عودة إلى الصفحة الرئيسية

حرب المصطلحات .. الأسرى والرهائن والمخطوفون أ.د كمال حطاب

27 October 2023

مما لا شك فيه أن أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال ليس لها مثيل في العالم قانونيا وسياسيا وإنسانيا .. فالأسير المعروف في القانون والعرف الدولي والإنساني هو الذي يستسلم أثناء المعركة سواء بعد إصابته أو حتى من غير إصابة إذا وجد نفسه محاطا بجيش لا يستطيع مقاومته ..أما أسرى فلسطين فمعظمهم مخطوفون من بيوتهم .. بعد مداهمة قوات الاحتلال في الساعات الأخيرة من الليل ..
ولا شك أنه توجد فروق كبيرة بين الأسرى والمخطوفين .. فالشعب الفلسطيني هو شعب تحت الاحتلال ، وهو محمي بالقانون الدولي ، وله حق المقاومة المشروعة .. فكيف يسمح لجنود الاحتلال باختطاف الناس من بيوتهم ، ثم محاكمتهم محاكمات عسكرية ، وإلصاق التهم لهم والحكم عليهم بمؤبدات أو سنوات طويلة في السجون .. ثم إطلاق لقب الأسرى عليهم .. وكأنهم كانوا يخوضون حربا متكافئة .. فسقطوا أسرى بيد قوات الاحتلال ..
إن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال هو شعب محتل أسير سواء كان الناس في بيوتهم أو في أعمالهم أو حتى في سجون الاحتلال ..
في المعارك المتكافئة يمكن أن يوجد أسرى من الجانبين ، فيحدث تبادل للأسرى بعد انتهاء الحرب .. أما في مقاومة الاحتلال فمن الصعب جدا أن يسقط أسرى من قوات الاحتلال نظرا للفرق الكبير في القوة والعتاد .. ومع ذلك فقد تمكنت المقاومة أخيرا ، وبعد خمسة وسبعين عاما من الاحتلال ، من أسر عدد كبير من جنود وجنرالات الاحتلال وحطمت بذلك أسطورة الجيش الذي لا يقهر وحطمت أسطورة دولة الاحتلال ..
يتقن الصهاينة الحرب الإعلامية التي تقوم على الأكاذيب ، ومن أبرز الأكاذيب التي يروجون لها وصف جيشهم بأنه جيش الدفاع ، وما هو بجيش دفاع وإنما هو جيش اعتداء وجيش احتلال ، جيش همجي لا ينتمي إلى الإنسانية ولم يسمع بما يسمى القانون الإنساني الدولي .. وحتى لو سمع فقد أعلن أنه لن يراعي أي قانون إنساني في مجازره التي يرتكبها ليلا ونهارا ..
ومن المصطلحات التي استخدمها الاحتلال في هذه المعركة مصطلح الرهائن ، فقد أطلق على من أسرهم جنود المقاومة من قواته وجيشه ، أطلق عليهم رهائن وأخذت وسائل الإعلام العالمية تسميهم رهائن .. مع أن الرهائن هم شيء آخر ، فقد جرى العرف والقوانين الحربية على أن من يقبض عليه في الحرب يسمى أسيرا ، أما الرهينة فغالبا ما لا يكون في الحرب ، ويكون المعتدون عبارة عن عصابات إجرامية بلا شرف أو أخلاق ، ولذلك تعامل جرائم الرهائن ضمن القانون الجنائي الدولي ، وليس ضمن القوانين العسكرية ، ولذلك نجد الإصرار على إشهار مصطلح الرهائن ، حتى يشوهوا بطولات المقاومة الفلسطينية ، ويدخلوا الجنود والجنرالات الصهاينة المأسورين ضمن مصطلح الرهائن الذين لا يمكن أن يكونوا عسكريين .. ولكي لا يخضعوا للقوانين العسكرية أو حتى قوانين جنيف التي تنظم أوضاع الأسرى أثناء الحروب ..
إن الصهاينة المسيطرين على معظم وسائل الإعلام العالمية يتقنون إطلاق الأكاذيب وتكرارها وترديدها من خلال أبواقهم الكثيرة والمنتشرة في كافة دول العالم ، حتى ينشغل الطرف الآخر في محاولة دحض الأكاذيب وبالتالي تصبح هذه الأكاذيب حقائق راسخة يتم الحديث حولها ، وتشكل لجان تحقيق للتأكد من مصداقيتها وغالبا ما تنتهي لجان التحقيق إلى وجود عدة آراء في الموضوع ، وهكذا تصبح الأكاذيب حقائق ، ويصبح المعتدى عليه مجرما ، ويخرج المجرم بريئا منتصرا .. هكذا يتعامل الصهاينة المجرمون مع كافة الجرائم التي يقومون بها .. وللأسف الشديد فإن معظم وسائل الإعلام العربية والإسلامية تنقل أخبارا كالببغاوات دون أن يكون لها أي تأثير في إعادة تحرير أو صياغة الخبر أو المصطلح .

