اقتصاديات غزة .. أ.د كمال حطاب
مما لا شك فيه أن الموارد البشرية أو رأس المال البشري هو أعظم الموارد وأهمها على الإطلاق ، فمن دونه لا قيمة لرأس المال المادي أو الثروات الطبيعية أو أي شيء آخر .. ومما لا شك فيه أيضا أن غزة تضم موارد بشرية متميزة ذات إمكانات وقدرات وتضحيات وطاقات بشرية لا نهائية ، كما تمتلك طاقات وقدرات على المقاومة والصمود والتحدي والعطاء لا مثيل لها في أي مكان آخر من هذا العالم ، كما تضم غزة سواحل أو شواطيء وصفها جاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب ومستشاره السابق بأنها قيّمة للغاية- ، واقترح أن ينقل شعب غزة إلى النقب من أجل أن تقوم دولة الاحتلال باستثمار هذه الأراضي .. إنها نظرات اقتصادية عنصرية إجرامية بغيضة ..
ومن جهة أخرى فإن خبراء التنمية يعتبرون التصنيع بشكل عام والتصنيع العسكري من أهم القطاعات التي يمكن أن تقود عملية التنمية ، وقد شهد العالم على أن المقاومة في غزة قد أثبتت ومن خلال صناعاتها العسكرية أنها قادرة على مقاومة الترسانة العسكرية الصهيونية رغم الإمداد المتواصل بكافة أشكال الأسلحة والعتاد والذخيرة والأساطيل الحربية من مختلف دول العالم .. ورغم الحصار المحكم من العدو والصديق الذي استمر على غزة أكثر من سبعة عشر عاما .. ومما لا شك فيه أن غزة لو تركت دون حصار لكان حجم التصنيع أكبر وأكثر تنوعا ..
إن أهل الاقتصاد يقيسون التقدم الاقتصادي بحجم الناتج المحلي الإجمالي وكمية السلع والخدمات المنتجة وعدد السكان .. وسرعة تدفق المنتجات في نهر الإنتاج أو سرعة دوران النقود إلخ ، ولم يخطر ببال أهل الاقتصاد بأنه من الممكن أن يقاس التقدم بعدد الشهداء الذين ارتقوا ، وسرعة تدفق نهر الدماء النازف في غزة .. إن دماء أي شهيد من الشهداء قادرة على إحياء أمة ، فما بالك بدماء أربعين ألف شهيد ومئات آلاف الجرحى والمصابين ، إن هذه الدماء لا يمكن أن تقاس بالقيم المادية ، إنها تمثل المدد الإلهي الذي لا ينضب ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ، إن دماء الشهداء تولد مقادير لا نهائية من العزة والكرامة والصبر والصمود والتحدي والانتقام والحرية والانتصار .. وكل هذه القيم لا حدود لها إلا بخروج المحتل وتحقيق النصر .
ضمت غزة آلاف وعشرات آلاف المبدعين من أكاديميين وصناعيين وفنانين وأطباء ومهندسين ومتخصصين في الفلك ومن العاملين في ناسا ومختلف مراكز البحث العالمية والمستشفيات الكبرى في العالم .. إضافة إلى القادة السياسيين والعسكريين الذين قاموا بالمعجزات في مقاومة محتل بغيض رابض على أرض فلسطين ، فأذاقوه من الهزائم في عشرة شهور ما لم يذقه في سبعين سنة .
إن الاقتصاد يقاس بالإنتاج والاستهلاك والتداول والتوزيع وغيرها من المتغيرات الاقتصادية التي لا تزال تعمل في غزة رغم الجوع والحصار والألم والمعاناة ، فلا نزال نرى الأسواق تعمل ، ولا يزال الشعب الغزي راغبا في الحياة مؤملا بها ، تحت القصف والنار والعدوان المستمر .. لا يزال الغزي يحلم بحياة كريمة عزيزة فوق أرضه وترابه وركام بيته .. وإن لم يتحقق له هذا الحلم فشهادة لائقة ترفعه عند الله ليعيش حياة كريمة ” مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ” ..
إن اصطفاء الشهداء هو مرتبة عظيمة ومرحلة مهمة من مراحل البناء والتقدم وإن غزة بشهدائها وجرحاها ودمارها ستكون دافعة وقائدة للأمة نحو التحرير والكرامة والعزة والنهوض والتقدم .