عودة إلى الصفحة الرئيسية

ندوة البركة 44 أ.د كمال حطاب

25 May 2024

دعيت للمشاركة في مؤتمر منتدى البركة 44 تحت عنوان ” مقاصد الشريعة .. الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي ” والذي عقد في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتناولت محاور المؤتمر كيفية تفعيل مقاصد الشريعة في المصرفية الإسلامية ، ودار حوار علمي مهني مفيد بين المشاركين .. وكان الهدف الأبرز من معظم الجلسات هو البحث عن أفضل الطرق والأدوات التي يمكن من خلالها التيسير على الناس وتخفيف حدة التفاوت وزيادة العدالة الاجتماعية ومكافحة التحايل والإذعان والصورية في العقود بما يزيد من العدل والرحمة والتكافل بين المسلمين ..
شارك في المؤتمر وفود من دول إسلامية عديدة ، من أندونيسيا وماليزيا وتركيا والجزائر وتونس والمغرب ومعظم الدول العربية وبعض الدول الغربية .. كما شارك بعض الباحثين من الأردن وفلسطين .. إلخ
تحاورت مع بعض أعضاء وفد فلسطين ، وعرفت منهم بأن البنوك الإسلامية في فلسطين تتعامل بصيغ السلم والاستصناع بنسب كبيرة ، وكذلك المشاركة والمرابحة والإجارة ، وهذا أمر إيجابي يدل على تميز والتزام أكبر ، ولا يتعدى التورق المنظم لديهم سوى 6% ، يتعاملون بها مضطرين لأغراض تمويل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بعد أن قطع الاحتلال رواتبهم .. وسمعت منهم أفكارا متقدمة حول تفعيل دور المصرفية الإسلامية في تحقيق مقاصد الشريعة .. مما يؤهلهم لتقديم تجربة أكثر التزاما بالمقاصد الشرعية ..
عقبت على بعض الأوراق المطروحة في مجال استخدام التمويل متناهي الصغر في تفعيل المقاصد الشرعية ، بأن أية أداة أو صيغة يمكنها تفعيل المقاصد الشرعية في التطبيق مرحب بها ومحل نظر واعتبار ، فمما لا شك فيه أن التمويل متناهي الصغر ساعد الملايين وعشرات الملايين في بنغلاديش وباكستان وغيرها من الدول ، من خلال بنك غرامين ومؤسسات أخرى .. غير أن ما يؤخذ على هذه التجارب أنها كانت تقوم على الإقراض بفوائد ربوية ، رغم ضآلة هذه الفوائد .. وبالتالي فهي مرفوضة حتى لو أسهمت في مساعدة المحتاجين ، لأن ما بني على باطل فهو باطل ، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ..
عقب على كلامي أحد الحاضرين بأنني أدعو إلى تحويل البنوك الإسلامية إلى جمعيات خيرية ، وبالتالي كيف للمستثمرين فيها أن يحصلوا على الأرباح ؟
وأجبت بأنني لا أدعو بهذه الدعوة ، وإنما أدعو إلى تخفيف نسب الربح لمراعاة أحوال الناس وأوضاعهم الاقتصادية المتدهورة في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض العملة وارتفاع أسعار الفائدة ، انسجاما مع عنوان الندوة ، وعملا بوصايا الشيخ المؤسس صالح كامل رحمه الله .. وضربت مثلا في التيسير على الناس بما قام به البنك الإسلامي الأردني والذي لم يرفع الأقساط على المتمولين بالمرابحة أو الإجارة المنتهية بالتمليك أو غيرهم من المتعاملين معه بخلاف معظم البنوك الإسلامية الأخرى والتي ربطت معدلات الأرباح بسعر الفائدة المتغير وبالتالي زادت الأقساط عدة مرات في السنتين الماضيتين ، مع ما في ذلك من إرهاق ومعاناة على الناس ..
ثم إن تخفيف نسب الأرباح يمكن أن يكون عند تمويل الفقراء ومحدودي الدخل ، ولا مانع من زيادة هذه النسب عند تمويله الأغنياء وكبار الملاك .. ومن جهة أخرى فإن تخفيض الأرباح الموزعة يمكن أن يطبق على أرباح المالكين والمؤسسين وليس المستثمرين..
إن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى أفكار إبداعية وإلى جهود خارقة للعادة من أجل التيسير على الناس ، ورفع الحرج عنهم ، خاصة محدودي الدخل والفئات الضعيفة .

