عودة إلى الصفحة الرئيسية

الفتاوى المعتبرة والفتاوى الشاذة أ.د كمال حطاب

05 July 2021

الفتاوى المعتبرة والفتاوى الشاذة
أ.د كمال حطاب
عندما تكون الفتوى صادرة عن اجتهاد فقهي أصيل، متجردة عن المصالح والأهواء والضغوط، بعيدة عن المزايا والمكافآت والحوافز المادية، يمكن القول بأن هذه فتاوى معتبرة محترمة ..
أما إذا كان الحال غير ذلك فإن هذه الفتاوى تكون محفوفة بالشبهات وربما تكون فتاوى مضللة أو باطلة، وعلى سبيل المثال فمعظم الفتاوى التي نصت على عدم ربوية الفائدة المصرفية، نجدها قد صدرت عن علماء يشغلون مناصب سياسية .. أي علماء سلطة، وهؤلاء في معظمهم واقعون بين ضغوط سياسية ومزايا مادية يخشون فواتها، وبالتالي فإن فتاواهم ليست معتبرة عند كافة العلماء المعتبرين في هذا العصر ..
ويصدق نفس القول على بعض فتاوى الكورونا في الوقت الحاضر، حيث نجد معظم الفتاوى التي بررت للحكومات إلغاء صلاة الجمعة، وصلاة الفجر في المساجد، بحجج واهية، يعترض عليها كثير من أهل الاختصاص الطبي، قبل أهل الاختصاص الشرعي.
من الأمور البديهية في الإفتاء، وخاصة في فتاوى رمضان، أن الفتوى الشرعية تكون مبنية على الرأي الطبي، فإذا قال الطبيب بأن الصوم سيؤدي إلى ضرر محقق على الصائم، عندها فإن المفتي يصدر فتواه بالترخيص بالإفطار، وحرمة الصوم في هذه الحالة، فمن أساسيات دين الإسلام قوله تعالى “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (الحج، 78)، وقوله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار”. وكذلك كانت قرارات مجمع الفقه الإسلامي الخاصة بالأمور الصحية والطبية مبنية على رأي خبراء الطب والصحة.
فلماذا لم تكن فتاوى الكورونا كذلك، ولماذا تغولت الحكومات على جهات الفتوى، ولمصلحة من يصدر قرار إلغاء صلاة الجمعة على المسلمين، وكذلك صلاة الفجر، وصلاة العشاء، وكذلك إغلاق المساجد؟
إن الاجتهادات والفتاوى المحترمة لا يجوز أن تكون خاضعة للقرارات الحكومية، وإنما تكون القرارات الحكومية تابعة لها، كما لا يجوز أن تخالف إجماع الأمة، أو تخالف رأي خبراء الطب والصحة.

وقد يقول البعض إن هذه الفتاوى هي اجتهادات محترمة، وينبغي أن نحسن الظن بجهات الفتوى رسمية كانت أو أهلية، وأقول إن هذه المسائل ليست مسائل اجتهادية حتى نقر بالاحترام لأهل الإفتاء، وإنما هي محل إجماع المسلمين خلال أربعة عشر قرنا، ولم يجرؤ أحد من المفتين أو الحاكمين في التاريخ على إصدار قرار بإلغاء صلاة الجمعة أو إلغاء صلاة الفجر في المساجد، بل إن الثابت تاريخيا أن الناس كانوا يتوجهون إلى المساجد عند وقوع البلاء، يتضرعون إلى الله حتى ينكشف البلاء، عملا بقوله تعالى ” فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنعام: 43].
فالمسألة إذن، هي في خضوع بعض المفتين لضغوط سياسية أو اقتصادية، وبالتالي فإن الرأي الشرعي أو الفتوى تكون متأثرة بهذه الضغوط والمصالح، وعندها فلن تكون هذه الفتوى معتبرة. حتى يتحرر المفتون من هذه الضغوط والمناصب التي تكبلهم وتكمم أفواههم.
إن المطلوب من جهات الفتوى في كل بلد، أن تحصن نفسها ضد الفتاوى الشاذة، بأن تضع معايير لاعتماد الفتوى أو رفضها، ومواصفات لمن يحق له الإفتاء، وفي حالة رفض أي فتوى يطالب صاحبها بالرجوع عنها، قبل أن يتم شطبه من قائمة المفتين أو عضوية المجالس الخاصة بالإفتاء، أو وضعه على القائمة السوداء في مؤسسات الأوقاف والشؤون الدينية.
إن المطلوب في كل بلد إسلامي إيجاد جهاز فتوى مهني مستقل، أشبه بالمحكمة الدستورية ، بحيث تكون قراراته أعلى من قرارات الحكومة وقرارات لجان الفتوى الرسمية، بحيث يمكنه شرعا وقانونا إلغاء أي قرار أو فتوى شاذة تلحق الضرر بالمجتمع أو تتسبب بالحرج أو الفتنة بين الناس.

