عودة إلى الصفحة الرئيسية

غزة .. والنصر القريب أ.د كمال حطاب

20 November 2023

قد يظن كثيرون بأن ما قامت به المقاومة في غزة هو تهور واندفاع وعدم تقدير للعواقب .. غير أن المتأمل جيدا في حال الأمة الإسلامية وما وصل إليه الاحتلال من غطرسة وعربدة واعتداء على المقدسات وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى ومحاولات لهدمه واعتداء على الحرائر والشيوخ على أعتاب المسجد الأقصى .. يدرك جيدا بأن ما قامت به المقاومة في غزة كان في مكانه ووقته الصحيح ، لا سيما وأنهم قد عرفوا بوجود مخطط لتهجير أهل غزة واجتثاثهم من أرضهم ..
حققت المقاومة نصرا مؤزرا رفع رأس كل حر شريف في هذا العالم ، ودمر الأسطورة والخرافة التي قامت عليها دولة الاحتلال ، كما دمر أسطورة الجيش الذي لا يقهر .. وكشف عن بداية النهاية لدولة الاحتلال .. وخراب بيت العنكبوت ..
غير أن النصر لا يمكن أن يكون بغير ثمن ، وهذا الثمن دفعته الفئة المؤمنة على مدار التاريخ ، ودفعه الأنبياء والرسل .. قال تعالى ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ( البقرة ، 214 )
فهذا حال الفئة المؤمنة في كل عصر ، وهذا ما حدث في غزوة الأحزاب ، وهو ما سيحدث بإذن الله مع الفئة القليلة المؤمنة في غزة .. وقد كانت البداية نصرا مؤزرا .. وسوف تكون النهاية نصرا مؤزرا بإذن الله ..
ولو تأملنا في السيرة النبوية فسوف نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل غزوة الأحزاب خطط وعمل وأعد العدة لهذه المعركة عندما علم بخطط الكفار لغزو المدينة .. ورغم كونه نبي .. ودعاؤه مستجاب .. إلا أنه أخذ بالأسباب الدنيوية كاملة .. فقام بحفر الخندق .. وهو عمل شاق جدا .. شارك فيه معظم سكان المدينة واستغرق وقتا طويلا .. ولا شك أنهم تزودوا بالسلاح والمؤن من تمور ومياه وغيرها .. وأعدوا الأماكن التي سوف يتحصنون فيها .. ونقاط الرصد والمراقبة .. وتأكدوا من حماية حدود المدينة من كافة الجهات .. ومع ذلك .. لم يتركوا الدعاء والصلاة والاتصال بالله عز وجل ..
.. صدم الكفار صدمة عظيمة من شدة المفاجأة عندما رأوا مشهد الخندق العظيم الذي يحول بينهم وبين دخول المدينة والقضاء على محمد وصحبه .. صعقوا وأسقط في أيديهم .. وأقاموا على أطراف الخندق أياما يحاولون اقتحامه دون جدوى ..
إن الظروف الإيمانية التي تعيشها المقاومة في غزة هي من جنس تلك الطاقات الإيمانية التي عاشها الصحابة يوم كانوا يخرجون من أماكنهم يتصيدون الكفار بالسهام .. وهم على أطراف الخندق ..وإن الآيات القرآنية التي وصفت حال المسلمين يوم الأحزاب تنطبق بشكل كبير على حال المسلمين في غزة .. ” إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ” .. كما أن غدر بني قريظة في ذلك الوقت هو نفس الغدر الذي يمارسه كثير من العرب والمسلمين هذه الأيام .. وإن المفاجآت التي تقوم بها المقاومة اليوم .. هي من جنس المفاجآت التي تعرض لها الغزاة يوم الأحزاب ..
إن البلاء الواقع بأهل غزة اليوم هو أشبه بما وقع فيه المسلمون يوم الأحزاب ، فماذا كانت النتيجة ، لقد نصرهم الله ونجاهم وهزم الأحزاب وحده ولكن بعد امتحان عسير زلزل فيه المسلمون زلزالا شديدا . قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
إن من سنة الله تعالى أن ينصر الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة العدد ، الكبيرة العدة والعتاد ، ولكن بعد أن ينجحوا في امتحان الصبر واليقين بالله ، وبعد أن يتيقنوا بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، قال تعالى ” حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ” ( يوسف ، 110 )
ولا شك أن زيادة أعداد الشهداء رغم الألم والحزن الكبير ، هي دليل على مكانة وكرامة هذه الفئة المؤمنة ، فليس كل المؤمنين مؤهلين للاصطفاء ، فالشهادة اصطفاء ، قال تعالى ” ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ” ( آل عمران 140) .

