عودة إلى الصفحة الرئيسية

حرب أوكرانيا والمجاعة القادمة .. أ.د كمال حطاب

04 June 2022

تحدثت مجلة الإيكونومست في عددها الأخير حول الآثار الكارثية الناجمة عن حرب أوكرانيا ، حيث تتوقع دخول مئات الملايين من الناس في حلقة الفقر المفرغة ، وانتشار الاضطرابات والقلاقل السياسية والاجتماعية ، وانتشار ظاهرة تقزم الأطفال ، والكثير من الأمراض الناجمة عن سوء التغذية ..
ويقدر المقال وجود نقص في الأغذية الأساسية التي يحتاجها البشر ، حيث فرضت 23 دولة قيودا على صادراتها الغذائية ، في الوقت الذي تعاني فيه معظم الدول النامية نقصا حادا في الغذاء ..
ويضيف المقال بأن ارتفاع أسعار الأغذية زاد عدد الذين لا يستطيعون التأكد من الحصول على كفايتهم من الغذاء ، من 440 مليونا إلى 1.6 مليارا من البشر ، منهم 250 مليونا على حافة المجاعة .
وما لم يتخذ العالم خطوات جادة للتخفيف من آثار الحرب ، فسوف تستمر الكوارث وتتلاحق ، لتشمل معظم دول العالم ، وسوف ترتفع أسعار الغذاء والدواء بشكل فلكي ، ولن يجد معظم الناس حاجاتهم الغذائية أو العلاجية ، مما سيؤدي إلى كوارث غير مسبوقة من قبل .. ولكن ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل الحد من هذا السيناريو البشع ؟
ينصح المقال دول العالم بمساعدة أوكرانيا والدول المصدرة للغذاء على تصدير حبوبها ومنتجاتها الغذائية .. والابتعاد عن سياسات الامتناع عن التصدير من قبل الدول ذات الفوائض الغذائية .. إضافة إلى ضرورة دعم الدول المستوردة بالقروض اللازمة لمواجهة الارتفاع الحاد في الفواتير الغذائية ..
وسواء أكانت الأرقام التي أوردتها المجلة دقيقة ، أو أنها جاءت لأغراض سياسية ، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن العالم الإسلامي هو الأكثر استيرادا للغذاء ، حيث تستورد الدول الإسلامية أكثر من ربع انتاج العالم من القمح سنويا ، وكذلك من الذرة والشعير والزيوت النباتية وغيرها ، وهذا يعني أن نبوءة المجاعة إذا ما تحققت فسوف تكون الدول العربية والإسلامية هي الأكثر تضررا .. لأنها الأكثر اعتمادا على غيرها في موضوع الغذاء .