الرأسمالية المظلومة ؟؟ أ.د كمال حطاب

13 February 2021

الرأسمالية المظلومة ؟؟
أ.د كمال حطاب
يقف الناس من النظام الرأسمالي مواقف متعددة ، فمنهم من يعتبره النظام الحتمي الوحيد الذي يصلح للبشرية ، بل إنهم يقولون بأن التاريخ قد توقف عند هذا النظام ، فلن تجد البشرية لها نظاما أفضل منه على مر الأزمان ، كما يقول فوكوياما في كتابه ” نهاية التاريخ ” .. ويؤيده في هذه النتيجة كثير من المفكرين الغربيين ، مثل توماس فريدمان في كتابه ” السيارة لكزس وشجرة الزيتون ” وغيره كثير .
ومن الناس من يعتبر الرأسمالية سببا لكافة الكوارث التي تعرضت لها البشرية في القرنين الماضيين ، ومن هؤلاء جورج جيلدر في كتابه ” الأغنياء والفقراء ” ، ودسلر في كتابه ” السياسة الاقتصادية الخارجية والعالم ، ولستر ثارو ، وغيرهم كثير .
يقول لستر ثارو في كتابه ” مستقبل الرأسمالية ” ، بأن النظام الرأسمالي ” صار غابة تولّد الإجرام والتشرد والظلم الاجتماعي .. فالجريمة في النظام الرأسمالي تعد نشاطًا اقتصاديا” .
ومع ذلك فإن بعض المسلمين اليوم يدافع عن الرأسمالية والرأسماليين ، ويشيد بأمجاد الرأسمالية والحضارة المادية التي أقامتها ، والإنجازات العلمية والتكنولوجية ، والعلوم والنظريات في مختلف التخصصات .
وهؤلاء يركزون على الجانب المادي المشرق من الصورة ، ويتجاهلون الجانب المظلم المتوحش ، فالرأسمالية لها جوانب سوداء مظلمة ، في مجال القيم والأخلاق ، فالنظام الرأسمالي هو النظام الذي رخص للشذوذ الجنسي وتجارة البغاء والإجهاض وتجارة الأسلحة المحرمة والأفلام الخليعة وتعاطي بعض أنواع المخدرات ، وسمح بكافة أنواع الاعتداءات على الجنس البشري .. التلوث ، والتصحر ، وطبقة الأوزون ،والإشعاعات ، وارتفاع حرارة الأرض .. إلخ
إن أخلاقيات الرأسماليين لا يمكن النظر إليها من خلال أدب التعامل عند معظم الناس في المجتمعات الغربية أو تطور البحث العلمي في الجامعات والمعاهد العلمية العريقة ، أو كثرة التبرعات الوقفية .. ولكنها تظهر واضحة في صفقات أسلحة الدمار ، وفي التجارب العلمية المتوحشة التي تجعل البشر كحيوانات التجارب ، وفي الأفلام السينمائية الإباحية التي اعتدت على كافة الفضائل الإنسانية ، وفي الحروب القذرة التي تشنها الدول القوية على الدول الضعيفة دون أي مبرر أخلاقي ..
إن وحشية الرأسماليين يمكن النظر إليها من خلال سلوكيات الشركات متعددة الجنسية التي تجوب العالم لا يهمها سوى زيادة الأرباح ، ومن خلال سلوكيات الدول القوية في الأمم المتحدة ووقوفها إلى جانب الظلم والباطل الذي يخدم مصالحها على حساب الشعوب الضعيفة والدول الفقيرة .
إن وحشية الرأسماليين يمكن النظر إليها من خلال تركز معظم النقود ووسائل الدفع بأيدي حفنة صغيرة لا تتجاوز المئات ، يتداولون هذه الأموال بكافة أشكال المقامرات ، بما يحقق لهم أرباحا فلكية ، في الوقت الذي يعاني فيه مليار إنسان من المجاعة وسوء التغذية ، ويعاني مئات ملايين البشر من البطالة وسوء الرعاية الصحية والتعليمية ، كما يعاني الملايين من مشكلات اللجوء والنزوح والتشرد .
إن مقولة الرأسمالية المظلومة لا يمكن الدفاع عنها بأي حال من الأحوال ، فهي رأسمالية ظالمة متوحشة ، تبدو آثارها الوخيمة واضحة للعيان في معظم أنحاء العالم التي تنتشر فيها الحروب ، والمجاعات ، والفقر ، والتشرد واللجوء والنزوح ، واضطهاد المرأة ، وتشغيل الأطفال ، واستغلال الفئات الضعيفة .
إن التقدم العلمي والتكنولوجي عندما يكون مقدما على الأخلاق والقيم فلا خير فيه . إن الحضارة المادية إذا لم تترافق مع السمو الروحي والأخلاقي فلا شك أنها حضارة جوفاء ، قد تحقق للإنسان بعض مظاهر الرفاهية المادية ولكنها لن تحقق له سعادة ولا عدالة ولا أمنا .