المتعطشون للدماء .. أ.د كمال حطاب

16 November 2023

أبدع شكسبير في قصته تاجر البندقية ، في رسم شخصية شيلوك ، ذلك اليهودي المرابي الجشع المتعطش للدماء والذي اشترط على المدين أن يقتطع رطلا من لحمه إذا ما عجز عن السداد ، وبالفعل فقد انتهى وقت السداد ولم يسدد المدين ما عليه .. عندها فرح هذا المجرم فرحا شديدا ، وقدم السند المكتوب فيه الشرط للمحكمة ، ووجدت المحكمة أنه على حق ،غير أن الشرط المكتوب هو شرط لا إنساني ، وبالتالي طلبت المحكمة من شيلوك التغاضي عن هذا الشرط ، فرفض ، وقام بعض التجار بمحاولة إقناعه بقبول ضعف المبلغ أو عدة أضعاف المبلغ المطلوب ، على أن ينسى ذلك الشرط ، ومع ذلك رفض شيلوك وأصر على تنفيذ ما كتب في السند ، وحاول بعض المسؤولين وحتى حاكم مدينة البندقية ، حاولوا معه من أجل العودة إلى فطرته أو إنسانيته غير أن هذا الشيلوك لم تكن لديه أية ذرة إنسانية وكان ممسوخ الفطرة ، متعطشا للدماء ، فرفض رفضا شديدا وطالب بإنفاذ القانون للحصول على حقه .. وقفت مدينة البندقية بكافة مواطنيها وحاكمها وقضاتها ضد شيلوك من أجل أن يتنازل عن الشرط ، ولكنه أصر على التنفيذ ، عندها وقف المحامي في المحكمة وقال له : وافقنا على تنفيذ شرطك وأعطاه سكينا ، غير أنه أخبره أمام الحضور بأن ما هو مكتوب في السند ، رطل لحم فقط ، فإذا زدت على هذه الكمية غراما واحدا ، فسوف تقتل ، ثم إن هذا اللحم ينبغي أن تقطعه دون أن تسيل قطرة دم واحدة ، عندها أسقط في يد شيلوك ، وأخذ يتوسل ، ويطلب العفو ، عندها رفضت المحكمة توسلاته ، وحكموا عليه بمصادرة أمواله ونفيه من المدينة ..
إن شخصية شيلوك في قصة تاجر البندقية هي نفس قصة نتنياهو المتعطش للدماء أيضا ، غير أن شيلوك كان يريد أن يقتل شخصا واحدا ، فوقفت ضده المدينة بأكملها ، بينما نتنياهو قتل قريبا من اثني عشر ألفا حتى الآن ، ويريد أن يبيد سكان مدينة كاملة ، ومع ذلك لم يوقفه أحد .. بل وجد من يدعمه من الأمم التي تدعي الديمقراطية ، والتي صدعت رؤوسنا بحقوق الإنسان والحريات .. بل إن بعض الداعمين له كانوا من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .
هاهو نتنياهو يرفض وقف إطلاق النار في غزة رغم مناشدة معظم دول العالم وكافة المنظمات الإنسانية ، يرفض أية هدنة إنسانية من أجل نقل الجرحى وإدخال المساعدات الإنسانية رغم مناشدة الرئيس الأمريكي له بقبول هدنة إنسانية ، يحاصر ما يقارب 2.5 مليون نسمة ، ويحرمهم من الماء والكهرباء والوقود والغذاء ، ويظن أنه سينتصر ، يقوم جيشه ومن خلال الطائرات بإلقاء آلاف الأطنان من القنابل على رؤوس المدنيين، ولا يهمه إذا كانت حربا أخلاقية أو غير أخلاقية ، لا يهمه أن يقتل آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ ، فالمهم أن ينتصر في النهاية ، ويقضي على المقاومة في غزة .. ويستمر بالتصريح يوميا بأنه يرفض وقف إطلاق النار …
وكما أُسقط في يد شيلوك بعد أن أفحم وفهم بأنه مهزوم في تنفيذ الشرط ، حيث يستحيل تنفيذ الشرط ، سوف يُسقط في يد نتنياهو والقادة المحيطين به والداعمين له، عندما يتيقنون بأنهم مهزومون لا محالة ، وأنه يستحيل هزيمة المقاومة ، سوف يطلب نتنياهو وقف إطلاق النار عندما يظهر تفوق المقاومة عليهم تفوقا كبيرا ، من خلال المفاجآت التي يظهرونها يوما بعد يوم ..
سوف يتوسلون لإيقاف إطلاق النار عندما ينكشف إجرام الصهاينة عالميا ، ويتمكن العالم من فرض المقاطعة عليهم ، ويقل الدعم الغربي إلى أدنى مستوى ممكن ، وتقوم دول العالم بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان في كافة المجالات .
سوف يُسقط في أيديهم عندما يطالب العالم بتقديم قادة الاحتلال للمحاكم الجنائية الدولية ، وتعميم أسمائهم على الانتربول الدولي ، وتطبيق كافة قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بفلسطين .. وإعلان المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإعلان القدس بشطريها عاصمة للدولة الفلسطينية ، والمطالبة بوضع مهلة قانونية لرحيل الاحتلال عن فلسطين..
عندما تمارس معظم دول العالم بعض أشكال الدبلوماسية الخشنة والمواقف المتصلبة ، فإن نتياهو وغيره من قادة الاحتلال سوف يتوسلون من أجل وقف إطلاق النار .. وربما يتوسلون من أجل السماح لهم بمغادرة فلسطين إلى الأبد .

