عودة إلى الصفحة الرئيسية

البنوك الإسلامية والمسؤولية الاجتماعية أ.د كمال توفيق حطاب

23 April 2015

البنوك الإسلامية والمسؤولية الاجتماعية
أ.د كمال توفيق حطاب
منذ انطلقت مسيرة البنوك الإسلامية وهي تحاول إقناع الجمهور بأنها بنوك استثمارية وليست مؤسسات زكاة أو جمعيات خيرية ، ومع ذلك كانت مستعدة دائما لتقديم القليل القليل من المساعدات والتبرعات والقروض الحسنة ..
في أواخر عام 2014 شاركت في الورشة الخامسة لمركز الكويت للاقتصاد الإسلامي والتي كانت بعنوان ” المسؤولية الاجتماعية والتنموية للبنوك الإسلامية ” ، وقد حرص فيها الباحثون على ضرورة قيام البنوك الإسلامية بمسؤولياتها الاجتماعية إضافة إلى مسؤولياتها التنموية والاستثمارية .
ويمكن القول بأننا بدأنا نشهد تحولا في نظرة البنوك الإسلامية إلى الدور الاجتماعي في الآونة الأخيرة ، وخاصة بعد إطلاق معيار الآيزو 26000 الخاص بالمسؤولية الاجتماعية ..حيث أخذت الشركات والمؤسسات والبنوك الإسلامية والربوية تتسابق في خدمة المجتمع وفي حماية البيئة وفي تقديم الحوافز للعاملين والعملاء ..
وبالرغم من أن هذه الجوانب كانت من الأساسيات التي دعا الإسلام إلى العناية بها والرفع من شأنها ,, إلا أن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية كانت تكتفي بالتركيز على الدور الاستثماري وحماية أموال المودعين والمستثمرين .. إلخ
قبل أكثر من عشر سنوات دعا كلاوس شواب مؤسس منتدى دافوس في افتتاحية المنتدى السنوى إلى أنسنة العولمة المتوحشة .. ويقصد بذلك الحد من تغول الشركات الكبرى وأصحابها ..
ويبدو أننا في الوقت الحاضر بحاجة إلى أنسنة الشركات والمؤسسات والبنوك الإسلامية.. وأقصد بذلك أن تكون أكثر إنسانية في التعامل مع عملائها ومع المجتمع ، صحيح أن معيار المسؤولية الاجتماعية يخفف من حدة تغول البنوك والشركات ولكنه لا يعمل على جعلها أكثر إنسانية .. حيث يمكن أن تكون مجالات المسؤولية الاجتماعية الخاصة بالمجتمع والبيئة جزءا من برامج الدعاية والإعلان التي تمارسها .. وبالتالي فهي لا تفيد القطاعات الأكثر تضررا في المجتمع ولا تلامس الفئات التي لا تجد الاحتياجات الدنيا ..
إن شعار الإسلام الذي ترفعه هذه البنوك يتطلب منها أن تكون أكثر إنسانية ورحمة وعدلا ومسئولية تجاه الفئات الأكثر تضررا في المجتمع ، بحيث تراعي أصحاب الاحتياجات الدنيا من بين عملائها والعاملين فيها وكافة قطاعات المجتمع .
إن العناية بالفئات الأكثر تضررا والأشد حاجة هو الذي يؤدي إلى تصحيح الاختلالات وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد ..فهذه الفئات هي التي تعمل على زيادة الطلب الاستهلاكي وبالتالي الاستثماري .. وبالتالي زيادة التشغيل والناتج القومي ..
وإن حرص المؤسسات والشركات والبنوك على مراعاة هذه الفئات هو الذي يعمل على استعادة التوازن الاقتصادي وبالتالي يحفظ هذه المؤسسات من التقلبات والأزمات والاختلالات الهيكلية ..
إن شعار الأسلمة الذي ترفعه البنوك الإسلامية لا يمكن حصره في تجنب الربا فقط ، وإنما لا بد أن يتضمن المعاني الأساسية التي جاء بها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا .. التكافل الاجتماعي .. الجسد الواحد .. تمثيل الإسلام بمعناه الحقيقي الذي يتضمن العدل والإحسان والرحمة والتسامح والرفق والصدق و.. ولا يتضمن الظلم والإفساد والاستغلال والاذعان والتحايل والخداع ..

