عودة إلى الصفحة الرئيسية
22 December 2020
تبرعات المشاهير لن تنقذ العالم
أ.د كمال توفيق حطاب
في كتابه ” الفائزون يأخذون كل شيء .. ” والذي كان من أكثر الكتب مبيعا في عام 2019 ، شرح المؤلف الأمريكي غيريد هارداس كيف يتحول العمل الخيري الذي يقوم به أصحاب المليارات في العالم لخدمة مصالحهم ، وكيف يستخدمون ثرواتهم للحفاظ على الأنظمة التي تركز الثروة بيد القلة ، على حساب بقية المجتمع .
فهم يستطيعون التهرب القانوني من الضرائب من خلال التبرعات لمؤسساتهم الخيرية التي يديرونها ويستفيدون منها في كل شيء ، كما يمكنهم التأثير في صناعة القوانين أكثر من قدرة المشرعين أنفسهم على ذلك .
ومن خلال التأثير في القوانين يستطيعون الحصول على إعفاءات ضريبية ، كما يتمكنون من الاستحواذ على مراكز القوة في البلاد من خلال حصولهم أو من يمثلهم على أهم المناصب الحساسة ..
ومن جهة أخرى فإن معظم أصحاب المليارات ومن خلال تبرعاتهم الإعلامية للجامعات والمستشفيات يشبعون غرائزهم التي تتطلب تخليد أسمائهم في صحائف الشرف وتمجيد ذواتهم ضمن صناع التاريخ لأممهم .
ولكن هذه التبرعات الاستعراضية لا تنقذ العالم من المجاعات ولا تسهم في حل المشكلات الأساسية التي تتعرض لها مناطق عديدة في العالم .
كنت قد قرأت قديما كتاب ” الجوع أقصر طريق إلى يوم القيامة ” وكتاب ” صناعة الجوع خرافة الندرة ” وكتاب ” كيف يموت النصف الآخر ” ، وغيرها من الكتب الأجنبية التي تتحدث حول موضوعات قريبة من موضوع الكتاب الأول . وتوضح حجم الاختلال والاستغلال والتبديد والاستنزاف الذي تمارسه معظم الشركات الكبرى العالمية .
إن معظم أصحاب المليارات ومن خلال شركاتهم ومصانعهم ، قد تسببوا في زيادة نسبة التلوث في العالم كما تسببوا في زيادة الإشعاعات الضارة ، وفي زيادة التصحر وتوسع طبقة الأوزون وزيادة المخلفات النووية والكيميائية الضارة بالبيئة وزيادة الحروب والنزاعات الدولية وانتشار أسلحة الدمار الشامل ..
إن معظم أصحاب المليارات ، وسعيا وراء زيادة ملياراتهم لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية وضد البيئة والكائنات الحية الأخرى الموجودة في الطبيعة .
فمهما بحثنا عن مشكلات أو أزمات في هذا العالم سوف نجد من هؤلاء الجشعين من يقف وراءها حقيقة ، رغم أنه يظهر للعالم أنه من كبار المتبرعين الكرماء الأسخياء ، ويسجل اسمه في سجلات الشرف والأخلاق الحميدة .
ولا يعني ما تقدم أن كافة الأعمال الخيرية على مستوى العالم هي أعمال مشبوهة ، ولكنه يشير إلى أن النسبة العظمى من أصحاب المليارات يخفون حقيقتهم تحت ستار الأعمال الخيرية ، من حق هؤلاء أن يقدموا مصالحهم على مصالح الآخرين ، ومن حقهم أن يشبعوا احتياجاتهم ورغباتهم المشروعة ، ولكنه ليس من حقهم أن يهددوا البشرية بسبب أهوائهم وهوسهم ، ليس من حقهم أن يمارسوا أبشع أشكال الاستغلال والاستبداد والاستنزاف والتبديد بحجة أن هذه أموالهم يفعلون بها ما يشاؤون .. ليس من حقهم أن يمارسوا أبشع أشكال الجريمة والرذيلة والفاحشة والفساد بحجة الحرية الشخصية ..