العصف المأكول .. أ.د كمال حطاب

14 November 2023

كتبت قبل عدة أسابيع ، عن الحمية الجاهلية التي يمكن أن توقف الظلم والعدوان ، والتي لا يمكن أن تسمح للغطرسة الصهيونية بالاعتداء على المقدسات ، تلك الحمية التي أوقفت أبرهة الحبشي عندما حاول الاعتداء على الكعبة ، الحمية التي لجأ أصحابها إلى رب الأرباب فاستجاب لهم ، فجعل جيش أبرهة كالعصف المأكول ..
كيف حدث ذلك ، وكان أهل مكة كفارا ؟
إن أهل مكة في ذلك الوقت ، وعلى رأسهم جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا على إيمان ويقين بأن هذا البيت لله ، وأنه ما دام لله ، فإنه سوف يحميه ، ولذلك لم يقفوا في وجه أبرهة بل صعدوا إلى جبال مكة ، واشتهرت بينهم مقولة عبد المطلب ” إن للبيت ربا يحميه ” . وبالفعل جاءت الطير الأبابيل التي أحالت جيش أبرهة إلى رماد أو إلى عصف مأكول كما أخبر الله سبحانه وتعالى ..
إن تدخل العناية الإلهية وحدوث الكرامات والمعجزات ، تتطلب قبل كل شيء الإيمان القوي واليقين الثابت بقدرة الله عز وجل ومن ثم تفويض الأمر لله ..
إن ما يحدث اليوم في غزة يكاد يقترب مما حدث مع جيش أبرهة فها هو الجيش الصهيوني ، جيش الغطرسة والعربدة قد انهار وتحول إلى ما هو أشبه بالعصف المأكول .. ذلك الجيش الذي اعتدى على النساء والشيوخ في ساحات الأقصى الشريف ..وقتل وجرح وسجن الآلاف ، بل عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء .. ها هو اليوم يذوق بعض ما جنته يداه ..
تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر .. فعلى مدى أربعين يوما في غزة .. لم يستطع أن يحقق شيئا .. سوى قتل آلاف المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ ، وتدمير العمارات والبيوت والأحياء ، وتدمير المستشفيات وسيارات الأسعاف وكافة مقومات الحياة .. جيش جبان لا يستطيع أن يحقق أي انجاز بشرف ، إنها إنجازات الجبناء الذين يختبؤون وراء الجدران في القرى المحصنة ، كما أن دماء الأبرياء والأطفال ستطوق أعناقهم وتغرقهم في الدنيا قبل الآخرة ، إن دماء شهداء غزة وجرحى غزة ستكون لعنة ونارا تحرق أرواحهم النجسة الخبيثة .
تحطمت أسطورة دولة الاحتلال ، هروب مذعور باتجاه المطارات ، فلم تعد الأرض آمنة تحت أقدامهم ، ولا السماء آمنة فوق رؤوسهم ، إنه مصير الظالمين الطغاة في كل زمان ومكان .. مرعوبين صاغرين ، يتلفتون حولهم ، يحسبون كل صيحة عليهم ، وكل نظرة إليهم ، فما أن يسمعوا صفارات الإنذار حتى يطلقوا لأرجلهم العنان بالهروب المذعور ..

