القروض الدولية والتنمية أ.د كمال توفيق حطاب
17 January 2019القروض الدولية والتنمية
أ.د كمال توفيق حطاب
منذ ظهر البنك الدولي للوجود في أعقاب اجتماع بريتون وودز عام 1944 ، وهو يرفع شعار التنمية الاقتصادية ، كيف لا ؟ وهو يسمى البنك الدولي للإنشاء والتعمير .. وقد قام البنك فور تأسيسه بإنعاش دول أوروبا بمساندته مشروع مارشال ، كما قام بتقديم القروض للدول القادرة على السداد بمعدلات فائدة مرتفعة ، كما أن قروضه كانت تقدم بسخاء للدول والحكومات التي تطبق اجراءاته بينما تحرم منها الدول والحكومات التي لا تلتزم بشروطه ، وكمثال على ذلك فقد رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي في مصر عام 1956 بسبب موقف أمريكا وانجلترا من مصر في تلك الفترة .
وقد عبر فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتابهما ” صناعة الجوع وخرافة الندرة “، ومن خلال رحلاتهما الميدانية في العديد من بلدان العالم التي خضعت لقروض ومشروعات البنك الدولي ، عبرا عن أسفهما واستغرابهما لأن معظم قروض البنك الدولي في البلدان التي زاراها قد ذهبت لمصلحة كبار المتنفذين على حساب الفقراء وصغار الملاك والمزارعين .
ومنذ انطلاقة البنك الدولي فقد ركز جهده الإعلامي على زيادة النمو والتنمية في الدول الأقل نموا ، كما ركز على تخفيض عدد الفقراء .. ولكن النتيجة كانت دائما زيادة التخلف وأعداد الفقراء ..
وبالرغم من فشله الواضح والمستمر في تحقيق النمو والرفاه للدول النامية ، إلا أن الباحثين والخبراء العاملين في الإطار النظري للبنك الدولي ، استمروا يعلنون الحرب على الفقر .. فجاء “تقرير عن التنمية في العالم” عام 1990 بغلافه الأسود يدق ناقوس الخطر .. ويعلن ضرورة تخفيض أعداد الفقراء .. من خلال تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ..
وكذلك تقرير عن التنمية في العالم 2004 جاء بعنوان جعل الخدمات تعمل لصالح الفقراء .. ويركز على الخدمات التي لها صلة مباشرة بالتنمية البشرية ، أي التعليم والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والكهرباء .. إلا أن التقرير يعترف منذ البداية بأن الخدمات قد تعمل لصالح الفقراء لكنها غالبا ما تفشل ..
أما تقرير التنمية البشرية 2015 فقد ركز على ضرورة مواجهة التحديات الناشئة في عالم يتغير، ولا سيما في علاقته مع خطة التنمية المستدامة 2030 وأهدافها، ولذلك فقد دعا إلى ضرورة تغيير المقاييس والمؤشرات الخاصة بالتنمية البشرية بما يؤدي إلى زيادة الرفاه البشري ويحول دون الصدمات والأزمات .
وفي محاولة أخيرة لتلطيف الأجواء وإضفاء الأبعاد الإنسانية على أعمال البنك الدولي ، نجد البنك الدولي يعلن عن إدراج حقوق الإنسان ضمن معايير التنمية المستدامة ..
جاء ذلك على لسان بيتر فويكي رئيس مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي حيث قال بأن المؤسسة تدرس حاليا إدراج حقوق الإنسان ضمن معاييرها للتنمية المستدامة ، بعد أن وافقت البنوك في وقت سابق من هذا العام على التقيد بضمانات بيئية واجتماعية ..
ومن المؤكد أن الإنسان الذي يريدون المحافظة على حقوقه ليس هو إنسان العالم الثالث ، لأن هذا الإنسان ينبغي أن تكون له مواصفات خاصة ، مفصلة وفقا للمقاييس الغربية والمنظمات الدولية التي تخضع لها .
إن دول العالم الثالث لا تمتلك قوة تصويت كافية في المجالس التي تدير هذه المؤسسات الكبرى، فقوة التصويت الكبرى هي للدول الصناعية ، صاحبة الحصص الأكبر في هذه المؤسسات ، وبالتالي فإن قرارات القروض وكافة الشروط المرافقة لها هي من صلاحيات الدول الكبرى ، وهي تخضع في الغالب إلى مدى انسجام سياسات حكومات الدول المستفيدة من هذه القروض مع سياسات الدول الصناعية ، ومدى خدمتها لمصالح الدول الصناعية .