عودة إلى الصفحة الرئيسية

ثقافة القراءة في أمريكا أ.د كمال توفيق حطاب

15 December 2021

ثق
كنا في زيارة عائلية إلى إحدى المكتبات العامة في ضواحي مدينة بوسطن ، فوجئت بحفاوة الاستقبال من قبل موظفي المكتبة وبلهفة الأطفال على الكتب وعلى مرافق المكتبة وتعلقهم الشديد بالقصص ، وتساءلت هل هي ظاهرة عامة أم هي حالة خاصة لدى أطفالنا فقط ، فوجدت أنها حالة عامة ، حيث توجد حصص للمكتبة في المدارس الابتدائية ، يزور فيها الطلبة مكتبة المدرسة ، ويتعرفون على الكتب ، ويتم إرشاد كل طالب في كل حصة ، إلى استعارة كتاب يلبي ميوله ويجد لديه رغبة في استعارته ، ومن هنا تبدأ العلاقة بالكتاب .
وفي زيارة أخرى إلى مكتبة بارنز ونوبل الشهيرة ، والتي تنتشر فروعها في معظم مناطق أمريكا ، وجدت إقبالا وازدحاما على شراء الكتب ، وعلى تصفح الكتب ، وقوفا أو جلوسا في أحدى زوايا المكتبة ، حيث يوجد كافيه ، يجلس فيه كثيرون يتصفحون الكتب والمجلات دون اعتراض من أحد، ولم أعثر على كتاب أو مجلة مغلفة بحيث يمنع الاطلاع عليها ، ولا موظفين يحذرون القارئ من القراءة ، كما هو الحال في كثير من بلادنا العربية ، جلسنا عدة ساعات تعرفنا على كتب كثيرة لم نسمع بها من قبل ، وبالرغم من وجود كورونا وإغلاق أكثر من 400 فرعا لهذه المكتبة إلا أنها لا تزال تعمل كما كانت من قبل .
من الملاحظات على مرتادي المكتبة أن معظمهم من كبار السن ، وقلة هي من فئة الشباب ، ولا أدري هل هي مصادفة أم أن المجتمع أصبح هرما أو كثيف الشيخوخة .. ومما يلاحظ أيضا أن مباني المكتبات سواء العامة أو الخاصة مبان فخمة أنيقة ، واسعة جدا ، يشعر الزائر فيها براحة كبيرة ، ولا يعاني من أي نظرة فضولية أو عوائق نظامية أو نفسية .
من الملاحظات هنا أن الناس أصبحوا مدمني قراءة ، وبالرغم من وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف المحمولة ، فإن عادة القراءة لا تزال متأصلة في هذا المجتمع ، ولعلها من أسباب استمرار قوة المجتمع علميا وتكنولوجيا .. وقد لاحظت أثناء زيارتنا لبعض حدائق الأطفال ، وجود أكواخ صغيرة ، أشبه بصناديق البريد ، تحتوي على كتب لمرتادي الحديقة للمطالعة ، كما توجد مثل هذه الصناديق على أبواب بعض البيوت لمن يريد أن يقرأ أو يستعير أو يتبرع بكتاب .
لا أدري إذا كانت أوضاع أمة ” أقرأ ” قد تحسنت أم أنها لا تزال كما عهدناها منذ زمن طويل .. أذكر أنني حاولت استعارة كتاب عندما كنت في المدرسة الإعدادية ، فقال لي أمين المكتبة إن هذا الكتاب كبير عليك ولن تستطيع أن تفهمه ، ومع ذلك سمح لي باستعارته ، وكان من أوائل الكتب التي قرأتها وفهمتها ولخصتها وكان بعنوان ” المسلمون والعلم الحديث ” ، وقد بدأت عادة قراءة الكتب وتلخيصها منذ ذلك الوقت ، ومعظم الكتب التي لخصتها لا أزال أذكر كثيرا مما ورد فيها .
وفي الثانوية ، اعتدت بعد مغادرة المدرسة أن أمر في طريقي علي مكتبة بلدية الزرقاء وكانت في سوق احياد التجاري ، فأتصفح بعض الكتب والمجلات والصحف ، وكانت المكتبة عبارة عن شقة في الدور الأول ، ولا أدري ما حالها الآن وكيف أصبحت .
أظن حالي كانت حال كثير من الطلبة ، حيث كنا نستعير الكتب ونقرؤها ، ونتناقش في محتواها ، ونوصي بعضنا بعضا حول بعض الكتب .. ولا أدري هل لدى الطلبة في هذه الأيام مثل هذه الاهتمامات ، أم أن الهواتف المحمولة والألعاب الإلكترونية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي قد احتلت الجزء الأكبر من الحياة اليومية المعاصرة ..
مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي قد احتلت الجزء الأكبر من حياتنا جميعا كبارا وصغارا ، غير أن تنمية عادة القراءة من الصغر ، تجعل وسائل التواصل الاجتماعي أقل تأثيرا ، كما أن وجود مرافق مكتبية واسعة مريحة وموارد بشرية أكثر تأهيلا ، سوف يزيد من إقبال الناس على المكتبات ، والتعلق بالكتاب ، وتنمية عادة القراءة ..
ومما لا شك فيه أيضا أن المسؤولية في إيجاد البنية التحتية لثقافة القراءة تقع على الحكومات بوزاراتها المختصة ، غير أن مساهمة القطاع الخاص ، وقطاع دور النشر والمكتبات التجارية الكبرى ، سوف يزيد من تحقيق هذا الهدف ، ويعمل على تسريع نمو ثقافة القراءة ، بما يقلل كثيرا من أثر وسائل التواصل الاجتماعي .
إن الأمة التي نزل فيها القرآن ، وبدأ نزوله بكلمة ” إقرأ ” ، وتحدث عن القراءة وحث عليها في أكثر من ستة عشر موضعا ، لهي جديرة بأن تعلم العالم ثقافة القراءة ، وأن تقود العالم في طريق العلم والحضارة ، وقد فعلت ذلك سابقا ، ويمكن أن تفعل ذلك لاحقا .

