عودة إلى الصفحة الرئيسية

عمر والتنمية المستدامة أ.د كمال حطاب

11 February 2019

عمر والتنمية المستدامة
أ.د كمال حطاب
ظهر مصطلح التنمية المستدامة حديثا ، وقصد به التنمية التي تشبع احتياجات الحاضر من غير تهديد لقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجاتها من الموارد كافة .
وقد تأخر اهتمام المجتمع الدولي بالتنمية المستدامة إلى قمة جوهانسبرغ عام 2002 والتي كانت مخصصة للتنمية المستدامة ، بعد عدد من المؤتمرات الدولية التي بحثت الأخطار المهددة للأرض والبيئة والإنسان .. وبعد قمة جوهانسبرغ أصبح تحقيق التنمية المستدامة مطلبا دوليا لتحقيق العدالة ولحماية الأجيال الحاضرة والقادمة .
وعندما ننظر في التاريخ الإسلامي وما فعله عمر رضي الله عنه عندما فرض الخراج على المناطق المفتوحة في العراق وفارس ، فإننا نلاحظ أن مضمون هذا المفهوم كان موجودا لدى عمر ، فعندما بعث سعد بن أبي وقاص بطل معركة القادسية إلى عمر الخليفة يستأذنه في قسمة الغنائم على الجيش الفاتح ، وقد كانت العادة والأعراف الحربية قبل الإسلام تقضي بتملك الفاتحين لما سيطروا عليه من أراض وبشر ..
استشار عمر أصحابه ، وكانوا فريقين ، فريق أيد القسمة على الفاتحين كما هي الأعراف السائدة، وفريق رأى رأي عمر .. بأن تبقى الأراضي بأيدي أصحابها ويفرض عليها الخراج . وكانت حجة عمر ماذا نبقي للأجيال القادمة ؟ وكان دليله من القرآن ” والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ”
فكيف يمكن للأجيال القادمة أن تدعو للأجيال التي سبقتها إذا لم تترك لها سوى الديون والمشاكل المستعصية ؟ كيف يمكن للأجيال القادمة أن تغفر لمن سبقها مشكلات التلوث والتصحر والجفاف وطبقة الأوزون والإشعاع الحراري ونقص المياه ونضوب الموارد .. الخ
لقد كان عمر رضي الله عنه صاحب فكر ثاقب عندما فرض ضريبة الخراج ، حيث وفر لخزينة الدولة إيرادات مالية ثابتة ، وفي نفس الوقت أبقى الناس في بيوتهم وأراضيهم وهم الأعلم بها وبما يصلحها ، وبالتالي فهو يحافظ على الاستخدام الأمثل للموارد ، وفي نفس الوقت يحفظ للجيش دوره في حماية الثغور وتحقيق الأمن.
إن ما قام به عمر رضي الله عنه أثناء الفتوحات الإسلامية كان نموذجا مشرفا للتنمية المستدامة ، يعلم البشرية من بعده أن الفتوحات الإسلامية لم تكن حروبا تدميرية أو تخريبية وإنما كانت إنقاذا للشعوب وإعمارا للبلاد وهداية للعالمين ..