المركز الأخلاقي لأمريكا أ.د كمال حطاب

23 May 2024

من يزور أمريكا بمختلف ولاياتها ، ويتعامل مع الشعب الأمريكي في معظم فئاته ، يجد ذوقا عاليا ، وأدبا رفيعا ، وحساسية اجتماعية ، وحرصا على الضيوف والزوار بشكل غير عادي .. ومما يؤكد على هذه الخصائص تعاطف معظم الشعب الأمريكي مع القضية الفلسطينية .. والذي تدل عليه استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن 58% ممن استطلعت أراؤهم يؤيدون زوال إسرائيل وإعادة فلسطين إلى الشعب الفلسطيني .. كما تدل عليه المظاهرات الطلابية في أكثر من 57 جامعة أمريكية دعما للفلسطينيين ورفضا للاحتلال والإبادة الجماعية ، ورفضا لسياسات الإدارة الأمريكية الداعمة للصهاينة .
وفي المقابل فإن من يسمع تصريحات بايدن وموقف الإدارة الأمريكية المتصهينة يظن أنه رئيس لدولة أخرى تحكم شعبا غير الشعب الأمريكي .. فما سر هذه التناقضات ؟ وما سر هذا الموقف غير الأخلاقي للإدارة الأمريكية ؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية محكومة من قبل لوبيات وتيارات دخيلة على الشعب الأمريكي ، وخاصة اللوبي الصهيوني آيباك ، فمنذ السابع من أكتوبر هرع بايدن إلى نجدة نتنياهو وحكومة الاحتلال الصهيوني مصرحا بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة ، وبأنه يؤيد ما يقوم به الصهاينة ، ويدعمهم الدعم الكامل ، غير أنه ومع تعاظم الجرائم الصهيونية ، وتعاظم الاحتجاجات ضده، خلال سبعة شهور ، أخذ يتراجع قليلا ، وصدرت منه تصريحات أقل وحشية ودموية ، وأنه يخشى من تدهور المركز الأخلاقي لأمريكا .. ولذلك لا بد تقليل أعداد الضحايا من المدنيين ، من أجل المحافظة على المركز الأخلاقي لأمريكا .. أي مركز أخلاقي هذا الذي يريد أن يحافظ عليه بعد تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين ؟ وإذا لم تكن المشاركة في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني تدهورا للمركز الأخلاقي للولايات المتحدة ، فما هو التدهور في المركز الأخلاقي ؟
وإذا لم تكن مخالفة القوانين والمواثيق الدولية خروجا عن القيم والأخلاق ، فما هو المركز الأخلاقي الذي يريد بايدن أن يحافظ عليه ؟

، ومع حرصه على المركز الأخلاقي لأمريكا ، فقد استمر بايدن يدعم الصهاينة بالسلاح والمال والبوارج والطائرات والخبراء والجنود وكل أشكال الدعم .. إلى أن اقتحموا معبر رفح .. عندها أعلن عن تعليق شحنة من القنابل الضخمة المتجهة إلى دولة الاحتلال ، وبرر ذلك بأن إسرائيل تستخدم هذه الأسلحة في قتل المدنيين ، وكان أول اعتراف له بالمشاركة في الجريمة وفي دعم الإجرام الصهيوني .
مما لا شك فيه أن اللوبي الصهيوني في أمريكا لا يزال يتحكم في الإدارة الأمريكية ، وفي الكونغرس الأمريكي كما ذكر بول فيندلي عضو الكونغرس الأمريكي الأسبق في كتابه ” من يجرؤ على الكلام ” ومن رأى أو سمع كلمات بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي في تأييدهم لإسرائيل فإنه سيصدم من حجم الأكاذيب التي نطقوا بها رغم افتضاح هذه الأكاذيب عالميا ورغم صدور تقارير من الاحتلال نفسه بنفي هذه الأكاذيب .. إن هؤلاء يكذبون ويكذبون ، ويشوهون صورة أمريكا التي غدت في الحضيض ..
وبعد صدور قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالمطالبة بإصدار مذكرات اعتقال بحق أكابر مجرمي الصهاينة ، تحولت دولة الاحتلال إلى دولة منبوذة ، أو دولة مصابة بالجرب على حد تعبير بعض الصهاينة .. وإذا استمرت الإدارة الأمريكية في دعم الصهاينة فسوف تتحول إلى دولة مصابة بالجرب والجذام والإيدز وكافة الأمراض التي سوف تؤدي إلى سقوطها وانحطاطها .
إن الأمل الوحيد لإنقاذ المركز الأخلاقي لأمريكا من هذه الأمراض هو أن ينجح الحراك الطلابي في الجامعات في إيقاف الدعم المقدم إلى دولة الصهاينة ، كما نجحوا في الحصول على تعهدات من جامعاتهم بوقف هذا الدعم .. فإذا ما استمر هذا الحراك وانضم إليه المعتدلون والمنصفون عندها يمكن أن يحسنوا من المركز الأخلاقي لأمريكا ، وإلا فإنها ساقطة ساقطة في حضيض الحضيض .
إن الحراك الطلابي هو دائما المؤشر الحقيقي لحياة ونبض الشعوب ، فإذا كان هذا الحراك حيا متدفقا صلبا .. داعما للحق ، فعندها يمكن القول بأن الشعوب لا تزال بخير .. وأنها يمكن أن تنقذ الدولة من السقوط .