قرابين الصهاينة.. والمسجد الأقصى أ.د كمال حطاب

04 October 2023

في ظلال قصة قابيل وهابيل كما وردت في القرآن الكريم ” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ( المائدة ، 27) ..
تتحدد شروط القبول والرضا الرباني عن عباده ، فمن يريد أن يتقبل الله منه ينبغي أن يكون تقيا نقيا طاهر القلب واللسان والبدن .. فلن يتقبل الله من مجرم قذر سفاك دماء .. ” إنما يتقبل الله من المتقين ” .
فمشكلة قابيل أنه كان شحيحا فقدم حرثا أو عشبا ذابلا – كما ورد في بعض التفاسير – فلم يتقبل الله منه ، بينما قدم أخوه هابيل كبشا عظيما فتقبل الله منه .. فإذا كان الشح والتقتير سببا لعدم قبول قربانه ، فمن باب أولى أن لا يتقبل الله من المجرمين قطاع الطرق قتلة الأنبياء .. الغاصبين المحتلين المنتهكين لكافة الحرمات والمقدسات ..
إن من يريد أن يتقبل الله منه ينبغي أن يكون بريئا مسالما طيبا .. وليس معتديا آثما مرتكبا لكافة أنواع الجرائم والموبقات .. ينبغي أن يكون في أرض طاهرة غير مغتصبة أو محتلة .. فلا يمكن أن يتقبل الله ممن أدمن الاعتداء على البشر ، وممارسة القتل والتشريد وسفك الدماء ومصادرة البيوت وتشريد أهلها ..
إن من يريد أن يتقبل الله منه لا بد أن يحترم البشر ويحترم القوانين الإنسانية التي تعارف عليها جميع البشر أما التعالي على الناس والنظر إليهم كمخلوقات درجة ثانية فهذا لن يتقبل الله منه ابدا ..
ثم إذا كنتم فعلا تريدون أن تتقربوا إلى الله .. أليست لكم مقدسات مزعومة .. لماذا لا تقدمون القرابين في كنيسكم الذي أطلقتم عليه كنيس الخراب ولا يبعد كثيرا عن المسجد الأقصى .. لماذا هذا التحدي والتعدي على مشاعر المسلمين في العالم .. هل هانت الأمة الإسلامية إلى هذا الحد ؟ ألا تحسبون حسابا لأحد من ملياري مسلم يتأذون بأفعالكم وجرائمكم ؟ ألا تحسبون حسابا لأحد من البشر ؟
لا شك أن هذه الجرأة على إثارة مشاعر المسلمين والتعدي على مقدساتهم ستكون بداية للتبار والدمار والخراب الذي سيحل عليكم ، فما بعد العلو إلا السقوط ، وقد حققتم العلو الذي أخبر عنه القرآن الكريم ” ولتعلن علوا كبيرا ” وبقي التبار الذي تحدث عنه القرآن الكريم أيضا ” وليتبروا ما علوا تتبيرا ” فهو الخراب والدمار الذي تصنعونه بأيديكم .. إن التعدي على حرمات ومقدسات المسلمين لن يبقيهم ساكتين دون حراك .. إن المارد الإسلامي لا يمكن أن يبقى في قمقمه .. ولا بد من خروجه يوما .. وعندها ستكون نهايتكم ونهاية أساطيركم ..
إن من يريد أن يتقرب إلى الله في مختلف المذاهب والديانات الأرضية والسماوية ، فإنه يتقرب بالعمل الصالح ، يتقرب بالطيبات ، أو بفعل الخير ، .. أما التقرب من خلال الاعتداء والاحتلال وتدنيس مقدسات المسلمين ، فهذا عمل مدان في كافة الشرائع السماوية والأرضية ، وفي كافة القوانين الإنسانية والدولية ..
إن آيات القرآن الكريم واضحة جلية في رفض قرابينكم ، وفي فضح جشعكم وجرائمكم وحرصكم على الحياة وعداوتكم للأنبياء وأهل الحق .. وبالتالي فلا تخدعوا أنفسكم ولا تمنوا أنفسكم بالبقاء في المستوطنات المحصنة وراء الجدر المحصنة .. لأن مصيركم محتوم ونهايتكم قريبة بإذن الله .

