المركز الأخلاقي لأمريكا أ.د كمال حطاب
من يزور أمريكا بمختلف ولاياتها ، ويتعامل مع الشعب الأمريكي في معظم فئاته ، يجد ذوقا عاليا ، وأدبا رفيعا ، وحساسية اجتماعية ، وحرصا على الضيوف والزوار بشكل غير عادي .. ومما يؤكد على هذه الخصائص تعاطف معظم الشعب الأمريكي مع القضية الفلسطينية .. والذي تدل عليه استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن 58% ممن استطلعت أراؤهم يؤيدون زوال إسرائيل وإعادة فلسطين إلى الشعب الفلسطيني .. كما تدل عليه المظاهرات الطلابية في أكثر من 57 جامعة أمريكية دعما للفلسطينيين ورفضا للاحتلال والإبادة الجماعية ، ورفضا لسياسات الإدارة الأمريكية الداعمة للصهاينة .
وفي المقابل فإن من يسمع تصريحات بايدن وموقف الإدارة الأمريكية المتصهينة يظن أنه رئيس لدولة أخرى تحكم شعبا غير الشعب الأمريكي .. فما سر هذه التناقضات ؟ وما سر هذا الموقف غير الأخلاقي للإدارة الأمريكية ؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية محكومة من قبل لوبيات وتيارات دخيلة على الشعب الأمريكي ، وخاصة اللوبي الصهيوني آيباك ، فمنذ السابع من أكتوبر هرع بايدن إلى نجدة نتنياهو وحكومة الاحتلال الصهيوني مصرحا بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة ، وبأنه يؤيد ما يقوم به الصهاينة ، ويدعمهم الدعم الكامل ، غير أنه ومع تعاظم الجرائم الصهيونية ، وتعاظم الاحتجاجات ضده، خلال سبعة شهور ، أخذ يتراجع قليلا ، وصدرت منه تصريحات أقل وحشية ودموية ، وأنه يخشى من تدهور المركز الأخلاقي لأمريكا .. ولذلك لا بد تقليل أعداد الضحايا من المدنيين ، من أجل المحافظة على المركز الأخلاقي لأمريكا .. أي مركز أخلاقي هذا الذي يريد أن يحافظ عليه بعد تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين ؟ وإذا لم تكن المشاركة في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني تدهورا للمركز الأخلاقي للولايات المتحدة ، فما هو التدهور في المركز الأخلاقي ؟
وإذا لم تكن مخالفة القوانين والمواثيق الدولية خروجا عن القيم والأخلاق ، فما هو المركز الأخلاقي الذي يريد بايدن أن يحافظ عليه ؟
، ومع حرصه على المركز الأخلاقي لأمريكا ، فقد استمر بايدن يدعم الصهاينة بالسلاح والمال والبوارج والطائرات والخبراء والجنود وكل أشكال الدعم .. إلى أن اقتحموا معبر رفح .. عندها أعلن عن تعليق شحنة من القنابل الضخمة المتجهة إلى دولة الاحتلال ، وبرر ذلك بأن إسرائيل تستخدم هذه الأسلحة في قتل المدنيين ، وكان أول اعتراف له بالمشاركة في الجريمة وفي دعم الإجرام الصهيوني .
مما لا شك فيه أن اللوبي الصهيوني في أمريكا لا يزال يتحكم في الإدارة الأمريكية ، وفي الكونغرس الأمريكي كما ذكر بول فيندلي عضو الكونغرس الأمريكي الأسبق في كتابه ” من يجرؤ على الكلام ” ومن رأى أو سمع كلمات بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي في تأييدهم لإسرائيل فإنه سيصدم من حجم الأكاذيب التي نطقوا بها رغم افتضاح هذه الأكاذيب عالميا ورغم صدور تقارير من الاحتلال نفسه بنفي هذه الأكاذيب .. إن هؤلاء يكذبون ويكذبون ، ويشوهون صورة أمريكا التي غدت في الحضيض ..
وبعد صدور قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالمطالبة بإصدار مذكرات اعتقال بحق أكابر مجرمي الصهاينة ، تحولت دولة الاحتلال إلى دولة منبوذة ، أو دولة مصابة بالجرب على حد تعبير بعض الصهاينة .. وإذا استمرت الإدارة الأمريكية في دعم الصهاينة فسوف تتحول إلى دولة مصابة بالجرب والجذام والإيدز وكافة الأمراض التي سوف تؤدي إلى سقوطها وانحطاطها .
إن الأمل الوحيد لإنقاذ المركز الأخلاقي لأمريكا من هذه الأمراض هو أن ينجح الحراك الطلابي في الجامعات في إيقاف الدعم المقدم إلى دولة الصهاينة ، كما نجحوا في الحصول على تعهدات من جامعاتهم بوقف هذا الدعم .. فإذا ما استمر هذا الحراك وانضم إليه المعتدلون والمنصفون عندها يمكن أن يحسنوا من المركز الأخلاقي لأمريكا ، وإلا فإنها ساقطة ساقطة في حضيض الحضيض .
إن الحراك الطلابي هو دائما المؤشر الحقيقي لحياة ونبض الشعوب ، فإذا كان هذا الحراك حيا متدفقا صلبا .. داعما للحق ، فعندها يمكن القول بأن الشعوب لا تزال بخير .. وأنها يمكن أن تنقذ الدولة من السقوط .