الخبز والكرامة في ماليزيا أ.د كمال حطاب

09 February 2019

الخبز والكرامة في ماليزيا
أ.د كمال حطاب
في ماليزيا يتنشق المرء رائحة الحرية ويشعر بسيادة الدولة و كرامة الدولة وأنها ليست تابعة لأحد .
وعندما تفكر في سر ذلك تجد أن البلد قد حقق الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الأساسية ، وتجد أن الشعب ليس بحاجة إلى القمح المستورد ، والوجبات السريعة ، والقهوة العالمية ، بالرغم من انتشارها في كل مكان، وفي كل زاوية ، وحيثما حللت ،إلا أن إقبال الشعب على المنتجات الوطنية هو الغالب ، وذلك يعطيه نوعا من الكرامة والسيادة والاستقلال .
صحيح أن وسائل الدعاية للشركات الأجنبية الكبرى في مجال الاستهلاك تعمل بشكل قوي ،إلا أن انتماء الماليزيين لأطعمتهم الخاصة وأكلاتهم الشعبية ولباسهم الشعبي هو السائد .
لا يوجد في دماء الماليزيين إلحاح الحاجة إلى الخبز ، وبالتالي فهم يعيشون بكرامة على منتجاتهم من الأرز والأسماك وغيرها من المنتجات الوطنية ، الأرز المقلي أو المشوي ،والأرز المسلوق ، والأرز بالكاري والدجاج ، والدجاج مع العسل .. والأسماك بمختلف أشكالها وألوانها وطريقة طهيها .
ويبدو أن الطريق الأول لتحرير الشعوب هو تخليص الدماء من إلحاح الحاجة إلى السلع المستوردة بدءا بالخبز والمشروبات الغازية وانتهاء بإدمانات الدخان والأفلام الأجنبية ، والنكهات السرية في الوجبات العالمية السريعة .
يشير توماس فريدمان في كتابه السيارة لكزاس وشجرة الزيتون إلى أن الوسيلة الأولى لإخضاع الشعوب هي من خلال أنماط الاستهلاك ، ويشير في فصل الأقواس الذهبية ، كناية عن علامة مطاعم ماكدونالد ، إلى أن هذه المطاعم لو كانت منتشرة في العراق قبل الحرب لما وجد الجيش الأمريكي أية مقاومة .
ولذلك فإن نمط الاستهلاك كأحد أهم مدخلات المعادلة الاجتماعية لا بد من تغييره نحو الاعتماد على الذات ، وعلى المنتجات الوطنية ، من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي قبل كل شيء.
لا بد من إحياء الثقافات المحلية في الطعام والشراب واللباس ، لا بد من تحرير الإنسان من التبعية الاستهلاكية للمطاعم العالمية ، إذا أردنا المزيد من الحرية والكرامة والاستقلال .

مؤتمر قونية أ.د كمال حطاب

07 February 2019

مؤتمر قونية
أ.د كمال توفيق حطاب

دعيت قبل ثلاث سنوات تقريبا للمشاركة في مؤتمر فقه التجارة الإسلامية في مدينة قونية التركية ، وتكفل المؤتمر بكافة المصاريف التذاكر والفندق وغيرها ،.. وقد كان مؤتمرا مميزا يختلف عن كثير من المؤتمرات التي حضرتها في مختلف دول العالم .
كانت أول مرة ازور فيها هذه المدينة رغم زيارتي لتركيا مرات عديدة ، وقد اكتشفت بأن هذه المدينة ، ضاربة في القدم ، حيث كانت عاصمة لدولة السلاجقة ، وقد أطلق عليها الأتراك مدينة التسامح، ويبدو أن لها حظا كبيرا من اسمها ، حيث يتصف أهلها بالطيب والتسامح وكرم الضيافة .. وقد لمسنا ذلك ، منذ لحظة استقبالنا في المطار من قبل أساتذة جامعة أربكان، وطيلة إقامتنا في الفندق وترددنا على جلسات المؤتمر إلى أن غادرنا هذه المدينة الطيبة ..
تميز المؤتمر بغلبة الروح العلمية عليه .. فالقاعة رغم ضخامتها كانت مليئة بالحضور من أساتذة وباحثين وطلبة، طيلة جلسات المؤتمر التي استمرت ثلاثة أيام ، رغم أن بعض الجلسات كانت تستغرق خمس ساعات .. وهو أمر لم نعتد عليه في العالم العربي ..
كما تميز المؤتمر بمشاركة رجال الأعمال والشركات للجامعات والباحثين ، وحرصهم على تطوير التجارة بما يتفق مع الشريعة الإسلامية ..
اشتمل المؤتمر على خمس جلسات تناولت : مشكلات في التبادل التجاري والتسويق الهرمي ومشكلات الملكية والإجارة المنتهية بالتمليك والبنوك التشاركية والصور الجديدة للإجارة والوعد الملزم .. إلخ .
ومن ملاحظاتي على هذا المؤتمر ما يلي :
– المجالدة والمكابدة والصبر والنفس الطويل عند الأتراك في معالجة المشكلات الفقهية ، حيث كانت تستمر الجلسات خمس ساعات .. إضافة إلى جلسة مسائية للصياغة ربما تستغرق ساعتين ..
– الاهتمام الكبير لدى الأكاديميين الأتراك ورجال الأعمال بالمصرفية الإسلامية ، ومحاولاتهم الدؤوبة لتطهير الاقتصاد التركي من الربا والمعاملات المحرمة .. وقد ظهر ذلك جليا من خلال الحضور والمشاركة في كافة الجلسات العلمية والمناقشات..
– رغم الحرص الشديد على الوصول إلى أحكام شرعية متفق عليها ، فإن هناك مساحة واسعة لاختلاف الآراء ، وهي آراء محترمة لها اعتبارها .
– من الأشياء الجديدة التي استمعنا إليها في المؤتمر ما أطلق عليه بنوك الأبقار أو بنوك الحليب .. فالبنوك الإسلامية في تركيا هي بنوك تشاركية .. ويمكن للأفراد أن يتشاركوا مع البنوك من خلال الأبقار أو الأغنام أو الحليب أو غيرها .
– حضر المؤتمر ضيوف متخصصون من كافة دول العالم من أمريكا وماليزيا ومعظم الدول العربية والإسلامية.
– كان تمويل المؤتمر تمويلا ذاتيا معتمدا على المؤسسات التركية كغرفة تجارة قونية ، والجامعات التركية الثلاثة في قونية ، وغيرها من المؤسسات التركية.
– كان اليوم الأخير للمؤتمر عبارة عن جولة حرة في مدينة قونية ، تجولنا فيها بين الأماكن الأثرية ، ابتداء من مقام مولانا جلال الدين الرومي كما يطلقون عليه ، إلى المدرسة الحديثية التي تعود إلى أيام السلاجقة ، إلى الحديقة الوطنية التي تمتليء بالورود على مدار العام ، ثم إلى مسجد السلطان علاء الدين ، وقبور سلاطين السلاجقة، ثم إلى ضواحي قونية حيث أجمل إطلالة على مدينة قونية من الكافيهات المنتشرة هناك .. والتي تمتليء بالناس ، وتقدم كافة أشكال الطعام التركي والمشروبات الساخنة المستخلصة من الأعشاب الطبيعية ..