الحمية الجاهلية ؟؟ أ.د كمال حطاب

24 September 2023

مدح النبي صلى الله عليه سلم حاتم الطائي بأنه كان يحب مكارم الأخلاق ، وقال صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” . ومدح حلف الفضول، وهو حلف عقده كفار قريش قبل الإسلام ، تعاهدوا فيه على نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم ، وقال عنه صلى الله عليه وسلم : لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت .. ، لما اشتمل عليه من عدالة وإحسان وأخلاق كريمة .
وتحدث الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين عن العرب قبل الإسلام ، ولماذا كانت الجزيرة العربية مهبطا للوحي ؟ فأشار إلى أنهم كانوا أهل خشونة وقسوة ونخوة وشهامة ومروءة ونجدة وحمية ..
غير أننا نعيش اليوم بين عرب ليسوا كعرب الجاهلية .. وبين مسلمين ليسوا كالمسلمين الأوائل ..
إن عرب اليوم ليسوا كالعرب الذين نزل فيهم القرآن أو تحدث عنهم ابن خلدون أو ابن بطوطة وغيرهم من الرحالة والجغرافيين ..
فهاهي المقدسات تنتهك ولا نجدة ولا مروءة ولا إغاثة ولا إحساس ولا حمية جاهلية أو إسلامية .. وها هو:
المسجد الأقصى يئن بحرقة مسرى الرسول يهيب بالعباد
لبوا الندا إن اليهود بساحتي فعلوا خسيس الفحش والإفساد
ها نحن نرى الصهاينة يقتلون ويضربون ويعتدون على النساء والشيوخ أمام أعين العالم وكاميرات الإعلام العربي والعالمي .. ولا مجيب ولا مغيث ..
ها هم اليوم يحتفلون بعيد الغفران ، كما يدعون ، وكأن الغفران لا يتم إلا من خلال الاعتداء على المسجد الأقصى .. يحتفلون ويتصايحون ويتصارخون .. وينفخون بأبواق مؤذنة بخرابهم ، وخراب دولتهم ، زعيق البوم والغربان ، يزعجون الناس في مقدساتهم وأماكن عبادتهم .. وفوق ذلك يداهمون المدن والمخيمات في كل صباح ومساء .. بالأمس في مخيم جنين واليوم في مخيم عين شمس وفي كل يوم شهداء ومختطفون من بيوتهم .. والشرعية الدولية الظالمة تراقب ولا تشعر بالقلق .. ولا تحرك ساكنا .. والأمة العربية في سبات .. ولا حمية جاهلية أو إسلامية لنصرة المظلومين ونصرة المقدسات ..
يبدو أن عرب اليوم هم خليط من أنساب وأجناس وأمم شتى ، ولعلهم أخذوا من كل جنس الصفات الأكثر ليونة ورقة وحبا للدنيا .. فالعرب كانوا هم الأكثر خشونة في الطباع والأكثر شجاعة وفروسية وشهامة ومروءة ونجدة وإغاثة للملهوب .. الأكثر عزة وفخرا بأنسابهم وأشرافهم وتاريخهم .. والأكثر دفاعا وحماية لأعراضهم وشرفهم ونسائهم وأراضيهم .. فما بالنا لا نجد هذه الصفات ولا حتى ما يشبهها أو يقترب منها ..
إن الإجراءات التي يمارسها الصهاينة اليوم في المسجد الأقصى غير مسبوقة ، وما لم يتحرك العرب والجيوش العربية ولو بالكلام .. ما لم تتحرك الجيوش الإسلامية ولو بالتهديد .. ما لمت تتحرك الشعوب الإسلامية بالإنكار والاستنكار والمقاطعة للصهاينة وكل من يؤيدهم .. فإن الحكومة الصهيونية المتطرفة ماضية في مشروعها للاستيلاء على المسجد الأقصى .. وهدمه وتحويله إلى كنيس يهودي .. كما هي خططهم المعلنة .. وعندها لا ينفع الندم إذا وجد ندم لدى العرب والمسلمين .. عندها سيقال في العرب ما قالته أم أبي عبدالله الصغير آخر ملوك بني الأحمر ملك غرناطة ..يوم سقطت الأندلس وخرج منها باكيا محسورا مدحورا ..
فابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال .

التقاعد المبكر .. نظرات اقتصادية

13 September 2023

التقاعد المبكر .. نظرات اقتصادية
يسعى معظم الموظفين في معظم دول العالم إلى خفض سن التقاعد إلى أقل من 60 عاما ، ويحتجون ويتظاهرون عندما تحاول الحكومات ومؤسسات الضمان رفع سن التقاعد إلى 62 أو إلى 65 عاما ، باعتبار أن الفرصة العمرية المتبقية من حياتهم بعد التقاعد ستكون قصيرة جدا .. أما مؤسسات الضمان فهي تحاول توفير رواتب تقاعدية لأكبر عدد ممكن من المشتركين ، وكلما كانت فترة التغطية أقصر كلما كانت مؤسسات الضمان أكثر نجاحا .
ولعل من أشهر الاحتجاجات المعاصرة ، المظاهرات والاضرابات المستمرة في فرنسا احتجاجا على قانون يسمح برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 .
ومن جهة أخرى فإن معظم الموظفين يرفضون التقاعد المبكر باعتبار أن الراتب التقاعدي سيكون منخفضا وربما لا يكفي لتلبية مطالبهم واحتياجاتهم ومن يعولون .. غير أن إعادة النظر في موضوع التقاعد المبكر وما له وما عليه ، ربما يؤدي إلى قناعة كثير من الناس بالتقاعد المبكر ، خاصة إذا كانت لديهم طاقات وإمكانات من أجل البدء من جديد ، وزيادة القدرات الإنتاجية والاستهلاكية والحركية والتأملية .. إلخ
إن التقاعد المبكر معناه أن لدى معظم الناس فرص عمرية أكبر من الذين يتقاعدون متأخرا .. والأعمار بيد الله .. وبالتالي فإن لديهم حاجات أكبر وفرص استهلاكية وإنتاجية أكبر ، كما أن لديهم طاقات أكبر وأفضل ممن تقاعد وهو طاعن في السن .. وهذا يعني وجود فرص إنتاجية أكبر مما يزيد من الإنتاج والتشغيل في المجتمع ويساعد في زيادة دوران عجلة الاقتصاد
ومن جهة أخرى فإن التقاعد المبكر ، يعني زيادة الشواغر وفرص العمل أمام الطاقات الشبابية من أجل الإسهام في زيادة الإنتاج وزيادة حركة الاقتصاد بما يزيد من معدلات التشغيل والتنمية .
إن التقاعد المبكر معناه أن المنافع الحدية للسلع والخدمات لا تزال أعلى وأكبر ،ولا شك أن هذا يزيد من الشغف والحماس والتطلع إلى تحقيق المزيد منه الأهداف وأداء المزيد من الأدوار والإسهام الأكبر في خدمة المجتمع .. فكلما تقدم الإنسان في العمر كلما تناقصت المنافع الحدية لديه ، نظرا لتناقص احتياجاته ، وكلما تناقصت المنافع الحدية تتناقصت الأهداف والأدوار والآمال وتساوى لدى المرء الكثير من المنافع والآلام ..
أما إذا كان تفضيل التقاعد المتأخر طمعا في زيادة الراتب التقاعدي ، فإن التضخم وارتفاع الأسعار السائد في معظم دول العالم ، سوف يحول دون الاستفادة من هذه الزيادات الشكلية في الرواتب التقاعدية ..
إن الفرصة في تحقيق حد الكفاية أو الاكتفاء الذاتي في حالة التقاعد المبكر ستكون أكبر منها ، من التقاعد المتأخر خاصة إذا كان الأجر الوظيفي منخفضا ، لأن مثل هذه الحالات وهي حالات معظم الموظفين في دول العالم الثالث ، لن يستطيع المتقاعد وهو في سن متقدمة ، أن ينفع نفسه أو يبذل أي جهد من أجل تحسين دخله أو زيادة إنتاجه .. وسوف يكون الراتب التقاعدي ضئيلا جدا في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة ، وتضاؤل القوة الشرائية للعملة ..
إن التقاعد المبكر إذا سمحت به مؤسسات الضمان الاجتماعي ، يمثل فرصة جديدة لكل صاحب همة ، من أجل أن يحقق ما فاته سابقا ، وما لم يستطع تحقيقه بسبب الوظيفة وارتباطاتها وآثارها .
ومع كل ما تقدم ، فإن هذه المقارنات هي مجرد مقارنة تحليلية حيادية استاتيكية ، مع تثبيت كافة العوامل الأخرى .. ولا شك أن هذه المقارنة لن تكون صالحة عندما ندخل بعض العوامل الأخرى المؤثرة ، أو بعض الحالات الخاصة ، فمثلا وجود التكافل والتراحم في مجتمعات المسلمين سوف يلغي كافة الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن التقاعد المتأخر ، كما أن وجود التحاسد والتباغض والتشاحن وارتفاع معدلات البطالة ربما يلغي الكثير من الآثار الإيجابية التي يمكن أن تنجم عن التقاعد المبكر ..كما أن وجود حكومات ملتزمة ببرامج صندوق النقد الدولي في منع التوظيف ورفع الدعم عن السلع الأساسية … سوف يؤدي إلى آثار سلبية على التقاعد المبكر والمتأخر وحتى على غير المتقاعدين .

