عودة إلى الصفحة الرئيسية

كبار السن في أمريكا أ.د كمال حطاب

11 December 2021

كبار السن في أمريكا
أ.د كمال حطاب
من المظاهر التي يلاحظها الزائر لأمريكا ، شيوع ظاهرة عمل كبار السن ، وخاصة من السيدات ، فما من محل تجاري أو مولات أو كافيهات ، إلا وتجد العاملات أو الكاشيرات من فئة كبار السن من السيدات ، ممن أعمارهن تتجاوز الستين أو السبعين سنة .. وعند التدقيق في أدائهن لأعمالهن تجد أنهن يتمتعن بطاقة ونشاط ربما يفتقدها الكثير من الشباب .. بل إن الكثير من المطاعم تعتمد على هذه الفئة بشكل كبير .. أين الشباب ؟ ولماذا لا يقومون بهذه الأعمال ؟ هل التعويضات التي حصل عليها الناس أثناء الكوفيد19 ، جعلت الكثير من الشباب لا يعملون ، أو أن الشباب لا يرغبون بمثل هذه الأعمال ، ويؤثرون الأرباح السريعة من خلال التجارة الإلكترونية أو أن أجور هذه الأعمال ربما لا تكفي لبناء مستقبل لهم .. ولماذا لا تستريح هؤلاء السيدات في بيوتهن ؟ ألا يوجد لهن معيل ؟ أو راتب تقاعدي ؟
لا أدري ، ربما هو حرص من هذه الفئة على الاعتماد على نفسها في بيئة انخفض فيها مستوى التراحم وبر الوالدين ، وبات كبار السن أمام تحدي ” أكون أو لا أكون ” ، وربما هو استغلال من أصحاب العمل ، لأن هذه الفئة قد لا تحتاج إلى تأمين أو ضمان أو غير ذلك مما يتطلبه تشغيل الفئات العمرية الأقل ..وربما وربما ..
غير أن الملفت للنظر هو تمتع هذه الفئة في الغالب بحيوية ونشاط وقوة وروح رياضية عالية ربما لا تتوفر لكثير من شباب وشابات اليوم ..
زرت قبل أيام ، في الصباح الباكر ، أحد “الجيمّات” الرياضية ، فوجئت بوجود أكثر من أربعين سيدة ، معظمهن فوق السبعين ، يؤدين تمارين رياضية مشتركة مع إحدى المدربات ، فعرفت سر النشاط والقوة والطاقة البدنية ..
إن صلة الرحم وبر الوالدين في معظم المجتمعات الإسلامية أمر جميل ومطلوب وضروري وهو من أعلى القربات إلى الله ، ومن أهم مؤشرات الصحة النفسية والاجتماعية في المجتمع .. ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال الإسهام في تدهور صحة كبار السن ، بمنعهم أو منعهن من المشي أو مزاولة أي شكل من أشكال التدريب أو الرياضة ..
كم يظلم كبار السن أنفسهم أو يظلمهم المجتمع عندما يحبسون أو يعزلون في غرف ، وتقدم لهم الخدمات الأساسية ، ولا يطلب منهم أو يسمح لهم بالحركة بحجة توفير الراحة التامة لهم .. إن الراحة لن تأتي إلا بعد تعب وصحة ونشاط .. أما عدم الحركة فهو مرض وليس براحة .. صحيح أنه لا ينبغي أن يقوموا بأعمال شاقة ، ولكن ذلك لا يعني عدم الحركة وعدم الانخراط بأي نشاط اجتماعي أو صحي ..