هل الاقتصاد الإسلامي إسلامي حقيقةً ؟ أ.د كمال حطاب

19 May 2024

كثيرا ما يتردد هذا السؤال على ألسنة بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي ، وخاصة من كانت بحوثهم باللغة الإنجليزية ، وللإجابة على هذا السؤال لا بد من التفصيل : فإذا كان السؤال حول وجود مبادئ اقتصاد إسلامي ، فإنه مما لا شك فيه أن مبادئ الاقتصاد الإسلامي مبثوثة في القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرنا ، وهي تمثل الأصول ذات الموضوعات الاقتصادية في الكتاب والسنة .. أما إذا كان السؤال عن وجود نظرية اقتصادية إسلامية مبنية على قوانين ومعادلات ونماذج رياضية في الاقتصاد الإسلامي ، فهذه لا تزال تحت التشكيل ، فالعلوم لا تتشكل بين يوم وليلة وإنما قد تحتاج إلى عشرات بل مئات السنين والدليل على ذلك أن معظم العلوم الإسلامية تشكلت في القرن الثاني الهجري ..
أما إذا كان السؤال عن وجود سياسات اقتصادية إسلامية أو إجراءات حكومية في المجال الاقتصادي تتفق مع تعاليم الإسلام .. فلا شك أن السياسات الاقتصادية الإسلامية موجودة ، ولكنها تفتقر إلى التطبيق في مجتمعات المسلمين نظرا لعدم تبني معظم حكومات الدول الإسلامية لهذه السياسات ، وتبنيها بدلا من ذلك سياسات اقتصادية ومالية موصى بها من قبل صندوق النقد الدولي وغيره من المنظمات الدولية المهيمنة على الاقتصاد العالمي ..
ومن جهة أخرى فلعل من أبرز المؤشرات التي يمكن أن نقيس بها وجود الاقتصاد الإسلامي أو عدم وجوده في أي مجتمع هو سيادة مبادئ ” القوة ، والعدالة ، والكفاءة ، والتكافل والتراحم .. فإذا وجدت هذه المبادئ أو المؤشرات في أي مجتمع يمكن أن يطلق على المجتمع بأنه يطبق اقتصادا إسلاميا ، حتى ولو لم يكن أهله مسلمين .. وإذا لم توجد هذه المؤشرات ووجدت مؤشرات أخرى مثل الضعف والتبعية والظلم والاستبداد وضعف الإنتاجية وسوء استخدام الموارد ، فعندها يمكن أن يطلق على المجتمع بأنه يطبق اقتصادا متخلفا حتى ولو كان أهله مسلمين .. وتطبيقا لهذه القاعدة فإننا نجد أن بعض الدول الغربية أقرب في تطبيق الاقتصاد الإسلامي من كثير من الدول العربية والإسلامية .
والدليل على ما تقدم أن الإسلام أمر بالإعداد والقوة في قوله تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” كما أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي في قوله تعالى ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..” ، فإذا لم يلتزم المسلمون بهذه الأوامر الربانية ، فلا يصح أن يطلق على الأنظمة التي يطبقونها بأنها أنظمة إسلامية .
لقد كانت معظم الدول الغربية تكتسب أعلى درجات القوة ، وتطبق أعلى معايير العدالة ، وتعمل بأفضل درجات الكفاءة والإحسان، رغم انخفاض مستوى التكافل والتراحم ، ولذلك كانت في الحقيقة أقرب إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي ، بينما كانت معظم دولنا العربية والإسلامية في العقود القليلة الماضية تطبق الأنظمة الاشتراكية أو الرأسمالية وتفاخر بذلك كما تفاخر تارة بالانفتاح وحرية الأسواق ، وتارة بالتخطيط المركزي والقوى العاملة تارة أخرى ، فهي إما أن تكون تابعة للغرب أو الشرق ، إما أن تكون رأسمالية أو اشتراكية أو تجمع بينهما .. ولذلك لم تأخذ معظم دولنا العربية والإسلامية بأسباب القوة ولا أخذت بأسباب العدل والكفاءة ، بل مارست الظلم والاستبداد وأقصى درجات التبعية للغرب أو الشرق ..