كبار السن في أمريكا أ.د كمال حطاب

11 December 2021

كبار السن في أمريكا
أ.د كمال حطاب
من المظاهر التي يلاحظها الزائر لأمريكا ، شيوع ظاهرة عمل كبار السن ، وخاصة من السيدات ، فما من محل تجاري أو مولات أو كافيهات ، إلا وتجد العاملات أو الكاشيرات من فئة كبار السن من السيدات ، ممن أعمارهن تتجاوز الستين أو السبعين سنة .. وعند التدقيق في أدائهن لأعمالهن تجد أنهن يتمتعن بطاقة ونشاط ربما يفتقدها الكثير من الشباب .. بل إن الكثير من المطاعم تعتمد على هذه الفئة بشكل كبير .. أين الشباب ؟ ولماذا لا يقومون بهذه الأعمال ؟ هل التعويضات التي حصل عليها الناس أثناء الكوفيد19 ، جعلت الكثير من الشباب لا يعملون ، أو أن الشباب لا يرغبون بمثل هذه الأعمال ، ويؤثرون الأرباح السريعة من خلال التجارة الإلكترونية أو أن أجور هذه الأعمال ربما لا تكفي لبناء مستقبل لهم .. ولماذا لا تستريح هؤلاء السيدات في بيوتهن ؟ ألا يوجد لهن معيل ؟ أو راتب تقاعدي ؟
لا أدري ، ربما هو حرص من هذه الفئة على الاعتماد على نفسها في بيئة انخفض فيها مستوى التراحم وبر الوالدين ، وبات كبار السن أمام تحدي ” أكون أو لا أكون ” ، وربما هو استغلال من أصحاب العمل ، لأن هذه الفئة قد لا تحتاج إلى تأمين أو ضمان أو غير ذلك مما يتطلبه تشغيل الفئات العمرية الأقل ..وربما وربما ..
غير أن الملفت للنظر هو تمتع هذه الفئة في الغالب بحيوية ونشاط وقوة وروح رياضية عالية ربما لا تتوفر لكثير من شباب وشابات اليوم ..
زرت قبل أيام ، في الصباح الباكر ، أحد “الجيمّات” الرياضية ، فوجئت بوجود أكثر من أربعين سيدة ، معظمهن فوق السبعين ، يؤدين تمارين رياضية مشتركة مع إحدى المدربات ، فعرفت سر النشاط والقوة والطاقة البدنية ..
إن صلة الرحم وبر الوالدين في معظم المجتمعات الإسلامية أمر جميل ومطلوب وضروري وهو من أعلى القربات إلى الله ، ومن أهم مؤشرات الصحة النفسية والاجتماعية في المجتمع .. ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال الإسهام في تدهور صحة كبار السن ، بمنعهم أو منعهن من المشي أو مزاولة أي شكل من أشكال التدريب أو الرياضة ..
كم يظلم كبار السن أنفسهم أو يظلمهم المجتمع عندما يحبسون أو يعزلون في غرف ، وتقدم لهم الخدمات الأساسية ، ولا يطلب منهم أو يسمح لهم بالحركة بحجة توفير الراحة التامة لهم .. إن الراحة لن تأتي إلا بعد تعب وصحة ونشاط .. أما عدم الحركة فهو مرض وليس براحة .. صحيح أنه لا ينبغي أن يقوموا بأعمال شاقة ، ولكن ذلك لا يعني عدم الحركة وعدم الانخراط بأي نشاط اجتماعي أو صحي ..