وبالرغم من الدعوات المتزايدة لتحقيق الأمن الغذائي منذ السبعينات من القرن الماضي ، وحتى وقتنا الحاضر إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال هي جهود ضعيفة، نظرا لحالة التفرق والتشرذم التي تعيشها الأمة الإسلامية ، ففي ظل حالة التفكك والانقسام ، لم تستطع أية تجربة تكاملية أو وحدوية تحقيق النجاح ، وبالتالي كانت مشروعات التكامل الاقتصادي أو الزراعي أو الغذائي هي مشروعات طموحة ناجحة نظريا ، ولكنها لم تتقدم خطوة واحدة في الجانب العملي ..
إن تحقيق الأمن الغذائي لا يمكن أن يتم على الصعيد القطري المصغر ، فإذا ما نجح ، فإنه يمكن أن يستمر لعدة شهور ، أما النجاح الدائم لهذا المشروع فإنه يتطلب التكامل الإقليمي ، بمعنى إعادة الحياة لتجارب السوق العربية المشتركة أو السوق الإسلامية المشتركة أو تفعيل غرف المقاصة للسلع الغذائية بين الدول الإسلامية، أو غيرها من المشروعات التي وجدت نظريا وعمليا ، ولكنها لم تؤت ثمارها الحقيقية ، نظرا لغياب الإرادة السياسية العليا بين الدول العربية والإسلامية .
لقد كانت جائحة كورونا رغم قساوتها وآلامها فرصة عظيمة لرجوع الناس إلى رشدهم ومحاولة الاعتماد على أنفسهم ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية ، ولكن ما تحقق عمليا في هذا المجال لا يكاد يذكر حتى الآن .. وبالتالي فإن النتائج التي تتوقعها مجلة الإيكونومست إذا ما تحققت فعلا ، فإن المسلمين سيكونون هم الأكثر تضررا .
وفي ظل هذا الواقع المؤلم ، فإن الشعوب مطالبة بأن تقوم بدورها في ظل الغياب الرسمي للدول والحكومات ، وتستطيع أجهزة المجتمعات المدنية ممثلة في الجمعيات والمنظمات الأهلية ، خاصة ذات العلاقة بالفلاحة والزراعة والغذاء ، تستطيع توجيه الناس نحو الزراعة والفلاحة ، بحيث يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية على مستوى كل مدينة أو قرية أو حي شعبي .. يستطيعون التوجيه حول نوعية البذور والطرق الحديثة في الزراعة والري ، بحيث يتم تجاوز العجز الذي يمكن أن يحدث فجأة في الأسواق ، ويوقع الناس في حرج شديد . تستطيع الجمعيات والمنظمات الأهلية توجيه الناس إلى زراعة حدائق منازلهم بالطريقة الرأسية المكثفة ،بحيث يتم الاستفادة من كل متر مربع ،أقصى استفادة ممكنة وبأقصر وقت ممكن وأقل تكلفة ممكنة.
إن الأزمة ستكون خطيرة جدا وكارثية ، ما لم يقم العقلاء في كل مجتمع ، بمحاولة سد النقص من كل ما هو مستورد ، وذلك بقيام كل متخصص بأي علم من العلوم ، وخاصة في العلوم الزراعية والغذائية ، ببذل الجهود لإيجاد البدائل التي يمكن أن تسعف الناس في حالة النقص والعجز والحرج الشديد ..

