عودة إلى الصفحة الرئيسية

التطبيقات الذكية والتنمية أ.د كمال حطاب

30 January 2019

التطبيقات الذكية والتنمية
أ.د كمال توفيق حطاب
ليس هناك من شك في أن التطبيقات الذكية تقلل من الوقت والجهد والتكاليف بالنسبة للمنتج والمستهلك على السواء ، وهذا يعني تمكين المجتمع من الإنجاز والإنتاج بشكل أسرع وأفضل وأكبر ، وهذه هي الخطوات الأولى للتنمية .
وكمثال على ما تقدم ، ننظر في الآثار الإيجابية السريعة التي تنجم عن تطبيق أوبر على المجتمع، حيث يمثل سائقو التاكسي في مختلف دول العالم ، الوجه الأول الذي يراه السائح أو الزائر لأي بلد جديد ، وقد اشتهر على ألسنة الناس ، أن معظم السائقين في مختلف دول العالم يتصفون في الغالب بصفات محددة من الانتهازية وسوء التصرف والفساد .. غير أنه ومع ظهور التطبيقات الذكية مثل تطبيق أوبر ، فقد تغيرت هذه الظاهرة بشكل كبير ، فقد أسهمت هذه التطبيقات على مستوى العالم في تهذيب أخلاق السائقين وضبط قيادتهم للسيارات والتخفيف من حوادث السيارات وبالتالي إنقاذ آلاف الأرواح .. وهذا فيه تقليل للنفقات الأمنية والصحية والاجتماعية وبالتالي زيادة التنمية .
إن من خصائص تطبيق أوبر على سبيل المثال أنه يمكن الراكب أو العميل من اختيار السائق الذي يريد ، فهو يستطيع أن يتعرف على شكله وصورته واسمه وسيارته ورقم سيارته ..إلخ قبل أن يأتيه ؟ كما يستطيع معرفة تفاصيل رحلته من حيث المسافة والأجرة والزمن قبل الانطلاق ، كما أنه ملزم بوضع تقييم لهذا السائق ، بحيث يتوقف عمل السائق وسيرته المهنية على مجموع تقييمات الزبائن ، وهكذا فأي سائق بلغت تقييماته تقديرا سيئا سيتم التخلص منه ، وبالتالي فإنه لا يبقى في هذه المهنة إلا من كانت أخلاقه وكفاءته عالية .. وهكذا فإن هذ التطبيق يصفي السلوكيات الضارة ويطرد الخبث من المهنة ، فترتقي المهنة بالسائقين والركاب ، ويرتقي المجتمع بأدائه وإنجازه ونموه الاقتصادي .
إن وجود مثل هذه التطبيقات على مستوى كافة السائقين سوف يكون له الأثر الأكبر في الارتقاء بأخلاق السائقين والتقليل بشكل كبير من حوادث السيارات ، ويمكن أن يكون ذلك بإدخال معلومات كل سائق سيارة ومن خلال نظام الأحوال المدنية على تطبيق أشبه بأوبر ، يدار من قبل دائرة السير أو المرور في كل بلد وبالتعاون مع شركات التأمين .. بحيث تتم مراقبة كل سائق من حيث التزامه بالسرعة المحددة وقوانين السير ومراعاة المارة .. إلخ ، بحيث يكون لكل سائق في نهاية كل شهر إما مكافآت أو اقتطاعات ..