إن الإسلام يحث على العمل الخيري ويجعل له جزاء عظيما في الدنيا والآخرة ، ولكنه في نفس الوقت لا يطلب من أصحاب المليارات إنقاذ العالم ، وإنما يطالبهم بأداء حقوق المال ، والالتزام بالنزاهة والشفافية والسلوك الأخلاقي الإنساني ، والتقيد بالقوانين الدولية الإنسانية ، التي تنص على المحافظة على حقوق الإنسان وعلى البيئة والأرض من السموم الكيماوية والنووية والغازات السامة .. إلخ
إن الإسلام لا يطلب من أصحاب المليارات من المسلمين ، التنازل عن أموالهم ما داموا قد اكتسبوها بطرق مشروعة ، ولكنه يطالبهم فقط بضرورة أداء الحقوق ، وفي مقدمتها إخراج زكاة أموالهم ، وهذه وحدها لو تم العمل بها ، لتغير حال المسلمين وحال العالم الإسلامي ..
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
31 October 2020
” حرم دنانيرهم ”
أ.د كمال حطاب
تروي كتب التاريخ الإسلامي ، أن ملك الروم بعث إلى عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين في عام 76هــــ ، رسالة ، هدده فيها بكتابة ما يسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الدنانير الرومية ، ومن المعلوم أن الدنانير الذهبية في ذلك الوقت كانت تضرب في بلاد الروم ، ومع مجيء الإسلام أقر النبي صلى الله عليه وسلم التعامل بهذه الدنانير ، وكذلك فعل الخلفاء من بعده إلى عهد عبد الملك بن مروان .
اغتم عبد الملك بن مروان ، واستشار الناس ، فأشاروا عليه ” حرم دنانيرهم ” يعني إعادة صهر هذه الدنانير ، وضرب النقود الإسلامية ، وقد تم ذلك على الفور ، حيث ضبطت السكة وأعيد ضرب النقود في دور ضرب إسلامية ، وجاءت النقود الإسلامية الجديدة أكثر نقاء وأضبط عيارا ، وعلى الوزن الشرعي الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال ” الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة ” .
“حرم دنانيرهم” .. لا مجال للتفاوض في مثل هذه الأمور .. الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خط أحمر في حياة المسلمين على مر العصور ، ولا يمكن السماح لأحد أن يقوم بهذا الفعل ، تحت أية حجة أو ذريعة .
ويبدو أن هذه الإساءة لم تتوقف في حياته صلى الله عليه وسلم ، ولن تتوقف إلى قيام الساعة ، لقوله تعالى ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ” ( البقرة ، 120) ولقوله تعالى ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ” ( البقرة ،109 ) .
إن المسلمين في هذا العصر رغم ضعفهم وما أصيبوا به من تفكك وانقسام ، تجمعهم محبة رسول الله وتوحدهم وتقويهم وتزيدهم قوة وعزيمة للاتحاد والتضامن للذود عن عرضه صلى الله عليه وسلم .
إن المسلمين في هذا الزمان وقد اقترب عددهم من المليارين ، يمتلكون قوة عددية لا يستهان بها ، وهي تمثل أكبر قوة استهلاكية في العالم ، وبالرغم من سلبية الاستهلاك مقارنة بالإنتاج ، إلا أننا يمكن أن نستفيد من هذه القوة الاستهلاكية وذلك من خلال تفعيل سلاح المقاطعة السلمي لمنتجات كل من يسيء إلى ثوابتنا وديننا وقرآننا ونبينا ، وهو أمر واجب شرعا وقانونا وعقلا وخلقا وإنسانية .
إن الكثير من الحكومات والدول الإسلامية قد تمنعها السياسة ولغة المصالح أن تصرح بالمقاطعة ، ولكن الشعوب يمكنها أن تقوم بالمقاطعة دون مؤاخذة من أحد ، فهي حرية شخصية للفرد في أن يشتري هذه السلعة أو تلك ، أن يأكل هذا الطعام أو لا يأكله ، ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الاختيار الشخصي .
” حرم دنانيرهم ” يستطيع المسلمون في الوقت الحاضر مقاطعة ” اليورو ” ولو فعلوا ذلك لكبدوا الاقتصاد الأوروبي خسائر فادحة ، كما يستطيعون تحويل حساباتهم من اليورو إلى أية عملة أخرى ، وكذلك الأسهم وغيرها من الأوراق المالية الأوروبية ردا على الإساءات التي يقومون بها بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وثوابتنا الإسلامية .