مؤتمر نحو نظام نقدي إنساني عادل أ.د كمال حطاب

09 February 2021

مؤتمر نحو نظام نقدي إنساني عادل
أ.د كمال حطاب
تابعت في اليومين الماضيين وعلى فترات متقطعة مؤتمر ” نحو نظام نقدي إنساني عادل ” من خلال بثه المباشر على يوتيوب أو فيس بوك ، وهو المؤتمر الثالث الذي تنظمه أكاديمية إيفي للتمويل والاقتصاد الإسلامي ، بالتعاون مع جامعة إسطنبول صباح الدين زعيم ، وعدد من الجامعات والمؤسسات العلمية ..
وقد لفت نظري في هذا المؤتمر عدة أمور في حدود ما تابعته من جلساته وبحوثه والمشاركين فيه ، أود طرحها هنا تفعيلا وإثراء لنتائج المؤتمر ، وما يمكن أن ينبني عليه مستقبلا ، يمكن تلخيصها فيما يأتي :
– التنظيم الدقيق للمؤتمر، رغم أنه عبر منصة إلكترونية .
– حضور عدد لا بأس به من كبار الأساتذة في التخصص ، وشيوع جو الحوار العلمي الهادئ بين كبار العلماء رغم الاختلاف الكبير في وجهات النظر .
– عنوان المؤتمر مشتق من كتاب ” نحو نظام نقدي عادل ” للدكتور عمر شابرا ، والذي فاز بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 1990 ، ولا شك أن بعض بحوث المؤتمر قد تطرقت إلى الدروس المستفادة من هذا الكتاب .
– أفهم من عنوان المؤتمر أن المقصود هو نحو نظام نقدي دولي عادل ، وبالتالي فإن البحوث النظرية التي ركزت على خصائص النظام النقدي المحلي لكل دولة أو المفترض لأية دولة هو ليس محل المناقشة في المؤتمر ..
– من المعلوم أن نظام النقد الدولي يتكون من الاتفاقيات الدولية الخاصة بتسيير شؤون النقد والمدفوعات الدولية ، ومما هو مؤكد أن المسلمين لم يسهموا في إنشاء هذه الاتفاقيات أو المشاركة في تأسيسها ، وبالتالي كنت أتمنى لو ركز بعض الباحثين على هذه الاتفافيات ، وقاموا بالتعليق عليها من منظور إسلامي ، ابتداء من بريتون وودز ، فاتفاقية جامايكا ، فحقوق السحب الخاصة ، فالأسموثنيان ، .. إلخ ، كنت أتمنى أن يكتب البعض حول الاتفاقيات النقدية بين الدول السبعة العظام أو G7 ، وربما يوجد بعض الباحثين قد غطى هذه الجوانب ، ولكنني لم أطلع عليها .
– وجدت دعوات عديدة لإصلاح نظام النقد الدولي ، وتشكلت لجنة من صندوق النقد الدولي أطلق عليها لجنة العشرين للنظر في إمكانية إصلاح نظام النقد الدولي .. ومنذ وجود النظام عام 1944 ، تمت عدة عمليات إصلاح ، مثل إصدار حقوق السحب الخاصة ، والتعويم ، ومراجعات عديدة لحصص الأعضاء في الصندوق ، إلا أن هذه المحاولات الإصلاحية لم تخفف من حجم الظلم الموجود في النظام ، ولم تعمل على الحد من الأزمة النقدية العالمية .