كما يمكن تطبيق نظام أشبه بأوبر في مجال خدمات الأطباء والمستشفيات بحيث يتمكن المريض من الوصول إلى المستشفى بعد أن يكون الأطباء قد تعرفوا على سيرته المرضية وأعراضه الحالية من خلال تطبيق أوبر الطبي ..
ويمكن لتطبيق أوبر الطبي أن يرتب المواعيد بحيث لا ينتظر المرضى المراجعون لعيادات الأطباء ساعات طويلة في المستشقيات الحكومية أو الخاصة أو العيادات المستقلة للأطباء ، فمن خلال هذا التطبيق يتم الحجز ، وتجديد الحجز وتأكيد الحجز ، والوصول إلى العيادة قبل ربع ساعة على الأكثر ، فيكون الطبيب منتظرا قدوم المريض وقد حضر له كل ما يلزم من أدوات الفحص أو الدواء أو التحاليل الطبية .. وفي ذلك توفير للوقت والجهد وتقليل للهدر والتضييع والتبديد .
إن تطبيق أوبر للمواصلات ، يمكن أن يكون له مثيل في مجال التعليم والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة وكافة الأنشطة الاقتصادية ، مما يعمل على التخفيف من حدة المشكلات في كافة القطاعات التي يطبق فيها تطبيقا سليما . كما يعمل على الارتقاء بالأخلاق ، ويخفف الضعوط النفسية ، ويسرع في الإنجاز والنمو وتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ..
ومن جهة أخرى فإن التطبيقات الذكية المحاسبية يمكنها معالجة الفساد في كافة القطاعات الخاصة والحكومية ، إن تطبيق أوبر لمكافحة الفساد يمكنه وقف الهدر والاستنزاف والتبديد في موارد وإيرادات الدولة ..
إن الإنسان في هذا العصر بحاجة إلى تفعيل العديد من التطبيقات من أجل رفع كفاءته ولياقته الصحية والعقلية والنفسية والاجتماعية وبالتالي زيادة معدل الإنجاز في العمل والخدمة ، بما يحسن كثيرا من مستوى العلاقات بين الناس ويعمل على زيادة التعاون والوئام والائتلاف بينهم .
إن التطبيقات الذكية تزيد في مستوى العدالة والكفاءة في المجتمع ، بما يؤدي إلى زيادة الاستخدام الأمثل للموارد وزيادة الإنتاج والتشغيل ومتوسط دخل الفرد ، مما يعني زيادة الرفاه والتنمية في المجتمع .
إن التطبيقات الذكية يمكن أن توجد في المجتمع مستويات عالية من الأدب والاحترام والنظام والمصداقية والإنجاز والوفاء بالوعد واحترام الوقت .. إلخ بما يزيد من التقدم والحضارة والرقي ، ويعمل على زيادة الإنتاج والدخل والرفاهية ، ويخفف من حدة المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية .

قراءة لبعض أفكار فريدمان في كتابه ” السيارة لكزاس وشجرة الزيتون” أ.د/كمال حطاب

17 January 2019

قراءة لبعض أفكار فريدمان في كتابه ” السيارة لكزاس وشجرة الزيتون”
أ.د/كمال توفيق حطاب
يشبه توماس فريدمان في كتابه “السيارة لكزاس وشجرة الزيتون” تحركات رأس المال الإلكتروني في أسواق كثير من الدول النامية بتحركات القطيع عندما يرد الماء أو المرعى ، فما أن يشعر بأدنى درجات الخطر ، حتى يحدث الهروب المذعور للقطيع بكامله ، ثم ما يلبث أن يعود عند شعوره بالأمان ، وهكذا ..وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى جبن رؤوس الأموال وأنانيتها ، فهي لا علاقة لها بمصلحة الدول التي تتواجد فيها ، إلا في حدود ما تدره عليها من فوائد وعوائد .
غير أن القطيع الذي تحدث عنه فريدمان هو قطيع إلكتروني يتحرك عبر ذبذبات إلكترونية من خلال شاشات الكمبيوتر المنتشرة في جميع أسواق العالم ، وبالتالي فإن عملية الهروب المذعور للقطيع الإلكتروني ستكون أسرع بكثير من هروب القطيع الحيواني .
ثم يقرر بأن القطيع الإلكتروني هو مصدر الطاقة في القرن الحادي والعشرين ، ولا يمكن كبح جماح هذا القطيع حتى لا يحدث الهروب المذعور مرة أخرى ، ولذلك يجب أن تتعلم الدول كيف تتعامل مع هذا القطيع ، حيث يقول ” فإن النهج الاقتصادي الجغرافي الصحيح هو التركيز على تقوية هذه الدول المقترضة السيئة ، بحيث تستطيع الالتحام بالقطيع مرة أخرى ، وأن تكون مقاومة للهروب المذعور قدر الإمكان ، ولسوف يظل الهروب المذعور للقطيع ممكن الحدوث .. ولكن القطيع لا يظل مندفعا إلى الأبد ، ففيما عدا بعض الاستثناءات النادرة ، فإنه لا يجري هاربا من الدول ذات النظم المالية السليمة التي تتبع سياسات اقتصادية سليمة ”
إن التحليل السابق لتوماس فريدمان بالنسبة لقطيع رأس المال الإلكتروني ، يعبر بصورة صريحة وصادقة عن منطلقات المستثمرين الأجانب وتوجهاتهم في تحريكهم لرؤوس الأموال من بلد إلى آخر ، فالهدف من وجهة نظرهم حصد الأرباح والعوائد بأي شكل من الأشكال ، ولا يهمهم مصلحة الدول التي يستثمرون فيها إلا بما يخدم هذا الهدف .