كم يُظلم كبار السن ، بسبب بعض التقاليد المغلوطة ” لما شاب أرسلوه على الكُتّاب ” ، هذا المثل يقف في وجه كل من يحاول أن يرتقي بنفسه علميا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا ورياضيا وحتى اقتصاديا .
إن كبار السن هم بيت الخبرات والاستشارات والنصائح والدروس والعبر .. وبالتالي لا بد أن يحفظ لهم المجتمع مكانتهم ، ويعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية ، ويشعرهم بأهميتهم بشكل مستمر من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية والترويحية ..
إن الواقع يشير إلى أن رئيس أكبر دولة في العالم يقترب من الثمانين وكذلك الرئيس الذي قبله ، وكذلك رؤساء روسيا وغيرها من الدول الكبرى .. وحتى كبار أصحاب الثروات في العالم ، معظمهم من المعمرين .
قرأت في إحدى المجلات مقالا حول ” المعمرين ” ، وكان عنوانه ” the Centenarians ” ، يتحدث عن نسبة المعمرين في الولايات المتحدة وما يخصص لهم من موازنة ضخمة من أجل صحتهم والأنشطة الاجتماعية والترويحية التي يحصلون عليها . مما يضفي عليهم صحة وحيوية تمكنهم من العيش أعمارا مديدة.
ونفس الوضع في معظم الدول المتقدمة حيث تشكل تكاليف الرعاية لكبار السن من 15 – 25 في المئة من ميزانيات هذه الدول . وهي تكلفة اقتصادية كبيرة على هذه الدول ، ومع ذلك فهي مستمرة وفي ازدياد ، لأنها من أبسط حقوق كبار السن ، فكبار السن هم الذين أسسوا وعمروا وقدموا التضحيات ، فكيف لا يتم مكافأتهم ورعايتهم ، وكل أفراد المجتمع صائرون إلى هذا المصير، إذا طال عليهم العمر ، وبالتالي يطمئن كل فرد إلى مستقبله ، وينصرف إلى عمله ويؤدي واجبه بإخلاص وتفانٍ ، ولا يقلق على مستقبله إذا ما غدا كهلا مسنا لا يستطيع العناية بنفسه ، فقد وُجد نظام يعتني به ويؤمن له كافة مستلزماته .
إن كبار السن هم الأكثر أولوية بموازنات الحكومات في المجتمعات المسلمة ، فإذا لم تقم الحكومات بدورها عجزا أو عقوقا ، فينبغي أن تتكفل بذلك المؤسسات الوقفية والزكوية والإغاثية ، بحيث تكون المجتمعات المسلمة كالجسد الواحد الذي أخبر عنه نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم .
إن المجتمعات التي لا يُكفل فيها كبار السن ولا يُقدم لهم الرعاية والعناية هي مجتمعات ظالمة فاشلة . لا خير فيها لكبارها ولا لصغارها .