التسابق نحو التطهر أ.د كمال توفيق حطاب تلقيت دعوة لكتابة بحث علمي للمشاركة

04 April 2015

التسابق نحو التطهر
أ.د كمال توفيق حطاب
تلقيت دعوة لكتابة بحث علمي للمشاركة في منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي بدبي ، بمناسبة إعلان مبادرة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي ، وقد لبيت الدعوة ، وكتبت بحثا عن المعايير المهنية والشرعية الحاكمة للصناعة المالية الإسلامية ..
حضر حفل الافتتاح عدد كبير من المسؤولين والباحثين والمهتمين والطلبة وواظبوا على الحضور والمشاركة في كافة الجلسات التي استمرت ثلاثة أيام كاملة ..
تفاءل بعض الباحثين بهذه المبادرة إلى درجة الدعوة إلى أسلمة كل شيء ، وتشاءم البعض إلى درجة التشكيك في المبادرة وفي كل شيء ،وحاول كثيرون استعراض أجمل وأقصى ما لديهم من أفكار وطاقات من أجل تحقيق هذا الحلم ..
وحاول البعض تقديم دراسات علمية دقيقة تحدد معايير التنافسية بين العواصم ، وكيف يمكن أن تتفوق هذه العاصمة على تلك ، التنافس بين لندن وكوالالمبور ودبي ..عدد المؤسسات المالية الإسلامية ، وحجم الأصول الإسلامية ، البرامج الأكاديمية .. إلخ
أن تتسابق العواصم العربية والعالمية في السعي نحو الاقتصاد الإسلامي ، أمر جميل ، وظاهرة إيجابية ، تلقي مسئولية كبيرة على كاهل المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي ، لكي يثبتوا أنهم جديرون بهذا التخصص.وقادرون على التطوير والرقي والإبداع والابتكار والإسهام في إحداث التغيير المنشود .
إن هذه المبادرة فرصة طيبة وميدان جديد لفرسان الاقتصاد الإسلامي لكي يمارسوا دورهم ، ويحققوا أرقاما قياسية جديدة في البناء والتقدم ودفع عجلة النمو الاقتصادي الإسلامي .
أوصى المشاركون بضرورة تعجيل تحويل المبادرة إلى حقيقة واقعية ، من خلال استكمال المؤسسات اللازمة .. صناديق وقفية ، أكاديمية للاقتصاد الإسلامي ، مراكز للقياس والتقويم والمعايير ، مراكز لتنسيق الجهود الفنية والشرعية .. إلخ ..
إن مثل هذه المبادرات تتطلب الإرادة والعزيمة والإخلاص والنوايا الصادقة من قبل جميع أطراف المبادرة مسؤولين وإداريين وباحثين وأصحاب رؤوس أموال من أجل تحويل الحلم إلى واقع ، والخيال إلى حقيقة ، ومن أجل إرساء دعائم الفضائل المالية ، واجتثاث الرذائل المالية ..
إن التسابق نحو التسامي والتطهر أمر جميل ينبغي أن يشجع وأن يدعم بكافة الوسائل الممكنة ، فإن لم يكن الدعم ممكنا ، فعلى الأقل لنتجنب الهدم والتشكيك في النوايا ، ولندع القافلة تسير على بركة الله ,