كم يُظلم كبار السن ، بسبب بعض التقاليد المغلوطة ” لما شاب أرسلوه على الكُتّاب ” ، هذا المثل يقف في وجه كل من يحاول أن يرتقي بنفسه علميا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا ورياضيا وحتى اقتصاديا .
إن كبار السن هم بيت الخبرات والاستشارات والنصائح والدروس والعبر .. وبالتالي لا بد أن يحفظ لهم المجتمع مكانتهم ، ويعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية ، ويشعرهم بأهميتهم بشكل مستمر من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية والترويحية ..
إن الواقع يشير إلى أن رئيس أكبر دولة في العالم يقترب من الثمانين وكذلك الرئيس الذي قبله ، وكذلك رؤساء روسيا وغيرها من الدول الكبرى .. وحتى كبار أصحاب الثروات في العالم ، معظمهم من المعمرين .
قرأت في إحدى المجلات مقالا حول ” المعمرين ” ، وكان عنوانه ” the Centenarians ” ، يتحدث عن نسبة المعمرين في الولايات المتحدة وما يخصص لهم من موازنة ضخمة من أجل صحتهم والأنشطة الاجتماعية والترويحية التي يحصلون عليها . مما يضفي عليهم صحة وحيوية تمكنهم من العيش أعمارا مديدة.
ونفس الوضع في معظم الدول المتقدمة حيث تشكل تكاليف الرعاية لكبار السن من 15 – 25 في المئة من ميزانيات هذه الدول . وهي تكلفة اقتصادية كبيرة على هذه الدول ، ومع ذلك فهي مستمرة وفي ازدياد ، لأنها من أبسط حقوق كبار السن ، فكبار السن هم الذين أسسوا وعمروا وقدموا التضحيات ، فكيف لا يتم مكافأتهم ورعايتهم ، وكل أفراد المجتمع صائرون إلى هذا المصير، إذا طال عليهم العمر ، وبالتالي يطمئن كل فرد إلى مستقبله ، وينصرف إلى عمله ويؤدي واجبه بإخلاص وتفانٍ ، ولا يقلق على مستقبله إذا ما غدا كهلا مسنا لا يستطيع العناية بنفسه ، فقد وُجد نظام يعتني به ويؤمن له كافة مستلزماته .
إن كبار السن هم الأكثر أولوية بموازنات الحكومات في المجتمعات المسلمة ، فإذا لم تقم الحكومات بدورها عجزا أو عقوقا ، فينبغي أن تتكفل بذلك المؤسسات الوقفية والزكوية والإغاثية ، بحيث تكون المجتمعات المسلمة كالجسد الواحد الذي أخبر عنه نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم .
إن المجتمعات التي لا يُكفل فيها كبار السن ولا يُقدم لهم الرعاية والعناية هي مجتمعات ظالمة فاشلة . لا خير فيها لكبارها ولا لصغارها .

