الأكاديميون في الجامعات العربية أ.د كمال حطاب
يُعد الأكاديميون في الجامعات من أعلى فئات المجتمع ثقافة وعلما واطلاعا ومتابعة ومواكبة للأحداث العلمية والاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية .. ويُعلق المجتمع عليهم آماله في التطور والتقدم والنهوض وتقديم الحلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
ويبدو أن هذا الوضع ، هو السائد في معظم الدول المتقدمة ، حيث يُنظر للأكاديمين والعلماء والفئات الأكثر تعليما كمستشارين في كافة المجالات ، ويُعَوّل عليهم في تقديم الحلول والاستشارات في أدق التفاصيل السياسية والاقتصادية والعلمية وبما يحقق مصلحة الدولة والمجتمع .. ويتم توظيفهم في تخصصاتهم الدقيقة التي تزيد في التراكم المعرفي للمجتمع وللأجيال القادمة .
ولذلك نجد العديد من الأكاديميين في الجامعات في الدول المتقدمة يحصلون على جوائز نوبل أو ما يضاهيها من جوائز دولية ، وبراءات اختراعات ، ونسب استشهادات أو اقتباسات عالية جدا .. إضافة إلى تمويل دولي ووطني لمشروعاتهم البحثية بما يزيد من الإنتاجية وفرص التشغيل ويحقق إيرادات ضخمة تزيد في حجم الناتج القومي الإجمالي لبلدانهم .
أما الدول العربية فإن وضع الأكاديميين في معظم هذه الدول مثير للشفقة ، سواء من حيث الاستغلال الأمثل لعلومهم وما يحملونه من تخصصات نادرة ، أو في توظيفهم بما ينفع المجتمع ويحقق التقدم .. أو في استشارتهم والرجوع إليهم في صغائر الأمور قبل عظائمها ، وسواء كان ذلك أثناء خدمة عضو هيئة التدريس أو بعد انتهاء خدماته في الجامعة ، وتفرغه لخدمة المجتمع .
إن العديد من حكومات الدول العربية يدفعون لما يطلق عليهم الخبراء والمستشارون الأجانب أضعافا مضاعفة مما يُدفع للخبير أو المستشار العربي أو المحلي .. هذا مع افتراض اللجوء إلى استشارات محلية أو عربية ..
وتتدخل بعض الجهات أو المنظمات المالية الدولية كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير في كثير من المجالات التعليمية ، من خلال تقديم الخبراء كمساعدات فنية مدفوعة الأجر ، وعلى سبيل المثال تدفع الدول العربية مئات ملايين الدولارات من أجل برامج تطوير المناهج الدراسية ضمن برامج يديرها البنك الدولي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية من أجل تطبيق نتائج أبحاث ودراسات الجامعات الغربية .
بينما لا تجد الجامعات في الدول العربية ميزانيات كافية لدعم البحث العلمي ، سواء من حيث الدعم أو الحوافز والمكافآت أو تجهيز المختبرات والمعامل والتقنيات اللازمة لمواكبة التطورات العلمية العالمية ، ومن جهة أخرى فإن معظم أعضاء هيئة التدريس.. لا يحصلون على فرصة التفرغ للبحث العلمي .. سوى سنة واحدة كل خمس أو ست سنوات ، وفي الغالب فإن هذه السنة يقضونها في محاولة تحسين دخولهم والحصول على فرصة عمل أخرى في جامعة أخرى ، بعيدا عن البحث العلمي وإضافاته المتميزة التي يمكن أن تفيد المجتمع وتعمل على تقدمه وتطوره .
إن توفير الدعم الكافي للبحث العلمي سواء في تحقيق الاستقلالية المالية لأعضاء هيئة التدريس أو في توفير البنية التحتية للبحث العلمي من مختبرات وأجهزة ومراكز بحثية هو الخطوة الأولى نحو زيادة إنتاجية أعضاء هيئة التدريس ، وزيادة العطاء والتضحية والانطلاق والإبداع والابتكار ، ومحاولة الحصول على براءات اختراع وجوائز دولية وأعلى نسب نشر أو اقتباس .. إلخ ، وبالتالي الإسهام في خدمة المجتمع وتحقيق التنمية بكافة أشكالها المعاصرة .. التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والرقمية .. إلخ .