إن هذا الاحتلال لا يعرف غير لغة واحدة هي لغة القوة ، أو لغة البندقية والرصاص ، لغة الصاروخ ، لن يحسب هذا الاحتلال الجبان حسابا لأحد ، إلا لمن يحمل الصاروخ والبندقية ، وبغير ذلك لا يعترف بقانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو أي ميثاق إنساني ..
إنه الذعر والرعب والهلع هو الذي سيخرجهم من أرض فلسطين ، ليعودوا من حيث جاؤوا ، ليعودوا إلى البلدان التي جاؤوا منها ، قبل أن تكون فلسطين مقبرتهم .
إنها المقاومة الملائكية التي تتصل فيها الملائكة بالأرض تثبت الذين آمنوا ، وتنتخب منهم الشهداء .
إن استمرار هذه المقاومة مهما كانت التنازلات هي التي ستعجل برحيل الصهاينة ، وهي التي ستحيل حياتهم جحيما ، فيسارعون بالرحيل ..
من المبشرات في حرب الإبادة التي يمارسها الجيش الجبان على مدنيي غزة ، الصمود الأسطوري الذي تسجله غزة بكافة ساكنيها ، من شيوخ ونساء وأطفال ومقاومة ، فالجميع متفقون على المقاومة وعلى النصر أو الشهادة ، الكل يقاتلون بجسد واحد كالبنيان المرصوص . إن هذا الصمود الأسطوري .. وهذا الصبر وهذه القوة التي تُرى في عيون رجال ونساء وأطفال غزة ..تشير بوضوح كبير إلى اقتراب النصر ، وبداية النهاية للاحتلال الغاشم ، وبداية الأفول لدولة الاحتلال .