لماذا يكرهون محمدا ؟؟ صلى الله عليه وسلم أ.د كمال حطاب

19 October 2021

صرح أحد المرشحين لرئاسة فرنسا بأنه إذا فاز، فسوف يمنع المسلمين من تسمية أبنائهم باسم ” محمد “.
لماذا هذا الحقد ؟ وأين هي الحرية والعدالة والمساواة التي قامت عليها الثورة الفرنسية ؟ أين هي العلمانية التي تنادي بالحياد ؟ وبفصل الدين عن الحياة ، ودع ما لله لله وما لقيصر لقيصر .. ماذا دهى هؤلاء أو ماذا ألم بهم ؟ أهو حقد دفين ؟ أم هي جرأة غير معتادة ؟ أم هو حال المسلمين الذي جرأ عليهم كل ساقط وحاقد وجبان؟
إن كراهية أعداء الإسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم ليست جديدة ، فهي قائمة منذ بعثته صلى الله عليه وسلم ، حيث كان اليهود يظنون أن النبي سيكون منهم ، فلما بعث من العرب ناصبوه العداء ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . ولم يكتفوا بالإعراض والصد عنه ، ولكنهم حاولوا قتله أكثر من مرة ، ولكن الله عز وجل تكفل بحمايته ، وعصمته .. ” والله يعصمك من الناس ” ..
ورغم الكراهية الشديدة من أعداء الإسلام في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، ورغم حرصهم الشديد على تكذيبه ومحاربته وقتله ، فقد انتصر محمد صلى الله عليه وسلم ، وانتصرت دعوته ، رغم كيد الكائدين ، وحقد الحاقدين ، انتصر دين محمد حتى عم الآفاق ، ووصل إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب في فترة قصيرة جدا ، ومع ذلك لم يتوقف الحقد ولم تتوقف الكراهية ..
غير أن كراهية أعداء الإسلام لمحمد في الوقت الحاضر ، هي كراهية عنصرية مقننة ، مشفوعة بالقوانين ، ففي فرنسا بلد الحرية والمساواة كما يدعون ، تصدر القوانين التي تمنع الحجاب ، وتُدين أئمة المساجد ، كما تصدر قوانين ضد الإسلام العنصري كما أطلقوا عليه ، بحيث يضيق على المسلمين معيشتهم في بلد الحرية والمساواة المزعومة ، وأخيرا وليس آخرا ، ها هم اليوم يحاربون اسم محمد .. صلى الله عليه وسلم
إن هذا المرشح لم يكن ليتجرأ على هذه الإساءة لو لم يجد له أنصار ومؤازرين وأولهم الرئيس الفرنسي نفسه ، والذي أساء للإسلام والمسلمين أكثر من أي رئيس سبقه ، وكل هؤلاء يسعون لكسب أصوات المتطرفين الحاقدين، الكارهين لكل ما هو غير فرنسي ، وخاصة إذا كان من المسلمين ..
وبالتالي كان لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية ما يبررها ، وقد آتت الحملة أكلها في البداية ، مما دفع ماكرون إلى التراجع ومحاولة تبرير تصريحاته ، ومحاولة التودد للمسلمين .. غير أن عدم استمرار الحملة بقوة جرّأ آخرين على استمرار التعدي على المسلمين والإساءة للإسلام .
إن أضعف الإيمان في مواجهة مثل هذه التصريحات هو أن نقاطع كل ما هو فرنسيا ، نقاطع طائراتهم ومتاجرهم وبضائعهم ، نقاطع لغتهم وأفلامهم وبرامجهم التعليمية ، نقاطعهم فلا نستورد منهم ولا نصدر لهم .
إن الحملة التي أطلقت لمقاطعة المنتجات الفرنسية لا تزال مستمرة ، ولكنها لم تؤتِ أكلها بشكل كامل .. بسبب جهل كثير من المسلمين بما يدور حولهم ، وما يخطط له أعداؤهم ، وبسبب عدم دفاعهم عن دينهم وعن نبيهم صلى الله عليه وسلم .
إن العلاج لمثل هؤلاء هو عدم انتخابهم وعدم التصويت لهم ، وتحذير الناس منهم ، وفضحهم على الملأ وفي كافة المحافل .. إن مثل هؤلاء سوف يلحقون أضرارا اقتصادية عظيمة بفرنسا ، في حال قام المسلمون بدورهم الحقيقي في المقاطعة ..
لو كان لدى القوم عقلاء لمنعوا هذا الحاقد من الترشح حرصا على اقتصادهم وعلى تجارتهم وعلى علاقاتهم الطبيعية مع الشعوب الإسلامية .
إن حملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية ينبغي أن تتحول إلى عمل مؤسسي ما داموا لا يخجلون ، ولا يتراجعون عن إعلان عدائهم وكراهيتهم للإسلام ولنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ..
ينبغي أن يتخصص بعض المسلمين لمأسسة حملة المقاطعة بحيث لا تفتر ولا تتراجع ، ما دام هؤلاء على باطلهم وعلى إساءاتهم ، وأن يتخصص البعض في تقنين الموضوع ، بحيث تصدر القوانين التي تجرم الإساءة وتلحق بالمسيئين أشد العقوبات .. وأن تخصص المواقع وتنظم الهاشتاقات التي ترد على الإساءات بشكل منهجي عملي بحيث يكون لها أثر كبير في المحافل والمنظمات الإنسانية الدولية ..
ينبغي أن تتضافر الجهود من أجل الذب عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس حبه صلى الله عليه وسلم بتكرار الصلاة عليه فحسب ، وليس حبه بالاحتفال بذكر شمائله يوم مولده فحسب ، وإنما حبه يكون بحفظ اسمه ومكانته وعرضه ، والذب عنه بكل الأدوات والأساليب الممكنة ..، وبنشر سيرته وفضله وعدله ورحمته وعطائه وكرمه وأخلاقه وعظمته وإنسانيته ،إن حبه يكون بحب من أحبه وبغض من يبغضه ، ومقاطعة ومعاداة من يعاديه ..إن حبه يكون بالاقتداء به والسير على منهجه وهديه صلى الله عليه وسلم ..

