عودة إلى الصفحة الرئيسية

الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة أ.د كمال حطاب

16 January 2019

الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة
مما لا شك فيه أن الصناعة المالية الإسلامية أصبحت حقيقة مؤكدة ورقما صعبا .. سواء من حيث ححم أصولها الذي يقترب من 3 تريليون دولار .. أو من حيث عدد مؤسساتها وانتشارها في مختلف دول العالم حيث يتجاوز عدد البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أكثر من ثمانمئة مؤسسة بين بنك أو مؤسسة أو نافذة ..
ومع ذلك فلا تزال هذه المؤسسات تواجه تحديات عديدة لعل من أبرزها وفقا لما جاء على لسان محافظ البنك المركزي الكويتي مؤخرا ..انخفاض عدد أدوات التحوط التي تحتمي بها هذه المصارف ..مما يعرضها إلى زيادة المخاطر التي تواجهها ..
وبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في العديد من البحوث والمقالات والأطروحات العلمية إلا أن تطبيق ما ورد في هذه الدراسات لا يزال يراوح مكانه ..
وتحاول المؤسسات الداعمة للصناعة المالية الإسلامية كالمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات الإسلامية وهيئة المراجعة الشرعية والمحاسبية .. إيجاد معايير وضوابط تحد من المخاطر التي تتعرض لها المصارف الإسلامية .. غير أن عملية إلزام هذه المصارف بهذه المعايير لا يمكن أن يتحقق عمليا الا من خلال رقابة البنوك المركزية .. وبالتالي تبقى مسؤولية البنوك المركزية هي الأكبر .. وبما أن معظم محافظي الدول الإسلامية أصبحوا أعضاء في مجلس الخدمات المالية الإسلامية .. فإنهم يستطيعون أن يحددوا ويضعوا الضوابط والمعايير التي تتوافق مع المتطلبات الدولية في مجال التحوط وإدارة المخاطر .. كما يستطيعون إلزام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية العمل بهذه المعايير
ومن جهة أخرى فبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في بحوث وكتب ورسائل ماجستير ودكتوراه .. إلا أن هذه الدراسات النظرية لم تر النور عمليا .. وكأن هناك فجوة بين ما يتم في الأدب النظري وما يطبق عمليا .. وفي رأيي فإن البنوك المركزية يمكن أن تقوم بردم هذه الفجوة .. فالبنوك المركزية هي الأجهزة التنفيذية التي تمتلك كافة الأدوات اللازمة للمحافظة على الاستقرار النقدي .. كما تمتلك أهم وآخر خطوط الدفاع عن البنوك التجارية والإسلامية .
ومن التحديات التي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية .. ضعف الرقابة الشرعية وعدم تحديد مواصفاتها .. حيث تعتري الرقابة الشرعية عدد من الآفات المرضية التي تفتك بها ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى انقراضها .. فهناك احتكار للرقابة الشرعية على عدد محدود من الشخصيات على مستوى العالم .. ولا توجد مواصفات مهنية أو قانونية للمراقب الشرعي في معظم البنوك الإسلامية .. كل ذلك يتطلب من الأجهزة الممثلة للفتوى والمؤسسات الدينية الاتفاق على ميثاق أو مذكرة تفاهم ، يتم من خلالها تحديد مواصفات وشروط لا بد من توافرها في من يمارسون هذه المهنة ، كما ينبغي تكوين جهاز رقابة مهنية لمتابعة تطبيق المواصفات والشروط ، كل ذلك من أجل حماية أجهزة الرقابة الشرعية قانونيا من الدخلاء أو الأدعياء أو المتسلقين المتساهلين المتاجرين بالدين..وقد وجدت أدبيات وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه حول موضوع الرقابة الشرعية .. كما ظهرت بحوث عديدة تقترح ضرورة حوكمة الرقابة الشرعية وتمهين الرقابة الشرعية .. وضرورة قيام الجهات التشريعية والجهات ذات العلاقة بمأسسة الرقابة اشرعية ، غير أن الفصام بين الأدب النظري والعملي لا يزال قائما.
ووضعت المؤسسات الداعمة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية معايير للحوكمة ومعاييرللرقابة الشرعية .. غير أن هذه المعايير لا تزال تنتظر التطبيق .. ويبدو أن البنوك المركزية هي الجهة الأكثر قوة ونفوذا في تطبيق هذه المعايير ، كما تقدم ..
إن الرقابة والتدقيق الشرعي والمحاسبي هي من مستلزمات تطبيق الإفصاح والشفافية.. وجميعها من مستلزمات مقررات بازل3، والتي تمنح جميع البنوك والمؤسسات المالية مهلة للتطبيق حتى 2019 .
وبالتالي فمن مصلحة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أن تلتزم بتطبيق هذه المعايير قبل أن تجد نفسها مكشوفة ، وربما لا تستطيع المنافسة على المستوى الدولي ، مما يحرمها الكثير من الفرص ، ويوقعها في عزلة لا تستطيع الخروج منها .