التعليم في بوتراجايا أ.د كمال توفيق حطاب

02 February 2019

التعليم في بوتراجايا
أ.د كمال توفيق حطاب
أثناء عملي في ماليزيا ، كانت لنا زيارات عديدة إلى وزارة التعليم العالي الماليزية في مدينة بوتراجايا ، العاصمة الإدارية الجديدة ، والتي تقع على بعد 30 كيلومترا من كوالالمبور تقريبا . وفي أعقاب إحدى الزيارات ، كتبت الكلمات التالية :
عندما تزور وزارة التعليم العالي في بوتراجايا في ماليزيا ، يخيل إليك أنك تدخل إلى قصر السلطان ، أو مقر رئاسة الوزراء ، أو فندق عشرة نجوم ، كل شيء يلمع ، الموظفون في أماكنهم، وفي أعمالهم ، أماكن الانتظار كأنها صالات استقبال فندقي .. وفوق ذلك المعاملات ، يتم إنجازها في منتهي الدقة .. وإذا سنحت لك الفرصة لمقابلة مسئول في التعليم العالي ، فستدخل إلى مكاتب مجهزة بأثاث مكتبي فاخر ، أخشاب كأنها وجدت لتعيش أبدا ، كراسي قوية مريحة حول مكاتب راسخة ، مع ضيافة تقليدية معدة في منتهى الدقة ..
يقول مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا:
إن آية “اقرأ” أول آية للقرآن الكريم نزلت على الرسول صلي الله عليه وسلم هي سر نجاح ماليزيا في إشارة إلى اهتمامها بالتعليم.. فماليزيا لم تحقق معجزة بل طبقت ما طالبنا به القرآن الكريم في أول آية نزلت على الرسول الكريم وتقول (اقرأ)؛ فأولينا التعليم كل جهدنا ووفرناه لكل فئات المواطنين بسهولة، فرفعنا من شأن الإنسان الماليزي فعرف قيمة العمل والإنتاج وباقي القيم الإنسانية الأخرى، ثم كان التعليم مدخلنا لتحقيق التنمية الشاملة التي لم نعتمد فيها على مجال واحد بل شملت كل المجالات من الزراعة حتى الصناعة، والتجارة أيضا .
إن هذا الكلام لم يكن شعارا انتخابيا أو مزايدة سياسية وإنما كان حقيقة واقعة يلمسها كل مواطن ماليزي ، كما يلمسها كل زائر لماليزيا ، فهذه الثقافة هي التي رفعت من شأن الإنسان الماليزي لكي يكون ناجحا في كافة المجالات ، كما رفعت من شأن العلماء المالييزيين ، ورفعت من مكانة الجامعات الماليزية لكي تصل إلى مصاف الجامعات المتقدمة . مما مكنها من استقطاب مئات الآلاف من الطلبة من كافة أنحاء العالم .
ومن خلال إيجاد معايير مهنية متقدمة ، تمكنت وزارة التعليم العالي الماليزية من كسب احترام كافة الجامعات ، وضمان التزامها بالمعايير الجامعية المهنية العالمية .

