غزة .. تُغير التاريخ أ.د كمال حطاب
تغير التاريخ بعد حطين وهزم الصليبيون وانتهى حكمهم في بلاد المسلمين ، وتغير التاريخ بعد عين جالوت وهزم المغول وانتهى احتلالهم لبلاد المسلمين .. ولا بد أن يتغير التاريخ بعد غزة ويهزم الصهاينة .. ويزول الاحتلال ..
إن المزيد من الإعداد والبناء والتضحية والصمود والتحدي والإرادة .. يمكن أن تحرك الجبال وتغير التاريخ وتعيد كتابته من جديد ..
إن الأمثلة والنماذج التي قدمتها غزة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه .. فإذا كان للتضحية والعطاء والإيثار والشجاعة والإقدام والبطولة والصبر والصمود والاحتساب والحلم والثبات .. من نماذج فسوف نجد في غزة عشرات الآلاف من الأمثلة والنماذج التي تستحق أن تسطر وتروى للأجيال وللبشرية ..
إن الدروس المستفادة من أهل غزة سوف تبقى تدرس في كتب التاريخ وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل .. كمصادر للعزة والمجد والفخر والصمود والتحدي وتحقيق النصر ودحر المحتلين ..
إن هذا الصمود الأسطوري رغم القتل والتجويع والدمار الشامل هو الذي سوف يغير التاريخ ويحقق النصر ويكون بداية الهزيمة والأفول لدولة الاحتلال ..
إن التاريخ لا يتغير لأمة رضيت بالذل والهوان والقعود والتبعية .. وإنما يتغير للأمم الأكثر قوة وعزيمة وثباتا وتضحية واستقلالية واعتزازا بمبادئها وحفظا لأمجادها وتاريخها ..
ماذا بقي لأهل غزة لكي يقدموه .. ومن خلاله يتحقق النصر .. وينهزم الاحتلال ومن وراءه .. ما الذي يمكنهم أن يفعلوه أكثر مما فعلوا ؟ كيف سيغيرون التاريخ حقيقة ..
إن معظم أهل غزة يحفظون الآيات والأحاديث التي وردت في الشهادة والشهداء، ويطبقونها عمليا .. في كل لحظة وفي كل ساعة .. ويتعايشون معها بقلوبهم وأرواحهم .. فتختلط لديهم رائحة الموت برائحة الجنة ، ورائحة دماء الشهداء بريح المسك والعنبر ..
في غزة سجل التاريخ أعلى درجات البطولة من المسافة صفر .. كما سجل أعلى درجات التضحية والعطاء والإيثار .. وأعلى درجات الصدق والمصداقية والوفاء .. فمن تعهد بتحرير الأسرى أوفى بعهده وأخرج عشرات ومئات الأسرى ممن كان لديهم المؤبدات .. وفوق ذلك قدم روحه ودمه فداء لهم .. وعرف العالم من يحترم عهده وميثاقه ممن يخون العهد وينكث العهد ولا يرقب في بشر ولا حجر إلا ولا ذمة ..
في غزة تصنع التضحية والإيثار ويتقاسم الناس أفراحهم وأحزانهم مع سيل الدم النازف .. يتقاسمون البسمة كما يتقاسمون اللقمة وقطرة الماء .. يتقاسمون الأكفان كما يتقاسمون الأحزان وتختلط دموع الفرح بدموع الوداع ولوعة الاشتياق بمرارة الفقد ..
في غزة للموت والحياة طعم آخر .. طعم بلون الدم ورائحة المسك .. بمذاق الشهادة وفرح الشهادة وزغاريد أمهات الشهداء .. ويتعانق الشهداء العظام مع من سبقهم من الشهداء ” مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ” ..
هذه المعاني .. والقيم الأصيلة .. ومخرجات عامين من الصمود الأسطوري .. والإصرار على الاستمرار في الصمود والتحدي هي التي سوف تدحر الاحتلال وتحقق النصر .. فحجارة غزة وصخورها وأنفاقها سوف تبتلع المحتل وأعوانه ولن يجدوا لهم مخرجا سوى الهزيمة والاندحار والتبار ..