قضايا الزكاة المعاصرة أ.د كمال حطاب

06 May 2018

قضايا الزكاة المعاصرة
أ.د كمال توفيق حطاب
شاركت قبل عامين في الندوة العالمية الرابعة والعشرين لقضايا الزكاة المعاصرة ، والتي ينظمها سنويا بيت الزكاة الكويتي .. وقد تميزت الندوة باختيار موضوعات علمية فنية دقيقة ، وذلك يدل على جهد كبير بذل في إعداد محاور الندوة .
ركزت المحاور على قضايا معاصرة: مثل تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة، وزكاة عقود الامتياز، وزكاة الأنشطة خارج الميزانية … ولا شك أن الهدف من طرح هذه الموضوعات هو تمكين الأفراد والمؤسسات والجهات الخاضعة للزكاة من أداء زكواتهم بسهولة ويسر من خلال حل مشكلاتهم الزكوية، إضافة لزيادة حصيلة الزكاة وتوجيهها نحو مصارفها المعتمدة شرعا، بما يؤدي إلى زيادة الإنفاق والتشغيل وتقليل حدة التفاوت في المجتمع ..
تشمل الأنشطة خارج الميزانية الأنشطة أو الأحداث أو الالتزامات المحتمل تحصيلها مستقبلا .. ومن أمثلتها المشتقات بأنواعها وخطابات الضمان والتأجير التمويلي وغيرها .. وبما أن المشتقات في معظمها محرمة، فقد أكد الباحثون على قرارات ندوات الزكاة السابقة بحرمة زكاة المال الحرام .. غير أن فريقا من المشاركين رأى أن إعفاء الأموال المحرمة من الزكاة فيه تشجيع وإعفاء لمرتكبي الأنشطة المحرمة مما يساعد على استمرارهم في أنشطتهم المحرمة، كما يعطيهم مزايا تنافسية مع المؤسسات ذات الأنشطة غير المحرمة .. كما رأى البعض أن المشتقات ليست محرمة مطلقا، وإنه لا يصح تجاهل الواقع السيء حتى يكبر ويستفحل ويصعب التخلص منه، وإنما لا بد من وضع الضوابط والمحددات الشرعية لهذه المشتقات والعمل على تطبيقها .. ومن جهة أخرى فإن المال الحرام هنا ليس محرما بذاته ، وإنما هو محرم على من اكتسبه وبالتالي فإن محله الصحيح هو الجهات الخيرية .
بحث موضوع زكاة عقود الامتياز وتم الاتفاق على أن مانح الامتياز وهو الدولة ليس عليه زكاة أما المنفذ للعقد فيزكي بعد تشغيل المشروع وحصول الإيرادات وخصم النفقات والمطلوبات زكاة عروض التجارة، واقترح البعض ونظرا لأهمية هذه العقود، في التنمية وما توفره من فرص عمل للمواطنين ، فإنه ينبغي النظر في إمكانية إعفائها من الزكاة تشجيعا لها وتحقيقا لمصلحة المجتمع .. فإذا كانت هذه العقود ، وخاصة عقود BOT بناء- تشغيل – تحويل ، تقدم للمجتمع مشروعات ضخمة لا تستطيع الحكومات تقديمها ، بحيث تسهل على الناس حياتهم ، فقد تكون المبررات قوية عند إعفائها من الزكاة .
إن المقصد من الزكاة هو نفع المجتمع وزيادة التشغيل وإعادة أصحاب الحرف المعسرين إلى حرفهم وإزالة عجز العاجزين ، ولذلك ليس في الزكاة حظ لغني ولا لذي مرة سوي ، لأن الأقوياء يجب أن يعملوا ويكسبوا ، ولا ينتظروا المعونات من الآخرين .. ومن هنا فإن إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل يعتبر هدفا ساميا من أهداف الزكاة .
أما تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة فقد تم الاتفاق على أنه لا يجوز أن تفرض الزكاة على المال مرتين ، وعند التزاحم يلجأ إلى السبب الذي يحقق حصيلة أعلى لمصلحة الفقراء ومصارف الزكاة الأخرى ..
إن عقد الندوات والمؤتمرات والملتقيات والورش التدريبية حول قضايا الزكاة يسرع في إعادة إحياء هذه الفريضة في المجتمعات المعاصرة .
إن تطبيق الزكاة في المجتمعات المعاصرة كفيل وحده بضبط عمليات الطلب بحيث تكون آثارها زيادة في الاستقرار الاقتصادي ، فالزكاة تعمل على نقل النقود ذات المنفعة الحدية المنخفضة إلى الفقراء فتصبح ذات طاقة عالية ومنفعة حدية مرتفعة .
كما تعمل على تحفيز الطلب من خلال انتقال الأموال من أشخاص ذوي ميول استهلاكية حدية منخفضة إلى الفقراء أصحاب الميول الحدية الاستهلاكية المرتفعة والتي تعمل على زيادة الطلب وبالتالي زيادة التشغيل والانتاج والدخل ..
إن الزكاة هي أهم أدوات التعبير عن التكافل والتراحم في المجتمعات الإسلامية وهي البلسم الشافي لجراح ضحايا الحروب والكوارث والمجاعات ، وبالتالي فلا بد من الأخذ بكافة الوسائل والأدوات العصرية من أجل تفعيل أدوات وآليات إحيائها ، وتجديد طرق توزيعها بما يضمن وصولها إلى الفئات الأكثر حاجة وفقرا .
إن أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إلا إذا عالج مشكلة الفقر وتم توفير لقمة العيش لكل إنسان أو الاحتياجات الدنيا للجميع ودون ذلك لا يمكن أن يتقدم المجتمع وتتحقق التنمية .
والزكاة كمعجزة تشريعية شرعت لتحقيق هذا الغرض أولا .. فأية فتاوى أو اجتهادات تحول دون أداء الزكاة لدورها في تخفيف حدة التفاوت وتوفير الاحتياجات الدنيا للجميع ، فهي فتاوى باطلة مضللة .