الدبلوماسية المحنّطة أ.د كمال حطاب

30 October 2023

مما لا شك فيه أن الخطاب الدبلوماسي ينبغي أن يكون هادئا متزنا صادقا يتمتع بالمنطقية والعقلانية ، غير أن الملاحظ على خطاب معظم الدبلوماسيين العرب حول جريمة الإبادة التي يمارسها الصهاينة في غزة ، أنه خطاب فارغ مكرر ممل يشعر من يستمع إليه بالإحباط واليأس ، بل يمكن القول بأنه خطاب ميت أو محنط ، مقولب في صيغ جامدة لا حياة فيها .. خطاب لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤثر بأي شكل من الأشكال .. فالجريمة مستمرة على مدار الساعة ، والأطفال والنساء والشيوخ يلتحقون في مواكب الشهداء بالمئات يوميا وآلاف الجرحى يتراكمون في المستشفيات ، وخارج المستشفيات ، نظرا لخروج كثير من المستشفيات عن الخدمة ، ومع ذلك تجد الخطاب الدبلوماسي العربي باردا فاقدا الحرارة والانفعال ، بل إنه يفتقد لأية أوراق أو وسائل أو أدوات يمكن أن تؤثر على سير الأحداث أو توقف الجريمة أو تقلل من حدتها بحيث تنخفض أعداد الشهداء أو الجرحى ..
نستمع كثيرا إلى عبارات الإدانة والشجب والاستنكار ، وإلى ضرورة وقف إطلاق النار ، وعدم جواز قتل المدنيين ، وعدم جواز التهجير أو التطهير العرقي وغير ذلك من المصطلحات ، وكأن القضية سوف تنتهي بإصدار الأحكام الأخلاقية أو الدينية ، وكأن المسؤول أو الدبلوماسي يكون قد قام بالواجب الملقى على عاتقه تجاه وطنه وأمته عندما يصدر هذه الأحكام دون أن يحرك ساكنا تجاه الجريمة ..
استمعت قبل أيام إلى خطاب أحد دبلوماسيي الجامعة العربية أكثر من نصف ساعة دون أن أخرج بأية كلمة مفيدة يمكن أن يبنى عليها فعل أو تغيير أو تأثير .. أنا أعلم أن الجامعة العربية وأمثالها من المنظمات العربية والإسلامية هي مجرد سكرتارية أو أمانة عامة تقوم بدراسة المشكلات وتقديم المقترحات أو الحلول أو التوصيات .. غير أن هذه السكرتارية ومن خلال الخطاب الدبلوماسي لم تستطع حتى تقديم دراسات أو مقترحات أو توصيات عملية أو آليات تنفيذية من أجل وقف إطلاق النار أو التخفيف من حدة الجريمة ..
كان بإمكان هذا الدبلوماسي وغيره أن يقترح على الدول العربية النفطية المؤثرة أن تهدد أو تصرح بأنها سوف تقوم بوقف إمداد النفط عن كافة المؤيدين لاستمرار الجريمة أو أن يقول بشكل دبلوماسي أن بعض الدول النفطية تفكر باستخدام سلاح النفط إذا لم يتوقف إطلاق النار أو يقترح على الدول المطبعة أو الموقعة لاتفاقيات السلام بضرورة الإعلان عن التفكير بإلغاء هذه الاتفاقيات .. وعدم السماح لطيران دولة الاحتلال باستخدام المجال الجوي العربي أو عدم السماح لسكان دولة الاحتلال بدخول أراضيها إو إلغاء الاتفاقيات التجارية .. إلخ
كل هذه الخطوات التنفيذية ، يبدو أنها لا تدخل في اختصاص سكرتارية جامعة الدول العربية أو حتى سكرتارية منظمة التعاون الإسلامي وغيرها من الأجهزة والمنظمات الإنسانية العربية والإسلامية ..
استمعنا خلال الأيام الماضية إلى كثير من الدبلوماسيين أو المسؤولين العرب والذين لم تتجاوز حناجرهم كلمات الإدانة والألم على ما يجري ، ولم نستمع لأي منهم يحاول أن يصرح بأنه يفكر أو أنه رأى في منامه أنه يفكر بوقف الإمدادات النفطية عن الدول الداعمة للجريمة واستمرار العدوان .. لم نر أو نسمع أحدا يفكر أو رأى في منامه أنه يفكر بأنه سوف يدعم المقاومين في غزة إذا لم يتوقف مسلسل القتل والدمار .. لم نسمع أحدا يخرج عن الأعراف الدبلوماسية الميتة أو المحنطة التي تدعو إلى الهدوء أو تعبر عن القلق أو الشعور بالحزن والأسى .. أو إحصاء أعداد الضحايا والجرحى والنازحين ..
ولست أدري متى يصحو هؤلاء ويقومون بدورهم .. ويسجلوا للتاريخ أنهم قاموا بدورهم الحقيقي في وقف الجريمة .. هل يظن هؤلاء أن هذه الدبلوماسية الميتة سوف تبقي لهم المناصب؟ أو أنهم سيخلدون في مناصبهم .. هل يظنون أن الشعوب سوف ترحمهم ؟ أو أن التاريخ سوف يجد لهم أعذارا لهذا الخذلان الفظيع لأهلهم في غزة وفلسطين ؟ أو يظنون أن المجرمين الصهاينة سوف يرحمونهم إذا سكتوا أو وقفوا على الحياد ؟ ..
إن المجرمين الصهاينة لا يرحمون أحدا .. فالعرب بالنسبة لهم حيوانات بشرية .. بل إنهم عند بعضهم أقل من الحيوانات .. وبالتالي فإن هذه اللغة العنصرية المقيتة ليست موجهة لأهل غزة أو فلسطين .. فإذا ما انتصر هؤلاء الغزاة المجرمون لا قدر الله .. فإنهم سوف يستمرون في عدوانهم ومحاولة تحقيق مخططاتهم التوسعية الإجرامية ..
إن الدبلوماسية والعبارات المنمقة والمزخرفة ليس هذا أوانها ولا مكانها .. إن المطلوب الآن هو الإجراءات التنفيذية وتقديمها دبلوماسيا على شكل مقترحات أو تصريحات في قوالب إعلامية مؤثرة ..
إن الغرب لا يعرف غير لغة المصالح .. ولذلك فإن التهديد بقطع العلاقات أو وقف الاستيراد أو وقف التصدير أو استخدام سلاح النفط أو سلاح المقاطعة الاقتصادية أو وقف الاتفاقيات .. إلخ هو الذي يمكن أن يكون مؤثرا .. وفي نفس الوقت لا بد من الإعداد والاستعداد الميداني والعسكري للدفاع عن الأرض والوطن لأن الجميع مهدد من قبل هذه العصابات الصهيونية المجرمة التي لا تراعي إلا ولا ذمة .

