.. الاقتصاد الجزئي والكلي والاقتصاد الإسلامي .. أ.د كمال حطاب
أ.د كمال حطاب
أثناء رئاستي لقسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية في جامعة اليرموك قبل عشرين عاما ، كان يأتيني بعض طلبة الدراسات العليا مطالبين بإعفائهم من مواد الاقتصاد الجزئي والكلي والرياضي ، وكانت هذه المواد عبارة عن مواد استدراكية يدرسونها في ذلك الوقت في كلية الاقتصاد .. وكان البعض منهم يقول بأنهم لا يفهمون شيئا من هذه المواد ، وكنت أستغرب ذلك منهم ، فأنا أعرف هذه المواد ، وقد درستها طالبا ، ودرّستها أستاذا في عدد من الجامعات ، ولم أجد هذه الشكوى من قبل .. ولذلك كنت أشجع طلابي بكافة الوسائل التشجيعية من أجل أن يكملوا دراسة هذه المواد ، وخاصة أنها مصادق عليها في الخطة الدراسية .
وقد بحثت في سر هذه الشكوى والصعوبة التي يواجهها الطلبة من هذه المواد ، فوجدت أنها تعود إلى الخلفية الدراسية للطالب ، فإذا كان قد درس الرياضيات والإحصاء من قبل فسوف تكون سهلة ، وإلا فإنه سيجدها في غاية الصعوبة ، نظرا لارتباط هذه المواد بالرياضيات والإحصاء ، بالرغم من أن مسائل الرياضيات الملحقة بعلم الاقتصاد الجزئي بشكل خاص لا تتعدى بعض التحليلات البيانية والمعادلات الرياضية البسيطة وقوانين المنفعة والمستهلك والمنتج ودوال الإنتاج والتكاليف .. إلخ
وعندما ظهرت البرامج الأولى في الاقتصاد الإسلامي في الجامعات ، وأدرجت مواد الاقتصاد الإسلامي الجزئي والكلي فيها ، وجدنا صعوبة وغموضا لدى الطلبة الذين لم يدرسوا الرياضيات والإحصاء من قبل .. وكذلك لدى الأساتذة الذين لم يتقنوا هذه العلوم من قبل ، فقاموا بتدريس هذه المواد بأساليب وأدوات غامضة ، فانعكس هذا الغموض وهذه الصعوبة على الطلبة الذين أخذوا يظهرون آهاتهم وآلامهم نتيجة هذا الوضع .
في الحقيقة لا يوجد علم صعب وعلم سهل ، فالعلوم كلها سهلة لمن تعلمها بشكل صحيح ومنهجية سليمة وأصول علمية منطقية ، أما إذا كان العلم غامضا فقد يعود إلى عدم الإلمام بأصوله ومبادئه ، نظرا لغموضه عند من كتبوا فيه ، وقد يكون الغموض لديهم نظرا لعدم إحاطتهم بالمدخلات الصحيحة للعلم ، وفي حالة الاقتصاد ، لا بد من الإحاطة بالرياضيات والإحصاء ، ومن لم يتقن هذه العلوم فلا بد أن يكون الاقتصاد لديهم صعبا وغامضا ، خاصة الاقتصاد الجزئي والكلي والرياضي ..
إن مواد الاقتصاد الجزئي والكلي والرياضي والقياسي من العلوم النافعة التي تزيد في فهم وتحليل أسباب الظواهر والمتغيرات الاقتصادية ، وبالتالي تسهم في وضع الحلول للمشكلات والأزمات الاقتصادية ، ولذلك توجد حاجة ماسة لهذه المواد من أجل تشخيص المشكلات الاقتصادية ووضع الحلول والعلاجات المناسبة لها، إضافة إلى التنبؤ بالحلول والعلاجات لما يمكن أن يظهر من مشكلات اقتصادية . وربما يمكن الاستغناء عن هذه المواد في حالة واحدة وهي وجود مواد أكثر تطورا وشمولا ، كمواد الذكاء الاصطناعي والبرمجة اللغوية والاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية وغيرها من المواد العصرية التي أصبح الإلمام بها ضروريا في معظم العلوم .