سنغافورة ومكافحة الفساد .. أ.د كمال حطاب

02 February 2019

سنغافورة ومكافحة الفساد
أ.د كمال حطاب
أثناء عملي في ماليزيا دعيت لتقديم دورة تدريبية في سنغافورة ، فسافرت مع العائلة وكانت فرصة لزيارة هذا البلد الذي بلغت شهرته الآفاق ، كانت الدورة التدريبية في الفندق ، أربع ساعات صباحا ، مما أتاح لنا فرصة كافية للتجول والاطلاع على معالم سنغافورة . وقد كانت الحقيقة مبهرة ، حيث كانت السمعة والصيت أقل بكثير من الواقع .
في سنغافورة وحيثما وقع نظرك تجد المشروعات الناجحة التي تخلب الأنظار .. فهذه قرية سياحية تدعى سنتوسا .. وضع فيها السنغافوريون ما لا يخطر على قلب بشر من مرافق سياحية من تليفريك بمختلف أنواعه وتزلج على الأمواج الصناعية وطيران في الهواء في غرف مغلقة كالمظليين .. وركوب لقطارات سياحية إلكترونية من غير سائق تنقل السائح من مكان إلى آخر .. إلى مطاعم بمختلف الألوان والنكهات بما يلبي رغبات معظم شعوب العالم وبأسعار معتدلة ..
وهناك حديقة حيوان طبيعية بدون أقفاص ، يتمتع فيها الحيوانات بما لا يتمتع به البشر في كثير من البلدان .. تقع الحديقة على ضفاف بحيرة تضفي عليها جمالا ساحرا .. ويتجول في الحديقة عدد من المرشدين السياحيين الذين يشرحون للسائحين مجانا بعض أسرار الحيوانات .. كما توجد وسائل مواصلات وقطارات حديثة أشبه بالطائرات تتحرك إلكترونيا لا يستخدم الناس سوى البطاقات الممغنطة للركوب فيها ، إضافة إلى دولاب ضخم يسمى ” سنغافورة فلاير” يمكن للمرء أن يتناول طعامه في إحدى عرباته ، وهي تدور ببطء شديد لا يشعر به الجالسون ، بينما يتمتعون بمشاهدة مناظر خلابة من كافة الجهات المحيطة ..
في سنغافورة ثلاث عمارات شاهقة الارتفاع تدعى ” مارينا باي ” ، يجمع بين أسطحها الثلاثة مبنى على شكل سفينة ضخمة ، تضم مسبحا فاخرا .. وتضم العمارات فنادق خمسة نجوم ومطاعم ونوافير ومولات .. ومرافق سياحية وأنهار صناعية مع قوارب .. في أسفل العمارات ..إلخ ..
هذه بعض الأماكن ، وما لم يذكر أكبر بكثير مما ذكر ، ويبدو أن عملية البناء والتقدم والإنجاز مستمرة ، بحيث جاءت سنغافورة في المراتب الأولى في مؤشرات التنمية والنزاهة والشفافية وتصنيف الجامعات ومكافحة الفساد والتنافسية .. إلخ
ويبدو أن من أهم الأسباب وراء هذه الإنجازات وجود حكومة ورئيس حكومة ووزراء يعملون بصمت ، لا تظهر صورهم في أي مكان ، ولا يحفظ الناس أسماءهم ،وإنما يحفظون أعمالهم ، تأتيهم الوفود من دول عديدة ليتعلموا منهم الأساليب الحديثة والنظيفة في الإدارة ..

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]