حرب المصطلحات .. الأسرى والرهائن والمخطوفون أ.د كمال حطاب

27 October 2023

مما لا شك فيه أن أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال ليس لها مثيل في العالم قانونيا وسياسيا وإنسانيا .. فالأسير المعروف في القانون والعرف الدولي والإنساني هو الذي يستسلم أثناء المعركة سواء بعد إصابته أو حتى من غير إصابة إذا وجد نفسه محاطا بجيش لا يستطيع مقاومته ..أما أسرى فلسطين فمعظمهم مخطوفون من بيوتهم .. بعد مداهمة قوات الاحتلال في الساعات الأخيرة من الليل ..
ولا شك أنه توجد فروق كبيرة بين الأسرى والمخطوفين .. فالشعب الفلسطيني هو شعب تحت الاحتلال ، وهو محمي بالقانون الدولي ، وله حق المقاومة المشروعة .. فكيف يسمح لجنود الاحتلال باختطاف الناس من بيوتهم ، ثم محاكمتهم محاكمات عسكرية ، وإلصاق التهم لهم والحكم عليهم بمؤبدات أو سنوات طويلة في السجون .. ثم إطلاق لقب الأسرى عليهم .. وكأنهم كانوا يخوضون حربا متكافئة .. فسقطوا أسرى بيد قوات الاحتلال ..
إن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال هو شعب محتل أسير سواء كان الناس في بيوتهم أو في أعمالهم أو حتى في سجون الاحتلال ..
في المعارك المتكافئة يمكن أن يوجد أسرى من الجانبين ، فيحدث تبادل للأسرى بعد انتهاء الحرب .. أما في مقاومة الاحتلال فمن الصعب جدا أن يسقط أسرى من قوات الاحتلال نظرا للفرق الكبير في القوة والعتاد .. ومع ذلك فقد تمكنت المقاومة أخيرا ، وبعد خمسة وسبعين عاما من الاحتلال ، من أسر عدد كبير من جنود وجنرالات الاحتلال وحطمت بذلك أسطورة الجيش الذي لا يقهر وحطمت أسطورة دولة الاحتلال ..
يتقن الصهاينة الحرب الإعلامية التي تقوم على الأكاذيب ، ومن أبرز الأكاذيب التي يروجون لها وصف جيشهم بأنه جيش الدفاع ، وما هو بجيش دفاع وإنما هو جيش اعتداء وجيش احتلال ، جيش همجي لا ينتمي إلى الإنسانية ولم يسمع بما يسمى القانون الإنساني الدولي .. وحتى لو سمع فقد أعلن أنه لن يراعي أي قانون إنساني في مجازره التي يرتكبها ليلا ونهارا ..
ومن المصطلحات التي استخدمها الاحتلال في هذه المعركة مصطلح الرهائن ، فقد أطلق على من أسرهم جنود المقاومة من قواته وجيشه ، أطلق عليهم رهائن وأخذت وسائل الإعلام العالمية تسميهم رهائن .. مع أن الرهائن هم شيء آخر ، فقد جرى العرف والقوانين الحربية على أن من يقبض عليه في الحرب يسمى أسيرا ، أما الرهينة فغالبا ما لا يكون في الحرب ، ويكون المعتدون عبارة عن عصابات إجرامية بلا شرف أو أخلاق ، ولذلك تعامل جرائم الرهائن ضمن القانون الجنائي الدولي ، وليس ضمن القوانين العسكرية ، ولذلك نجد الإصرار على إشهار مصطلح الرهائن ، حتى يشوهوا بطولات المقاومة الفلسطينية ، ويدخلوا الجنود والجنرالات الصهاينة المأسورين ضمن مصطلح الرهائن الذين لا يمكن أن يكونوا عسكريين .. ولكي لا يخضعوا للقوانين العسكرية أو حتى قوانين جنيف التي تنظم أوضاع الأسرى أثناء الحروب ..
إن الصهاينة المسيطرين على معظم وسائل الإعلام العالمية يتقنون إطلاق الأكاذيب وتكرارها وترديدها من خلال أبواقهم الكثيرة والمنتشرة في كافة دول العالم ، حتى ينشغل الطرف الآخر في محاولة دحض الأكاذيب وبالتالي تصبح هذه الأكاذيب حقائق راسخة يتم الحديث حولها ، وتشكل لجان تحقيق للتأكد من مصداقيتها وغالبا ما تنتهي لجان التحقيق إلى وجود عدة آراء في الموضوع ، وهكذا تصبح الأكاذيب حقائق ، ويصبح المعتدى عليه مجرما ، ويخرج المجرم بريئا منتصرا .. هكذا يتعامل الصهاينة المجرمون مع كافة الجرائم التي يقومون بها .. وللأسف الشديد فإن معظم وسائل الإعلام العربية والإسلامية تنقل أخبارا كالببغاوات دون أن يكون لها أي تأثير في إعادة تحرير أو صياغة الخبر أو المصطلح .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]