الاقتصاد الإسلامي والتخصصات الراكدة ؟؟ أ.د كمال حطاب

06 October 2021

في عام 2005 تسلمت رئاسة قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية في جامعة اليرموك ، وفور تسلمي رئاسة القسم ، قمت بالتعاون مع الطلبة ، بوضع لوحة حائط ، وكان أول إعلان على اللوحة ، إعلان عن المواقع الإلكترونية أو العناوين والإيميلات لأكثر من مئتي شركة ومؤسسة معنية بالجوانب الاقتصادية والمالية الإسلامية .
كنت أُذكر الطلبة والطالبات في كل محاضرة بضرورة مراسلة هذه الشركات والمؤسسات من أجل التعرف عليها ومجالات عملها ، وكنت أحثهم على توجيه سؤال إلى المدير العام في كل شركة ، وهذا السؤال هو : كيف يمكن أن أخدمكم بعد تخرجي من الجامعة ؟ ما هي جوانب النقص التي يمكن أن أغطيها لديكم بعد تخرجي ؟ وكنت أحث الطلبة في جميع مستوياتهم الدراسية من السنة الأولى إلى الرابعة ، على استمرارية التواصل مع الشركات ؟
وقد وضعت هذه الأفكار وغيرها من الاقتراحات في ذلك الوقت على موقعي على الإنترنت ( kamalhattab.info ) ، تحت عنوان ” مقترحات لتفعيل دور طلبة الاقتصاد الإسلامي في خدمة المجتمع ” ولا تزال هذه المقترحات موجودة على الموقع حتى يومنا هذا .
أكتب هذا الكلام في الوقت الحاضر وأنا أقرأ وأسمع على مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى خريجي أقسام الاقتصاد الإسلامي وخريجي أقسام المصارف الإسلامية حول عدم وجود فرص عمل أمامهم ، بل إن الأمر تعدى أكثر من ذلك إلى اعتبار البعض الاقتصاد الإسلامي أو التمويل الإسلامي من التخصصات الراكدة .
وقبل مناقشة مدى صحة هذا الكلام ، لا بد من التذكير بأن مسألة التوظيف والتخصصات المقبولة أو الراكدة هي مسألة عرض وطلب ، فما دام أي تخصص يوجد عليه إقبال سواء من الطلبة أو سوق العمل فلا يصح أن يحذف أو يحارب ، ولعل المتأمل في كثير من دولنا العربية ، فإنه سيجد أن التخصصات الشرعية واللغة العربية والتاريخ الإسلامي والجغرافيا وكثيرا من التخصصات الإنسانية كانت تواجه إقبالا ضعيفا خلال العقدين الماضيين ، نظرا لهيمنة التخصصات التكنولوجية والمعلوماتية والرقمية ، والإرشادات والتوصيات المتسارعة بأن معظم التخصصات الإنسانية هي تخصصات راكدة ليس لها مجال وظيفي .
غير أنني استمعت قبل أيام لرسالة صوتية لأمين عام وزارة التربية والتعليم الأردنية تناشد كل من هو متخصص في هذه التخصصات أو كل من يعرف أحدا متخصص في هذه التخصصات الإنسانية والشرعية واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا .. التقدم عاجلا للتوظيف نظرا للنقص الشديد في هذه التخصصات .