نحو بنوك إسلامية خضراء أ.د كمال توفيق حطاب

20 March 2015

نحو بنوك إسلامية خضراء
أ.د كمال توفيق حطاب
في شهر يناير 2015 شاركت في المؤتمر العالمي للعلوم الإنسانية والتربوية والذي انعقد في جامعة كورنيل فرع مانهاتن ، كانت نيويورك وكافة مدن الساحل الشرقي لأمريكا تكسوها الثلوج ، مما أضفى على النفس المزيد من الصفاء والنقاء .. ضم المؤتمر عشرات الباحثين من تخصصات مختلفة ، ولكنها بدت تخصصا واحدا عندما تناولت الجوانب الإنسانية لهذه التخصصات .. فاللغات والآداب والموسيقى والتربية والاقتصاد والاجتماع والصناعة والتكنولوجيا .. كلها لها جوانب إنسانية يتفق الجميع على أهميتها وضرورة مراعاتها ..
فالموسيقى وآثارها المهدئة للنفس الإنسانية ، كانت الباحثة تعرض لآثار غناء الأمهات لأطفالهن الرضع بلغات مختلفة من أجل يناموا ، وبالفعل كانت النتيجة فعالة ، عرض الباحثون بحوثا عن اللغات وأصولها الإنسانية المرتبطة بالبيئة وكذلك لآثار التكنولوجيا على البيئة .. وكان الباحث الذي قبلي يركز على ضرورة أن تكون صناعة السيارات في البرازيل صناعة خضراء ..
كان بحثي عن “الدور الإنساني للبنوك الإسلامية” ، ووجدتني أبدأ بالحديث عن البنوك الإسلامية الخضراء ، التي تحرص على الجوانب الإنسانية والبيئية والأخلاقية أكثر من حرصها على الربح .
بدأت حديثي باعتبار أن البنوك الإسلامية هي مؤسسات بشرية ليست كاملة وأنها معرضة للنقد والمراجعة والتطوير ولذلك جاء هذا البحث من أجل تفعيل الجوانب الإنسانية لهذه البنوك التي ترفع شعار الإسلام في أهدافها ومعاملاتها .. وبالتالي لا بد أن تكون على قدر هذا الشعار قولا وفعلا وتطبيقا ..
ويتفق الجميع على أن البنوك الإسلامية تلتزم في تمويل المشروعات الحلال .. الطيبة .. التي لا تلحق الضرر بالإنسان أو البيئة كما تلتزم باختيار المشروعات الأكثر أولوية ونفعا للمجتمع .. ولكن من جهة أخرى .. هل هي بعيدة عن الاستغلال والإذعان في عقودها ؟ هل تراعي حاجة المحتاجين أو العاجزين ؟ هل تلتزم بإنظار المعسرين أو معونة الغارمين ؟ هل تلتزم بإنشاء صناديق للقرض الحسن ؟ هل لديها صناديق وقفية مثلما لديها صناديق ادخار واستثمار ؟
هذه أسئلة كثيرة طرحت بعضها في المؤتمر .. ووجدت تفاعلا من الحضور الذين لا يجدون فرقا بين بنوك إسلامية أو غير إسلامية .. فجميعها في الوقت الحاضر تلتزم بمعايير المسؤولية الاجتماعية ، وربما تلتزم البنوك التقليدية بخدمة المجتمع والحرص على العاملين فيها ومراعاة البيئة وقضايا التلوث .. إلخ أكثر من البنوك الإسلامية ..
ومن هنا فإن الدور الإنساني المطلوب من البنوك الإسلامية المعاصرة هو أكبر بكثير مما تتطلبه معايير المسؤولية الاجتماعية .. فبالإضافة إلى ما سبق لا بد أن تلتزم البنوك الإسلامية بمراعاة العاجزين وغير القادرين على العمل ، ومراعاة الجوانب الصحية والتعليمية ، وقضايا المرأة وحرية التعبير وتكافؤ الفرص والرضا الوظيفي والشفافية والحوكمة والإدارة البيئية .. ومن أجل تكون بنوكا إسلامية خضراء .. لا بد أن تلتزم بمعايير التنمية المستدامة وحقوق الإنسان وتقليل استخدام الأوراق والقرطاسية التي تزيد في تدمير الغابات ..
في عام 2010 أطلق معيار الآيزو 26000 الخاص بالمسؤولية الاجتماعية ، وبعد هذا التاريخ وجدنا معظم البنوك والشركات والمؤسسات تسارع إلى ذكر دورها في الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية على مواقعها الإلكترونية .. ولا شك أن البنوك الإسلامية منذ انطلاقتها قبل أربعة عقود كانت تحرص على التنمية الاجتماعية .. ولكن المطلوب في الوقت الحاضر هو أكبر من الدور الاجتماعي أو المسؤولية الاجتماعية .. المطلوب أن تكون بنوكا إنسانية خضراء