ينبغي أن تضع الشعوب خطوطا حمراء ، ومن خلال جمعيات حماية المستهلك أو اتحاد جمعيات حماية المستهلك على مستوى الدول العربية أو الإسلامية ، أو حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، ولغة الهاشتاجات ، وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي ، بحيث تتم مقاطعة كل من أساء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو لقرآننا أو أي من ثوابت ديننا التي لا يمكن أن نعطي الدنية فيها .
ينبغي أن يوجد ميثاق بين هذه الشعوب على أن يتم تفعيل المقاطعة كلما تجرأ حاقد أو حاسد على الإسلام وأهله ، بحيث يحسبوا للمسلمين ألف حساب ، ويراجعوا حساباتهم وخسائرهم ، قبل أن يقدموا على أي خطوة إساءة غبية حاقدة . ” وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا” ( الإسراء ، 8 )
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
23 October 2020
إعادة ضبط العولمة وسلاح المقاطعة
أ.د كمال حطاب
منذ ظهر مصطلح العولمة في التسعينات من القرن الماضي ، والدعوات إلى ضبطها وتخفيف حدتها وتقليل توحشها لم تتوقف ، فها هو كلاوس شواب مؤسس منتدى دافوس يدعو في أكثر من اجتماع من منتديات دافوس إلى أنسنة العولمة أو العولمة المسؤولة .. بمعنى أن تكون قوى العولمة أو أصحاب الشركات العالمية الكبرى بما فيها المنظمات الدولية ، أكثر إنسانية ورحمة ورفقا بالآخرين وبالبيئة ، وبالكائنات الحية الموجودة على هذا الكوكب .
وكان جورج سوروس الملياردير العالمي الشهير، المتهم بإحداث أزمة نمور آسيا ، قد دعا إلى إصلاح النظام الرأسمالي في كتابه أزمة الرأسمالية العالمية ، بقوله لا بد ” أن نصحح وننظم قوى الأسواق المالية العالمية عن طريق عمل عالمي .. إن هناك حاجة ملحة بإعادة التفكير وإصلاح النظام الرأسمالي العالمي.. ”
وتبنى هذه الدعوة عدد كبير من المفكرين الغربيين ، خاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008 .. مثل توماس فريدمان ، وفرانسيس فوكوياما ، وغيرهم ، ومع ذلك فإن العولمة قد ازدادت توحشا وهيمنة ، واتسعت الفجوة بشكل كبير بين الأغنياء والفقراء ، فزادت الحروب وأعداد الضحايا من القتلى والجرحى ، وازدهرت تجارة الأسلحة والعقاقير الطبية ..
غير أن الدعوة إلى إعادة ضبط العولمة في الوقت الحاضر ، ربما تجد لها مبررا ، خاصة في ظل انتشار فيروس الكورونا الذي ضرب كافة مرافق الاقتصاد العالمي وخاصة الشركات الكبرى وبالتالي فقد آن الأوان لهذه الشركات أن تعيد حساباتها وأن تحد من غلوائها وتوحشها ، آن الأوان لكي تكون أكثر إنسانية في زمن الوباء الذي لا يكاد ينجو منه أحد . ولكن هل ستستجيب قوى العولمة لمثل هذه الدعوات ؟
يبدو أن ذلك صعب جدا بل يكاد يكون مستحيلا ، فلا تزال قوى العولمة من شركات وأجهزة ومنظمات دولية تمارس إجراءات تعسفية ظالمة بحق الدول والشعوب الأكثر فقرا ، بل إن الدول القوية يمكن أن تمارس القرصنة على الدول الأقل منها قوة كما حدث من عمليات قرصنة واستيلاء بعض الدول على مستلزمات طبية كانت متجهة لدول أخرى غيرها ، وكما تحاول شركات كبرى للأدوية التسابق لإنتاج أو ترويج لقاحات ليست لها علاقة بالأمراض الموصوفة للوقاية منها .
بل إن أبشع العمليات الحربية لا تزال تشن على بعض الدول والشعوب فتقتل مئات الأبرياء بدعم من الدول الصناعية ، ومبيعات الأسلحة لم تتوقف عن دعم الأطراف المتحاربة .