زيت الأقصى.. وقود التحرير أ.د كمال حطاب

08 May 2022

مما لا شك فيه أن زيت الزيتون هو من أصفى وأنقى وأجود أنواع الزيوت ، خاصة في الإضاءة ، والدليل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. ” ( النور ، 35)
ونظرا لانتشار أشجار الزيتون في بلاد الشام وفي فلسطين بشكل خاص ، فقد كان الناس يهدون زيوتهم إلى المسجد الأقصى عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الأقصى ” مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ زَيْتًا كَانَ كَمَنْ قَدْ أَتَاهُ‏ ” ..
وقد عمل المسلمون بهذا الحديث على مدار القرون الماضية ، وكان تحت المسجد الأقصى بئر عميقة ، تعود إلى العصر الأموي ، يخزن فيها الزيت على مدار العام ، بحيث تضاء منه قناديل المسجد الأقصى التي تقدر بعشرات الآلاف ، خاصة في رمضان والمناسبات الدينية الأخرى كالأعياد والإسراء والمعراج وذكرى الهجرة النبوية وغيرها ..
ولا تزال هذه البئر موجودة حتى وقتنا الحاضر بالرغم من حفريات اليهود المتتالية ، ونبشهم المستمر تحت المسجد الأقصى ، وصورة هذه البئر موجودة على الإنترنت في بعض الأفلام الوثائقية ، وكذلك جرار الزيت ، والفوانيس التي كانت تضاء في المسجد الأقصى .
ومع انتشار الكهرباء ووصولها إلى المسجد الأقصى ، فهل يتوقف العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل يتوقف الإهداء إلى الأقصى ؟ هل يتوقف شد الرحال إلى الأقصى كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟
مما لا شك فيه أن العمل بهذا الحديث لا يتوقف ، فإذا لم يكن الأقصى بحاجة إلى زيت للإضاءة فإنه بحاجة إلى أمور أخرى كثيرة .. خاصة بعد أن أصبح أسيرا تحت الاحتلال .. ويمارس الاحتلال فيه يوميا أبشع أشكال التعدي والإساءة .. وصدق فيه قول الشاعر ..
المسجد الأقصى يئن بحرقة .. مسرى الرسول يهيب بالعباد
لبوا الندا إن اليهود بساحتى .. فعلوا خسيس الفحش والإفساد
إن الأقصى بحاجة إلى رجال أحرار، يخلصونه من الأسر والاضطهاد وكافة أشكال الاعتداءات .. إن الأقصى بحاجة إلى أهل الرباط الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم .. في قوله” لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ كَذلكَ. وفي رواية ” قيل أين هم يا رسول الله قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ”
إن المسجد الأقصى بحاجة إلى هؤلاء وإلى كل من يعزز صمودهم ورباطهم ، بحاجة إلى المؤازرة والمساندة والدعم والدعاء ..
وإذا لم يعد الأقصى بحاجة إلى زيت الإضاءة فإنه بحاجة إلى زيت الإيمان والعزيمة والقوة ، بحاجة إلى وقود المعركة ، معركة مقاومة الاحتلال ، معركة التحرير ، معركة تخليص الأسرى من القيود والمعتقلات والزنازين ، معركة الدفاع عن الأمة الإسلامية جمعاء ضد الصهاينة الغاصبين ..
إن زيت الأقصى هو رمز لكل وقود يمكن أن يقدم للأقصى في معركته مع الاحتلال ، رمز للكرامة والعزة ، رمز للقداسة والنور والحرية والتحرير .
إن زيت الأقصى هو رمز لكل كلمة حق ، تقال دفاعا عن الأقصى ، رمز لكل دعاء خفي لتحريره من أيدي الغاصبين ، رمز لكل إنكار للاحتلال حتى ولو كان أنكارا قلبيا ، وذلك أضعف الإيمان .