بريتون وودز ومستقبل التمويل الإسلامي أ.د كمال توفيق حطاب

20 March 2015

بريتون وودز ومستقبل التمويل الإسلامي
أ.د كمال توفيق حطاب
حضرت في صيف العام الماضي مؤتمرا في قرية بريتون وودز بولاية نيوهامباشاير الأمريكية ، بمناسبة مرور ثمانين عاما على الاتفاقية الشهيرة التي وقعت في مؤتمر بريتون وودز عام 1944 ، وقد كان اسم هذه القرية والمؤتمر الذي عقد فيها محفورا في رأسي منذ أكثر من ثلاثين عاما حين كنا على مقاعد الدراسة ، وكان اسم هذا المؤتمر وما نجم عنه يتكرر في معظم المواد التي كنا ندرسها في الاقتصاد .. وبالتحديد في مادة العلاقات الاقتصادية الدولية .. فتتويج الدولار على عرش العملات العالمية تم في هذاالمؤتمر .. وتنحية الذهب عن أداء دوره النقدي الحقيقي تم كذلك في هذا المؤتمر .. ووضع المخططات الأولى لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، ورسم الخطوط والأطر المنظمة للعلاقات الاقتصادية والنقدية الدولية لعالم ما بعد الحرب .. كل ذلك وغيره تم في مؤتمر بريتون وودز عام 1944 .
حرص منظمو المؤتمر على استحضار روح بريتون وودز .. من حيث المكان وبعض الشخصيات التي حضرت ذلك المؤتمر الشهير .. فهذه الغرفة التي كتبت فيها الحروف الأولى للاتفاقية .. وهذا جون ماينارد كينز (شبيهه) يتنقل بين الحضور معرفا بنفسه ، ومبديا استغرابه من الكاميرات والأدوات العصرية التي لم تكن في عهده .
حرص المنظمون على طرح موضوعات في الاقتصاد والمالية والإدارة والسياسة الاقتصادية لا تبتعد كثيرا عن روح بريتون وودز ، وقد عرضت موضوعا عن التمويل الإسلامي شكل صدمة لكثير من الحاضرين الذين لم يسمعوا أو يعرفوا عن التمويل الإسلامي .. اعترض البعض على مسألة أن سعر الفائدة مخصص سيء للموارد كما أنه عديم الأثر على الاستثمار وفقا لإنزلر وميد وغيرهم من الاقتصاديين الأمريكيين الذين أوردت أسماءهم ..
كما أصر أحد الحاضرين على أن البنوك المركزية منذ بريتون وودز لا تستطيع الخروج عن اتفاقية بريتون وودز .. كما أن معايير بازل وغيرها من المعايير المهنية والفنية المطبقة حاليا لا يمكن أن تخرج عن ما تم الاتفاق عليه في بريتون وودز .. بل إن الأمر تعدى ذلك إلى القول بأن البنوك الإسلامية والتمويل الإسلامي لا يمكن أن يخرج عن هذه الروح وإن اختلفت المسميات والأشكال ..
وفي رأيي أن صاحبنا كان محقا .. ويبدو أن العالم منذ بريتون وودز حتى وقتنا الحاضر لم يتغير كثيرا .. فالذين خرجوا منتصرين في الحرب العالمية الثانية هم الذين فرضوا قواعد السلوك الاقتصادي والنقدي الدولي .. وهم الذين أوجدوا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير واتفاقية الجات الممهدة لوجود منظمة التجارة العالمية .. ولا يزال الدولار متوجا على عرش العملات العالمية ولا يزال الذهب فاقدا دوره في تحقيق الاستقرار النقدي العالمي .
غير أن صاحبنا لم يكن محقا في قناعته حول عدم إمكانية الخروج من نفق بريتون وودز ، فالتمويل الإسلامي في الوقت الحاضر أصبحت له أدبياته ومؤسساته ومراكزه على مستوى العالم ، كما أن الكثير من المراكز والمؤسسات المرموقة تشير إليه بإشارات الإعجاب والانبهار ..
صحيح أن البنوك الإسلامية لا تزال تراوح حول المسميات .. ولا تزال تأتمر بأمر البنوك المركزية حول العوائد والأرباح ومعدلات الليبور … وغيرها .. غير ان محافظي البنوك المركزية في معظم الدول الإسلامية أصبحوا أعضاء في مجلس الخدمات المالية الإسلامية وغيره من المؤسسات الداعمة والمساندة لمسيرة البنوك الإسلامية وبالتالي فقد عرفوا خصوصية البنوك الإسلامية .. واعترفوا بضرورة وجود معايير خاصة لها ، شرعية وأخلاقية وإنسانية .. تراعي الأبعاد الاجتماعية والإنسانية كما تراعي الأبعاد الفنية والمهنية .. وهذا يعني أن التمويل الإسلامي يمكن أن تكون له خصوصية عالمية ، كما يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار المالي العالمي ، وهذا ما أدركه كثير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب في أعقاب الأزمة المالية العالمية .

