عيد العمال … أ. د كمال حطاب
في أواخر السبعينات ، وحين كنا في نهاية المرحلة الثانوية ، اتجهت مع مجموعة من رفاقنا في المدرسة إلى مصفاة البترول بحثا عن عمل – كما جرت عادة الشباب في العطلة الصيفية في ذلك الوقت – ، وبالفعل حصلنا على عمل وتم قيدنا كموظفين رسميين ..
كانت مصفاة البترول في ذلك الوقت أشبه بالشركات الأجنبية في نظافتها ونظامها وتعاملها مع العمال والموظفين ، وكانت الإدارة فيها على درجة عالية من الرقي والمهنية والإنسانية ، ولما كنا طلبة مدارس فقد وزعونا في مصنع الزيوت التابع للمصفاة ، وأوكلوا إلينا سلسلة من الأعمال الخفيفة في الغالب .. كانت فترة الدوام تنقضي بسرعة ، وما أن تنطلق الصافرة مساء ، حتى يترك الجميع أعمالهم ويتجهون إلى الباصات والتي تنقل الموظفين إلى مساكنهم في الزرقاء غالبا ..
كانت مصفاة البترول في ذلك الوقت نموذجا للشركات المحترمة التي تتمتع بمهنية ومصداقية عالية جدا ، خاصة في تعاملها مع عمالها وموظفيها ، بما يمنحهم التقدير والحافز والتشجيع والمكافأة ، وبما يحافظ على حقوقهم الإنسانية كاملة .
اشتغلنا شهرا أو شهرين وعلى مدى سنتين في العطلة الصيفية وكانت من أمتع اللحظات في حياتنا في ذلك الوقت .. وقد تعلمنا فيها الكثير من دروس الحياة ، كان مدير المصنع يعاملنا كأبنائه ، ولما أخبرته بنيتي السفر لإكمال دراستي الجامعية ، فرح وشجعني على الدراسة ، وسهل لي معاملة الاستقالة ، وأذكر أنني لما توجهت إلى المقر الرئيسي في المصفاة في جبل عمان للحصول على بقية أتعابي وقد عملت قريبا من شهرين فوجئت ، بمضاعفة المبلغ ، فسألت عن ذلك ، فقالوا بأن لك نصيبا من الشهر الثالث عشر والرابع عشر .. ففرحت كثيرا ..
لست أدري إذا كان وضع العمال في مصفاة البترول وفي سائر المصانع والشركات الأردنية ، لا يزال بتلك الصورة الزاهية التي عشناها في السبعينات .. أم أن قسوة الحياة والظروف الاقتصادية التي تعيشها معظم دول العالم قد غيرت من طباع الناس وأخلاقهم ..
إن أكثر ما يسعد العمال ويشعرهم بالراحة والعزة والكرامة ، احترام إنسانيتهم ، وحفظ حقوقهم ، وعدم استغلالهم ، ولعل فكرة الربط القياسي للأجور بمستويات الأسعار هي الأكثر عدالة من أجل تجنب آثار التضخم .
إن مشكلات العمال تتطلب أن تتضافر الحكومات بكافة مؤسساتها ووزاراتها من أجل حلها ، إضافة إلى دور القطاع الخاص وكافة مؤسسات المجتمع المدني ..
فلا يكفي أن تقوم وزارة العمل بدورها أو وزارة التنمية الاجتماعية ، بل لا بد أن تقوم كافة الوزارات بدورها في الحل .. ابتداء من الأوقاف والشؤون الدينية وانتهاء بوزارات الشباب والرياضة والاقتصاد الرقمي والريادة ..
غتستطيع وزارة الأوقاف على سبيل المثال ، ومن خلال استثمار الأراضي الوقفية المعطلة من خلال مشروعات الـــــ ( B.O.T) ( بناء . تشغيل . نقل ملكية ) أو غيرها ، إيجاد فرص عمل لآلاف العمال ، إضافة إلى إسهامها في خدمة التنمية في المجتمع ..
وبنفس الطريقة يمكن لكافة الوزارات الإسهام في تحسين ظروف العمال ورفع المستوى المعيشي لهم بما يخفف من معاناتهم ويزيدهم عطاء وإنتاجية وانتماء ..
إن عيد العمال أو يوم العمال أو ذكرى العمال يعتبر فرصة طيبة من أجل الإحساس بالآخرين ومشاركتهم همومهم ومعاناتهم ومحاولة التخفيف عنهم ولو بالكلمة الطيبة وذلك أضعف الإيمان .
إن منح العمال يوم عطلة عالمي يتنفسون فيه الصعداء .. ويعلنون فيه تضامنهم مع بعضهم البعض .. هو أمر مفيد للعمال ، كما أنه مفيد لأرباب العمل ، فلا شك أن العامل سوف تزداد إنتاجيته ويتحسن أداؤه وتتجدد طاقاته عندما يشعر بالراحة النفسية في عمله .. وسوف يكون أقل إنتاجية عندما يشعر بأنه مظلوم أو مرهق في عمله ..