– إن استئثار الولايات المتحدة بما يقارب خمس قوة التصويت في صندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى ذات العلاقة ، يعطيها حقا أشبه بالفيتو في القرارات الاقتصادية والمالية الدولية ، وربما يكون هذا الجانب من أبرز جوانب الظلم التي ينبغي إصلاحها .
توجد موضوعات عديدة لم أرها في عناوين الأبحاث المقدمة ، وربما تكون الأبحاث قد غطتها بشكل غير مباشر ، ولكني لم أطلع على الأبحاث المقدمة حتى الآن ، ومن هذه الموضوعات ما يلي :
– النظر في كل محاولات إصلاح نظام النقد الدولي التي قامت بها العديد من الدول وشكلت لها لجان دولية وإعادة تقييمها والإضافة عليها .
– النظر في نتائج اجتماعات عدد من المؤسسات الإسلامية مثل المجلس العام وأيوفي مع البنك الدولي وما ترتب على هذه الاجتماعات من نتائج .
– النظر في نتائج المؤتمرات الإسلامية الدولية التي عقدت في عدد من الدول العربية ، وحضرها عدد كبير من مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالاشتراك مع المؤسسات المالية الإسلامية .
– النظر في تجربة منظمة التعاون الإسلامي ، والبنك الإسلامي للتنمية ، وغرفة المقاصة الإسلامية ، وغيرها من المؤسسات الإسلامية ، والنظر في إسهاماتها في مجال إصلاح النظام النقدي الدولي .
– تقييم دعوة مهاتير إلى الدينار الإسلامي بشكل علمي ، ومدى إمكانية نجاحها .
– إن تجارب التكامل النقدي والتي تمر عادة بالتنسيق النقدي ، واتحاد مدفوعات ، وتجميع احتياطي .. إلى أن تصل إلى التوحيد النقدي ، تتطلب إرادة سياسية من مجموعة من الدول ، ودون ذلك فإن كافة الجهود تبقى حبرا على ورق . ومع ذلك فيمكن أن يتم ذلك بشكل تدريجي ، من خلال التنسيق والتشاور والتعاون ووجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف إلى أن تصل إلى مناطق التجارة الحرة والسوق الإسلامية المشتركة والعملة الواحدة .
– إن موضوع العملات الافتراضية لا يمكن أن يكون حلا أو إصلاحا لنظام نقدي دولي أو محلي ، وذلك لأنها أكبر فقاعة عالمية للمضاربات والمقامرات عبر التاريخ ، وموضوع العملة هو موضوع سيادي ، لا بد فيه من دول وحكومات ، فما لم يتم تبني هذه العملات من قبل الحكومات ، وهذا يعد مستحيلا فنيا وتقنيا ، فإن هذه العملات ستبقى ملاذا للمقامرة وتحقيق الربح السريع ومحاولات تبييض الأموال والكسب غير المشروع .