وإذا ما ضيقنا دائرة السؤال إلى البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، فهل هي إسلامية حقيقةً ؟ فإذا ما طبقنا نفس المؤشرات السابقة ، فمن حيث القوة سوف نجد أنها مؤسسات تابعة للبنوك المركزية التي تتبع بشكل كامل للبنوك المركزية الغربية ، وبالتالي فإن هذه المؤسسات المالية الإسلامية وخلال أكثر من اربعين عاما من مسيرتها لم تستطع الخروج من فلك البنوك الربوية والنظام الاقتصادي والمالي الغربي ..
وكذلك من حيث العدالة نرى أن هذه المؤسسات تسهم في زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا ، باعترافات كثيرين من أصحاب المصارف الإسلامية والمناصرين لها ..
أما من حيث الكفاءة والاستخدام الأمثل فهي تطبق الأنظمة الغربية ومعايير بازل وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات المالية الدولية ، وربما تكون متفوقة في هذا المجال ..
وبالرغم من وجود هيئات رقابة شرعية داخلية وتدقيق شرعي داخلي وخارجي وحوكمة إسلامية وإفصاح إسلامي .. إلخ فإن الدور الذي تقوم به هذه الهيئات هو دور شكلي مكمل للعملية ، ولا يستطيع أن يحدث تغييرا جذريا في العملية المصرفية ..
إن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وكافة الأجهزة التابعة أو الداعمة للاقتصاد الإسلامي ما دامت موجودة في بيئات ضعيفة متخلفة ، فإنه يصعب أن تكون إسلامية حقيقة بالمعنى الذي قدمناه ، أما إذا وجدت في بيئات ومجتمعات وفي ظل قوانين تطبق العدالة والكفاءة والإحسان بقوة وحزم ، فإنها يمكن أن تكون إسلامية ، حتى لو كانت تلك البيئات غير مسلمة .
ويبدو أن كل فرع من فروع الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يطرح عليه نفس السؤال ، هل التمويل والتأمين التكافلي والوقف والصكوك الإسلامية إسلامية في الحقيقة ؟ أم أنها من مخرجات الأنظمة القائمة والتابعة للدول الغربية ؟ .. ولا شك أن الإجابة السابقة تنطبق على هذه الفروع أيضا .