لماذا يكرهون محمدا ؟؟ صلى الله عليه وسلم أ.د كمال حطاب

19 October 2021

صرح أحد المرشحين لرئاسة فرنسا بأنه إذا فاز، فسوف يمنع المسلمين من تسمية أبنائهم باسم ” محمد “.
لماذا هذا الحقد ؟ وأين هي الحرية والعدالة والمساواة التي قامت عليها الثورة الفرنسية ؟ أين هي العلمانية التي تنادي بالحياد ؟ وبفصل الدين عن الحياة ، ودع ما لله لله وما لقيصر لقيصر .. ماذا دهى هؤلاء أو ماذا ألم بهم ؟ أهو حقد دفين ؟ أم هي جرأة غير معتادة ؟ أم هو حال المسلمين الذي جرأ عليهم كل ساقط وحاقد وجبان؟
إن كراهية أعداء الإسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم ليست جديدة ، فهي قائمة منذ بعثته صلى الله عليه وسلم ، حيث كان اليهود يظنون أن النبي سيكون منهم ، فلما بعث من العرب ناصبوه العداء ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . ولم يكتفوا بالإعراض والصد عنه ، ولكنهم حاولوا قتله أكثر من مرة ، ولكن الله عز وجل تكفل بحمايته ، وعصمته .. ” والله يعصمك من الناس ” ..
ورغم الكراهية الشديدة من أعداء الإسلام في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، ورغم حرصهم الشديد على تكذيبه ومحاربته وقتله ، فقد انتصر محمد صلى الله عليه وسلم ، وانتصرت دعوته ، رغم كيد الكائدين ، وحقد الحاقدين ، انتصر دين محمد حتى عم الآفاق ، ووصل إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب في فترة قصيرة جدا ، ومع ذلك لم يتوقف الحقد ولم تتوقف الكراهية ..
غير أن كراهية أعداء الإسلام لمحمد في الوقت الحاضر ، هي كراهية عنصرية مقننة ، مشفوعة بالقوانين ، ففي فرنسا بلد الحرية والمساواة كما يدعون ، تصدر القوانين التي تمنع الحجاب ، وتُدين أئمة المساجد ، كما تصدر قوانين ضد الإسلام العنصري كما أطلقوا عليه ، بحيث يضيق على المسلمين معيشتهم في بلد الحرية والمساواة المزعومة ، وأخيرا وليس آخرا ، ها هم اليوم يحاربون اسم محمد .. صلى الله عليه وسلم
إن هذا المرشح لم يكن ليتجرأ على هذه الإساءة لو لم يجد له أنصار ومؤازرين وأولهم الرئيس الفرنسي نفسه ، والذي أساء للإسلام والمسلمين أكثر من أي رئيس سبقه ، وكل هؤلاء يسعون لكسب أصوات المتطرفين الحاقدين، الكارهين لكل ما هو غير فرنسي ، وخاصة إذا كان من المسلمين ..
وبالتالي كان لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية ما يبررها ، وقد آتت الحملة أكلها في البداية ، مما دفع ماكرون إلى التراجع ومحاولة تبرير تصريحاته ، ومحاولة التودد للمسلمين .. غير أن عدم استمرار الحملة بقوة جرّأ آخرين على استمرار التعدي على المسلمين والإساءة للإسلام .
إن أضعف الإيمان في مواجهة مثل هذه التصريحات هو أن نقاطع كل ما هو فرنسيا ، نقاطع طائراتهم ومتاجرهم وبضائعهم ، نقاطع لغتهم وأفلامهم وبرامجهم التعليمية ، نقاطعهم فلا نستورد منهم ولا نصدر لهم .
إن الحملة التي أطلقت لمقاطعة المنتجات الفرنسية لا تزال مستمرة ، ولكنها لم تؤتِ أكلها بشكل كامل .. بسبب جهل كثير من المسلمين بما يدور حولهم ، وما يخطط له أعداؤهم ، وبسبب عدم دفاعهم عن دينهم وعن نبيهم صلى الله عليه وسلم .
إن العلاج لمثل هؤلاء هو عدم انتخابهم وعدم التصويت لهم ، وتحذير الناس منهم ، وفضحهم على الملأ وفي كافة المحافل .. إن مثل هؤلاء سوف يلحقون أضرارا اقتصادية عظيمة بفرنسا ، في حال قام المسلمون بدورهم الحقيقي في المقاطعة ..
لو كان لدى القوم عقلاء لمنعوا هذا الحاقد من الترشح حرصا على اقتصادهم وعلى تجارتهم وعلى علاقاتهم الطبيعية مع الشعوب الإسلامية .
إن حملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية ينبغي أن تتحول إلى عمل مؤسسي ما داموا لا يخجلون ، ولا يتراجعون عن إعلان عدائهم وكراهيتهم للإسلام ولنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ..
ينبغي أن يتخصص بعض المسلمين لمأسسة حملة المقاطعة بحيث لا تفتر ولا تتراجع ، ما دام هؤلاء على باطلهم وعلى إساءاتهم ، وأن يتخصص البعض في تقنين الموضوع ، بحيث تصدر القوانين التي تجرم الإساءة وتلحق بالمسيئين أشد العقوبات .. وأن تخصص المواقع وتنظم الهاشتاقات التي ترد على الإساءات بشكل منهجي عملي بحيث يكون لها أثر كبير في المحافل والمنظمات الإنسانية الدولية ..
ينبغي أن تتضافر الجهود من أجل الذب عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس حبه صلى الله عليه وسلم بتكرار الصلاة عليه فحسب ، وليس حبه بالاحتفال بذكر شمائله يوم مولده فحسب ، وإنما حبه يكون بحفظ اسمه ومكانته وعرضه ، والذب عنه بكل الأدوات والأساليب الممكنة ..، وبنشر سيرته وفضله وعدله ورحمته وعطائه وكرمه وأخلاقه وعظمته وإنسانيته ،إن حبه يكون بحب من أحبه وبغض من يبغضه ، ومقاطعة ومعاداة من يعاديه ..إن حبه يكون بالاقتداء به والسير على منهجه وهديه صلى الله عليه وسلم ..