أما من جهة المنظمات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من مؤسسات التمويل الدولية ، فمما لا شك فيه أن معيار تأسيس المنظمات الدولية كان هو معيار القوة ، فالدول الأكثر قوة والتي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية هي التي فرضت شروطها وحظيت ولا تزال بأعلى قوة تصويت في القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي وغيره من الأجهزة المنبثقة عن الأمم المتحدة .. فهل يمكن أن تتوافق الدول ومن خلال هذه المنظمات الدولية على معايير جديدة كالعدالة والشفافية والإنسانية أو احترام حقوق الإنسان ، والمحافظة على البيئة .. إلخ ؟ وما الذي سوف يحمي تطبيق هذه المعايير ؟ وهل يمكن أن تتنازل دول الفيتو عن هذا الحق مثلا ؟
يبدو جليا أن إيجاد مثل هذه المنظمات الدولية يعد ضربا من الخيال ، فما الذي سيدفع دول كبيرة قوية إلى التنازل عن مكانتها لمصلحة دول فقيرة ضعيفة ؟
يبدو أن الحل الوحيد الذي يمكن أن يخفف من غلواء العولمة وشركاتها ومنظماتها ، هو في التحالفات ، تحالف الدول الفقيرة ، تحالف الضعفاء يزيدهم قوة ، تحالف الدول الإسلامية ، ولكن كيف يتم ذلك ؟
إن هذا الحل يمكن أن يكون على مستوى الحكومات والشعوب ، فحكومات الدول الإسلامية يمكن أن تدخل في تحالفات بما يخفف عنها عبء استغلالها من قبل الدول المتقدمة ، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إعادة تفعيل الاتفاقيات التكاملية بين الدول الإسلامية ، وإذا لم يكن ممكنا ، فيمكن البدء بتحالف دولتين أو ثلاثة أو أربعة أو على مستوى الدول الخليجية أو العربية ، أو على المستوى الجغرافي الآسيوي أو الإفريقي .. إلخ ، ومن خلال اتفاقيات اتحادات المدفوعات أو المقاصة ، وتجميع الاحتياطيات ، والتنسيق النقدي بكافة أشكاله .. إلخ .
ويبقى الدور الأكبر المنتظر هو دور الشعوب . فلا بد أن تقوم الشعوب بدورها ، والذي يمكن أن ينجح بقوة في إخضاع قوى العولمة للعدالة والنزاهة والأخلاق ، ولكن ما هو هذا الدور الذي يمكن أن تقوم به الشعوب ؟ وكيف يتم ذلك ؟ ، ببساطة، يتمثل هذا الدور في سلاح الصوم أو المقاطعة ، أو بمعنى آخر سلاح الصوم عن تلبية الاحتياجات من قبل أي شركة أو دولة تدعم الظلم والظالمين .. وقد نجح هذا السلاح في الماضي في تحقيق الاستقلال والسلام في الهند عندما قام به غاندي وأتباعه ، كما نجح في فترات عديدة عندما طبقه الماليزيون ضد بعض الشركات الأجنبية الظالمة ، كما نجح عندما طبقه المسلمون ضد الشركات الهولندية المؤيدة للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما سينجح في الوقت الحاضر بعد حملة مقاطعة منتجات الشركات الفرنسية التي ترضى بالإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم .
إن عدم اللجوء إلى هذا السلاح السلمي يعني أن قوى العولمة المتوحشة والمسيئة إلى البشرية ، ستبقى تمارس الطغيان والظلم والتغول على الشعوب ولن يقف في طريقها أحد من البشر .
إن إعادة ضبط العولمة تتطلب إعادة ضبط الشعوب لأوضاعها من خلال اختيار نمط استهلاكها بما يخدم مصالحها ويتفق مع قيمها ويدعم ويعزز كل معاني الخير والحق والرحمة والإنسانية . ولذلك كان قول الله تعالى ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” (الرعد:11)
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
15 October 2020
متى يمكن للدول العربية أن تقول لا ؟
أ.د كمال حطاب
في التسعينات ألف مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا كتابا بعنوان ” آسيا التي تستطيع أن تقول لا ” وبالفعل طبق مهاتير محتوى هذا الكتاب عمليا عندما رفض توصيات صندوق النقد الدولي ، وقرر الاعتماد على نفسه وحكومته وشعبه ، ووضع تعليمات صارمة ضد خروح العملات الأجنبية، بعد أن خرجت الاستثمارات الأجنبية من ماليزيا ، وتعاون شعبه معه في المحافظة على العملات الأجنبية وعدم إخراجها إلا للضرورة القصوى . ونجح مهاتير في المحافظة على قيمة العملة من الانهيار .. وأشاد صندوق النقد الدولي بنجاحه بعد عدة سنوات .
