هل الاقتصاد الإسلامي إسلامي حقيقةً ؟ أ.د كمال حطاب
كثيرا ما يتردد هذا السؤال على ألسنة بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي ، وخاصة من كانت بحوثهم باللغة الإنجليزية ، وللإجابة على هذا السؤال لا بد من التفصيل : فإذا كان السؤال حول وجود مبادئ اقتصاد إسلامي ، فإنه مما لا شك فيه أن مبادئ الاقتصاد الإسلامي مبثوثة في القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرنا ، وهي تمثل الأصول ذات الموضوعات الاقتصادية في الكتاب والسنة .. أما إذا كان السؤال عن وجود نظرية اقتصادية إسلامية مبنية على قوانين ومعادلات ونماذج رياضية في الاقتصاد الإسلامي ، فهذه لا تزال تحت التشكيل ، فالعلوم لا تتشكل بين يوم وليلة وإنما قد تحتاج إلى عشرات بل مئات السنين والدليل على ذلك أن معظم العلوم الإسلامية تشكلت في القرن الثاني الهجري ..
أما إذا كان السؤال عن وجود سياسات اقتصادية إسلامية أو إجراءات حكومية في المجال الاقتصادي تتفق مع تعاليم الإسلام .. فلا شك أن السياسات الاقتصادية الإسلامية موجودة ، ولكنها تفتقر إلى التطبيق في مجتمعات المسلمين نظرا لعدم تبني معظم حكومات الدول الإسلامية لهذه السياسات ، وتبنيها بدلا من ذلك سياسات اقتصادية ومالية موصى بها من قبل صندوق النقد الدولي وغيره من المنظمات الدولية المهيمنة على الاقتصاد العالمي ..
ومن جهة أخرى فلعل من أبرز المؤشرات التي يمكن أن نقيس بها وجود الاقتصاد الإسلامي أو عدم وجوده في أي مجتمع هو سيادة مبادئ ” القوة ، والعدالة ، والكفاءة ، والتكافل والتراحم .. فإذا وجدت هذه المبادئ أو المؤشرات في أي مجتمع يمكن أن يطلق على المجتمع بأنه يطبق اقتصادا إسلاميا ، حتى ولو لم يكن أهله مسلمين .. وإذا لم توجد هذه المؤشرات ووجدت مؤشرات أخرى مثل الضعف والتبعية والظلم والاستبداد وضعف الإنتاجية وسوء استخدام الموارد ، فعندها يمكن أن يطلق على المجتمع بأنه يطبق اقتصادا متخلفا حتى ولو كان أهله مسلمين .. وتطبيقا لهذه القاعدة فإننا نجد أن بعض الدول الغربية أقرب في تطبيق الاقتصاد الإسلامي من كثير من الدول العربية والإسلامية .
والدليل على ما تقدم أن الإسلام أمر بالإعداد والقوة في قوله تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” كما أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي في قوله تعالى ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..” ، فإذا لم يلتزم المسلمون بهذه الأوامر الربانية ، فلا يصح أن يطلق على الأنظمة التي يطبقونها بأنها أنظمة إسلامية .
لقد كانت معظم الدول الغربية تكتسب أعلى درجات القوة ، وتطبق أعلى معايير العدالة ، وتعمل بأفضل درجات الكفاءة والإحسان، رغم انخفاض مستوى التكافل والتراحم ، ولذلك كانت في الحقيقة أقرب إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي ، بينما كانت معظم دولنا العربية والإسلامية في العقود القليلة الماضية تطبق الأنظمة الاشتراكية أو الرأسمالية وتفاخر بذلك كما تفاخر تارة بالانفتاح وحرية الأسواق ، وتارة بالتخطيط المركزي والقوى العاملة تارة أخرى ، فهي إما أن تكون تابعة للغرب أو الشرق ، إما أن تكون رأسمالية أو اشتراكية أو تجمع بينهما .. ولذلك لم تأخذ معظم دولنا العربية والإسلامية بأسباب القوة ولا أخذت بأسباب العدل والكفاءة ، بل مارست الظلم والاستبداد وأقصى درجات التبعية للغرب أو الشرق ..
وإذا ما ضيقنا دائرة السؤال إلى البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، فهل هي إسلامية حقيقةً ؟ فإذا ما طبقنا نفس المؤشرات السابقة ، فمن حيث القوة سوف نجد أنها مؤسسات تابعة للبنوك المركزية التي تتبع بشكل كامل للبنوك المركزية الغربية ، وبالتالي فإن هذه المؤسسات المالية الإسلامية وخلال أكثر من اربعين عاما من مسيرتها لم تستطع الخروج من فلك البنوك الربوية والنظام الاقتصادي والمالي الغربي ..
وكذلك من حيث العدالة نرى أن هذه المؤسسات تسهم في زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا ، باعترافات كثيرين من أصحاب المصارف الإسلامية والمناصرين لها ..
أما من حيث الكفاءة والاستخدام الأمثل فهي تطبق الأنظمة الغربية ومعايير بازل وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات المالية الدولية ، وربما تكون متفوقة في هذا المجال ..
وبالرغم من وجود هيئات رقابة شرعية داخلية وتدقيق شرعي داخلي وخارجي وحوكمة إسلامية وإفصاح إسلامي .. إلخ فإن الدور الذي تقوم به هذه الهيئات هو دور شكلي مكمل للعملية ، ولا يستطيع أن يحدث تغييرا جذريا في العملية المصرفية ..
إن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وكافة الأجهزة التابعة أو الداعمة للاقتصاد الإسلامي ما دامت موجودة في بيئات ضعيفة متخلفة ، فإنه يصعب أن تكون إسلامية حقيقة بالمعنى الذي قدمناه ، أما إذا وجدت في بيئات ومجتمعات وفي ظل قوانين تطبق العدالة والكفاءة والإحسان بقوة وحزم ، فإنها يمكن أن تكون إسلامية ، حتى لو كانت تلك البيئات غير مسلمة .
ويبدو أن كل فرع من فروع الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يطرح عليه نفس السؤال ، هل التمويل والتأمين التكافلي والوقف والصكوك الإسلامية إسلامية في الحقيقة ؟ أم أنها من مخرجات الأنظمة القائمة والتابعة للدول الغربية ؟ .. ولا شك أن الإجابة السابقة تنطبق على هذه الفروع أيضا .