الفجوات البحثية في الاقتصاد الإسلامي أ.د كمال حطاب
ا
يعاني الأدب الاقتصادي الإسلامي من فجوات بحثية عديدة .. ولعل من أبرز هذه الفجوات .. الفجوة التطبيقية .. فبالرغم من وجود آلاف وعشرات الآلاف من الكتابات والبحوث والرسائل الجامعية .. إلا أن ما يطبق منها عمليا أو على مستوى الدول والحكومات هو قليل جدا وربما هو نادر .. وحتى في الدول التي ترفع شعار الاقتصاد الإسلامي.. لا يزال سعر الفائدة هو المؤشر الأول اقتصاديا وماليا .. ولا تزال هذه الدول والحكومات تابعة للنظام المالي الغربي من حيث الاقتراض من خلال السندات المحلية أو الدولية ، ووجود أقسام في البنوك المركزية لإدارة الدين العام عن طريق السداد أو جدولة الديون أو التمكين للدائنين بالحصول على ثروات وموارد الدول المدينة من خلال الخصخصة أو البيع المباشر أو غير ذلك من أساليب باتت واضحة مكشوفة في ظل الشفافية الدولية وسياسات النهب الدولي .
إذن هل يمكن القول بأن الفجوة في الجانب التطبيقي مقصودة أو هي بسبب التبعية وعدم القدرة على التخلص من الارتباطات الدولية أم عدم وجود حلول اقتصادية إسلامية لتوفير بدائل للقروض الدولية وبدائل لإدارة الدين العام الموجود في مختلف دول العالم أم إن معظم الموجودين في مواقع المسؤولية في الدول الإسلامية هم خريجو جامعات غربية وبالتالي هم مقتنعون تماما بأنه لا توجد طرق أخرى لإدارة الاقتصادات المعاصرة سوى اقتصاد السوق الرأسمالي ، وربما هم مقتنعون كذلك بما قاله فوكوياما حول ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” وأن النظام الرأسمالي هو النظام الحتمي الوحيد الذي يصلح للبشرية ..
وربما يوجد في مواقع المسؤولية من لديه العاطفة الإسلامية القوية ولكنه مكبل بقيود وطغيان النظام المالي العالمي وبالتالي لا يستطيع التخلص من هذه القيود ..
ويبدو أنه لا مجال للتخلص من هذه القيود إلا من خلال وجود اتحاد مدفوعات إسلامي ، وغرف مقاصة إسلامية ومجمع احتياطي إسلامي وغيرها من أدوات تحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية التي يمكن أن تحقق الاستقلال الاقتصادي للدول والشعوب الإسلامية .
إن هذه الأدوات والأجهزة باتت معروفة في أدبيات التكامل الاقتصادي والنقدي ، كما أنها مجربة من خلال دول الاتحاد الأوروبي ، فقبل الوصول إلى مرحلة الاتحاد .. جربوا اتحاد المدفوعات وغرف المقاصة وغيرها من مراحل الوصول إلى الوحدة الأوروبية .. إلى أن وصلوا إلى إصدار العملة الواحدة والبنك المركزي الموحد .. وقبل ذلك كله لا بد من وجود إرادة سياسية على مستوى القادة أو حتى إرادة فنية على مستوى الوكلاء والأمناء من أجل تذليل الصعوبات الفنية وإعداد مشروعات التكامل وتجهيزها للتطبيق الفوري .
ومن جهة أخرى فإن معظم الأدب النظري الاقتصادي الإسلامي موجه باتجاه فقه المعاملات المالية الإسلامية والبنوك الإسلامية .. وهذه فجوة بحثية مهمة ينبغي التركيز عليها من أجل وضع الحلول لمعالجتها .. وبالرغم من أهمية قطاع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، إلا أن القطاع الحكومي والعلاقات الاقتصادية والمالية الدولية ربما تكون أهم وأكثر أولوية .. ومع ذلك تندر البحوث والكتابات العملية في هذا الجانب .. وكأن الباحثين يائسون من إمكانية إيجاد علاقات مالية دولية عادلة وعلى أساس النظام الاقتصادي والمالي الإسلامي ..
ولعل كتابات شابرا حول النظام النقدي العادل وكذلك حول التحدي الاقتصادي ومستقبل علم الاقتصاد الإسلامي تشكل نواة للدراسات التطبيقية التي يمكن البناء عليها من أجل تيسير تطبيقها في المجتمعات الإسلامية بما يؤدي إلى تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي المتمثلة في زيادة الكفاءة والعدالة والنمو والتكافل وتقليل حدة التفاوت وتحقيق معدلات عالية من الرفاهية للجميع ..
إن وجود الفجوات البحثية في الاقتصاد الإسلامي واستمراريتها هي مؤشر مهم على حالة الضياع والفوضى البحثية التي تمر بها أقسام الاقتصاد الإسلامي في الجامعات .. وإن جسر هذه الفجوات تتطلب جهودا كبيرة من الأقسام من أجل محاولة الخروج من هذه الأزمة من خلال تنسيق الخطط والمشروعات البحثية وتضافر الجهود البحثية وتوحيد الحلول والمعالجات للأزمات والمشكلات البحثية .. إلخ .