فما الذي جرى ؟ وأين ذهبت التوصيات والإرشادات ؟ والتحذير من التخصصات الراكدة ؟
إن المسألة بكل بساطة هي مسألة عرض وطلب ، وكما هو القانون الاقتصادي الشهير ” كل عرض يخلق الطلب عليه ” فالتخصصات المعروضة سوف توجد الطلب عليها ، قد يزداد الطلب في إحدى الفترات وقد ينخفض في فترات أخرى ، ومع ذلك فسوف يستمر ما دام معروضا .
ومما تقدم نلاحظ أن مشكلة التخصصات الراكدة في الوقت الحاضر ليست مشكلة تخصص الاقتصاد الإسلامي وحده ، بل هي مشكلة كافة التخصصات ، بسبب ظروف الكورونا وتداعيات الكورونا الاقتصادية .
كما أن مسؤولية إيجاد فرصة عمل تعتمد على الطالب بالدرجة الأولى ، فالطالب المبدع المجتهد لا بد أن يجد له مكانا في سوق العمل، فالمسألة لم تعد تعتمد على الشهادة أو الدرجات وإنما تعتمد على الكفاءة والخبرة والقدرة على الإضافة والإقناع .
وقد رأينا في العام الماضي الرئيس الأمريكي ، يصدر أمرا تنفيذيا باعتماد المهارة قبل الشهادة الجامعية عند اختيار الموظفين .
إن أزمة التشغيل ليست موجهة للاقتصاد الإسلامي أو المصارف الإسلامية فحسب، وإن كان يطلب من الأقسام الأكاديمية التطوير الدائم في برامجها من أجل مواكبة سوق العمل ، حيث يمكنها إدخال برامج مخاطر التمويل الإسلامي ، وريادة الأعمال الإسلامية، والتأمين الإسلامي ، والأسواق المالية الإسلامية ،والصكوك ، والوقف ..إلخ ، ومع ذلك فسوف تبقى قوى العرض والطلب تتفاعل من أجل الحصول على الأفضل والأكثر كفاءة ومهارة ، ومن أجل التطوير والانتفاع والإضافة وزيادة الإنتاج ، ورفع مستوى المؤسسات والشركات .
إن مشكلة وجود فرصة عمل لم تعد مسؤولية الحكومات في الدول العربية منذ سنوات طويلة ، وخاصة بعد أن دخلت معظم الدول العربية في برامج تصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي .
وبالتالي فإنه ليس من حق الحكومات أن تتدخل في تحديد التخصصات الراكدة أو تحذير الناس منها .. إن ما هو راكد اليوم ، ليس بالضرورة أن يكون راكدا غدا ، وبالتالي فإن معظم هذه الحسابات ليست دقيقة ..
إن الحكومات التي لا تستطيع إيجاد فرص عمل لمواطنيها ، لا يمكنها أن تتدخل فيما هو راكد أو غير راكد ، وبالتالي فلتكف يدها عن التدخل ، وليترك الأمر لقوى السوق، ولتعمل على حماية السوق من الاحتكار والمنافسة غير العادلة ، عندها يمكن للتخصصات المختلفة أن تتفاعل بحرية مع قوى العرض والطلب ، بما يؤدي إلى تحقيق التوازن من التخصصات النافعة والتوازن في سوق العمل .

