المتعطشون للدماء .. أ.د كمال حطاب
أبدع شكسبير في قصته تاجر البندقية ، في رسم شخصية شيلوك ، ذلك اليهودي المرابي الجشع المتعطش للدماء والذي اشترط على المدين أن يقتطع رطلا من لحمه إذا ما عجز عن السداد ، وبالفعل فقد انتهى وقت السداد ولم يسدد المدين ما عليه .. عندها فرح هذا المجرم فرحا شديدا ، وقدم السند المكتوب فيه الشرط للمحكمة ، ووجدت المحكمة أنه على حق ،غير أن الشرط المكتوب هو شرط لا إنساني ، وبالتالي طلبت المحكمة من شيلوك التغاضي عن هذا الشرط ، فرفض ، وقام بعض التجار بمحاولة إقناعه بقبول ضعف المبلغ أو عدة أضعاف المبلغ المطلوب ، على أن ينسى ذلك الشرط ، ومع ذلك رفض شيلوك وأصر على تنفيذ ما كتب في السند ، وحاول بعض المسؤولين وحتى حاكم مدينة البندقية ، حاولوا معه من أجل العودة إلى فطرته أو إنسانيته غير أن هذا الشيلوك لم تكن لديه أية ذرة إنسانية وكان ممسوخ الفطرة ، متعطشا للدماء ، فرفض رفضا شديدا وطالب بإنفاذ القانون للحصول على حقه .. وقفت مدينة البندقية بكافة مواطنيها وحاكمها وقضاتها ضد شيلوك من أجل أن يتنازل عن الشرط ، ولكنه أصر على التنفيذ ، عندها وقف المحامي في المحكمة وقال له : وافقنا على تنفيذ شرطك وأعطاه سكينا ، غير أنه أخبره أمام الحضور بأن ما هو مكتوب في السند ، رطل لحم فقط ، فإذا زدت على هذه الكمية غراما واحدا ، فسوف تقتل ، ثم إن هذا اللحم ينبغي أن تقطعه دون أن تسيل قطرة دم واحدة ، عندها أسقط في يد شيلوك ، وأخذ يتوسل ، ويطلب العفو ، عندها رفضت المحكمة توسلاته ، وحكموا عليه بمصادرة أمواله ونفيه من المدينة ..
إن شخصية شيلوك في قصة تاجر البندقية هي نفس قصة نتنياهو المتعطش للدماء أيضا ، غير أن شيلوك كان يريد أن يقتل شخصا واحدا ، فوقفت ضده المدينة بأكملها ، بينما نتنياهو قتل قريبا من اثني عشر ألفا حتى الآن ، ويريد أن يبيد سكان مدينة كاملة ، ومع ذلك لم يوقفه أحد .. بل وجد من يدعمه من الأمم التي تدعي الديمقراطية ، والتي صدعت رؤوسنا بحقوق الإنسان والحريات .. بل إن بعض الداعمين له كانوا من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .
هاهو نتنياهو يرفض وقف إطلاق النار في غزة رغم مناشدة معظم دول العالم وكافة المنظمات الإنسانية ، يرفض أية هدنة إنسانية من أجل نقل الجرحى وإدخال المساعدات الإنسانية رغم مناشدة الرئيس الأمريكي له بقبول هدنة إنسانية ، يحاصر ما يقارب 2.5 مليون نسمة ، ويحرمهم من الماء والكهرباء والوقود والغذاء ، ويظن أنه سينتصر ، يقوم جيشه ومن خلال الطائرات بإلقاء آلاف الأطنان من القنابل على رؤوس المدنيين، ولا يهمه إذا كانت حربا أخلاقية أو غير أخلاقية ، لا يهمه أن يقتل آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ ، فالمهم أن ينتصر في النهاية ، ويقضي على المقاومة في غزة .. ويستمر بالتصريح يوميا بأنه يرفض وقف إطلاق النار …
وكما أُسقط في يد شيلوك بعد أن أفحم وفهم بأنه مهزوم في تنفيذ الشرط ، حيث يستحيل تنفيذ الشرط ، سوف يُسقط في يد نتنياهو والقادة المحيطين به والداعمين له، عندما يتيقنون بأنهم مهزومون لا محالة ، وأنه يستحيل هزيمة المقاومة ، سوف يطلب نتنياهو وقف إطلاق النار عندما يظهر تفوق المقاومة عليهم تفوقا كبيرا ، من خلال المفاجآت التي يظهرونها يوما بعد يوم ..
سوف يتوسلون لإيقاف إطلاق النار عندما ينكشف إجرام الصهاينة عالميا ، ويتمكن العالم من فرض المقاطعة عليهم ، ويقل الدعم الغربي إلى أدنى مستوى ممكن ، وتقوم دول العالم بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان في كافة المجالات .
سوف يُسقط في أيديهم عندما يطالب العالم بتقديم قادة الاحتلال للمحاكم الجنائية الدولية ، وتعميم أسمائهم على الانتربول الدولي ، وتطبيق كافة قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بفلسطين .. وإعلان المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإعلان القدس بشطريها عاصمة للدولة الفلسطينية ، والمطالبة بوضع مهلة قانونية لرحيل الاحتلال عن فلسطين..
عندما تمارس معظم دول العالم بعض أشكال الدبلوماسية الخشنة والمواقف المتصلبة ، فإن نتياهو وغيره من قادة الاحتلال سوف يتوسلون من أجل وقف إطلاق النار .. وربما يتوسلون من أجل السماح لهم بمغادرة فلسطين إلى الأبد .