مشروعية المقاومة أ.د كمال حطاب

30 April 2022

مما لا شك فيه أن معظم البشر على اختلاف عقولهم ومواهبهم ومواقعهم ، يحلمون بالعيش في مجتمعات آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، ومما لا شك فيه أيضا أن مثل هذه المجتمعات سوف تزدهر وتتقدم بشكل سريع إذا تحقق الأمن والسلام .
غير أن استقراء أحوال البشر عبر التاريخ يوضح أن المجتمعات الآمنة لا يمكن أن تبقى آمنة ما لم تكن قوية تستطيع الدفاع عن نفسها ، وفي غزو أوكرانيا في الوقت الحاضر درس وعبرة لكل الشعوب والدول التي تريد أن تصنع سلاما أو تقيم اتفاقيات سلام .
إن المقاومة حق طبيعي وفطري وإنساني ، نصت عليه الشرائع والمواثيق الدولية ، جاء في ميثاق الأمم المتحدة، في مادته (21 ) ما نصه ” ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول والشعوب، أفراداً أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت عليها قوة مسلحة”.
وقبل ميثاق الأمم المتحدة بأربعة عشر قرنا ، جاء النص القرآني واضحا في قوله تعالى في سورة البقرة ” فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194).
غير أن الشرعية الدولية التي تكيل بمكاييل متعددة تتعاطف حاليا مع المقاومة في أوكرانيا ، وتدعم أوكرانيا بكل أشكال الدعم ، من مال وسلاح وإعلام .. إلخ ، وهو أمر محمود ، لأن نصرة المظلوم من الأمور الفطرية الإنسانية التي حثت عليها كافة الشرائع ، ولكن هذه الشرعية نفسها تعتبر ذلك محرما بحق الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال .
إن المقاومة تفرض حصانة وحماية للمجتمع ، بما يؤدي إلى أن يعيش الناس في أمن وسلام ، واستقرار وازدهار ، أما بدون مقاومة فإن هذا المجتمع سوف يكون مستباحا لكل طامع ، ومغنما لكل ظالم ، وبالتالي فلا استقرار ولا ازدهار ولا أمن أو سلام .
إن المقاومة هي السلاح الشرعي الذي تقره كافة الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار والتقدم ، والتعايش السلمي مع كافة الشعوب الحية الحرة التي تسعى إلى إحقاق الحق ورفع الظلم والعيش بسلام .
مارست الشعوب المحتلة في كافة البلدان وعلى مدار التاريخ حقها في المقاومة ، وخرجت الشعوب المتحررة بعد طرد الاحتلال أكثر قوة وأكثر حرية وإبداعا ، وتفوقت هذه الشعوب بعد الحرية في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد ، حتى بلغت في الاقتصاد والتقدم والرفاهية مبلغا عظيما .
فها هي أمريكا لم تتمكن من السير في طريق الازدهار والتقدم إلا بعد أن تحررت من الاحتلال الإنجليزي ، حيث يحتفل الأمريكيون في الرابع من تموز من كل عام بعيد الاستقلال ، وهكذا معظم دول العالم التي احتلت أراضيها ، لم تحقق التقدم الاقتصادي إلا بعد أن نالت حريتها وانطلقت دون قيود ..
إن السلام والازدهار والتقدم والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في ظل الظلم والاضطهاد والاستغلال والتعدي على حقوق الناس ، وإن السلاح الوحيد الذي يمكن أن يضمن تحقيق السلام والاستقرار هو سلاح المقاومة .
إن حالة أوكرانيا في الوقت الحاضر وتعاطف المجتمع الدولي معها تمثل فرصة عظيمة للشعوب المحتلة لكي تدافع عن نفسها ، وترفع شعار المقاومة الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي في أوكرانيا، وهي فرصة عظيمة لرفع الحصار عن قطاع غزة وعن الضفة الغربية ، وعن القدس والمسجد الأقصى ، وعن فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر ، خاصة في ظل تغير مواقف كثير من دول العالم تجاه ما يجري في الأراضي المحتلة ، وتغير الكثير من مواقف الصحفيين مثل مذيعة سي إن إن في لقائها مع رئيس وزراء دولة الاحتلال ..تجاه القضية الفلسطينية .
لقد آن الأوان لدبلوماسية المقاومة أن تتحرك من أجل استثمار هذه التغيرات في المواقف الدولية ، ومطالبة المجتمع الدولي والشرعية الدولية بمواقف أكثر عدالة وإنصافا للقضية الفلسطينية ، لأنها إن لم تفعل ذلك ، فسوف تفقد مصداقيتها عالميا ، وسوف تعمل الشعوب المحتلة على الدفاع عن نفسها ، واسترجاع حقوقها بعيدا عن الشرعية الدولية المتحيزة ذات المكاييل المتعددة .

أمريكا.. أرض الفرص والأحلام ؟؟ أ.د كمال حطاب

13 April 2022

في أمريكا أرض الفرص والأحلام كما يقولون ، وحيث يسعى كثير من الشباب في العالم وراء الحلم الأمريكي، لن تجد كافة الأمور كما هي في الأحلام أو الأفلام الهوليودية ، فالواقع في حقيقته مختلف كثيرا عما يحلم به الناس أو يرونه عبر شاشات السينما أو التلفزيون ، ومن خلال الأفلام أو البرامج التلفزيونية ..
فإذا أردت السكن فينبغي أن تختار منطقة أكثر أمنا ، من خلال مواقع التقييم المنتشرة على الإنترنت، حيث لكل منطقة تقييم محدد وفقا لمعدل الجريمة ، وحوادث السرقة ، وغيرها ، وغالبا ما تكون المناطق الأكثر أمنا هي المناطق الأغلى سعرا ، وبالتالي فإن تكاليف الحصول على الأمن كبيرة من حيث السكن ، ومن حيث اختيار مدرسة الأولاد ، وكذلك الأسواق ..
وإذا ما أردت تسهيلات بنكية ، فينبغي أن يكون لك سيرة ائتمانية مرتفعة ، ولن تحصل على معدل مرتفع ما لم يمض على وجودك في أمريكا عدة سنوات دون أي إخلال بالتزام أو تأخر في سداد أو أية ملاحظات سلبية، وينطبق نفس الأمر على المؤسسات المالية الإسلامية أو الربوية .
وإذا احتجت في أمريكا لأي دواء من الأدوية الشائعة في البلدان العربية فلن تستطيع أن تشتريه من الصيدلية ما لم يكن معك وصفة طبيب أمريكي ، وإذا أردت الحصول على موعد مع طبيب فربما تحتاج إلى عدة شهور ، إلا طبيب الطوارئ والذي سيتقاضى منك 150 دولار أو أكثر من أجل كتابة وصفة طبية لدواء معروف ..
وعندما تضطر إلى استخدام المواصلات العامة كالقطارات ، فليس الأمر كما هو في الأفلام ، فقد جربت شخصيا ركوب القطار أو المترو قبل ثلاثة شهور ، وفي المنطقة الواقعة بين أشهر جامعتين في العالم ، جامعة هارفارد وجامعة إم آي تي ، وكانت التجربة صعبة جدا . حيث ركبنا من محطة ” إل وايف ” في مدينة كامبردج ، ونزلنا الأدراج إلى المترو ، وقد كان منظرا صادما ، المحطة قديمة جدا ، وشبه خالية من الناس ، والإضاءة فيها ليست جيدة ، ويوجد كشك أو اثنين لبيع النثريات والمأكولات الخفيفة ، انتظرنا قليلا فوصل القطار ، ودخلنا في إحدى عرباته ، وكانت مفاجأة أيضا ، فالمقاعد شبه متآكلة ، حتى لا تكاد تميز بين الحديد وما عليه من بطانة أو قماش ، وخلال 20 دقيقة كنت قد أصبت بالدوار ، نظرا للضجيج والاهتزاز الشديد ، ونزلنا عند محطة ” كندال سكوير ” ، ولم تكن بأفضل من المحطة التي ركبنا منها ، وكانت تبعد أربع أو خمس محطات عن المكان الذي انطلقنا منه .
وقد جربت القطارات في تركيا وماليزيا ، ولم أجد أسوأ من هذا الذي تورطنا فيه . ففي ماليزيا تجد محطات القطار أشبه بالمطارات من حيث حركة الناس وكثرة المحلات التجارية والإضاءة الشديدة ، وتجد القطارات مريحة جدا . وكذلك في تركيا ورغم الازدحام إلا أن محطات المترو عبارة عن تحف معمارية في الغالب ، والقطارات على مختلف أشكالها مريحة جدا ، ومنظمة جدا .
وللإنصاف لا بد من القول بأن مسألة البنية التحتية في كثير من المرافق هي محل نظر الحكومة الأمريكية ، حيث يعلنون باستمرار بأن كثيرا من المرافق والبنية التحتية في أمريكا بحاجة إلى التجديد ، خاصة موضوع الطرق والقطارات ووسائل المواصلات ، وقد وافق الكونغرس الأمريكي في شهر نوفمبر الماضي ، على مشروع تجديد البنية التحتية ، وخصصوا له قريبا من تريليون دولار .. تحت عنوان infrastructure deal ” ” ، ويتوقع أن يوفر هذا المشروع آلاف فرص العمل للأمريكيين ، غير أن هذا المشروع قد يستغرق سنوات طويلة ، وهذه السنوات ستكون ثقيلة جدا على كل من يتخيل أمريكا أرض الفرص والأحلام .