تسويق المظلومية .. أ.د كمال حطاب

18 May 2024

مما لا شك فيه أن اليهود قد أبدعوا في تسويق مظلوميتهم أو تسويق دور الضحية من خلال الهولوكوست أو المحرقة ، وذلك من خلال مئات بل آلاف الأفلام السينمائية والوثائقية التي تعرض لهذه المظلومية وتستجدي تعاطف العالم معهم ، كما أبدعوا في إيجاد الحصانة والحماية لهذه المظلومية على مستوى معظم دول العالم ، وذلك من خلال استصدار تشريعات في معظم الدول الكبرى تجرم ما أطلق عليه معاداة السامية ، فكل من يتعرض لليهود أو ينكر المحرقة أو الهولوكوست فهو معاد للسامية ، ويستحق عقوبة السجن وفقا لقوانين معظم الدول الغربية .. كما فعلوا مع المفكر الفرنسي رجاء جارودي وغيره من المفكرين ..
ولم يكن استصدار مثل هذه القوانين مجرد تعاطف أو اقتناع بمظلوميتهم ، ولكن اليهود عملوا ومن خلال لوبيات منظمة في كل دولة على التأثير على المشرعين وإخضاع معظمهم بأساليب أخلاقية وغير أخلاقية قد تصل إلى التهديد بالقتل .. كما يروي بول فيندلي صاحب كتاب ” من يجرؤ على الكلام ” والذي يفضح دور اللوبي الصهيوني في السيطرة على الكونغرس الأمريكي ..
وقد بقيت هذه القوانين مقدسة في معظم الدول لا يمكن الاقتراب منها ، وبقيت مظلومية اليهود هي الفكرة الأكثر رواجا في العالم ، حتى السابع من أكتوبر ، فقد اكتشف العالم ولأول مرة بأن هذه المظلومية مبالغ فيها كثيرا ، وأنه قد توجد وجهات نظر أخرى ، كما اكتشف العالم أن ما يقوم به الصهاينة من إجرام وقتل وتدمير وتشريد لم يسبق له مثيل في التاريخ ، وبالتالي فإن هؤلاء الذين يدعون المظلومية هم ظلمة في الحقيقة ، بل من أفظع وأقسى أشكال الظلمة أو المجرمين ..
غير أن طغيان الإعلام المتعاطف مع الصهاينة لا يزال حتى الآن يسوق المظلومية ، ويدعي أن كل هذا الإجرام الذي يقومون به هو من باب الدفاع عن أنفسهم ، وأن لهم الحق بأن يدافعوا عن أنفسهم ، مع ما في ذلك من مخالفة للقوانين الدولية التي تمنح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال حق المقاومة والدفاع عن النفس ولا تمنح ذلك لقوات الاحتلال .
إن التغير في مواقف السياسيين والمسؤولين على مستوى العالم لا يزال ضعيفا خوفا على مصالحهم وأموالهم وحتى أنفسهم ، فهؤلاء على مدى عقود من الزمن رأوا من الصهاينة إجراما فظيعا ، وثّقَهُ عدد كبير من الباحثين والمؤلفين ، مثل وليم غار في كتابه أحجار على رقعة الشطرنج ، وكتابه اليهود وراء كل جريمة ..
ولذلك لا نزال نسمع ونرى من يتعاطف مع المجرمين ، ويلتمس لهم العذر فيما يقومون به ، غير أن الغالبية من شعوب العالم باتت تعرف المظلوم من الظالم ، وباتت تناصر المظلومين ، وتلعن الظالمين ومن يقف معهم ، وحتى على مستوى محكمة العدل الدولية ، والجمعية العامة في الأمم المتحدة ، صدرت قرارات بإدانة الحرب الوحشية التي يمارسها الصهاينة يوميا ..
إن استخدام أسلوب التباكي وتسويق دور الضحية لن ينجح بعد السابع من أكتوبر ، لأن العالم يسمع ويرى ويراقب يوميا ما يقوم به هؤلاء الذين يمثلون دور الضحايا ..
فلأول مرة في تاريخهم يقفون في موقف المتهم المجرم أمام محكمة دولية ، ولأول مرة في تاريخهم تصدر قرارات بإدانتهم من محكمة دولية ، ولأول مرة تنقل هذه القرارات عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، فتنكشف جرائمهم وفضائحهم والمتواطئين معهم ..
لأول مرة يتم فضح أكاذيبهم على الهواء مباشرة ، سقطت أكاذيبهم حول جيشهم الأكثر أخلاقية رغم محاولاتهم إخراج أفلام هوليودية لتلميعه وأنسنته .. سقطت أكاذيبهم حول العرب المتوحشين الذين يحيطون بهم ويريدون القضاء عليهم ..
ولأول مرة منذ نشوء كيانهم الزائل تظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وحدها أن 58% ممن استطلعت آراؤهم ينادون بزوال إسرائيل وإعادة فلسطين للفلسطينيين ..
إن هذه الاستطلاعات وغيرها ، ووقوف معظم شعوب العالم ، ومعظم أحرار العالم مع فلسطين ضد الصهاينة يوضح أن ما أقيم على باطل فهو باطل وأن كيان الاحتلال لا بد من زواله ..
إن مظلومية صهاينة اليهود لم تعد تنطلي على أحد ، وبالتالي فقد آن الأوان لكشف هؤلاء الظلمة ومحاسبتهم ومعاقبتهم على جرائمهم .
آن الأوان لأن يترجم التعاطف العالمي على شكل حملات قانونية دولية تقدم المجرمين إلى محاكمات دولية في كل مكان ، آن الأوان لكي تقوم الأجهزة القضائية في كل دولة في العالم ومن خلال نقابات المحامين بتقديم هؤلاء الصهاينة المجرمين لمحاكمات عادلة .. آن الآوان لأن يقوم كل مؤثر من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي بدوره في تعرية أكاذيبهم وفضح إجرامهم والدعوة إلى محاكمتهم .