حرب العملات والتضليل الإعلامي أ.د كمال حطاب

08 February 2021

حرب العملات والتضليل الإعلامي
أ.د كمال حطاب
لماذا يعتبر الإعلام خفض قيمة الدولار سياسة نقدية رشيدة للولايات المتحدة أما خفض قيمة اليوان الصيني فيعد حربا تجارية صينية ضد الولايات المتحدة ، بينما خفض قيمة الليرة التركية فيعد تدهورا أو انهيارا اقتصاديا سيؤدي إلى كوارث ؟
مما لا شك فيه أن الدولار يتربع على عرش العملات العالمية منذ ما يزيد على سبعين عاما ، وأنه العملة الدولية الأولى الأكثر طلبا على مستوى العالم .. كما أنه العملة الاحتياطية الأولى في العالم ، حيث يدخل في احتياطيات معظم دول العالم ، كما يشكل نسبة كبيرة في غطاء العملات المحلية في مختلف دول العالم ..
إن كل هذه المزايا للدولار هي في مصلحة دولة واحدة بالدرجة الأولى وهي الولايات المتحدة التي تصدر هذا الدولار وتتحكم في كميته وسعر صرفه ، بحيث ترفع سعر الصرف عندما تريد وتخفضه كذلك عندما تريد ، غير أن المتتبع لسعر صرف الدولار يرى أنه في انخفاض دائم تقريبا ، حيث يكون الارتفاع أحيانا لفترات قصيرة ثم ما يلبث أن ينخفض .. وهكذا فقد الدولار أكثر من نصف قيمته خلال السنوات العشرة الماضية ، ومقارنة بالذهب فقد الدولار أكثر من ثلث قيمته خلال الشهور العشرة الماضية .
إن هذا الانخفاض المستمر في قيمة الدولار يلحق الضرر بمعظم دول العالم باستثناء أمريكا ، نظرا لأنها تستطيع أن تطبع ما تشاء من هذا الدولار ، كما تستطيع الولايات المتحدة أن تستولي على معظم ثروات العالم وجهود شعوبه بهذا الدولار ، دون أن يعترض أحد أو يطالب أمريكا بأي مقابل لهذا الدولار .
إن هذا التخفيض المستمر لقيمة الدولار يعتبر في نظر الإعلام العالمي سياسة رشيدة للولايات المتحدة ، وذلك لأنها صاحبة الشأن في هذه المسألة ، وليس لأحد أن يقول شيئا غير التسليم ، ومن ثم تعديل أوضاعه وفق السياسة النقدية الأمريكية الرشيدة !!
أما لماذا يعتبر خفض قيمة العملة الصينية اليوان حربا اقتصادية ، فإن ذلك راجع إلى حجم صادرات الصين الهائل إلى الولايات المتحدة ومعظم دول العالم ، وهو أمر يتماشى مع قوانين منظمة التجارة العالمية ، ومع مبدأ ” دعه يعمل دعه يمر ” ، فعندما ينخفض سعر صرف العملة فمعنى ذلك زيادة حجم الصادرات بشكل فلكي بما يؤدي إلى تشكل فائض كبير للصين على معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة . وهذا ما سبب حربا تجارية بين أمريكا والصين . وهذا ما شجع الإعلام العالمي على إثارة قضايا حقوق الإنسان في الصين بشكل مستمر .
أما خفض قيمة العملة التركية فإنه بسبب كثرة المضاربات عليها في الأسواق العالمية ، حيث أصبحت هدفا للمضاربين الدوليين من أجل تحقيق الأرباح .
فنظرا لانفتاح الاقتصاد التركي على العالم ، وزيادة التعامل بالليرة التركية على المستوى الدولي ، أصبح لزاما على البنك المركزي التركي أن يتدخل في الأسواق العالمية لحماية سعر صرف الليرة ، وعندما لا يستطيع البنك المركزي التركي شراء العملة المحلية من الأسواق العالمية فسوف تنخفض قيمتها ، إن شراء هذه العملة من الأسواق العالمية معناه ضخ كميات ضخمة من الدولار خارج تركيا ، وفي حالة عدم القدرة على ضخ هذه الكميات فإن سعر صرف العملة التركية سوف ينخفض ويواصل الانخفاض .
ومما لا شك فيه أن استقرار الليرة التركية يتطلب استقرار علاقات تركيا مع العالم أو كما كان شعار الأتراك سابقا ( صفر مشاكل ) ، ويبدو أن بوادر ومؤشرات الاستقرار في العلاقات مع أمريكا والدول الخليجية حاليا ، سوف تنعكس سريعا على قيمة الليرة التركية . .
كما أن استمرار تقدم الإنتاج التركي وزيادة النمو الاقتصادي ، وزيادة الصادرات ، سوف يزيد من قوة الليرة التركية ، ويحقق لها الاستقرار في قيمتها أمام العملات الأخرى .
أما مسألة التدهور والانهيار والخسائر الكارثية فهي مجرد حرب إعلامية ، وفي حالة المزيد من استقرار العلاقات الدولية ، فإن هذه الأبواق سوف تختفي ، وربما تنعكس مدحا وإشادة بالاقتصاد التركي والعملة التركية .

