مصير اليهود بعد غزة … أ.د كمال حطاب
مما لا شك فيه أن ما أطلق عليه دولة إسرائيل كيان محتل ، ولا بد للاحتلال من الرحيل عاجلا أم آجلا ، هذا ما تقول به السنن التاريخية والتجارب البشرية .. غير أن هذا الكيان يبدو أن له عمرا محدودا ، هذا ما أشار إليه الناطق الرسمي باسم كتاب القسام عندما ذكّر هذا الكيان بلعنة العقد الثامن .. وكان رئيس الوزراء الأسبق إيهود بارك قد أبدى مخاوفه حول هذه اللعنة بقوله بأنه على مر التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة ، وكذلك صرح النتن ياهو رئيس وزراء الحالي للكيان بأنه متخوف من نفس اللعنة ، بقوله أنه حريص على أن تصل إسرائيل إلى المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة ..
إن هذه التصريحات ومن قبلها تصريحات لعدد من العلماء والقادة المسلمين .. سواء أصابت أم أخطأت التقدير ، فإنه مما لا يمكن التشكيك به ، وهو جزء من عقيدة كل مسلم ، ما ورد في الأحاديث الكثيرة من أحداث آخر الزمان حول هزيمة اليهود .. ويبدو أن هذا الحدث ليس ببعيد مما يحدث الآن ..
والأمر لا يعد غريبا أو خارقا ، فالدول كالأفراد تشب وتشيب وتموت كما ذكر ابن خلدون في مقدمته ، وكم من دول وحضارات ، عاشت وتمكنت وسيطرت واستمرت قرونا.. غير أنها تلاشت في النهاية وكأنها لم تكن.. هذا في الأحوال الطبيعية فما بالكم بدولة نشاز مصطنعة قامت على الاحتلال والقتل والمستوطنات وتهجير الناس من بلادهم ..
عندما فتح عمر رضي الله عنه القدس أمّن أهلها في بيوتهم وكنائسهم وحفظ حقوقهم وخصوصياتهم وكتب لهم العهدة العمرية الشهيرة التي تنص على أنه لا تهدم كنائسهم ولا تكسر صلبانهم … ولا يسكن معهم يهود .. وبقيت فلسطين وبيت المقدس تحت حكم المسلمين إلى أن احتلها الصليبيون وأقاموا لهم مملكة في بيت المقدس ، وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة ، ورفعوا الصليب على قبة الصخرة أكثر من مئة عام ، ومع ذلك انتهى حكمهم على يد صلاح الدين الأيوبي ، بعد هزيمتهم في معركة حطين عام 1187م ، وعندما تم فتح بيت المقدس أمن صلاح الدين الأيوبي أهلها وخيرهم بين الرحيل إلى أي مكان يشاؤون أو البقاء آمنين مطمئنين في ظلال حكم المسلمين .. فرحل منهم عدد كبير حاملين ذهبهم ومتاعهم وكل ما يستطيعون حمله ، وبقي منهم عدد ليس بالقليل في بيت المقدس تحت حكم المسلمين .
فهل يمكن أن تتكرر هذه المواقف في العصر الحاضر ؟ وما هو مصير اليهود بعد هزيمة جيش الاحتلال وأساطيله وكافة طواقمه وتجهيزاته العسكرية .. ما هو المصير الذي ينتظر اليهود في فلسطين ؟
مما لا شك فيه أن المقاومة ستعاملهم ، كما عامل عمر رضي الله عنه أهل إيلياء ، وكما عامل صلاح الدين الأيوبي الصليبيين يوم فتح بيت المقدس وحرر فلسطين ، بتخييرهم بين الرحيل أو البقاء في فلسطين آمنين مطمئنين .. ولا شك أن معظمهم سيرحلون إلى البلدان التي جاؤوا منها ، وقد رحل منهم حتى الآن وخلال شهرين فقط أكثر من نصف مليون .. وبالرغم من دفع المكافآت والحوافز لسكان غلاف غزة من المستوطنين من أجل العودة إلى البيوت التي هربوا منها بعد السابع من أكتوبر إلا أنهم لم يرجعوا ، ولن يرجعوا .. وكذلك سكان شمال فلسطين من المستوطنين .. لن يرجعوا إلى البيوت والمستوطنات التي يسكنون فيها ، وسوف يؤثرون الرحيل إلى بلدانهم الأصلية ..
ولا شك أن سكان وسط فلسطين سوف يصيبهم ما أصاب سكان الشمال والجنوب من رعب ، وبالتالي يفرون من غير رجعة قبل أن يتخطفهم الموت على أيدي المقاومة الباسلة ، ولا شك أن من يخدع نفسه بمحاولة الانتصار على المقاومة سوف تتكشف له الحقائق بعد أن يقع في الأسر أو يصاب بإعاقة دائمة أو يسقط قتيلا فهذا هو المصير الذي ينتظرهم .