يعتبر الاستثمار الأجنبي في نظر الخبراء الدوليين من أهم أشكال التمويل الدولي ، ولذلك يطلق أحيانا كمرادف للتمويل الدولي ، خاصة وأن التمويل الدولي يقوم على تحقيق مصالح مادية للممولين قبل أي شيء آخر ، ولا يلتفت كثيرا إلى الدوافع الإنسانية .
فالقروض الدولية تهدف إلى الحصول على الفوائد ، أو تمكين المقترضين من استيراد سلع ينتجها المقترضون .. الخ ، وكذلك المعونات والمنح الأجنبية .
ويعترف فريدمان في كتابه بأن أكبر تهديد للنظام المالي الدولي يأتي من الأزمات التي يشعلها المقرضون السيئون ، والمقترضون السيئون ، وهذا الاعتراف يمثل انتصارا للنظام المالي الإسلامي ، والذي حرم منذ البداية كافة أشكال الإقراض والاقتراض المبني على الفائدة ، لأن الإقراض والاقتراض السيء الذي تحدث عنه فريدمان لا يتم التعامل به إلا بنظام الفائدة الربوي .
لقد ظل فريدمان طوال كتابه يبحث عن الحلول للأزمات التي تشتعل هنا وهناك ، وكان يرى أنه لا بد من ضوابط ، ولكنه لم يستطع تقديم هذه الضوابط لأنه يعتبر الإقراض والاقتراض السيء أمرا مشروعا .
بينما يقدم النظام المالي الإسلامي هذه الضوابط ببساطة ، من خلال إلغاء كافة أشكال الإقراض والاقتراض السيء ( الربوي) وإبداله ، بمشاركة رأس المال للعمل في العمليات الاستثمارية الإنتاجية ، والتي تزيد في التشغيل والإنتاج الحقيقي ، وبالتالي تزيد من التنمية والتقدم ، وقد أثبت هذا الأسلوب نجاحة على المستوى الدولي في كثير من بلدان العالم ، خاصة في مشروعات BOT والتي تعتمد البناء والتشغيل ونقل الملكية . وكذلك كافة أشكال وأدوات التمويل الإسلامي التشاركية .
وبالعودة إلى فريدمان في كتابه ، نجد أنه يرى ضرورة اشتراك الجميع في النظام المالي العالمي ، وهو يشبهه بالاشتراك في سباق سيارات فرمولا 1 ، فهذا السباق تزداد سرعته سنويا ، ولا بد أن تصطدم بعض السيارات أو تنقلب أو تحترق ، ولكن السباق يستمر سنة بعد أخرى ، والعالم يتقدم ، أما غير المشتركين في السباق ، والذين يمكن أن يمارسوا رياضة المشي ، فإنهم لن يكونوا بمأمن من أن تصدمهم إحدى سيارات السباق .
إن هذه النتيجة تبدو نتيجة عقلانية منطقية ، غير أن حسابات الخسائر والمكاسب أو المفاسد والمنافع هي التي يجب أن تقرر اشتراك الدول الإسلامية أو عدم الاشتراك ، وذلك في ظل الضوابط والقواعد الشرعية ، مثل درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ..الخ
وبناء على ما تقدم فإنه يجب على الدول الإسلامية أن تعمل على الجمع بين مبادئها وقيمها وضوابطها الشرعية وكبح جماح الاستثمار الأجنبي من الهروب المذعور من أسواقها ، إذا كان هذا الاستثمار نافعا للدولة ومشروعاتها وتقدمها ومنسجما مع الضوابط والقيم والقواعد والمقاصد الشرعية .