تقلبات الذهب وجائحة الكورونا ؟ أ.د كمال حطاب

03 February 2021

تقلبات الذهب وجائحة الكورونا ؟
أ.د كمال حطاب
مما لا شك فيه أن الذهب هو النقد الحقيقي، وأنه مع الفضة يشكلان ما أطلق عليه الفقهاء قديما النقود الخلقية، أي أنها نقود بالفطرة أو بالخلقة، وقد اهتدى الإنسان إليها بعد أن جرب معادن أخرى عديدة، كالحديد، والنحاس، وغيرها كما أورد الدمشقى في كتابه الإشارة إلى محاسن التجارة ..
وليس معنى ذلك أن الذهب والفضة هما النقدان فقط ولا شيء غيرهما، فالنقد في الاجتهاد الفقهي مرجعه إلى العادة والاصطلاح وأساسه العدل، وبالتالي فإنه يجوز للناس في كل زمان ومكان أن يصطلحوا على أي شيء كوسيط للتبادل وكمعيار للقيم ويلقى قبولا عاما أن يكون نقدا رسميا.
غير أن المتتبع لتاريخ النقود سوف يجد أن حجم التقلبات في قيمة الذهب والفضة قليل نسبيا، مقارنة مع المعادن والسلع أو العملات الورقية .. فالذهب على مدار التاريخ هو الأكثر ثباتا، وهو الملجأ في الأزمات تاريخيا.
والناظر في العوامل المؤثرة في أسعار الذهب في الوقت الحاضر يجد أنه يتأثر بعوامل متعددة، لعل من أهمها المضاربات على الذهب وعلى العملات المختلفة، وخاصة الدولار، إضافة إلى الشائعات والعوامل التي تزيد من الاستقرار والثقة في الأسواق أو العكس ..
ففي حالات الأزمات والحروب والكوارث يلجأ الناس إلى الذهب بحثا عن الأمان، فيرتفع سعره ، وعندما تنتهي الأزمات يتخلص الناس منه فينخفض سعره .
وفي الوقت الحاضر وفي ظل تفاقم أزمة وباء الكورونا أو كوفيد19 عالميا، فإن الملاحظ أن أسعار الذهب قد ارتفعت ارتفاعات كبيرة غير مسبوقة تاريخيا في هذا العام .. حيث بلغ سعر أونصة الذهب في شهر تموز 2020 ما يقارب 2170 دولار ، وهو رقم قياسي غير مسبوق ، بعد أن كان بين 1300-1400 في بداية العام .
مما لا شك فيه أن القلق الذي اجتاح العالم نتيجة الكورونا، والانكماش الاقتصادي في معظم دول العالم نتيجة الإغلاق، وفقدان ملايين الوظائف، كل ذلك زاد من إقبال الناس على الذهب، كما أن خفض سعر الفائدة على الدولار إلى ما يقارب الصفر خفض من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب ..
