ندوة البركة 44 أ.د كمال حطاب
دعيت للمشاركة في مؤتمر منتدى البركة 44 تحت عنوان ” مقاصد الشريعة .. الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي ” والذي عقد في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتناولت محاور المؤتمر كيفية تفعيل مقاصد الشريعة في المصرفية الإسلامية ، ودار حوار علمي مهني مفيد بين المشاركين .. وكان الهدف الأبرز من معظم الجلسات هو البحث عن أفضل الطرق والأدوات التي يمكن من خلالها التيسير على الناس وتخفيف حدة التفاوت وزيادة العدالة الاجتماعية ومكافحة التحايل والإذعان والصورية في العقود بما يزيد من العدل والرحمة والتكافل بين المسلمين ..
شارك في المؤتمر وفود من دول إسلامية عديدة ، من أندونيسيا وماليزيا وتركيا والجزائر وتونس والمغرب ومعظم الدول العربية وبعض الدول الغربية .. كما شارك بعض الباحثين من الأردن وفلسطين .. إلخ
تحاورت مع بعض أعضاء وفد فلسطين ، وعرفت منهم بأن البنوك الإسلامية في فلسطين تتعامل بصيغ السلم والاستصناع بنسب كبيرة ، وكذلك المشاركة والمرابحة والإجارة ، وهذا أمر إيجابي يدل على تميز والتزام أكبر ، ولا يتعدى التورق المنظم لديهم سوى 6% ، يتعاملون بها مضطرين لأغراض تمويل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بعد أن قطع الاحتلال رواتبهم .. وسمعت منهم أفكارا متقدمة حول تفعيل دور المصرفية الإسلامية في تحقيق مقاصد الشريعة .. مما يؤهلهم لتقديم تجربة أكثر التزاما بالمقاصد الشرعية ..
عقبت على بعض الأوراق المطروحة في مجال استخدام التمويل متناهي الصغر في تفعيل المقاصد الشرعية ، بأن أية أداة أو صيغة يمكنها تفعيل المقاصد الشرعية في التطبيق مرحب بها ومحل نظر واعتبار ، فمما لا شك فيه أن التمويل متناهي الصغر ساعد الملايين وعشرات الملايين في بنغلاديش وباكستان وغيرها من الدول ، من خلال بنك غرامين ومؤسسات أخرى .. غير أن ما يؤخذ على هذه التجارب أنها كانت تقوم على الإقراض بفوائد ربوية ، رغم ضآلة هذه الفوائد .. وبالتالي فهي مرفوضة حتى لو أسهمت في مساعدة المحتاجين ، لأن ما بني على باطل فهو باطل ، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ..
عقب على كلامي أحد الحاضرين بأنني أدعو إلى تحويل البنوك الإسلامية إلى جمعيات خيرية ، وبالتالي كيف للمستثمرين فيها أن يحصلوا على الأرباح ؟
وأجبت بأنني لا أدعو بهذه الدعوة ، وإنما أدعو إلى تخفيف نسب الربح لمراعاة أحوال الناس وأوضاعهم الاقتصادية المتدهورة في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض العملة وارتفاع أسعار الفائدة ، انسجاما مع عنوان الندوة ، وعملا بوصايا الشيخ المؤسس صالح كامل رحمه الله .. وضربت مثلا في التيسير على الناس بما قام به البنك الإسلامي الأردني والذي لم يرفع الأقساط على المتمولين بالمرابحة أو الإجارة المنتهية بالتمليك أو غيرهم من المتعاملين معه بخلاف معظم البنوك الإسلامية الأخرى والتي ربطت معدلات الأرباح بسعر الفائدة المتغير وبالتالي زادت الأقساط عدة مرات في السنتين الماضيتين ، مع ما في ذلك من إرهاق ومعاناة على الناس ..
ثم إن تخفيف نسب الأرباح يمكن أن يكون عند تمويل الفقراء ومحدودي الدخل ، ولا مانع من زيادة هذه النسب عند تمويله الأغنياء وكبار الملاك .. ومن جهة أخرى فإن تخفيض الأرباح الموزعة يمكن أن يطبق على أرباح المالكين والمؤسسين وليس المستثمرين..
إن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى أفكار إبداعية وإلى جهود خارقة للعادة من أجل التيسير على الناس ، ورفع الحرج عنهم ، خاصة محدودي الدخل والفئات الضعيفة .