حرية التعبير كأحد معايير التصنيف الأكاديمي للجامعات أ.د كمال حطاب
يلاحظ في الآونة الأخيرة أن معظم الجامعات الأعلى تصنيفا أكاديميا على مستوى العالم مثل هارفارد وإم آي تي وبرينستون وييل وكولومبيا وأكسفورد وكامبريج وتورنتو .. وقفت مع غزة ضد الصهاينة ، من خلال اعتصامات الطلبة .. والمظاهرات المستمرة في هذه الجامعات .. والمطالبة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، ووقف الدعم العسكري لدولة الاحتلال ، ووقف الاستثمارات في الشركات التي تدعم الاحتلال .
ولا شك أن في ذلك إشارة واضحة على أن الجامعات الأكثر تفوقا هي الأكثر إحساسا وشعورا بمشكلات العالم ومعاناة البشرية وهي الأكثر تمسكا بالقيم الإنسانية .. خاصة في الوقت الحاضر الذي تذبح فيه الحرية والعدالة وسائر القيم الإنسانية .. وتمارس فيه الإبادة الجماعية وصناعة الجوع والمجاعة على مرأى العالم وسمعه ومن خلال البث المباشر ..
إن اعتصامات الطلبة في معظم جامعات العالم الأعلى تصنيفا هو دليل قوي على أن طلبة الجامعات هم نبض الأمة وضميرها الحي في كل مجتمع .. وإذا لم يستطع السياسيون والدبلوماسيون أن يقفوا مع الحق فإن الطلبة وخاصة في الجامعات الأكثر تقدما والأعلى تصنيفا يستطيعون ذلك .. وقد استطاعوا وعلى مدى اثنين وعشرين شهرا من استمرار الإبادة والقتل الجماعي أن يلفتوا أنظار العالم إلى هذه الجريمة الوحشية التي ترتكب بحق البشرية جميعا في غزة ..
إن أهمية الجامعات تقاس بمقدار إسهامها الحضاري في خدمة البشرية .. ولا يوجد ما هو أهم وأكبر من المحافظة على حياة البشر ووقف جرائم الإبادة الجماعية حيثما كانت .. وعندما تكون الجامعات محدودة منغلقة على نفسها .. تمجد الظلم الظالمين وتمارس قمع الحريات والآراء الحرة فإنها لن تكون متقدمة .. ولو أنها حازت أعلى درجات التصنيف..
فالتصنيف الأكاديمي لا يساوي شيئا إذا افتقد قيم الحرية والعدالة ونصرة الحق والوقوف مع المظلوم ضد الظالمين ..
إن الجامعات لا خير فيها إن لم تكن واجهة للحق والخير ونصرة المظلوم ودفع الظالم .. ولا خير فيها إن لم تسمح لطلبتها وأساتذتها بالتعبير عن آرائهم وممارسة حقوقهم القانونية بكل حرية ..
إن سعي معظم الجامعات في الدول العربية والإسلامية وسباقها من أجل رفع التصنيف الأكاديمي لها يحتم عليها إتاحة المزيد من الحريات للطلبة من أجل تمثيل قضايا الأمة والإنسانية وأداء دورهم في حماية وصيانة القيم الإنسانية .
إن حصول الجامعات الأمريكية على أعلى درجات التصنيف الأكاديمي لم يمنعها من السماح للطلبة بإبداء آرائهم والاحتجاج والتظاهر من أجل التأثير على سلوكيات الجامعات في دعمها لدولة الاحتلال التي تمارس الإبادة الجماعية .. وإن مكانة هذه الجامعات لم تهتز عندما غيرت سلوكياتها وتراجعت عن دعم مشروعات بحثية مع دولة الاحتلال من أجل وقف مسلسل القتل المستمر .
إن مستوى الطلبة وتفوقهم لا يتوقف على التحصيل الأكاديمي والتقدم في البحث العلمي فحسب بل من خلال بناء أجيال حرة ناضحة لديها الثقة الكاملة في قدرتها على الإسهام الكبير في التقدم والنهضة والتحرير .
تقيس معايير التصنيف الأكاديمية العالمية سمعة الجامعة وذلك من خلال استقصاء آراء الخبراء في مختلف دول العالم ، ومما لا شك فيه أن حرية الطلبة في التعبير عن آرائهم ضد الظلم والظالمين هو من أبرز المؤشرات على رفع سمعة الجامعة وبالتالي ارتفاع تصنيفها الأكاديمي .
ويبقى معيار حرية التعبير والوقوف ضد الإبادة الجماعية التي تمارس في غزة هو المعيار الأقوى حاليا ، والأكثر تأثيرا على سمعة الجامعة وبالتالي استحقاقها التصنيف الأكاديمي الأعلى .