البنوك الإسلامية ومقاصد الشريعة أ.د كمال حطاب

04 February 2017

البنوك الإسلامية ومقاصد الشريعة ؟ أ.د كمال حطاب
صرح الشيخ صالح كامل قبيل بدء ندوة البركة الأخيرة السابعة والثلاثين والتي انعقدت في جدة في رمضان 1437 بأن البنوك الإسلامية لا تحقق مقاصد الشريعة .. وقال أيضا ” فأنا أخشى أن أقابل الله واقول أن هذه البنوك الحالية تحقق مقاصد الشريعة بعد أن أصبحنا نركز على الاليات وأصبحت البنوك الاسلامية تزيد الغني غنى على غناه ولم تفد الفقراء بشيء”
عندما يصرح رمز كبير من رموز العمل المصرفي الإسلامي المعاصر كالشيخ صالح كامل: بأن البنوك الإسلامية لا تحقق مقاصد الشريعة .. وأنها زادت الأغنياء غنى ولم تفد الفقراء بشيء .. فينبغي عندها الوقوف قليلا للمراجعة والتأمل .. وإذا كان هذا الرمز لم يستطع خلال العقود الماضية تغيير هذا الواقع المؤلم .. فينبغي على مستشاريه ومعاونيه أن يراجعوا حساباتهم ومواقفهم ..
إذا كانت مجموعة البركة والتي تمتلك أكبر شبكة مصرفية إسلامية، موزعة على معظم قارات العالم .. لم تستطع أن تحقق مقاصد الشريعة .. ولم تنفع الفقراء بأي شيء .. فما هو دورها الحقيقي، وبماذا تختلف عن البنوك الربوية التي تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا.
إذا كانت 37 عاما من ندوات البركة وبحوث البركة ومؤلفات ومجلات البركة .. إلخ لم تستطع أن تغير من واقع المصارف الإسلامية بما يحقق مقاصد الشريعة ويسهم في تخفيف حدة الفقر .. فينبغي على الباحثين والمشاركين في هذه الندوات، أن يراجعوا حساباتهم ويقفوا وقفة تأمل .. ويبحثوا عن مواطن الخلل .. ويحاولوا الإصلاح .. كل بما يستطيع .. ولا يشاركوا في مسيرة التلميع والبهرجة للمصرفية الإسلامية، والتعامي عن هذا الواقع المؤلم ..
هل هناك شك حول مضمون هذا الاعتراف ؟ بمعنى هل هناك من يعترض على هذا الكلام ويثبت أن المصارف الإسلامية حققت المقاصد الشرعية .. ربما يحاول البعض ذلك فيقول إن المصارف الإسلامية ساهمت في تطهير البنوك من الربا .. كما ساهمت في خدمة المجتمع ، وخاصة الطبقات الفقيرة ، بتوفير بيت أو شقة سكنية مؤثثة بأحدث أنواع الأثاث ، وتوفير سيارة لكل مواطن له راتب .. ولكن هل هذه هي المقاصد الشرعية ؟ وماذا عن محدودي الدخل الذين ليس لهم راتب أو دخل شهري ؟ ماذا حققت البنوك الإسلامية للمعدمين والعاجزين والحالات الخاصة ؟ وهل إرهاق المواطنين بأعباء ديون ثقيلة تمتد لعشرة أو عشرين سنة ؟ هو من المقاصد الشرعية ؟

تقنين المسؤولية الاجتماعية أ.د كمال توفيق حطاب

10 December 2016

تقنين المسؤولية الاجتماعية
أ.د كمال توفيق حطاب
في ظل الأزمة المالية العالمية وما نجم عنها من بطالة وكساد وفقدان فرص العمل وازدياد حدة المشكلات ، حاولت الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات المالية ، تجميل صورتها وتحسين أدائها الاجتماعي وزيادة الإنفاق على المشروعات الخيرية والإنسانية ..
وأصدرت المنظمة الدولية للمعايير ( آيزو) معيار 26000 للمسؤولية الاجتماعية عام 2010 ، وتسابقت بعض الشركات والمؤسسات والبنوك التقليدية والإسلامية للحصول على هذا المعيار .
غير أن هذا السلوك لم يكن منضبطا بقانون أو مراقبة رسمية أو مجتمعية ، وبالتالي فقد اختلط هذا السلوك مع الكثير من العوامل التي يمكن أن ترجع لمصالح شخصية أو دعائية أو غيرها ..
إن هذه المؤسسات والشركات والبنوك ما كانت لتحقق الأرباح الطائلة لولا وجودها في مجتمع ومشاركة أبناء المجتمع في تكوين وتحصيل هذه الثروات والأرباح ، وبالتالي فإن فضل المجتمع وأبناء المجتمع على هذه الشركات أكبر من فضل هذه الشركات على أبناء المجتمع ..
ومن هنا فإن مطالبة هذه البنوك والمؤسسات باقتطاع نسبة من أرباحها ، وتوجيهها لمصلحة المجتمع هو أمر ضروري وقانوني ، وبالتالي فلا بد من وضع تشريع لهذا الموضوع يضمن حصول المجتمع وفئاته الفقيرة والمحرومة على نسبة قانونية في حدها الأدنى .. فإذا ما أرادت هذه البنوك أو المؤسسات أن تزيد على هذا الحد ، فعندها يقال لها ليس على الكريم شرط .
إن دعم المشروعات الخيرية والمجتمعية والإنسانية أمر مندوب إليه ومطلوب من الخيرين في كل مجتمع ، ولكن ذلك ينبغي أن يكون بقدر السعة والطاقة ، ” لينفق ذو سعة من سعته ” ومعنى ذلك أن ما يقتطع من أرباح البنوك لأغراض خيرية ، ينبغي أن يكون من أرباح أصحاب رؤوس الأموال وفقا لنسبة رؤوس أموالهم .
ومما لا شك فيه أن البنوك التقليدية والإسلامية هي من أكبر المؤسسات والشركات أرباحا في المجتمع .. وأن أرباحها مضمونة بشكل يقترب إلى نسبة مئة بالمئة ..
وبالتالي لا بد أن يجني المجتمع جزءا من ريع هذه البنوك والمؤسسات بشكل قانوني ملزم .. ولن يتم ذلك إلا في حالة وجود تشريع أو قانون ملزم لهذه البنوك ..

حوار الأديان أ.د كمال توفيق حطاب

21 November 2016

حوار الأديان
أ.د كمال توفيق حطاب
الحوار بين الأديان أو الحوار بين أهل الأديان مهما قيل فيه من الناقدين ، فإن له ثمارا إيجابية ، فحتى لو كان الحوار بين الخصوم والأعداء فإن له ثمارا إيجابية تتمثل في أن يعرف كل منهم الآخر ، فيحسب له حسابا ، ويتجنب شره .. وهكذا الحوار بين الأديان فيه محاولة للوصول إلى قواسم مشتركة ونقاط التقاء ، تمكن المتحاورين من معرفة بعضهم البعض ، نقاط قوتهم وضعفهم ، والمداخل إلى الاستفادة من خيرهم وتجنب شرورهم ..
في ظل هذه المعاني شاركت في مؤتمر الدوحة الثاني عشر لحوار الأديان في فبراير 2016، والذي ينظمه سنويا مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان ، وقد حضر المؤتمر عدد كبير من المعنيين والمتخصصين في الأديان والبابوات والقسس والحاخامات ومدراء مؤسسات ومراكز حوار وحضارات من مختلف دول العالم .. وكانت مظاهرة فكرية عاصفة أحيانا هادئة أحيانا أخرى ، وعلى مدى يومين ومن خلال أكثر من عشر جلسات علمية مغلقة ومبثوثة على الهواء مباشرة ..
لأول مرة أحضر مثل هذا المؤتمر ، وكان فرصة طيبة ، لأعرض وجهة نظر أخرى ، حيث كانت المؤتمرات والندوات على مستوى العالم تركز على التطرف عند المسلمين وكيفية مكافحته ووسائل التخلص منه ، وقد رأيت ضرورة التركيز على التطرف عن المفكرين الغربيين ، فعرضت ثلاثة نماذج لأشهر المفكرين الغربيين .. هانتنجتون وفوكوياما وفريدمان . وعرضت أفكارهم المتطرفة التي تغلق الطريق أمام حوار الحضارات وتغرس في الغربيين عقدة التفوق والعنصرية وتحاول القضاء على التقاليد والعادات والتراث لدى الشعوب الأخرى .. وكانت ردود الفعل لدى البعض عنيفة بأن مثل هذا الخطاب وإن كان موضوعيا علميا إلا أنه غير مقبول ,. وكأن الخطاب ينبغي أن يوجه فقط للمتطرفين المسلمين فقط وهذا في حد ذاته قمع للحوار ومصادرة للرأي الآخر ويتنافى مع هدف المؤتمر وما وجد لأجله ,.
أبدى بعض الباباوات والقسس اعتراضهم على مصطلحات مثل التسامح والتعايش وحسن الجوار .. بحجة أن التسامح معناه أن الطرف الآخر مخطيء ، والتعايش معناه أن الطرف الآخر لا يمكن العيش معه ، وحسن الجوار معناه أن الجار الآخر سيء .. وهذه أفكار غريبة أسمعها لأول مرة .. فالتسامح هو مطلوب من الطرفين لأن الجميع متصور منه الخطأ ، والتعايش أيضا مطلوب من الجميع ، وكذلك حسن الجوار .. وبالتالي لا أدري أي منطق يتبناه هؤلاء ، ومع ذلك هي وجهات نظر أبداها البعض غير أنها لم تجد من يأبه بها .
اعترض بعض القسس على مصطلحات ، اقلية ، وكفار ، مع أنهم يسمون المسلمين غير المؤمنين بدينهم كفارا ، والمسلمون الذين يعيشون في الغرب أقليات .. فلماذا الاعتراض ؟ عاملوا الناس كما تحبون أن يعاملكم الناس .
حتى يكون الحوار سليما مثمرا ، يجب أن يكون هناك تكافؤ بين أطراف الحوار ، خاصة في القوة ، على الطرف الضعيف أن يبذل أقصى جهده بشتى الوسائل لكسب الطرف القوي ، من خلال إقناعه بضرورة التعايش والوصول إلى قواسم مشتركة ..
لكي يكون الحوار سليما مثمرا ، ينبغي متابعة ما تم التوصل إليه من نقاط اتفاق ولا نبدأ من حيث بدأنا في كل مرة ، وإنما من حيث انتهينا ..
لكي يكون الحوار سليما مثمرا ، ينبغي التركيز على الحكماء المنصفين من البشر ، الذين يقرون بالمعروف وينكرون المنكر .. ويقفون مع الحق حيث كان ، ولا ينصرون الباطل أيا كان ..

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]