الاقتصاد الإسلامي والتخصصات الراكدة ؟؟ أ.د كمال حطاب

06 October 2021

في عام 2005 تسلمت رئاسة قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية في جامعة اليرموك ، وفور تسلمي رئاسة القسم ، قمت بالتعاون مع الطلبة ، بوضع لوحة حائط ، وكان أول إعلان على اللوحة ، إعلان عن المواقع الإلكترونية أو العناوين والإيميلات لأكثر من مئتي شركة ومؤسسة معنية بالجوانب الاقتصادية والمالية الإسلامية .
كنت أُذكر الطلبة والطالبات في كل محاضرة بضرورة مراسلة هذه الشركات والمؤسسات من أجل التعرف عليها ومجالات عملها ، وكنت أحثهم على توجيه سؤال إلى المدير العام في كل شركة ، وهذا السؤال هو : كيف يمكن أن أخدمكم بعد تخرجي من الجامعة ؟ ما هي جوانب النقص التي يمكن أن أغطيها لديكم بعد تخرجي ؟ وكنت أحث الطلبة في جميع مستوياتهم الدراسية من السنة الأولى إلى الرابعة ، على استمرارية التواصل مع الشركات ؟
وقد وضعت هذه الأفكار وغيرها من الاقتراحات في ذلك الوقت على موقعي على الإنترنت ( kamalhattab.info ) ، تحت عنوان ” مقترحات لتفعيل دور طلبة الاقتصاد الإسلامي في خدمة المجتمع ” ولا تزال هذه المقترحات موجودة على الموقع حتى يومنا هذا .
أكتب هذا الكلام في الوقت الحاضر وأنا أقرأ وأسمع على مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى خريجي أقسام الاقتصاد الإسلامي وخريجي أقسام المصارف الإسلامية حول عدم وجود فرص عمل أمامهم ، بل إن الأمر تعدى أكثر من ذلك إلى اعتبار البعض الاقتصاد الإسلامي أو التمويل الإسلامي من التخصصات الراكدة .
وقبل مناقشة مدى صحة هذا الكلام ، لا بد من التذكير بأن مسألة التوظيف والتخصصات المقبولة أو الراكدة هي مسألة عرض وطلب ، فما دام أي تخصص يوجد عليه إقبال سواء من الطلبة أو سوق العمل فلا يصح أن يحذف أو يحارب ، ولعل المتأمل في كثير من دولنا العربية ، فإنه سيجد أن التخصصات الشرعية واللغة العربية والتاريخ الإسلامي والجغرافيا وكثيرا من التخصصات الإنسانية كانت تواجه إقبالا ضعيفا خلال العقدين الماضيين ، نظرا لهيمنة التخصصات التكنولوجية والمعلوماتية والرقمية ، والإرشادات والتوصيات المتسارعة بأن معظم التخصصات الإنسانية هي تخصصات راكدة ليس لها مجال وظيفي .
غير أنني استمعت قبل أيام لرسالة صوتية لأمين عام وزارة التربية والتعليم الأردنية تناشد كل من هو متخصص في هذه التخصصات أو كل من يعرف أحدا متخصص في هذه التخصصات الإنسانية والشرعية واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا .. التقدم عاجلا للتوظيف نظرا للنقص الشديد في هذه التخصصات .
