستحيلا ؟ وما الذي يعوق دول بريكس عن تحقيق النجاح الذي تتطلع إليه الشعوب المظلومة والمقهورة ..
مما جاء في البيان الختامي لقمة جوهانسبرغ والتي انتهت قبل أيام ، الدعوة إلى إصلاحات في نظام الأمم المتحدة ، بما في ذلك مجلس الأمن من أجل المزيد من الديمقراطية . وهذا يعني أنهم لا يزالون يؤمنون بالأمم المتحدة ، وخاضعين لمؤسساتها ومجالسها المتعددة ، بمعنى أنهم لا يريدون الانسحاب من منظمات الأمم المتحدة أو إقامة منظمات بديلة عنها ، فالمطلوب هو الإصلاح .. وفي بند آخر أكدوا على دعم قواعد منظمة التجارة العالمية ، وهذا يؤكد النتيجة السابقة بأنهم يطلقون شعارات فقط ، ولا يريدون أن يستقلوا بعيدا عن منظمات الأمم المتحدة .. وبشكل خاص منظمة التجارة العالمية والتي تمارس مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أكثر الإجراءات الاقتصادية ظلما ضد الدول الفقيرة و
ومن جهة أخرى فإن المتأمل في دول البريكس يرى حجما سكانيا ضخما وكذلك حجما كبيرا في التجارة والصادرات والمستوردات ، وكذلك حجما كبيرا في الناتج القومي الإجمالي ربما يشكل ثلث ناتج العالم .. ولكن السؤال هو هل يمكن لهذه الدول أن تستفيد من هذا الحجم الكبير ؟ هل يمكن لها أن تدير الاقتصاد العالمي بعدالة واستقرار ؟ هل يمكن لها أن تخفف من حدة التفاوت وتعمل على إعادة توزيع الثروة بعدالة ؟ هل لدى هذه الدول مقومات تنظيمية سياسية أو اقتصادية تمكنها من تحقيق عدالة أو بناء أسس عادلة في إدارة العلاقات الدولية أو إدارة نظام نقدي عالمي ؟ لعل النظرة المتأنية المتفحصة لوضع كل دولة من دول البريكس يمكن أن يرسم لنا صورة حقيقية حول إجابة هذه الأسئلة ..
فلو نظرنا إلى روسيا سوف نجد أن هذه الدولة متورطة في معظم الحروب والجرائم التي تجري على الأرض في الوقت الحاضر .. فهاهي تخوض حربا ضروسا بلا أي مبرر قانوني أو إنساني في أوكرانيا .. وكذلك تدير شركات عصابات إجرامية تحت مسمى ( فاغنر) في عدد كبير من دول العالم ، حيث ينفذون جرائم القتل بعيدا عن القانون أو تحمل المسؤولية ، وما فعلته روسيا في الشيشان وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها من دول العالم ، لا يخفى على أحد ..
كيف يمكن لدولة بهذا التاريخ الإجرامي أن تحقق استقرارا أو تؤسس لتنظيم يحقق الاستقرار والعدالة للبشرية ؟
لعل الصين والهند هما أكبر دولتين سكانا واقتصادا في دول البريكس ، ولو نظرنا إلى النظام الذي يحكم في كليهما فسوف نجد اضطهادا للأقليات ومذابح مستمرة وسجون ومعتقلات .. فكيف يمكن لأي من هذين النظامين أن يحقق عدالة أو استقرارا .. كيف يمكن لمن يمارس الاحتلال والقمع والاضطهاد ضد الأقليات أن يكون عادلا تجاه الشعوب الأخرى ؟
ربما يختلف حال البرازيل وجنوب إفريقيا قليلا عن الدول الثلاثة الأخرى ، غير أن حجم الناتج القومي لكليهما يشكل نسبة ضئيلة جدا ..
ولو تجاوزنا عن الأوضاع السياسية السابقة ، فإنه وفقا لخبراء التكامل الاقتصادي مثل بيلا بالاسا فإن الدول التي ترغب في الوصول إلى تكتل اقتصادي أو كيان اقتصادي موحد ينبغي أن تمر في خمسة مراحل ، أطلق عليها مراحل التكامل أو الوحدة الاقتصادية ، تبدأ بتكوين منطقة التفضيلات الجمركية ، ثم منطقة التبادل التجاري الحر ، ثم الاتحاد الجمركي وصولا إلى السوق المشتركة إلى أن تنتهي إلى منطقة الوحدة الاقتصادية موحدة يتم فيها إلغاء كافة القيود على حركة السلع والخدمات بين دول التكتل ..
وبالنظر إلى دول بريكس فلا يظهر أنها قطعت أي شوط أو مرحلة من المراحل السابقة ، ولكنها ترغب في توسيع العضويات وضم دول أخرى إليها .. في الوقت الذي لا يظهر فيه هيكل تنظيمي واضح ، يبين كيفية اتخاذ القرارات وعلى أي أساس تصويتي ؟ وما هي قوة التصويت لكل دولة ؟ وحتى اتفاقية البنك الوطني لدول البريكس فإنها لم تفعل بشكل كامل ، حيث لا يزال البنك يوطد علاقاته بالبنك الدولي وبالبنوك العالمية من أجل أن يكون له اعترافا ومن أجل أن تتم عملياته بسهولة ودون عراقيل أو عقبات ..
يبدو أن مهندسي نظام بريتون وودز كانوا متمكنين جدا ، ويبدو أن الترميمات والصيانة التي جرت على هذا النظام منذ أكثر من 80 عاما ، زادته قوة ، ومكنته من الاستمرار والتفوق ، وتجنب السقوط والانهيار .. ويبدو أن عملية استبدال هذا النظام ستكون صعبة جدا في ظل الظروف العالمية المعاصرة . وبالتالي فإنه لا يزال أمام بريكس وغيرها من التكتلات الدولية أو الإقليمية وقت طويل جدا من أجل أن يتحقق أي تغيير حقيقي في تسيير العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب .