عودة إلى الصفحة الرئيسية

الاقتصاد الإسلامي وفرص عمل الخريجين أ.د كمال حطاب

13 March 2022

عندما بدأت دراسة الاقتصاد الإسلامي في بداية الثمانينات في جامعة أم القرى ، كان برنامج الاقتصاد الإسلامي عبارة عن فرع أو شعبة تابعة لقسم أصول الفقه في الدراسات العليا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ، أما اليوم فالاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى عبارة عن كلية قائمة بذاتها تسمى كلية العلوم المالية والاقتصادية الإسلامية ، تضم أربعة أقسام ، قسم للاقتصاد ، وآخر للتأمين ، وثالث للمصارف والأسواق المالية ، ورابع للتمويل ، وفي كل قسم برامج للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه غالبا ، وكما ورد على موقع الكلية فإن كل برنامج له مراكز وظيفية بعد التخرج معلن عنها على موقع الجامعة سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة ، كما أن لهذه البرامج اتفاقيات تدريبية مع المؤسسات الحكومية والخاصة قبل التخرج ..
ومنذ نهاية السبعينات من القرن الماضي تأسس المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة ، وقد استمر هذا المركز سنوات طويلة في رفد مسيرة البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي بمئات وآلاف الأبحاث في التخصص ، غير أنه تحول أخيرا إلى مؤسسة أكاديمية هي معهد الاقتصاد الإسلامي ، يضم ثلاثة أقسام ، قسم لعلوم وتطبيقات الاقتصاد الإسلامي ، وآخر لإدارة المخاطر والتأمين ، وثالث للتمويل الإسلامي .. ، ولو استعرضنا عددا من الأقسام المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي في عدد من الجامعات والمعاهد العالمية لوجدناها تتطور وتتغير ، بحيث تواكب التطورات المعاصرة الاقتصادية والمالية ، وبما يتوافق مع تطورات أسواق العمل ..
ومما تقدم ، يمكن القول بأن المسؤولية كبيرة على أقسام الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية في كل بلد أو في كل جامعة ، من أجل إعادة النظر في الخطط الدراسية بما يتناسب مع التغيرات والتطورات في سوق العمل ، فربما نكون بحاجة إلى برامج جديدة تتفرع عن أقسام الاقتصاد الإسلامي .. فمثلا يمكن أن توجد حاجة ماسة إلى برامج فرعية متعلقة بالحوكمة والإفصاح والنزاهة والشفافية ، أو برامج في التنمية أو مكافحة الفقر والبطالة ، أو في إدارة المخاطر ، والتأمين ، أو في الأسواق المالية ، أو الصكوك ، أو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد السلوكي .. إلخ وربما وجدت حاجة الماسة إلى برامج أخرى أكثر مواكبة لسوق العمل .
إن الدول التي يغلب عليها القطاع الزراعي ، ويزدهر فيها الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية ، تتطلب أن تركز البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على التمويل الزراعي من خلال السلم أو المشاركة بالمزارعة أو المساقاة .. ولذلك ينبغي أن تركز برامج الاقتصاد الإسلامي في الجامعات على هذه الجوانب ، فيكون الخريجون أكثر إلماما بها ، وأكثر كفاءة فيها .. بعكس الدول التي يغلب عليها القطاع الصناعي أو التجاري والائتماني ، وتتطلب التمويل من خلال الصكوك أو التأجير التمويلي أو المشاركة المتناقصة .. إلخ ، فينبغي أن تركز برامج الاقتصاد الإسلامي على هذه الجوانب ، حتى يكون الخريجون أكثر كفاءة وتميزا فيها ، وبالتالي تكون لهم الأولوية في التوظيف بعد التخرج .. وهكذا
إن مسؤولية إيجاد فرص عمل للخريجين تقع على أطراف عديدة ، لعل من أهمها الأقسام الأكاديمية والبرنامج الأكاديمي الذي يدرسه الطالب ، فبقدر ارتباط هذا البرنامج بسوق العمل ، ومراعاته لحاجة المجتمع ، بقدر ما يجد الخريجون فرص عمل تنتظرهم ، أما إذا كان البرنامج وخطة التخرج بعيدة عن الواقع يغلب عليها الجانب التنظيري ، فإن الخريجين سوف يعانون كثيرا قبل الوصول إلى فرص عمل .
إن المطلوب من الأقسام الأكاديمية المتخصصة عقد اجتماعات وورش عمل ودعوة كافة الأطراف ذات العلاقة بما فيها الأجهزة الحكومية من أجل اعتماد ما له أولوية كبرى ، وبما يتفق مع متطلبات سوق العمل ، بحيث يتم تفعيل هذه البرامج في خدمة المجتمع والنهوض بكافة قطاعاته ومؤسساته .
إن هذه الاجتماعات والورش المقترحة ينبغي أن تكون منعقدة بشكل دائم ، بحيث يتم مراعاة كافة المستجدات والمتغيرات على الواقع الأكاديمي وعلى سوق العمل ، وكذلك مراعاة مؤشرات الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية .

ضعها في رقبة عالم ؟؟ أ.د كمال حطاب

08 February 2022

يتردد على ألسنة كثير من الناس ، كلما أرادوا التبرير لأنفسهم حول سلوك محرم أو مشبوه، خاصة في مجال التعامل مع البنوك الإسلامية ” ضعها في رقبة عالم..” ، .
ولما كانت المصارف الإسلامية مستندة إلى هيئات شرعية تراقب أعمالها وتقر أو توافق على هذه الأعمال ، فإن مبررات الناس وحجتهم في الأخذ برأي الهيئات الشرعية مبررات قوية .
ومع ذلك فإن اجتهادات بعض الهيئات الشرعية يمكن أن تكون خاطئة ، كما هو اجتهادهم في التورق المنظم ، وبالتالي تبقى مسؤولية الفرد في التعامل معها ، مسؤولية شخصية ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ” استفت قلبك.. وإن أفتاك الناس وأفتوك .. ”
ومن هنا فإن مقولة ” ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم ” لا أساس لها في الشرع ، فالأصل أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولذلك فكل إنسان مطلوب منه أن يكون مسؤولا عن أعماله ومواقفه وآرائه أو آراء غيره التي يتبناها ويعمل بها .
إن هذا الحديث يعطي كل إنسان مهما انخفض مستوى علمه، بوصلة واضحة ضد الانحراف أو الوقوع في الإثم ، كما أن هذه البوصلة هي التي تجعل الإنسان وحده مسؤولا عن أعماله ، مستحقا للمحاسبة عن كل انحراف أو زلل أو إثم ، وذلك في ظل قوله تعالى ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ “(الإسراء ، 15) وقوله تعالى ” وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ” ( مريم،95) إن وجود هذه البوصلة التي وضعها الله في قلب كل إنسان هي التي تجعله محصنا ضد السقوط والانحطاط والتدهور ، كما تجعله مسؤولا عن تصرفاته متحملا عواقبها وآثارها .
ومن جهة أخرى فإن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ..” يمثل بوصلة أخرى لكل مسلم لكي يجتنب المحرمات كما يجتنب الشبهات ، وبالتالي فلا داعي ولا ضرورة لكي يضعها في رقبة عالم ، فالأولى تجنب الشبهات والرخص ، والحيل والمتحايلين ..
ومن جهة ثالثة فإن قول ابن حزم ” فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال ..” تعليقا على قوله تعالى ” وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ” (الأنعام ، 119 ) يمثل بوصلة ثالثة للتمييز بين الحلال والحرام .
إن الإسلام يعطي لكل فرد في المجتمع المسلم أهمية عظمى ، ويزيد في كرامته ومكانته ، ويجعل عزته من عزة الله ورسوله ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ” ( المنافقون ، 8) ، وبالتالي لا يحق لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية ويلقي بآثامه وانحرافاته على الآخرين بحجة أهل العلم ، وأهل الذكر ، فكما يقال لو تتبع المرء رخص كل عالم لاجتمع له الشر كله ، كما لا يجوز أن يتصدر البعض تحت أي شعارات أو مناصب لكي يلغوا عقول الناس ويسوقوا عليهم الدجل تحت مبررات دينية عاطفية .
لا يحق لبعض الهيئات الشرعية أن تستغفل الناس وتروج عليهم الحرام بحجج واهية ، ولا يجوز للناس أن يركنوا إلى فتاوى مثل هذه الهيئات من أجل التخلص من الإثم الذي يجدونه في صدورهم ، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس” .
إن للعلماء مكانتهم ودورهم في المجتمع ، من حيث بيان العلم الصحيح والعمل به ، وإظهار الحق والتمسك به والدفاع عنه ، عندما ينحرف الناس عن الجادة ، وللعلماء دورهم في تمثيل القدوة العليا للناس في خشية الله وفي التضحية والفداء والإيثار ، وليس دورهم حمل خطايا الناس وآثامهم ، فالأصل هو قوله تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة ” ( المدثر ، 38) .
ومن جهة أخرى فليس في الإسلام صكوك غفران أو كراسي اعتراف ، فباب التوبة مفتوح لمن أخطأ ، ولا يحتاج المذنب إلى وساطة أحد ، فلا واسطة بين العبد وربه .

الاقتصاد الإسلامي .. مساق اختياري أم إجباري ؟ أ.د كمال حطاب

14 January 2022

قبل أكثر من عشرين عاما ، وحين كنت أحد أعضاء هيئة التدريس في قسم الفقه، كانت مادة الاقتصاد الإسلامي مساقا إجباريا في برنامج الفقه لمرحلة البكالوريوس ، وفي أحد الاجتماعات الدورية للقسم لمناقشة خطة البكالوريوس ، رأى أغلبية أعضاء المجلس تحويل مساق الاقتصاد الإسلامي من المواد الإجبارية إلى المواد الاختيارية ، رغم اعتراضي مع قلة من أعضاء هيئة التدريس ، وتم التصويت على رأي الأغلبية بالموافقة.
وقد آلمني ذلك القرار بشدة ، ربما لأنني الوحيد الذي أحمل شهادة دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي في ذلك الوقت ، وقد كانت لدي طموحات كبيرة بأن ينتشر هذا التخصص بحيث يكون له برنامج مستقل بدلا من مادة واحدة .. وقد دفعني ذلك الموقف إلى كتابة خطاب إلى رئيس الجامعة في ذلك الوقت .. قلت فيه بأن الجامعات الكبرى في العالم مثل هارفارد وأكسفورد ودرم وغيرها تضم في جنباتها برامج للاقتصاد الإسلامي أو التمويل الإسلامي ، ونحن في جامعتنا نضيق بمادة واحدة للاقتصاد الإسلامي ونريد أن تكون مادة اختيارية بدلا من إجبارية . وتكلمت عن أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره في النهوض والتنمية ، وقدرته على مواكبة التطورات الاقتصادية والمالية العالمية .. إلخ .. وبعد هذا الخطاب بسنة أو سنتين .. صدر قرار من مجلس العمداء بالموافقة على إنشاء برامج بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الاقتصاد والمصارف الإسلامية .. كما صدر قرار مماثل في عدد من الجامعات الحكومية والخاصة ، بعد ذلك التاريخ بعدة سنوات .
وبعد أكثر من عشرين عاما على بدء تدريس برامج الاقتصاد والمصارف الإسلامية في عدد كبير من الجامعات، أعيد نفس السؤال الذي طرحته في البداية ؟ ولكن ليس على مستوى برنامج القسم الواحد ، وإنما على مستوى الجامعة ؟ هل يكفي أن تكون مادة الاقتصاد الإسلامي مساقا اختياريا لطلبة الجامعة أم لا بد أن تكون مساقا إجباريا ؟ كما هي مواد اللغة العربية والإنجليزية والحاسوب والمواد الوطنية .. إلخ ؟
في رأيي المتواضع ينبغي أن تكون مادة ” الاقتصاد الإسلامي ” ضمن متطلبات الجامعة الإجبارية ، وذلك لأنها تحقق ما لم تحققه أية مادة أخرى على مستوى الجامعة ، فهي تعمل على تكوين وتشكيل أنماط سلوكية آمنة مرتبطة بالقيم الإسلامية الأصيلة من خلال بناء عادات استهلاك واستثمار آمنة ، وتكوين أنماط سلوك آمن في مجالات الإنتاج والتنمية والتجارة وكافة أشكال النشاط الاقتصادي .كما تعمل مادة الاقتصاد الإسلامي على تعريف الطلبة بمعنى الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية ، بحيث يتخرج كل في مجاله متقنا لهذا المصطلح ، ومطبقا له في حياته العملية ، فتزداد إنتاجية الخريجين ومساهمتهم في خدمة المجتمع .
كما تزرع مادة الاقتصاد الإسلامي في نفوس الطلبة وعقولهم معنى التكافل الاجتماعي والتراحم والإحساس بالآخرين وتجتث من قلوبهم التباغض والتحاسد والطبقية ، من خلال التعريف بأسرار الزكاة والوقف والصدقات والمواريث والنفقات الواجبة .. إلخ .
إن مادة الاقتصاد الإسلامي تعرف الطلبة بأساليب التمويل الإسلامي المبنية على العدالة والمشاركة وتحمل الخطر واقتسامه بين الشركاء وتوزيع المغانم والمغارم ، كما تعرف الطلبة على أحدث الأساليب والأدوات المالية الإسلامية التي تواكب التطورات المالية المعاصرة وربما تتفوق عليها دون أن تتنازل عن المبادئ والضوابط الشرعية أو المعايير المهنية والمحاسبية العالمية .
إن الحاجة إلى فرض مساق ” الاقتصاد الإسلامي ” كمادة إجبارية ضمن متطلبات الجامعة ، تتضح بشكل كبير عندما نعلم أن معظم أشكال الانحراف والجريمة والتطرف ترجع إلى أسباب اقتصادية ، وأن الاقتصاد الإسلامي لديه الحلول الوقائية والعلاجية لكافة الأزمات والمشكلات الاقتصادية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من التفصيل ينظر : كمال حطاب ، الاقتصاد الإسلامي وأبعاده الأمنية ، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب ، العدد 32 ، المجلد 16، 1422 هـ وبحث : الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية من منظور إسلامي ، مجلة أبحاث اليرموك / جامعة اليرموك . المجلد الثالث عشر، عدد 14 ، 1997 .

لماذا يحسدوننا ؟ أ.د كمال حطاب

29 December 2021

لماذا يحسدوننا ؟
أ.د كمال حطاب
دعيت للإفطار على ” الشكشوكة ” في مطعم في إحدى ضواحي مدينة بوسطن، فأيقنت في نفسي بأننا متوجهون إلى مطعم عربي ، وقد فوجئت عند النظر في قائمة الطعام بوجود ما يسمى ” Israil breakfast ” مكونة من البيض واللبنة والزعتر والجبنة والطحينة .. إلخ وأكلة أخرى أطلق عليها ” تل أبيب” وأخرى تسمى ” يافا سالاد ” فسألت هل هذا مطعم إسرائيلي ، فقالوا ربما يكون صاحبه من أصول يهودية . فقلت إن هؤلاء لا يكتفون باحتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني ، بل يقومون بتسويق أنفسهم وتلميع احتلالهم الظالم أمام العالم .
لم أستغرب كثيرا هذه الحال ، ودولة الاحتلال العنصرية تحاول طمس هوية فلسطين الإسلامية وكل ما يتعلق بها من مدن وأحياء وشوارع وعادات وطعام وشراب وأزياء فلسطينية ، وكل شيء يشير إلى فلسطين ..
فلماذا ينافس اليهود المحتلون المسلمين على طعامهم وعلى لباسهم وأكلاتهم وأسماء مدنهم وتاريخهم ، ولماذا ينافسونهم على مقدساتهم ؟ أليس لهم مقدسات خاصة بهم ؟ ألا يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ؟ لماذا لا يكتفون بمقدساتهم ؟ ما هو سر هذا الحسد والعداوة للمسلمين ؟ ألا يعتبرون أنفسهم متفوقين وأذكياء ، وحملة جوائز نوبل؟؟ ، فلماذا يحسدون المسلمين ويزاحمونهم على كل شيء ؟
يبدو أن هذا الحسد والحقد على المسلمين يعود إلى أكثر من ألف وأربعمئة سنة ، فقد علم اليهود قبل الإسلام ومما ورد في كتبهم أن نبيا سيبعث في مدينة يثرب ، فحضروا إليها وأقاموا حصونهم فيها بانتظار ظهور النبي ، ظنا منهم أنه سيكون منهم ..فلما ظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من العرب وليس منهم .. خابت آمالهم وناصبوه العداء وتآمروا على قتله وتحالفوا مع المنافقين والمشركين ضده صلى الله عليه وسلم ” .. فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿البقرة ، 89﴾
ومنذ ذلك الوقت بدأ الحسد يكبر في نفوسهم ” وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .. ” ( البقرة ، 109)
إنهم يحسدون المسلمين منذ البعثة .. على كل مسجد أو أرض مقدسة ، وبالتالي يعتبرون أنفسهم أحق بها ، يحسدون المسلمين على أنبيائهم ، فينافسون في إبراهيم عليه السلام ، ففند الله زعمهم ” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” ( آل عمران ، 67)
إنهم يستكثرون على المسلمين حقهم في عبادة الله ، وفي أن يكون لهم مساجد .. فها هو الحرم الإبراهيمي في الخليل قد صادروه ، وها هو مسجد بلال في بيت لحم ، وقبل ذلك عشرات المساجد في فلسطين قد صادروها واستغلوها أبشع استغلال ..
وها هم اليوم ينافسون بشراسة على المسجد الأقصى ، وقد بنوا أكثر من مئة كنيس حول المسجد الأقصى ، كان آخرها كنيس الخراب الذي هو إشارة لخرابهم وخراب بيوتهم .. ، إنهم يحاولون بكافة الطرق غير القانونية بناء معبدهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ؟
وها هم يزاحمون المسلمين في بيوتهم ؟ وأراضيهم ومزارعهم ومقابرهم ؟ يزاحمونهم في أسواقهم ونواديهم ؟.يزاحمونهم وينافسونهم في طعامهم وشرابهم ، وينسبون لأنفسهم معظم العادات والتقاليد الفلسطينية في الطعام والشراب واللباس والأعراس .. إنهم يسرقون حتى التاريخ بعد أن سرقوا الجغرافيا والتضاريس .. إنهم يعتدون على الأموات في قبورهم بعد اعتدائهم على الأحياء .
لقد مارسوا كافة أشكال الإجرام والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني ، جدار الفصل العنصري ، الحواجز الأمنية ، القمع والتعذيب والهدم والترحيل والإذلال وإعاقة سبل الحياة أمام الفلسطينيين ، وقتل المدنيين بدم بارد وأمام كاميرات العالم .
إلا أن كل هذه الممارسات الوحشية لم تؤثر على صمود الفلسطينيين ، وتمسكهم بمقدساتهم ، ومسرى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم تضعف تمسكهم بأرضهم وزيتونهم وهواء بلدهم ، ، لم تضعف تمسكهم بطعامهم وشرابهم ولباسهم ، وتمسكهم بأكلاتهم الشعبية ، وسيقى الشعب الفلسطيني رغم أنوف الصهاينة ما بقيت أشجار الزيتون ، وسيبقى الزيت الفلسطيني مضيئا ، يفضح ظلم اليهود المحتلين وغطرستهم وحسدهم وجشعهم ، سيبقى الزيت الفلسطيني نورا ساطعا يظهر الحق الفلسطيني للأجيال القادمة وللشعوب الحرة .

ماكدونالد وستاربكس .. وحليب الأمهات أ.د كمال حطاب

23 December 2021

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودخول المطاعم الأمريكية إلى روسيا ، وقف الناس على أقدامهم طوابير طويلة، تمتد مئات الأمتار بانتظار وجبات البرغر والبيبسي من ماكدونالد .., وبعد انتهاء الإغلاق من كورونا وقف الناس في سياراتهم في بعض الدول العربية في طوابير تمتد كيلومترات طويلة بانتظار قهوة ستاربكس ..
يقول توماس فريدمان في كتابه السيارة لكزاس وشجرة الزيتون .. لو كانت مطاعم ماكدونالد موجودة في العراق وأفغانستان قبل الاحتلال لما وجد الجيش الأمريكي أية مقاومة .. لأنه من المستحيل أن تحصل حرب بين بلدين يوجد فيهما مطاعم ماكدونالد .
هل توجد علاقة بين الطعام والشراب والتربية والمقاومة ؟ هل هي نوعية الطعام والشراب أم هي طريقة تناول الطعام والشراب ؟ أم هي طريقة الحصول على الطعام والشراب؟
مما لا شك فيه أن كل هذه العوامل والتي يطلق عليها أنماط الاستهلاك قد تكون أنماطا وطنية أو تكون غربية مستوردة ، مما سيكون له أثر كبير في التربية وبناء الأجيال وتحديد هوية المجتمع ، بل إن لهذه العوامل أثر كبير في تحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار والاستقلال الوطني .
فعندما تعتاد الأجيال منذ الصغر على الوجبات السريعة المستوردة ومشروبات الكاكاو والشوكولا الغربية مع الكاراميل أو السينابون أو غيرها من النكهات والإضافات التي تجعل الطفل معلقا بهذه المشروبات والأطعمة المرافقة ، ويظل يتوق لها ويشتاق إليها كلما ابتعد عنها .. فإن علاقة قوية سوف تنشأ بين هذه الأجيال ومنتجي هذه الوجبات السريعة ومرفقاتها من مشروبات ساخنة وباردة .
إن مثل هذه الأجيال لن تتوق إلى الطعام والشراب الذي تعده الأمهات في البيوت ، لن يتوق أحد من هذه الأجيال إلى ” سندويشة ” الزيت بالزعتر أو اللبنة أو المربى البيتي .. وهنا سوف يكون الانتماء إلى صانعي الأطعمة المستوردة أكبر من الانتماء إلى إنتاج الأمهات أو حتى الإنتاج المحلي أو الوطني .
إن قضية الانتماء الوطني ، ليست مجرد أناشيد يحفظها الطلبة في المدارس ، ولا هي ثقافة وطنية تدرس في الجامعات أو تاريخ أو تراث أو فلكلور .. وإنما هي قبل كل شيء عادات وسلوكيات قويمة تربط الناس بخيرات بلادهم ، كما تربطهم بحليب أمهاتهم ..
إن قضية الانتماء المجتمعي تنبني على صلة الرحم والتكافل الاجتماعي ، كما تنبني على بناء علاقات قوية بالأرض وما عليها من زروع وثمار وبساتين ، علاقات قوية بمنتجات الأرض من قمح وزيتون ورمان وتين وعنب وغيرها من محاصيل زراعية ومائية وحيوانية ..إلخ .
إن المنتج الوطني له قداسته في كل بلد مستقل يحترم نفسه وأبناء شعبه ، فتقدم له الحكومات كل دعم ، من أجل استمراره حفاظا على استمرارية تحقيق الأمن الغذائي والهوية الوطنية ، حيث تقدم دول أوروبا مئات مليارات اليورو دعما للمزارعين ، وكذلك تفعل أمريكا دعما للمنتج الوطني وحفاظا على استمراريته .
إن إنتاج منتجات ذات مذاقات ونكهات متقدمة من الأعشاب المحلية والوجبات الوطنية والشعبية ، وعمل معايير ومواصفات وخصائص ثابتة لها ، وتسويقها محليا وعالميا ، يمثل تحديا كبيرا للحكومات ، ولرجال الأعمال من القطاع الخاص ، يعبرون من خلاله عن انتمائهم لأوطانهم وعن حرصهم على مستقبل الأجيال القادمة ، حتى لا تقع فريسة للنمط الاستهلاكي الأجنبي ، الذي يفقد الإنسان استقلاليته وهويته الثقافية والأخلاقية .
إن الاستقلال الوطني لن يكون كاملا ما لم تتحرر الأجيال من إدمان الوجبات السريعة ونكهات ومذاقات المشروبات الغازية الأجنبية، وقبل ذلك نكهات التبغ ومشتقاته وتوابعه .
إن الانتماء الوطني ليس مجرد كلام عاطفي يتردد على ألسنة بعض الإعلاميين ، بل هو قبل كل شيء تضحية وعطاء وإيثار ودعم للمنتج الوطني ودعم لصغار المنتجين ، ودعم وتسهيلات تقدم لأصحاب المنتجات الشعبية والتراثية التي تمثل تاريخ المجتمع وهويته الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية .. إلخ

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]