مشكلات اشتقاق المعايير الشرعية في العمل المصرفي الإسلامي أ.د كمال حطاب

04 February 2011

مشكلات اشتقاق المعايير الشرعية في العمل المصرفي الإسلامي

يبدو أن عملية اشتقاق المعايير أو المقاييس في الدراسات الإنسانية هي عملية مستمرة لا تتوقف ، ولا تزال الدراسات والبحوث تركز على مراجعة هذه المقاييس ، ومحاولة اكتشاف مقاييس حديثة أكثر دقة وعدالة .
وليست المعايير أو المقاييس الشرعية أقل أهمية من المقاييس التربوية أو النفسية أو الاجتماعية ، وبالتالي فهي تتطلب المزيد من الجهود من أجل زيادة الدقة والعدالة والكفاءة فيها، وهذا يستلزم وجود خبراء وأخصائيين في القياس والتقويم والرياضيات ضمن الهيئات الشرعية المكلفة بالتوصل إلى معايير أو مقاييس شرعية ، وهذا من شأنه أن يضبط المعايير ويجعلها أكثر دقة وإتقانا وعدالة .
وبما أن هذه المعايير ليست موضوعة للبنوك الإسلامية فقط ، وإنما يجري تطبيقها على كافة شرائح المجتمع ، فإنه ينبغي أن تراعى أحوال الناس ، وضروراتهم وحاجياتهم وتحسينياتهم ، من خلال هذه المعايير ، وهذا يعني ضرورة وجود من يمثل هذه الشرائح المجتمعية عند إعداد وصناعة المعايير ، كما يعني أن تكون المعايير ممثلة لكافة شرائح المجتمع .
إن وجود خبراء ومتخصصين من تخصصات أخرى إضافة إلى ممثلين قانونيين ونقابيين وممثلين عن البنوك المركزية ، من شأنه أن يجعل هذه المعايير أكثر دقة وعدالة ، وأكثر فاعلية وقبولا في التطبيق .
ومما يضعف أو يقلل من مصداقية المعايير الشرعية المطروحة حاليا . تعدد هذه المعايير بتعدد الجهات المصدرة لها ، فهناك المعايير الصادرة عن هيئة المراجعة والمحاسبة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين ، ومعايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا ، والهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة ، والوكالة الإسلامية للتصنيف ، إضافة إلى قرارات مجامع الفقه وقرارات هيئات كبار العلماء أو الهيئات الشرعية التابعة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والتي يمكن أن يشتق منها مئات المعايير .
إن تعدد المجامع والهيئات والمجالس الشرعية قد يكون أمرا محمودا ، إذا ما وجد تنسيق وتشاور واتصال دائم فيما بينها ، إما إذا كانت متفرقة لا صلة بينها ولا تشاور ، فهذا يعني وجود تضارب قد يؤدي إلى الفوضى التي تفقد الناس الثقة بهذه المجامع والهيئات .
إن المعايير الشرعية المطروحة حاليا ، هي ثمرة جهود ضخمة مشكورة من قبل علماء الشريعة ، غير أنها ليست كافية لتمثيل كافة شرائح المجتمع ، كما أنها موجهة في الغالب للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، ولذلك فإنها بحاجة إلى جهود أخرى من قبل ممثلين عن كافة شرائح المجتمع ، من أجل أن تكون صالحة لتمثيل كافة فئات المجتمع .
ومن أجل مزيد من التوضيح ، لا بد من دراسة أحوال الناس والمتعاملين مع البنوك الإسلامية من حيث مدى التزامهم بتعاليم الإسلام بشكل عام . ومدى خضوع ظروفهم المعيشية لأحكام الإسلام السمحة .
