الصوم السياسي أ.د كمال حطاب
يطلق الصوم السياسي عند استخدام الصوم كسلاح ضد الظالمين أو الطغاة أو المحتلين ، وقد يأخذ شكل الإضراب عن الطعام ، كما يفعل الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني ، وقد يكون من خلال الامتناع عن استهلاك أو استيراد سلع المحتلين ، كما فعل غاندي في الهند ، فقد أعلن الصوم والمقاطعة لكل منتجات بريطانيا المحتلة للهند في ذلك الوقت .. واستمر هو وأتباعه في صومهم حتى تمكنوا من إخضاع المحتل لشروطهم وأجبروه على الرحيل .. وقد صام معه كافة فئات الشعب الهندي من هندوس ومسلمين وغيرهم .
ويستطيع المسلمون اليوم أن يوجهوا صومهم لطرد الصهاينة المحتلين ، ولوقف جريمة الإبادة الجارية في غزة ، ولكنهم بحاجة إلى تجميع كلمتهم في هذا الاتجاه ، من خلال المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرهم .. فليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يفطروا على منتجات شركات ودول تدعم المحتلين الصهاينة وتسهم في الإبادة الجماعية التي تجري في غزة وفلسطين ، وهذه تتطلب مؤسسات مقاطعة أشبه بحركة مقاطعة إسرائيل ((BDS أو حركة مقاطعة منتجات مستوطنات الاحتلال…
ليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يتسلوا في رمضان على مسلسات وأفلام يدعم منتجوها الصهاينة المعتدين المجرمين .. ليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يفطروا على موائد يدعم أصحابها الصهاينة والاحتلال من خلال تصدير المنتجات الغذائية وغيرها ..
إن المسلمين اليوم يشكلون قريبا من ربع سكان العالم ، وهذا يعني ربع مستوردات العالم من المواد الأساسية وغير الأساسية .. فهم يستوردون ما يقارب ربع انتاج العالم من الغذاء .. من القمح والأرز والشعير والذرة والسكر وكافة أنواع الطعام والشراب .. عدا عن الإنتاج الصناعي والزراعي ..وغيرها من المنتجات الترفية والكمالية ..
فإذا افترضنا أن المسلمين ملتزمون بشروط وأركان ومتطلبات الصيام الذي فرضه الله عز وجل في رمضان ، فمعنى ذلك أن ينخفض الاستهلاك ، وينخفض الاستيراد لكافة السلع الغذائية ، وحتى السلع الترويحية التي تحيط بها شبهات الحرمة كالأفلام والألعاب العقيمة وغيرها من أدوات المقامرة والعبث ..
إن خفض استهلاك ملياري مسلم تقريبا على مستوى العالم بمقدار الربع أو النصف سوف يؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير ، فماذا لو وجدت إرادة لدى المسلمين لوقف مستوردات أي دولة تعادي المسلمين أو تسهم في الاعتداء على المسلمين أو تدعم الصهاينة الذين يقومون بحرب إبادة ضد المسلمين ..لا شك أن ذلك سوف يكون له أثره القوي في التأثير على مواقف هذه الدول ، بحيث تعود عن غيها ودعمها للمعتدين ..
إن صيام رمضان مدرسة يتخرج منها المسلم وقد صقل إرادته وشحن عزيمته بالوقوف مع أمته ونصرة قضاياها ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .. إن صيام المسلمين هو إعادة ترتيب لأولوياتهم وقضاياهم وإعادة توجيه وبناء لعلاقاتهم مع الدول الأخرى التي تناصر المسلمين أو تعاديهم أو تناصر أعداءهم .
إن ما يجري في غزة من إجرام غير مسبوق في تاريخ البشر ، يتطلب من المسلمين ومن كافة أحرار العالم أن يبذلوا كل ما يستطيعونه من فعل أو ترك فعل ، وذلك من خلال الصوم أو المقاطعة لمنتجات كل من يدعم الصهاينة ، وهو مصرٌ على هذا الدعم رغم الجرائم الوحشية التي يرتكبونها يوميا .
إن كل قرش يدفع لشراء منتجات يدعم أصحابها الصهاينة يسهم في قتل الفلسطينيين ، لأن هذه القروش سوف تدفع ثمنا لأسلحة الجريمة والدمار ، فكم قتل المسلمون من الفلسطينيين ؟ وكم أسالوا من دمائهم ؟؟