الاقتصاد الإسلامي.. أمل المظلومين أ.د كمال حطاب

21 September 2021

منذ ما يقرب من أربعين عاما ونحن نعيش قضية الاقتصاد الإسلامي كأمل وحلم وحياة ، نعيش الاقتصاد الإسلامي في البيوت والجامعات والمكتبات والمراكز البحثية وقاعات الدرس ، ومن خلال المؤتمرات والورش العلمية ومناقشة الرسائل العلمية .. إلخ .
عشنا الاقتصاد الإسلامي كتخصص ، وكرفيق حياة ، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يطرق أسماعنا هذا الاسم ومرادفاته من تمويل إسلامي ووقف إسلامي ونظام مالي إسلامي ونظام نقدي إسلامي .. إلخ .
وفي كل يوم نزداد تفاؤلا بأن المستقبل للاقتصاد الإسلامي لأنه جزء من هذا الدين ، وقد تكفل الله عز وجل بحفظ هذا الدين ، كما تعهد بحفظ كتابه ، ويعني ذلك كل ما ينبثق عنه من مبادئ وأنظمة فرعية .
إن الاقتصاد الإسلامي اليوم وبالرغم من كثرة الضغوط على المسلمين يزداد قوة وانتشارا ، وتزداد فروعه ومجالاته ، ويزداد انتشاره ونفعه على مستوى العالم ، فها هي الأوقاف الإسلامية تنتشر على مستوى العالم كما كانت في العصور الزاهرة ، وها هي المنظمات الدولية تنظر إلى الزكاة وإعادة إحيائها كأمل للمسلمين في حل مشكلاتهم المستعصية ، إن الزكاة وحدها وهي نسبة 2.5% من أموال الأغنياء ، يمكن أن تحدث التغيير في مجال مكافحة الفقر والأوبئة وإغاثة اللاجئين والمشردين على مستوى العالم .
إن دخول مصطلحات الاقتصاد الإسلامي كالزكاة والوقف والمشاركة والمرابحة والمضاربة والسلم والاستصناع والصكوك .. في القواميس الدولية شكل إضافة معرفية كبيرة للأدب الاقتصادي ، كما أن انتشار العمل الخيري الإسلامي والإغاثة الإسلامية والأوقاف الإسلامية على مستوى العالم شكل انبعاثا للإشعاع الحضاري الإسلامي من جديد .
فالاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يرتكز على قوله تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ” ( النحل ، 90 )
فهو أمل المظلومين لأنه يقوم على العدالة ، التي تعتبر الناس سواسية كأسنان المشط ، ولا تفرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود ، إلا بالتقوى .. العدالة التي تأخذ على يد الظالم حتى تأخذ الحق منه .. العدالة التي تعيد الحقوق لأصحابها ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على الكفاءة والإحسان ، الكفاءة التي تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد ، الكفاءة التي تحقق أعلى إنتاج من الطيبات بأقل وقت وجهد وتكاليف ، الكفاءة التي تؤدي إلى المهنية والإتقان والإحسان في كل عمل وإنجاز .