لا بد من دراسة أحوال المسلمين والمتعاملين مع البنوك الإسلامية من حيث مستوياتهم الاقتصادية وبيان حدود الضرورات والحاجيات والتحسينات ، وتصنيف المجتمع إلى فئات بما يتناسب مع هذه المستويات الاقتصادية . وبالتالي فإن ما يمكن أن يكون جائزا للبعض قد يكون محرما للبعض الآخر وفق ظروفه ومستواه المعيشي .
فلا يعقل أن تكون المعايير التي تجيز المرابحة للآمر بالشراء في معاملة تمويل مولدات ضخمة لمصنع يتكلف ملايين الدولارات ، هي نفس المعايير والضوابط المطلوبة عند تمويل شراء بقرة أو أغنام لفلاحين معدمين . ولا يعقل أن تكون المعايير الموضوعة لتنظيم تمويل تجار ومستثمرين في صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك هي نفس المعايير التي تنظم تأجير مساكن لمحدودي الدخل .
بل إن الأمر يمكن أن يكون أخطر من ذلك ، عندما يجد المستثمرون وأصحاب الشركات الكبرى من المحامين والقانونيين الذين يستأجرونهم من يستطيع أن يدافع عن حقوقهم ويحفظ مصالحهم في تعاملاتهم مع البنوك الإسلامية ، بينما لا يتأتي ذلك لمعظم فئات المجتمع الفقيرة والمتوسطة ، والتي تخضع في الغالب لعقود إذعان وظلم ، بمباركة ورعاية من قبل الهيئات الشرعية ، وبسكوت ولامبالاة من قبل واضعي ومنظمي المعايير الشرعية .
ويصبح الأمر في غاية الخطورة عندما يتم التسويق لهذه المعايير والمتاجرة بها من خلال شهادات تعطى لهذا المصرف أو ذاك مقابل رسوم أو مبالغ مالية .
ومما تقدم نجد أنه لا بد من وجود مؤسسة مدنية شعبية نقابية تمتلك الصلاحيات والأنظمة التي يمكن أن تصنف الناس وفق مستوياتهم المعيشية ، وتراعي هذه المستويات من خلال المعايير الشرعية ، قبل محاولة إخضاع البنوك الإسلامية للعمل بالمعايير الشرعية ، وقبل تصنيف المنتجات المالية الإسلامية من حيث الحل والحرمة .
كما أنه تقع على كاهل هذه المؤسسة مهمة كبيرة في إعادة تمحيص المعايير السابقة ، وتيسيرها للعمل والانتفاع بها ، كما أن عليها واجب وضع معايير عامة تصلح للاهتداء بها من قبل العملاء والأفراد غير المتخصصين .. وهذه مهام كبيرة ، سوف تشكل انجازا هاما في حقل الصيرفة الإسلامية ، إذا ما نجحت هذه المؤسسة في تحقيقها .
ومما يزيد من أهمية إيجاد هذه المؤسسة المدنية النقابية الشرعية أن معظم المعايير الشرعية لا تمتلك القوة الإلزامية القانونية ، بسبب عدم تبنيها من قبل البنوك المركزية في معظم الدول الإسلامية ، وعدم وجود مؤسسات حقوقية أو مدنية أو دينية تتبناها أو تدافع عنها .
وهذا يؤكد على ضرورة أن تقوم الجهات المعنية بالمعايير الشرعية ، بإعادة النظر في مسيرتها ، من أجل إشراك متخصصين من علوم أخرى ، وممثلين قانونيين ، وممثلين نقابيين ، وممثلين للبنوك المركزية ، وإيجاد مؤسسة مدنية نقابية شرعية ، تكون لها المرجعية المعيارية ، وتمتلك القوة الإلزامية القانونية للعمل بالمعايير الشرعية ، بما يحافظ على مصالح المالكين للمصارف الإسلامية ، وبما يحمي جمهور المتعاملين معها من الاستغلال والظلم الذي تنطوي عليه عقود الإذعان وغيرها من الصيغ التي لا تنسجم مع أصول الصيرفة الإسلامية ، وتتعارض مع أبسط القواعد والمقاصد الشرعية .

صحيفة الاقتصادية الإلكترونية السبت 25 صفر 1432 هـ. الموافق 29 يناير 2011 العدد 6319

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]