الخذلان الكبير والمقاطعة الاقتصادية أ.د كمال حطاب
ما لا شك فيه أن شعب غزة قد خُذلوا من معظم شعوب وحكام العالم .. غير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أربعة عشر قرنا في وصفه أهل الرباط في بيت المقدس .. بأنهم لا يضرهم من خذلهم .. وبأنهم في خير رباط ، وذلك في الحديث الصحيح ” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك” قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وفي رواية أخرى ” لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ ” .
وبالرغم من أن الخذلان لا يضر الفئة المنصورة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .. فإنه مع ذلك يضر المتخاذلين ويلحق بهم العار أبد الدهر .. وهو خذلان مؤلم ومذموم ، خاصة عندما يكون من ذوي القربى وممن يعدون أهلا وسندا ..
الخذلان متحقق على كافة المستويات ، حكاما وشعوبا ، مؤسسات ومنظمات دولية وإنسانية ، فما دامت المجازر مستمرة وشلال الدم متدفق في غزة ، ومادام الأقوياء في العالم لا يستطيعون أو لا يريدون إيقاف مسلسل القتل للمدنيين والنساء والأطفال ، فإن الخذلان قائم بل يمكن القول بأن المؤامرة مستمرة ..
وبالرغم من المظاهرات المليونية في عواصم العالم ، والأنشطة المنددة بالاحتلال والجرائم الصهيونية ، فإن مسلسل التخاذل والتآمر مستمر وإن كان متفاوتا بين شعب وآخر ودولة وأخرى ..
إن الحميّة القوية التي دفعت الشعوب إلى الخروج في المظاهرات .. تتطلب وجود حميّة داخلية للمقاطعة الحقيقية للسلع والبضائع والخدمات التي تقدمها الشركات التي تدعم العدو الصهيوني .. كما تتطلب وجود مؤسسات متابعة لهذه المقاطعة ، بحيث تكون مقاطعة مؤثرة ، يمكنها أن تحدث تغييرا أو تسهم في تخفيف الظلم الذي يتعرض له أهل غزة ..
أبدعت ماليزيا في مسألة المقاطعة حكومة وشعبا .. عندما قاطع الجميع كافة السلع الأمريكية والأوروبية التي تدعم الاحتلال .. ووضعت “ستكرات” أو طوابع في كافة أماكن البيع على كل سلعة مقاطعة .. وكتب عليها بأن جزءا من ثمن هذه السلعة سوف يذهب لقتل الأطفال في غزة ..كما أبدعت الحكومة بمنع السفن التي ترفع راية دولة الاحتلال من الرسو في موانئها .
إن من مصلحة الدول والحكومات العربية والإسلامية ، مقاطعة السلع التي تنتجها الشركات التي تدعم الصهاينة .. فمن أبرز فوائد مقاطعة السلع الأجنبية ، تخفيض المستوردات وبالتالي تخفيض الحاجة إلى العملات الصعبة ، وكذلك زيادة الاعتماد على الإنتاج الوطني بما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على النفس بما يزيد من تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي ..
إن الأرباح التي تجنيها الشركات الأجنبية تمثل نزيفا للعملات الصعبة الشحيحة غالبا في بلاد المسلمين ، ولذلك كانت المقاطعة إيقافا لهذا النزيف ، وزيادة للانتاج الوطني بما يؤدي في النهاية إلى زيادة التصدير وزيادة الوفورات في العملات الأجنبية ..
إن معظم دول العالم تمارس سياسات حمائية لإنتاجها الوطني ، وذلك من خلال فرض الرسوم الجمركية ..وبالرغم من وجود منظمة التجارة العالمية وانضمام معظم دول العالم إليها إلا أن السياسات الحمائية لا تزال مستمرة ، ولا تزال الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف تعمل بين كثير من الدول ..
إن من مصلحة شعوب وحكومات الدول العربية والإسلامية مقاطعة الدول التي تدعم الصهاينة مشاركة منها في دعم المظلومين في غزة ومحاولة لتخفيف الظلم والإجرام الذي يتعرضون له من جهة ، ومن جهة أخرى فإن في المقاطعة تقوية للاقتصاد المحلي وزيادة للانتاج الوطني والاكتفاء الذاتي وتعزيز للأمن الاقتصادي بكافة جوانبه ومن أبرزها الأمن الغذائي والصحي ..إضافة إلى زيادة التجارة البينية بين الدول العربية والإسلامية بما يؤدي إلى إعادة إحياء الأحلام العربية والإسلامية بوجود سوق عربية أو إسلامية مشتركة .