القروض الدولية والتنمية أ.د كمال توفيق حطاب

17 January 2019

القروض الدولية والتنمية
أ.د كمال توفيق حطاب
منذ ظهر البنك الدولي للوجود في أعقاب اجتماع بريتون وودز عام 1944 ، وهو يرفع شعار التنمية الاقتصادية ، كيف لا ؟ وهو يسمى البنك الدولي للإنشاء والتعمير .. وقد قام البنك فور تأسيسه بإنعاش دول أوروبا بمساندته مشروع مارشال ، كما قام بتقديم القروض للدول القادرة على السداد بمعدلات فائدة مرتفعة ، كما أن قروضه كانت تقدم بسخاء للدول والحكومات التي تطبق اجراءاته بينما تحرم منها الدول والحكومات التي لا تلتزم بشروطه ، وكمثال على ذلك فقد رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي في مصر عام 1956 بسبب موقف أمريكا وانجلترا من مصر في تلك الفترة .
وقد عبر فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتابهما ” صناعة الجوع وخرافة الندرة “، ومن خلال رحلاتهما الميدانية في العديد من بلدان العالم التي خضعت لقروض ومشروعات البنك الدولي ، عبرا عن أسفهما واستغرابهما لأن معظم قروض البنك الدولي في البلدان التي زاراها قد ذهبت لمصلحة كبار المتنفذين على حساب الفقراء وصغار الملاك والمزارعين .
ومنذ انطلاقة البنك الدولي فقد ركز جهده الإعلامي على زيادة النمو والتنمية في الدول الأقل نموا ، كما ركز على تخفيض عدد الفقراء .. ولكن النتيجة كانت دائما زيادة التخلف وأعداد الفقراء ..
وبالرغم من فشله الواضح والمستمر في تحقيق النمو والرفاه للدول النامية ، إلا أن الباحثين والخبراء العاملين في الإطار النظري للبنك الدولي ، استمروا يعلنون الحرب على الفقر .. فجاء “تقرير عن التنمية في العالم” عام 1990 بغلافه الأسود يدق ناقوس الخطر .. ويعلن ضرورة تخفيض أعداد الفقراء .. من خلال تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ..
وكذلك تقرير عن التنمية في العالم 2004 جاء بعنوان جعل الخدمات تعمل لصالح الفقراء .. ويركز على الخدمات التي لها صلة مباشرة بالتنمية البشرية ، أي التعليم والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والكهرباء .. إلا أن التقرير يعترف منذ البداية بأن الخدمات قد تعمل لصالح الفقراء لكنها غالبا ما تفشل ..
أما تقرير التنمية البشرية 2015 فقد ركز على ضرورة مواجهة التحديات الناشئة في عالم يتغير، ولا سيما في علاقته مع خطة التنمية المستدامة 2030 وأهدافها، ولذلك فقد دعا إلى ضرورة تغيير المقاييس والمؤشرات الخاصة بالتنمية البشرية بما يؤدي إلى زيادة الرفاه البشري ويحول دون الصدمات والأزمات .
وفي محاولة أخيرة لتلطيف الأجواء وإضفاء الأبعاد الإنسانية على أعمال البنك الدولي ، نجد البنك الدولي يعلن عن إدراج حقوق الإنسان ضمن معايير التنمية المستدامة ..
جاء ذلك على لسان بيتر فويكي رئيس مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي حيث قال بأن المؤسسة تدرس حاليا إدراج حقوق الإنسان ضمن معاييرها للتنمية المستدامة ، بعد أن وافقت البنوك في وقت سابق من هذا العام على التقيد بضمانات بيئية واجتماعية ..
ومن المؤكد أن الإنسان الذي يريدون المحافظة على حقوقه ليس هو إنسان العالم الثالث ، لأن هذا الإنسان ينبغي أن تكون له مواصفات خاصة ، مفصلة وفقا للمقاييس الغربية والمنظمات الدولية التي تخضع لها .
إن دول العالم الثالث لا تمتلك قوة تصويت كافية في المجالس التي تدير هذه المؤسسات الكبرى، فقوة التصويت الكبرى هي للدول الصناعية ، صاحبة الحصص الأكبر في هذه المؤسسات ، وبالتالي فإن قرارات القروض وكافة الشروط المرافقة لها هي من صلاحيات الدول الكبرى ، وهي تخضع في الغالب إلى مدى انسجام سياسات حكومات الدول المستفيدة من هذه القروض مع سياسات الدول الصناعية ، ومدى خدمتها لمصالح الدول الصناعية .

الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة أ.د كمال حطاب

16 January 2019

الصناعة المالية الإسلامية والتحديات المعاصرة
مما لا شك فيه أن الصناعة المالية الإسلامية أصبحت حقيقة مؤكدة ورقما صعبا .. سواء من حيث ححم أصولها الذي يقترب من 3 تريليون دولار .. أو من حيث عدد مؤسساتها وانتشارها في مختلف دول العالم حيث يتجاوز عدد البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أكثر من ثمانمئة مؤسسة بين بنك أو مؤسسة أو نافذة ..
ومع ذلك فلا تزال هذه المؤسسات تواجه تحديات عديدة لعل من أبرزها وفقا لما جاء على لسان محافظ البنك المركزي الكويتي مؤخرا ..انخفاض عدد أدوات التحوط التي تحتمي بها هذه المصارف ..مما يعرضها إلى زيادة المخاطر التي تواجهها ..
وبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في العديد من البحوث والمقالات والأطروحات العلمية إلا أن تطبيق ما ورد في هذه الدراسات لا يزال يراوح مكانه ..
وتحاول المؤسسات الداعمة للصناعة المالية الإسلامية كالمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات الإسلامية وهيئة المراجعة الشرعية والمحاسبية .. إيجاد معايير وضوابط تحد من المخاطر التي تتعرض لها المصارف الإسلامية .. غير أن عملية إلزام هذه المصارف بهذه المعايير لا يمكن أن يتحقق عمليا الا من خلال رقابة البنوك المركزية .. وبالتالي تبقى مسؤولية البنوك المركزية هي الأكبر .. وبما أن معظم محافظي الدول الإسلامية أصبحوا أعضاء في مجلس الخدمات المالية الإسلامية .. فإنهم يستطيعون أن يحددوا ويضعوا الضوابط والمعايير التي تتوافق مع المتطلبات الدولية في مجال التحوط وإدارة المخاطر .. كما يستطيعون إلزام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية العمل بهذه المعايير
ومن جهة أخرى فبالرغم من انتشار أدب التحوط الإسلامي في بحوث وكتب ورسائل ماجستير ودكتوراه .. إلا أن هذه الدراسات النظرية لم تر النور عمليا .. وكأن هناك فجوة بين ما يتم في الأدب النظري وما يطبق عمليا .. وفي رأيي فإن البنوك المركزية يمكن أن تقوم بردم هذه الفجوة .. فالبنوك المركزية هي الأجهزة التنفيذية التي تمتلك كافة الأدوات اللازمة للمحافظة على الاستقرار النقدي .. كما تمتلك أهم وآخر خطوط الدفاع عن البنوك التجارية والإسلامية .
ومن التحديات التي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية .. ضعف الرقابة الشرعية وعدم تحديد مواصفاتها .. حيث تعتري الرقابة الشرعية عدد من الآفات المرضية التي تفتك بها ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى انقراضها .. فهناك احتكار للرقابة الشرعية على عدد محدود من الشخصيات على مستوى العالم .. ولا توجد مواصفات مهنية أو قانونية للمراقب الشرعي في معظم البنوك الإسلامية .. كل ذلك يتطلب من الأجهزة الممثلة للفتوى والمؤسسات الدينية الاتفاق على ميثاق أو مذكرة تفاهم ، يتم من خلالها تحديد مواصفات وشروط لا بد من توافرها في من يمارسون هذه المهنة ، كما ينبغي تكوين جهاز رقابة مهنية لمتابعة تطبيق المواصفات والشروط ، كل ذلك من أجل حماية أجهزة الرقابة الشرعية قانونيا من الدخلاء أو الأدعياء أو المتسلقين المتساهلين المتاجرين بالدين..وقد وجدت أدبيات وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه حول موضوع الرقابة الشرعية .. كما ظهرت بحوث عديدة تقترح ضرورة حوكمة الرقابة الشرعية وتمهين الرقابة الشرعية .. وضرورة قيام الجهات التشريعية والجهات ذات العلاقة بمأسسة الرقابة اشرعية ، غير أن الفصام بين الأدب النظري والعملي لا يزال قائما.
ووضعت المؤسسات الداعمة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية معايير للحوكمة ومعاييرللرقابة الشرعية .. غير أن هذه المعايير لا تزال تنتظر التطبيق .. ويبدو أن البنوك المركزية هي الجهة الأكثر قوة ونفوذا في تطبيق هذه المعايير ، كما تقدم ..
إن الرقابة والتدقيق الشرعي والمحاسبي هي من مستلزمات تطبيق الإفصاح والشفافية.. وجميعها من مستلزمات مقررات بازل3، والتي تمنح جميع البنوك والمؤسسات المالية مهلة للتطبيق حتى 2019 .
وبالتالي فمن مصلحة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أن تلتزم بتطبيق هذه المعايير قبل أن تجد نفسها مكشوفة ، وربما لا تستطيع المنافسة على المستوى الدولي ، مما يحرمها الكثير من الفرص ، ويوقعها في عزلة لا تستطيع الخروج منها .