قرارات مجمع الفقه الإسلامي بين التنظير والتطبيق أ.د كمال توفيق حطاب

25 March 2022

منذ ظهرت منظمة المؤتمر الإسلامي قبل أكثر من خمسين عاما ، وهي تصدر القرارات تلو القرارات في جميع المجالات ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، آلاف القرارات لمؤتمرات القمة ووزراء الخارجية والداخلية و… إلخ ، قرارات تتراكم فوق بعضها كالجبال .. إلا أنها في الجانب العملي لم تزد حال الأمة إلا ضعفا وتفككا ، وقد انبثق عن هذه المنظمة عدد من المنظمات والوكالات والأجهزة ، يبدو أن حالها لا يختلف كثيرا عن حال هذه المنظمة .
ولعل من أبرز الأجهزة المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي ، مجمع الفقه الإسلامي الدولي والذي أنشيء بقرار من مؤتمر القمة للدول الإسلامية عام 1981 ، فهل يختلف حال هذا المجمع عن بقية الأجهزة والمراكز والمؤسسات التابعة للمنظمة ؟
فقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي منذ ظهوره حتى الآن مئات القرارات .. كان بعضها في الجانب السياسي والاجتماعي ، إضافة إلى الجوانب الصحية والطبية والعلمية .. إلخ ولكن معظم هذه القرارات كان في الجوانب الاقتصادية .. وبشكل خاص في المستجدات والمعاملات المالية المعاصرة .. وبمتابعة إحصائية لهذه القرارات ومدى تطبيقها ، ومدى التزام الأفراد والمؤسسات بها فإننا نلاحظ ما يلي :
:
– إن هذه القرارات معلمة وليست ملزمة ، فهي تشكل تراكما علميا مفيدا في كثير من المسائل والقضايا الفقهية المعاصرة .
– إن معظم العلماء الممثلّين في هذا المجمع هم العلماء المرشحون من قبل وزارات الأوقاف والهيئات الدينية في بلادهم .
– لا يوجد لمجمع الفقه الإسلامي آليات تنفيذية ، لمتابعة تنفيذ قراراته .. فهذه القرارات هي أقرب إلى التوصيات في الغالب .
– لا تقدم القرارات حلولا لمشكلات المجتمع في الغالب بقدر ما تقدم أحكاما شرعية بالجواز أو التحريم ، ولا توجد آليات متابعة لمدى التزام المجتمعات بهذه القرارات .
– إن مسألة الجواز أو التحريم لم تعد كافية للتأثير أو النهوض بحال المجتمعات وإنما لا بد من إيجاد البدائل عن الحرام والوسائل لتطبيق هذه البدائل ، ولا بد من إيجاد الأدوات التي تعين على تطبيق الحلال والحوافز التي تدعم التطبيق .
– يغلب على قرارات المجمع الجواز بضوابط ، وهذه القرارات يساء تطبيقها في الغالب ، حيث تعتبر المعاملات جائزة شرعا ، وتعتبر الضوابط مكملة أو ثانوية لدى كثير من المؤسسات المالية الإسلامية.

ومن أجل الارتقاء بعمل المجمع وتطوير آليات اتخاذ القرارات وتطبيقها عمليا ، لا بد من الخطوات التالية:
– العمل بنظام الحوكمة الإدارية وما يتطلبه ذلك من رشد وإفصاح وشفافية .
– توفر مهنية عالية عند مناقشة القرارات وآليات علمية وعملية محددة لصياغة هذه القرارات وتعميم الاستفادة منها .
– إيجاد آليات تنفيذية يمكن من خلالها تطبيق القرارات من قبل الجهات التنفيذية .
– إيجاد وحدة مختصة في أمانة المجمع لمتابعة تطبيق القرارات ، وما أحدثته من آثار اقتصادية واجتماعية وغيرها .
– لا بد من إشراك أكبر عدد من المتخصصين في العلوم الشرعية والعلوم الأخرى ، والاستفادة مما لدى العلوم الأخرى من مناهج بحثية متقدمة .
– عرض المشكلات المراد بحثها وفقا للأكثر أولوية وإلحاحا في المجتمعات الإسلامية .

إن مرور أكثر من أربعين عاما على صدور قرار تأسيس المجمع ، يشكل فترة زمنية كافية من أجل مراجعة آليات عمل المجمع ، وتقييم مدى استفادة المجتمعات الإسلامية من قراراته الصادرة خلال هذه الفترة .. ومن ثم محاولة إعادة صياغة الأهداف والرؤية والرسالة بما يخدم واقع الأمة عمليا قبل أن يخدمها نظريا.

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]