الهولوكوست ” الفلسطيني أ.د كمال حطاب”

11 May 2024

الهولوكوست كلمة ألمانية ، من أقرب معانيها ” المحرقة الجماعية ” وقد احتكر الصهاينة استخدام هذا المصطلح ، وروجوا له ، وقاموا بتسويق مظلوميتهم من خلاله ، رغم أنهم يرتكبون اليوم مجازر جماعية ومحارق يومية بحق الشعب الفلسطيني دون أن يوقفهم أحد ، بل إن كثيرا من حكومات العالم لا تزال تدعمهم وتتأثر بمظلوميتهم ، وتروج لكذبهم وادعاءاتهم المعاصرة ، رغم وجود الكاميرات والبث الحي في كل مكان ..
كثيرا ما كنت أفكر وأتساءل لماذا قام هتلر بتنفيذ الهولوكوست ضد اليهود ؟ وبالرغم من وجود إجابات عديدة إلا أنها لم تكن مقنعة ، غير أن الكثير من الدهشة والاستغراب سوف تختفي اليوم عند كل من يتساءل أو يتعجب مما قام به هتلر .. فما يقوم به صهاينة اليهود اليوم في فلسطين وفي غزة بشكل خاص ، يصعب أن يتخيله أو يتصوره بشر .. فحجم الإجرام الذي يرتكب ، وحجم الغدر والكذب ، وحجم الدمار والإبادة الجارية في غزة ..كل ذلك يقود إلى توضيح الأسباب التي دفعت هتلر إلى القيام بما قام به .. فهؤلاء تفوقوا بإجرامهم على كل المجرمين الذين عرفوا في التاريخ الحديث والقديم وارتكبوا فظائع لم يرتكبها أحد من البشر ..
فلو بعث هتلر من جديد ، وتمكن من هؤلاء ، فلا شك أنه سيقوم بما قام به في ألمانيا ، ولربما تخلص منهم بأساليب أكثر وحشية ودموية ..
أن مسلسل الإجرام المستمر في غزة تحت مرأى العالم وسمعه لا يمكن التنبؤ بما سوف تكون عليه نهايته .. وبالرغم من أن تعاليم الإسلام السمحة لا تسمح ولا تبرر ولا تقبل ما فعله هتلر في الحرب العالمية .. إلا أن من يتعرضون للإبادة اليوم لا يمكن أن نتنبأ بما يمكن أن يقوم به بعضهم إذا ما ظفروا بالمجرمين وانتصروا عليهم .
إن الهولوكوست الفلسطيني أشد وأفظع من أي جرائم أو محارق تاريخية ، وهو يحدث أمام نظر العالم وسمعه على مدار اللحظة والساعة ومن خلال معظم شاشات التلفزة وفيديوهات اليوتيوب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ، ومع ذلك لا يتحرك أحد لوقفه ، رغم قدرة كثير من دول العالم على وقفه على الفور .. ورغم قدرة كثير من الدول العربية والإسلامية على وقفه .. ولكن يبدو أن معظمهم لا يتطلعون إلى تحقيق شرف هذه المهمة العظيمة ، أو نيل هذا المجد الرفيع أو صناعة التاريخ من جديد . قال تعالى ” وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ” ( التوبة ، 46 )
ولم يقف الأمر عند القعود وعدم التدخل من أجل وقف العدوان ، بل نجد كثيرا من صهاينة العرب والفلسطينيين يتواطؤن مع الصهاينة من أجل قتل الفلسطينيين وتجويعهم وحصارهم وهدم مستشفياتهم وقتل المرضى والأطباء والأطفال والنساء …
ومع ذلك فلا تزال المقاومة قوية صامدة ، تلحق الخسائر تلو الخسائر بجيش المعتدين الصهاينة ومن معهم من المرتزقة ، وكما وعدهم الناطق الرسمي باسم المقاومة ، إما أن تقتلوا أو تقعوا في الأسر أو تصابوا بعاهات دائمة جسدية ونفسية ..
إن من المتفق عليه في القانون الإنساني الدولي تقديم المجرمين للمحاكمة العادلة ، والحرص على معاقبة المجرمين .. ومع ذلك فإن قانون السماء لا يترك مجرما دون عقوبة ، ولعل من أبرز العقوبات التي ينالها هؤلاء المجرمون تلك الأمراض النفسية التي تلاحقهم ، والتي يعاني منها عشرات الآلاف من الجنود المشاركين في العدوان ، وتعج بهم المستشفيات الصهيونية ..
هذا بعض عقابهم في الدنيا ، ولا شك أن عقابهم في الآخرة سيكون أكبر وأعظم ، فهؤلاء المجرمون القتلة ، لم يقتلوا واحدا أو اثنين ، بل قتلوا البشرية جميعا ، قال تعالى ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ( المائدة ، 32 )

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]