هل يمكن للدول العربية المدينة أن تقول لا لصندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية ؟ متى يمكن لأصحاب الملايين أو المليارات العرب أن يعيدوا أموالهم وما يمتلكونه من عملات أجنبية إلى بلدانهم .. متى يمكن لقوانين الاستثمار في الدول العربية أن تكون آمنة مشجعة لأصحاب رؤوس الأموال العرب قبل غيرهم ، للعودة للاستثمار في بلدانهم .
إن أسهل طريقة اعتادت عليها معظم الحكومات المدينة ، من أجل سد العجز وتمويل الإنفاق هي زيادة الاستدانة أولا والضرائب ثانيا .. والعمل بكل قوة من أجل جدولة الديون مهما كانت الشروط ومهما تضاعفت الفوائد .. وهكذا عندما تنجح أي حكومة في جدولة الديون تعتبر نفسها قد قامت بما لم تستطعه الأوائل .
إن معظم الحكومات المدينة تعتمد هذا الأسلوب الذي يزيد في المديونية العامة للدولة والشعب ، ويزيد في الأقساط والفوائد المترتبة على هذه الديون .
فمتى يمكن أن تأتي حكومات تغير من هذه الأساليب ؟ هل يمكن أن تأتي حكومات تعتمد على نفسها وتعزز الثقة مع شعوبها بما يزيد من تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية ؟ هل يمكن أن تأتي حكومات تعمل بكفاءة وإخلاص وشفافية ونزاهة على تشجيع الاستثمار الوطني .
هل يمكن أن تأتي حكومة تكون مثالا يحتذى للشعوب بالوطنية الحقيقية القائمة على التضحية والإيثار والعدالة ؟ وتقوم بإشهار الذمة المالية لجميع المسؤولين ، والمطالبة بأموال الفاسدين المهربة إلى الخارج ، هل يمكن أن توجد حكومات يتجرد أعضاؤها عن المتطلبات الشخصية من مزايا ومياومات وانتدابات ..
هل يمكن أن يأتي يوم يزهد الناس فيه بمنصب الوزير ؟ لأنه لا يحقق مزايا أو مكاسب لصاحبه ؟ هل يمكن أن يزهد النواب في الترشح نظرا لانعدام المزايا والمكتسبات ؟ متى يمكن أن تنتقل هذه الوظائف والمناصب من مناصب تشريفية إلى مناصب تكليفية ؟ وتكون أعباؤها أكبر بكثير من مكاسبها ؟ ويوصف من يشغلها بأنه قد باع نفسه ووقته وحياته لله ثم للشعب ..
عندما يوجد مثل هؤلاء ، وعندما توجد فئة من المسؤولين ، مستعدة للتضحية والعطاء في سبيل البلد وفي سبيل خدمة الشعب .. عندها يمكن أن تكون الدولة قوية عزيزة ، لأنها تعتمد على نفسها وعلى شعبها ، وعندها فقط يمكن أن تقول لصندوق النقد الدولي لا وألف لا ، كما فعلت ماليزيا ذات يوم .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
14 October 2020
أموال الهيلوكوبتر والدول العربية
أ.د كمال حطاب
اقترح ميلتون فريدمان الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن يتم إلقاء النقود من خلال طائرة الهيلوكبتر على الناس ، وذلك في أوقات الأزمات ، وأشاد بهذا الاقتراح لاحقا بن برنانكي مدير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبق . فهل كان فريدمان جادا في هذا الاقتراح أم أن الأمر كان على سبيل التمثيل والتبسيط ؟
يبدو أن فريدمان كان يحاول تبسيط فكرة أثر النقود على التضخم ، ولكن برنانكي والسياسيين من بعده لم يكونوا كذلك حيث وجدوا في هذه الفكرة حلا لمشكلات الانكماش الاقتصادي .