فما الذي جرى ؟ وأين ذهبت التوصيات والإرشادات ؟ والتحذير من التخصصات الراكدة ؟
إن المسألة بكل بساطة هي مسألة عرض وطلب ، وكما هو القانون الاقتصادي الشهير ” كل عرض يخلق الطلب عليه ” فالتخصصات المعروضة سوف توجد الطلب عليها ، قد يزداد الطلب في إحدى الفترات وقد ينخفض في فترات أخرى ، ومع ذلك فسوف يستمر ما دام معروضا .
ومما تقدم نلاحظ أن مشكلة التخصصات الراكدة في الوقت الحاضر ليست مشكلة تخصص الاقتصاد الإسلامي وحده ، بل هي مشكلة كافة التخصصات ، بسبب ظروف الكورونا وتداعيات الكورونا الاقتصادية .
كما أن مسؤولية إيجاد فرصة عمل تعتمد على الطالب بالدرجة الأولى ، فالطالب المبدع المجتهد لا بد أن يجد له مكانا في سوق العمل، فالمسألة لم تعد تعتمد على الشهادة أو الدرجات وإنما تعتمد على الكفاءة والخبرة والقدرة على الإضافة والإقناع .
وقد رأينا في العام الماضي الرئيس الأمريكي ، يصدر أمرا تنفيذيا باعتماد المهارة قبل الشهادة الجامعية عند اختيار الموظفين .
إن أزمة التشغيل ليست موجهة للاقتصاد الإسلامي أو المصارف الإسلامية فحسب، وإن كان يطلب من الأقسام الأكاديمية التطوير الدائم في برامجها من أجل مواكبة سوق العمل ، حيث يمكنها إدخال برامج مخاطر التمويل الإسلامي ، وريادة الأعمال الإسلامية، والتأمين الإسلامي ، والأسواق المالية الإسلامية ،والصكوك ، والوقف ..إلخ ، ومع ذلك فسوف تبقى قوى العرض والطلب تتفاعل من أجل الحصول على الأفضل والأكثر كفاءة ومهارة ، ومن أجل التطوير والانتفاع والإضافة وزيادة الإنتاج ، ورفع مستوى المؤسسات والشركات .
إن مشكلة وجود فرصة عمل لم تعد مسؤولية الحكومات في الدول العربية منذ سنوات طويلة ، وخاصة بعد أن دخلت معظم الدول العربية في برامج تصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي .
وبالتالي فإنه ليس من حق الحكومات أن تتدخل في تحديد التخصصات الراكدة أو تحذير الناس منها .. إن ما هو راكد اليوم ، ليس بالضرورة أن يكون راكدا غدا ، وبالتالي فإن معظم هذه الحسابات ليست دقيقة ..
إن الحكومات التي لا تستطيع إيجاد فرص عمل لمواطنيها ، لا يمكنها أن تتدخل فيما هو راكد أو غير راكد ، وبالتالي فلتكف يدها عن التدخل ، وليترك الأمر لقوى السوق، ولتعمل على حماية السوق من الاحتكار والمنافسة غير العادلة ، عندها يمكن للتخصصات المختلفة أن تتفاعل بحرية مع قوى العرض والطلب ، بما يؤدي إلى تحقيق التوازن من التخصصات النافعة والتوازن في سوق العمل .

