الهولوكوست ” الفلسطيني أ.د كمال حطاب”
الهولوكوست كلمة ألمانية ، من أقرب معانيها ” المحرقة الجماعية ” وقد احتكر الصهاينة استخدام هذا المصطلح ، وروجوا له ، وقاموا بتسويق مظلوميتهم من خلاله ، رغم أنهم يرتكبون اليوم مجازر جماعية ومحارق يومية بحق الشعب الفلسطيني دون أن يوقفهم أحد ، بل إن كثيرا من حكومات العالم لا تزال تدعمهم وتتأثر بمظلوميتهم ، وتروج لكذبهم وادعاءاتهم المعاصرة ، رغم وجود الكاميرات والبث الحي في كل مكان ..
كثيرا ما كنت أفكر وأتساءل لماذا قام هتلر بتنفيذ الهولوكوست ضد اليهود ؟ وبالرغم من وجود إجابات عديدة إلا أنها لم تكن مقنعة ، غير أن الكثير من الدهشة والاستغراب سوف تختفي اليوم عند كل من يتساءل أو يتعجب مما قام به هتلر .. فما يقوم به صهاينة اليهود اليوم في فلسطين وفي غزة بشكل خاص ، يصعب أن يتخيله أو يتصوره بشر .. فحجم الإجرام الذي يرتكب ، وحجم الغدر والكذب ، وحجم الدمار والإبادة الجارية في غزة ..كل ذلك يقود إلى توضيح الأسباب التي دفعت هتلر إلى القيام بما قام به .. فهؤلاء تفوقوا بإجرامهم على كل المجرمين الذين عرفوا في التاريخ الحديث والقديم وارتكبوا فظائع لم يرتكبها أحد من البشر ..
فلو بعث هتلر من جديد ، وتمكن من هؤلاء ، فلا شك أنه سيقوم بما قام به في ألمانيا ، ولربما تخلص منهم بأساليب أكثر وحشية ودموية ..
أن مسلسل الإجرام المستمر في غزة تحت مرأى العالم وسمعه لا يمكن التنبؤ بما سوف تكون عليه نهايته .. وبالرغم من أن تعاليم الإسلام السمحة لا تسمح ولا تبرر ولا تقبل ما فعله هتلر في الحرب العالمية .. إلا أن من يتعرضون للإبادة اليوم لا يمكن أن نتنبأ بما يمكن أن يقوم به بعضهم إذا ما ظفروا بالمجرمين وانتصروا عليهم .
إن الهولوكوست الفلسطيني أشد وأفظع من أي جرائم أو محارق تاريخية ، وهو يحدث أمام نظر العالم وسمعه على مدار اللحظة والساعة ومن خلال معظم شاشات التلفزة وفيديوهات اليوتيوب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ، ومع ذلك لا يتحرك أحد لوقفه ، رغم قدرة كثير من دول العالم على وقفه على الفور .. ورغم قدرة كثير من الدول العربية والإسلامية على وقفه .. ولكن يبدو أن معظمهم لا يتطلعون إلى تحقيق شرف هذه المهمة العظيمة ، أو نيل هذا المجد الرفيع أو صناعة التاريخ من جديد . قال تعالى ” وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ” ( التوبة ، 46 )
ولم يقف الأمر عند القعود وعدم التدخل من أجل وقف العدوان ، بل نجد كثيرا من صهاينة العرب والفلسطينيين يتواطؤن مع الصهاينة من أجل قتل الفلسطينيين وتجويعهم وحصارهم وهدم مستشفياتهم وقتل المرضى والأطباء والأطفال والنساء …
ومع ذلك فلا تزال المقاومة قوية صامدة ، تلحق الخسائر تلو الخسائر بجيش المعتدين الصهاينة ومن معهم من المرتزقة ، وكما وعدهم الناطق الرسمي باسم المقاومة ، إما أن تقتلوا أو تقعوا في الأسر أو تصابوا بعاهات دائمة جسدية ونفسية ..
إن من المتفق عليه في القانون الإنساني الدولي تقديم المجرمين للمحاكمة العادلة ، والحرص على معاقبة المجرمين .. ومع ذلك فإن قانون السماء لا يترك مجرما دون عقوبة ، ولعل من أبرز العقوبات التي ينالها هؤلاء المجرمون تلك الأمراض النفسية التي تلاحقهم ، والتي يعاني منها عشرات الآلاف من الجنود المشاركين في العدوان ، وتعج بهم المستشفيات الصهيونية ..
هذا بعض عقابهم في الدنيا ، ولا شك أن عقابهم في الآخرة سيكون أكبر وأعظم ، فهؤلاء المجرمون القتلة ، لم يقتلوا واحدا أو اثنين ، بل قتلوا البشرية جميعا ، قال تعالى ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ( المائدة ، 32 )