قضايا الزكاة المعاصرة أ.د كمال حطاب

06 May 2018

قضايا الزكاة المعاصرة
أ.د كمال توفيق حطاب
شاركت قبل عامين في الندوة العالمية الرابعة والعشرين لقضايا الزكاة المعاصرة ، والتي ينظمها سنويا بيت الزكاة الكويتي .. وقد تميزت الندوة باختيار موضوعات علمية فنية دقيقة ، وذلك يدل على جهد كبير بذل في إعداد محاور الندوة .
ركزت المحاور على قضايا معاصرة: مثل تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة، وزكاة عقود الامتياز، وزكاة الأنشطة خارج الميزانية … ولا شك أن الهدف من طرح هذه الموضوعات هو تمكين الأفراد والمؤسسات والجهات الخاضعة للزكاة من أداء زكواتهم بسهولة ويسر من خلال حل مشكلاتهم الزكوية، إضافة لزيادة حصيلة الزكاة وتوجيهها نحو مصارفها المعتمدة شرعا، بما يؤدي إلى زيادة الإنفاق والتشغيل وتقليل حدة التفاوت في المجتمع ..
تشمل الأنشطة خارج الميزانية الأنشطة أو الأحداث أو الالتزامات المحتمل تحصيلها مستقبلا .. ومن أمثلتها المشتقات بأنواعها وخطابات الضمان والتأجير التمويلي وغيرها .. وبما أن المشتقات في معظمها محرمة، فقد أكد الباحثون على قرارات ندوات الزكاة السابقة بحرمة زكاة المال الحرام .. غير أن فريقا من المشاركين رأى أن إعفاء الأموال المحرمة من الزكاة فيه تشجيع وإعفاء لمرتكبي الأنشطة المحرمة مما يساعد على استمرارهم في أنشطتهم المحرمة، كما يعطيهم مزايا تنافسية مع المؤسسات ذات الأنشطة غير المحرمة .. كما رأى البعض أن المشتقات ليست محرمة مطلقا، وإنه لا يصح تجاهل الواقع السيء حتى يكبر ويستفحل ويصعب التخلص منه، وإنما لا بد من وضع الضوابط والمحددات الشرعية لهذه المشتقات والعمل على تطبيقها .. ومن جهة أخرى فإن المال الحرام هنا ليس محرما بذاته ، وإنما هو محرم على من اكتسبه وبالتالي فإن محله الصحيح هو الجهات الخيرية .
بحث موضوع زكاة عقود الامتياز وتم الاتفاق على أن مانح الامتياز وهو الدولة ليس عليه زكاة أما المنفذ للعقد فيزكي بعد تشغيل المشروع وحصول الإيرادات وخصم النفقات والمطلوبات زكاة عروض التجارة، واقترح البعض ونظرا لأهمية هذه العقود، في التنمية وما توفره من فرص عمل للمواطنين ، فإنه ينبغي النظر في إمكانية إعفائها من الزكاة تشجيعا لها وتحقيقا لمصلحة المجتمع .. فإذا كانت هذه العقود ، وخاصة عقود BOT بناء- تشغيل – تحويل ، تقدم للمجتمع مشروعات ضخمة لا تستطيع الحكومات تقديمها ، بحيث تسهل على الناس حياتهم ، فقد تكون المبررات قوية عند إعفائها من الزكاة .
إن المقصد من الزكاة هو نفع المجتمع وزيادة التشغيل وإعادة أصحاب الحرف المعسرين إلى حرفهم وإزالة عجز العاجزين ، ولذلك ليس في الزكاة حظ لغني ولا لذي مرة سوي ، لأن الأقوياء يجب أن يعملوا ويكسبوا ، ولا ينتظروا المعونات من الآخرين .. ومن هنا فإن إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل يعتبر هدفا ساميا من أهداف الزكاة .
أما تزاحم الأسباب الموجبة للزكاة فقد تم الاتفاق على أنه لا يجوز أن تفرض الزكاة على المال مرتين ، وعند التزاحم يلجأ إلى السبب الذي يحقق حصيلة أعلى لمصلحة الفقراء ومصارف الزكاة الأخرى ..
إن عقد الندوات والمؤتمرات والملتقيات والورش التدريبية حول قضايا الزكاة يسرع في إعادة إحياء هذه الفريضة في المجتمعات المعاصرة .
إن تطبيق الزكاة في المجتمعات المعاصرة كفيل وحده بضبط عمليات الطلب بحيث تكون آثارها زيادة في الاستقرار الاقتصادي ، فالزكاة تعمل على نقل النقود ذات المنفعة الحدية المنخفضة إلى الفقراء فتصبح ذات طاقة عالية ومنفعة حدية مرتفعة .
كما تعمل على تحفيز الطلب من خلال انتقال الأموال من أشخاص ذوي ميول استهلاكية حدية منخفضة إلى الفقراء أصحاب الميول الحدية الاستهلاكية المرتفعة والتي تعمل على زيادة الطلب وبالتالي زيادة التشغيل والانتاج والدخل ..
إن الزكاة هي أهم أدوات التعبير عن التكافل والتراحم في المجتمعات الإسلامية وهي البلسم الشافي لجراح ضحايا الحروب والكوارث والمجاعات ، وبالتالي فلا بد من الأخذ بكافة الوسائل والأدوات العصرية من أجل تفعيل أدوات وآليات إحيائها ، وتجديد طرق توزيعها بما يضمن وصولها إلى الفئات الأكثر حاجة وفقرا .
إن أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إلا إذا عالج مشكلة الفقر وتم توفير لقمة العيش لكل إنسان أو الاحتياجات الدنيا للجميع ودون ذلك لا يمكن أن يتقدم المجتمع وتتحقق التنمية .
والزكاة كمعجزة تشريعية شرعت لتحقيق هذا الغرض أولا .. فأية فتاوى أو اجتهادات تحول دون أداء الزكاة لدورها في تخفيف حدة التفاوت وتوفير الاحتياجات الدنيا للجميع ، فهي فتاوى باطلة مضللة .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]