أطلق لاحقا على أموال الهيلوكوبتر ” التيسر الكمي ” ، لأن أوجه الشبه بينهما كبيرة ، حيث يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن يصدر من العملة ما شاء وبلا حدود ، هذا ما أعلنه مدير الاحتياطي الفيدرالي فرع مينابوليس نيل كاشكاري في برنامج ستون دقيقة بتاريخ 27-3-2020 عندما قال بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتمتع بسلطة غير محدودة لتوليد النقد بكميات غير محدودة ، “فلا نهاية لقدرتنا على طباعة النقود ، والأمر ببساطة أن لدينا موافقة وطلب من الكونغرس لفعل ذلك ”
من بدهيات الأدب النقدي أن زيادة النقود إذا لم يصاحبها زيادة في الإنتاج فإن هذه الزيادة في كمية النقود ستتحول إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة في التضخم .. ولكن المشاهد عالميا أن الولايات المتحدة قد زادت في طباعة الدولار منذ 2008 إلى 2020 حوالي 7 تريليون دولار ، ومع ذلك بقي التضخم قريبا من 2% خلال هذه الفترة ، فما هو السر وراء ذلك ..
إن طباعة الدولار ليست لاستخدامه داخل أمريكا فقط ، وبالتالي فإن هذه العملة تجوب العالم بحثا عن الثروات
المعدنية والنفطية والذهب وكافة أشكال السلع والخدمات ، فجميع أسواق العالم هي سوق للدولار .
هل يمكن للدول العربية أن تطبع من العملة ما تشاء ؟ وما الذي يمنعها من فعل ذلك ؟ ولماذا يمكن للبنوك المركزية في أمريكا وأوروبا واليابان والصين وبقية الدول المتقدمة أن تفعل ذلك ؟ ولا يمكن للدول العربية ؟
إن الدول السبعة العظام كما يطلق عليها G7 لديها اتفاقات نقدية ، تستطيع التنسيق فيما بينها في هذا المجال بما يضمن استمرار الاستقرار النقدي العالمي ، وبما يضمن استمرارية بقاء العملات الصعبة ، العملات الأقوى والقابلة للتحويل من قبل جميع الدول .
ومن جهة أخرى فإن هذه الدول هي الدول صاحبة الحصص الكبرى في صندوق النقد الدولي ، وهذا يعني أنها القادرة على التصويت واتخاذ القرارات التي تصدر عن الصندوق ..
ومن المعلوم أن من أهم مهام صندوق النقد الدولي مراقبة أسعار صرف العملات ، وتنظيم الاتفاقيات والقواعد الخاصة بأسعار صرف العملات وتسيير المدفوعات الدولية .
ومن جهة ثالثة فإن هذه الدول تقوم بالإصدار بعد الحصول على موافقة البرلمان أو الكونغرس كما في أمريكا وفي ظل سيادة الحوكمة والشفافية والإفصاح ، وتحت مراقبة وسائل الإعلام .
أما في حالة الدول العربية فليس لديها أي اتفاقات نقدية فيما بينها ، ولا يمكن لأي دولة منفردة أن تفعل ذلك إلا إذا أرادت لعملتها أن تتدهور قيمتها إلى ما لا نهاية .. كما أنها ضعيفة جدا من حيث الحصة وقوة التصويت في صندوق النقد الدولي ، وبالتالي فلا تأثير لها على اتخاذ القرار في هذا الصندوق ، ولذلك لا بد من موافقة صندوق النقد الدولي قبل التفكير بالقيام بمثل هذه الخطوة .
يمكن للدول العربية أو الإسلامية أن تفعل ذلك في حالة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموحدة العربية أو الإسلامية ، ويمكن لها أن تعمل على إطلاق الدينار العربي الموحد أو العملة الإسلامية الموحدة .
يمكن لهذه الدول أن تفعل ذلك إذا ما اتفقت على زيادة قوتها التفاوضية والتصويتية في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ..
وبغير ذلك فستبقى عملات هذه الدول تابعة لعملات الدول المتقدمة ، وستبقى قيمها تتقلب وتتدهور تحت أدنى أزمة مالية واقتصادية .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
/*php get_sidebar();*/ ?>