غير أن من أبرز وأهم العوامل التي زادت من أسعار الذهب، برامج التحفيز المالي أو التيسير الكمي التي أطلقتها معظم الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة، حيث أصدر الاحتياطي الفيدرالي برنامج تحفيز بما يقارب 2 تريليون دولار. ودُفع مبلغ 600 دولار لأربعة شهور لكل مواطن أمريكي، كما دفع لأصحاب البنوك والشركات الكبرى مبالغ طائلة تعويضا عن خسائر الكورونا، إضافة إلى شراء السندات الحكومية والسندات المسمومة، كل تلك الإجراءات وغيرها، خفضت من قيمة الدولار، وزادت من أسعار الذهب بشكل كبير ….
وفي الوقت الحاضر تجري مفاوضات بين الكونجرس والاحتياطي الفيدرالي من أجل إطلاق برنامج تيسير كمي بما يقترب 2 تريليون دولار أخرى .. إلا أن هذه المفاوضات لا تزال مستمرة ، وعندما يصدر قرار الموافقة على إطلاق هذا البرنامج سوف ترتفع أسعار الذهب بشكل كبير، وربما يسجل سعره أرقاما قياسية جديدة لم تسبق في التاريخ .
من المؤكد أنه لا يمكن لأحد في هذا العالم التنبؤ بشكل يقيني حول أسعار الذهب، نظرا لتقلب العوامل المؤثرة في سلوك المضاربات على الذهب، خاصة بعد اتجاه كبار المضاربين إلى البتكوين ، حيث يجنون أرباحا فلكية وبوقت أسرع ، ومع ذلك وفي ضوء المؤشرات السابقة، فإن الأرجح هو الارتفاع الكبير لأسعار الذهب إذا تمت الموافقة على حزمة التحفيز أو التيسير الكمي الأمريكي الجديد .
مما لا شك فيه أن الظروف التي سادت منذ شهر فبراير 2020 والتي رافقت انتشار وباء الكورونا لا تزال قائمة في فبراير 2021، وأن القلق الذي غزا الأسواق، وحالة الانكماش الاقتصادي وبرامج التحفيز المالي لا تزال قائمة، بل إن القلق العالمي آخذ في الازدياد نتيجة ظهور سلالات جديدة من الفيروس المتحور ، وطفرات جديدة ، وربما فيروسات جديدة أشد فتكا ، ولذلك يتوقع الخبراء الموافقة على أكبر تحفيز كمي يقوم به الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ، من أجل معالجة تداعيات الإغلاق الاقتصادي ، وهذا ما سوف يؤدي إلى رفع أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة تاريخيا.
إن هذا الكلام لا يعني بأية حال أنها توقعات حتمية، ولكنها أمور اجتهادية، قد تؤثر فيها عوامل كثيرة غير محسوبة ، فإذا نجحت اللقاحات في الحد من انتشار الكورونا ، وإذا عادت العلاقات الأمريكية الصينية إلى سابق عهدها ، وإذا تم رفع سعر الفائدة على الدولار ، فإن أي عامل من هذه العوامل سوف يؤثر على أسعار الذهب ، فإذا ما اجتمعت هذه العوامل جميعها ، فسوف ينخفض سعر الذهب بشكل قياسي ، ولكن هل يمكن أن تجتمع مثل هذه العوامل في وقت واحد ؟ لا شك أن ذلك يبدو صعبا جدا .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]