الاقتصاد الإسلامي.. أمل المظلومين أ.د كمال حطاب

21 September 2021

منذ ما يقرب من أربعين عاما ونحن نعيش قضية الاقتصاد الإسلامي كأمل وحلم وحياة ، نعيش الاقتصاد الإسلامي في البيوت والجامعات والمكتبات والمراكز البحثية وقاعات الدرس ، ومن خلال المؤتمرات والورش العلمية ومناقشة الرسائل العلمية .. إلخ .
عشنا الاقتصاد الإسلامي كتخصص ، وكرفيق حياة ، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يطرق أسماعنا هذا الاسم ومرادفاته من تمويل إسلامي ووقف إسلامي ونظام مالي إسلامي ونظام نقدي إسلامي .. إلخ .
وفي كل يوم نزداد تفاؤلا بأن المستقبل للاقتصاد الإسلامي لأنه جزء من هذا الدين ، وقد تكفل الله عز وجل بحفظ هذا الدين ، كما تعهد بحفظ كتابه ، ويعني ذلك كل ما ينبثق عنه من مبادئ وأنظمة فرعية .
إن الاقتصاد الإسلامي اليوم وبالرغم من كثرة الضغوط على المسلمين يزداد قوة وانتشارا ، وتزداد فروعه ومجالاته ، ويزداد انتشاره ونفعه على مستوى العالم ، فها هي الأوقاف الإسلامية تنتشر على مستوى العالم كما كانت في العصور الزاهرة ، وها هي المنظمات الدولية تنظر إلى الزكاة وإعادة إحيائها كأمل للمسلمين في حل مشكلاتهم المستعصية ، إن الزكاة وحدها وهي نسبة 2.5% من أموال الأغنياء ، يمكن أن تحدث التغيير في مجال مكافحة الفقر والأوبئة وإغاثة اللاجئين والمشردين على مستوى العالم .
إن دخول مصطلحات الاقتصاد الإسلامي كالزكاة والوقف والمشاركة والمرابحة والمضاربة والسلم والاستصناع والصكوك .. في القواميس الدولية شكل إضافة معرفية كبيرة للأدب الاقتصادي ، كما أن انتشار العمل الخيري الإسلامي والإغاثة الإسلامية والأوقاف الإسلامية على مستوى العالم شكل انبعاثا للإشعاع الحضاري الإسلامي من جديد .
فالاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يرتكز على قوله تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ” ( النحل ، 90 )
فهو أمل المظلومين لأنه يقوم على العدالة ، التي تعتبر الناس سواسية كأسنان المشط ، ولا تفرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود ، إلا بالتقوى .. العدالة التي تأخذ على يد الظالم حتى تأخذ الحق منه .. العدالة التي تعيد الحقوق لأصحابها ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على الكفاءة والإحسان ، الكفاءة التي تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد ، الكفاءة التي تحقق أعلى إنتاج من الطيبات بأقل وقت وجهد وتكاليف ، الكفاءة التي تؤدي إلى المهنية والإتقان والإحسان في كل عمل وإنجاز .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التكافل والتراحم ، كفالة الأقارب والفقراء والأيتام وكافة العاجزين عن كفالة أنفسهم ، وكذلك المعسرين والمتعثرين والغارمين ..
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يقوم على التطهر والتسامي والعفاف ، فلا مجال فيه لاقتصاديات الفاحشة والمجون التي تظلم المرأة وتحط من كرامتها ومكانتها .
الاقتصاد الإسلامي أمل المظلومين لأنه يحارب كافة أشكال المنكر من سلع محرمة أو ضارة أو سلوكيات مؤذية للإنسان أو البيئة .
وبناء على ما تقدم فإن المسؤولية الملقاة على كاهل المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي هي مسؤولية كبيرة من أجل تفعيل دور الاقتصاد الإسلامي في واقع الحياة ، من خلال تفعيل قيم وأخلاقيات العدالة والكفاءة والأمانة والعطاء والتضحية والبذل وإنظار المعسرين ومعونة الغارمين .. إلخ .
وكذلك المسؤولية كبيرة على مراكز البحوث والمعاهد والأقسام الأكاديمية في الجامعات والمؤسسات المالية الإسلامية من أجل تقديم الاقتصاد الإسلامي كأدوات وسياسات اقتصادية قادرة على معالجة المشكلات وتخفيف حدة الفقر والمعاناة للشعوب .
وتبقى المسؤولية الأكبر على المسؤولين والحكومات في الدول الإسلامية ، من أجل تفعيل وتطبيق آليات وسياسات الاقتصاد الإسلامي ، من أجل تخفيف معاناة وعذابات المحتاجين والمشردين واللاجئين ، ونصرة المظلومين في كل مكان .
إن سعي مدن عديدة في العالم ، لكي تكون كل منها عاصمة للاقتصاد الإسلامي ، أمر محمود ، وظاهرة إيجابية ، ومؤشر حقيقي على مكانة الاقتصاد الإسلامي ، وليس بعيدا أن نسمع قريبا عن تسابق دول بأكملها لتطبيق الاقتصاد الإسلامي وسياساته الرامية إلى تحقيق العدالة والكفاءة والتكافل والتخلص من الظلم والربا والغرر وكافة أشكال الفحشاء والمنكر والبغي .
إن كثرة المؤتمرات والورش والدورات العلمية والسيمينارات والبيمينارات في موضوعات الاقتصاد الإسلامي دليل صحة وحيوية على هذا العلم، وتعدد فروعه ومجالاته ، كما أن تزايد المشاركة والاهتمام من قبل فئات وأطياف واسعة في المجتمعات الإسلامية ، مؤشر قوي على مدى انتشار هذا العلم وقوة تأثيره وقابليته للتطبيق .
إن الاقتصاد الإسلامي هو أمل المظلومين والمشردين والضعفاء والفقراء على مستوى العالم ، من أجل تخليص الناس من عذاباتهم ومعاناتهم .
إن مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي تقوم على العدالة والكفاءة والأمانة والقوة والنزاهة والشفافية والعطاء والمصداقية والمهنية كفيلة في حالة الالتزام بها بتحويل أفقر المجتمعات وأكثرها تخلفا إلى مجتمعات غنية متقدمة .