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التكافل والتراحم ، كفالة الأقارب والفقراء والأيتام وكافة العاجزين عن كفالة أنفسهم ، وكذلك المعسرين والمتعثرين والغارمين ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التطهر والتسامي والعفاف ، فلا مجال فيه لاقتصاديات الفاحشة والمجون التي تظلم المرأة وتحط من كرامتها ومكانتها .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يحارب كافة أشكال المنكر من سلع محرمة أو ضارة أو سلوكيات مؤذية للإنسان أو البيئة .
وبناء على ما تقدم فإن المسؤولية الملقاة على كاهل المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي هي مسؤولية كبيرة من أجل تفعيل دور الاقتصاد الإسلامي في واقع الحياة ، من خلال تفعيل قيم وأخلاقيات العدالة والكفاءة والأمانة والعطاء والتضحية والبذل وإنظار المعسرين ومعونة الغارمين .. إلخ .
وكذلك المسؤولية كبيرة على مراكز البحوث والمعاهد والأقسام الأكاديمية في الجامعات والمؤسسات المالية الإسلامية من أجل تقديم الاقتصاد الإسلامي كأدوات وسياسات اقتصادية قادرة على معالجة المشكلات وتخفيف حدة الفقر والمعاناة للشعوب .
وتبقى المسؤولية الأكبر على المسؤولين والحكومات في الدول الإسلامية ، من أجل تفعيل وتطبيق آليات وسياسات الاقتصاد الإسلامي ، من أجل تخفيف معاناة وعذابات المحتاجين والمشردين واللاجئين ، ونصرة المظلومين في كل مكان .
إن سعي مدن عديدة في العالم ، لكي تكون كل منها عاصمة للاقتصاد الإسلامي ، أمر محمود ، وظاهرة إيجابية ، ومؤشر حقيقي على مكانة الاقتصاد الإسلامي ، وليس بعيدا أن نسمع قريبا عن تسابق دول بأكملها لتطبيق الاقتصاد الإسلامي وسياساته الرامية إلى تحقيق العدالة والكفاءة والتكافل والتخلص من الظلم والربا والغرر وكافة أشكال الفحشاء والمنكر والبغي .
إن كثرة المؤتمرات والورش والدورات العلمية والسيمينارات والبيمينارات في موضوعات الاقتصاد الإسلامي دليل صحة وحيوية على هذا العلم، وتعدد فروعه ومجالاته ، كما أن تزايد المشاركة والاهتمام من قبل فئات وأطياف واسعة في المجتمعات الإسلامية ، مؤشر قوي على مدى انتشار هذا العلم وقوة تأثيره وقابليته للتطبيق .
إن الاقتصاد الإسلامي هو أمل المظلومين والمشردين والضعفاء والفقراء على مستوى العالم ، من أجل تخليص الناس من عذاباتهم ومعاناتهم .
إن مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي تقوم على العدالة والكفاءة والأمانة والقوة والنزاهة والشفافية والعطاء والمصداقية والمهنية كفيلة في حالة الالتزام بها بتحويل أفقر المجتمعات وأكثرها تخلفا إلى مجتمعات غنية متقدمة .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]