الأكاديميون في الجامعات العربية أ.د كمال حطاب

03 September 2023

يُعد الأكاديميون في الجامعات من أعلى فئات المجتمع ثقافة وعلما واطلاعا ومتابعة ومواكبة للأحداث العلمية والاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية .. ويُعلق المجتمع عليهم آماله في التطور والتقدم والنهوض وتقديم الحلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
ويبدو أن هذا الوضع ، هو السائد في معظم الدول المتقدمة ، حيث يُنظر للأكاديمين والعلماء والفئات الأكثر تعليما كمستشارين في كافة المجالات ، ويُعَوّل عليهم في تقديم الحلول والاستشارات في أدق التفاصيل السياسية والاقتصادية والعلمية وبما يحقق مصلحة الدولة والمجتمع .. ويتم توظيفهم في تخصصاتهم الدقيقة التي تزيد في التراكم المعرفي للمجتمع وللأجيال القادمة .
ولذلك نجد العديد من الأكاديميين في الجامعات في الدول المتقدمة يحصلون على جوائز نوبل أو ما يضاهيها من جوائز دولية ، وبراءات اختراعات ، ونسب استشهادات أو اقتباسات عالية جدا .. إضافة إلى تمويل دولي ووطني لمشروعاتهم البحثية بما يزيد من الإنتاجية وفرص التشغيل ويحقق إيرادات ضخمة تزيد في حجم الناتج القومي الإجمالي لبلدانهم .
أما الدول العربية فإن وضع الأكاديميين في معظم هذه الدول مثير للشفقة ، سواء من حيث الاستغلال الأمثل لعلومهم وما يحملونه من تخصصات نادرة ، أو في توظيفهم بما ينفع المجتمع ويحقق التقدم .. أو في استشارتهم والرجوع إليهم في صغائر الأمور قبل عظائمها ، وسواء كان ذلك أثناء خدمة عضو هيئة التدريس أو بعد انتهاء خدماته في الجامعة ، وتفرغه لخدمة المجتمع .
إن العديد من حكومات الدول العربية يدفعون لما يطلق عليهم الخبراء والمستشارون الأجانب أضعافا مضاعفة مما يُدفع للخبير أو المستشار العربي أو المحلي .. هذا مع افتراض اللجوء إلى استشارات محلية أو عربية ..
وتتدخل بعض الجهات أو المنظمات المالية الدولية كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير في كثير من المجالات التعليمية ، من خلال تقديم الخبراء كمساعدات فنية مدفوعة الأجر ، وعلى سبيل المثال تدفع الدول العربية مئات ملايين الدولارات من أجل برامج تطوير المناهج الدراسية ضمن برامج يديرها البنك الدولي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية من أجل تطبيق نتائج أبحاث ودراسات الجامعات الغربية .
بينما لا تجد الجامعات في الدول العربية ميزانيات كافية لدعم البحث العلمي ، سواء من حيث الدعم أو الحوافز والمكافآت أو تجهيز المختبرات والمعامل والتقنيات اللازمة لمواكبة التطورات العلمية العالمية ، ومن جهة أخرى فإن معظم أعضاء هيئة التدريس.. لا يحصلون على فرصة التفرغ للبحث العلمي .. سوى سنة واحدة كل خمس أو ست سنوات ، وفي الغالب فإن هذه السنة يقضونها في محاولة تحسين دخولهم والحصول على فرصة عمل أخرى في جامعة أخرى ، بعيدا عن البحث العلمي وإضافاته المتميزة التي يمكن أن تفيد المجتمع وتعمل على تقدمه وتطوره .
إن توفير الدعم الكافي للبحث العلمي سواء في تحقيق الاستقلالية المالية لأعضاء هيئة التدريس أو في توفير البنية التحتية للبحث العلمي من مختبرات وأجهزة ومراكز بحثية هو الخطوة الأولى نحو زيادة إنتاجية أعضاء هيئة التدريس ، وزيادة العطاء والتضحية والانطلاق والإبداع والابتكار ، ومحاولة الحصول على براءات اختراع وجوائز دولية وأعلى نسب نشر أو اقتباس .. إلخ ، وبالتالي الإسهام في خدمة المجتمع وتحقيق التنمية بكافة أشكالها المعاصرة .. التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والرقمية .. إلخ .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]