البتكوين .. عملة المستقبل ؟؟ أ.د كمال توفيق حطاب

31 August 2021

البتكوين .. عملة المستقبل ؟؟
أ.د كمال توفيق حطاب

وصلت عملة البتكوين قبل أيام إلى خمسين ألف دولار ، وقبل أشهر قليلة وصلت إلى حاجز أل ستين ألفا ، وأعلى منه قليلا ، فهل يمكن أن تستمر في الصعود؟ وما الذي أدى إلى هذا الارتفاع ؟ وهل يمكن أن تكون عملة المستقبل ؟ وهل يمكن أن تحل محل العملات القائمة أو محل الدولار ؟
هذه أسئلة تتردد كثيرا على ألسنة الناس ، ويتوقع البعض أن تصل قيمتها إلى مليون دولار ، حيث تتكون البتكوين الواحدة من مئة مليون سوشي ، فيكون السوشي مقابل مئة دولار ، ولكن قبل ذلك ، كيف ستصل إلى هذا الرقم ، وعلى أي أساس أو أي أسلوب ؟ وما هي أشكال المضاربات التي تمارسها صناديق التحوط ، وكبار المضاربين العالميين .. ولماذا منعت معظم حكومات العالم تداول البتكوين في وقت سابق ، وعادت بعضها إلى الموافقة القانونية عليها حاليا ..
مع انتشار وتفوق البتكوين في السنوات الماضية ، خشيت كثير من الحكومات على سيادتها ، فقررت منع التداول بها ، غير أن ظهور أزمة كورونا وازدياد التعامل بها بشكل كبير ، وإقبال عدد من الشركات العالمية الكبرى على اقتناء كميات كبيرة من البتكوين ، أدى إلى ازدياد الثقة بها بشكل كبير ، وهذا ما دفع معظم حكومات العالم إلى الاعتراف الجزئي بمشروعيتها القانونية .
كما أن إقبال عدد من الشركات العالمية الكبرى على شراء البتكوين دفع معظم المستثمرين في العالم إلى شراء هذه العملة ، وهو ما أدى إلى تضاعف قيمتها بشكل كبير جدا .
من بدهيات أدبيات العملات والنقود أن النقد يمكن أن يكون أي شيء فلا يشترط فيه أن يكون نقدا أو ورقا أو ذهبا أو فضة ، بل مرجعه إلى العادة واصطلاح الناس على التعامل به . غير أن هذا الاصطلاح والعادة حتى تكون معتبرة لا بد فيها من الصبغة القانونية ، ودون ذلك فلن يكون النقد مقبولا ولن تحصل العادة أو الاصطلاح .
ولذلك كان النقد عبر التاريخ من مظاهر سيادة الدول ، وحتى وقتنا الحاضر فإن عملات العالم هي من اختصاص الدول ، وبالتحديد البنك المركزي في كل دولة .
غير أن المراقب لأوضاع حكومات العالم يجد أن الذي يحكم العالم حقيقة في الوقت الحاضر ، هو الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات ، وبالتالي فعندما يكون من مصلحة هذه الشركات إضفاء الصبغة القانونية على هذه العملات أو غيرها ، فسوف تصبح قانونية ، والعكس ، وهكذا يدخل العالم بكافة حكوماته ومؤسساته في قبضة الشركات ، وتصبح القرارات السيادية لكل دولة خاضعة لرغبة الشركات وأصحاب الشركات .
فهل يمكن أن يصطلح الناس أو تصطلح الشركات الكبرى على تداول عملات معينة دون موافقة الدول أو الحكومات ؟ هل يمكن للبتكوين أن تصبح عملة قانونية في كافة دول العالم ؟ وهل يمكن أن تكون بديلا للدولار ؟ أو بمعنى آخر ، ماذا لو صدر قرار من الولايات المتحدة بإلغاء الدولار وإحلال البتكوين مكانه ؟
لا شك أن صدور مثل هذا القرار سيشكل صدمة كبيرة لكافة دول العالم ، حيث تمتلك معظم دول العالم مليارات الدولارات وربما تريليونات الدولارات .. فما الذي سيحدث لهذه التريليونات أو المليارات ؟ هل يمكن أن تتبخر في لمح البصر ؟ وماذا سيترتب على ذلك ؟ وهل هذه الأسئلة من المستحيلات العقلية ؟
مما لا شك فيه أن هذه الأسئلة ليست من المستحيلات العقلية ، بل هي من الممكنات العقلية ، وقد سبق أن صدر قرار من الولايات المتحدة ربما كان أخطر من مثل هذه القرارات ؟ ففي عهد الرئيس الأمريكي نيكسون صدر قرار بعدم قابلية تحويل الدولار إلى ذهب ، وتقبل العالم ذلك القرار دون أي اعتراض ، وحل الدولار محل الذهب على مستوى العالم ، ورضيت دول العالم أن تأخذ أوراقا نقدية لا قيمة ذاتية لها مقابل الذهب ، ولا يزال الوضع قائما حتى وقتنا الحاضر .
غير أن قرار إلغاء الدولار وإحلال البتكوين مكانه لن يكون سهلا ، فهذا القرار يتطلب أن تكون أمريكا مسيطرة تماما على هذه العملة ، أو تكون مالكة لمعظم ما أصدر منها ، وبالتالي تمتلك القدرة على إدارتها والتحكم بها . فهل يمكن أن يحصل ذلك ؟ وهل يمكن لأمريكا أو أية دولة أخرى أن تسيطر أو تتحكم في عملية إصدار البتكوين وغيرها من العملات الافتراضية ؟
الخبراء في الجوانب الفنية يقولون بأن ذلك صعب جدا ، ولكن أليست هذه العملة معتمدة كليا على الإنترنت ؟ أليست شبكة الإنترنت تحت السيطرة والتحكم ؟ ثم أليس هذه العملة وأخواتها تعتمد في تعدينها على استهلاك كمية كبيرة جدا من الكهرباء ؟ ألا يمكن معرفة من هي الجهات التي تستهلك هذه الكميات الضخمة من الكهرباء ؟ كيف قامت ماليزيا بتحطيم أجهزة المُعدنين نظرا لاستهلاكهم المفرط للكهرباء في الأسابيع الماضية ؟ وكذلك فعلت إسبانيا عندما اكتشفت مزارع لتعدين البتكوين .. لماذا يحاول الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية إيجاد تشريع بفرض ضريبة على من يملك ما قيمته عشرة آلاف دولار فأكثر من البتكوين ؟ وكيف سيتم ذلك إذا لم تكونوا قادرين على السيطرة والتحكم ؟
إن هذه التساؤلات تشير إلى وجود احتمالات بأن عملية إصدار البتكوين هي تحت السيطرة ، وأن من مصلحة الدول الكبرى استمرار إصدارها ، وإلا فإنها تستطيع إيقاف التعدين ، كما تستطيع فرض ضرائب على هذه الإصدارات .
إن ما كانت تخشاه الحكومات سابقا ، هو أن تفقد السيطرة على إصدار العملة والتحكم بها ، فيما لو انتشرت عملة البتكوين وأخواتها انتشارا واسعا ، يصرف الناس عن التعامل بالعملات المحلية والدولية الأخرى ، ففي هذه الحالة سوف تفقد الحكومات سر قوتها وتحكمها وسيطرتها .
إن العملات في أصلها في الأدبيات النقدية هي ديون على مُصدريها ، وهي أشبه بتذاكر حضور المباريات ، فلا بد أن تكون هذه التذاكر مقيدة بعدد الأشخاص الذين يستفيدون منها ، فإذا زادت هذه التذاكر فسوف يوجد تضخم في الملاعب والمدرجات ، وإذا انخفض عددها فسوف يحدث العكس ، ولذلك تحرص البنوك المركزية على أن يكون حجم إصدار العملة مساويا لحجم الناتج القومي الإجمالي تجنبا للتضخم والانكماش والتقلبات المرافقة .. أما في حالة العملات الافتراضية فإنها عبارة عن إصدار تذاكر من غير شباك التذاكر ، وسوف تؤدي زيادة الإصدار منها إلى وجود تضخم نقدي كبير في حالة السماح بتداولها في كافة القطاعات .. ما لم يوجد اتفاق دولي ينظم هذه العملية .
إن معظم العملات الدولية كالدولار واليورو ، هي أشبه بإصدار التذاكر خارج شباك التذاكر ، ولكن وجود اتفاق دولي مستمر منذ بريتون وودز ، ووجود أجهزة عالمية كصندوق النقد الدولي تحمي هذا الاتفاق ، تعطي لهذه العملات الدولية الشرعية القانونية ، وتمكنها من السيطرة على كافة أسواق العالم .. فالتذاكر ليست محصورة بملعب أو مدرج واحد ، وإنما يمكن استخدامها في كافة الملاعب والمدرجات في العالم .
إن عملة البتكوين فيما لو تمكنت أمريكا أو الدول الكبرى من إيجاد اتفاق حولها فإنها يمكن أن تكون عملة دولية تحل محل العملات الدولية السائدة ، وبالتالي فإن وصول قيمتها إلى مليون أو أكثر من ذلك ليس مستبعدا في حالة واحدة ، وهي وجود اتفاق دولي أشبه بالاتفاق حول الدولار .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]