عودة إلى الصفحة الرئيسية

العولمة وأثرها على العمل المصرفي الإسلامي أ.د كمال حطاب

23 January 2011

العولمة وأثرها على العمل المصرفي الإسلامي
أ.د كمال حطاب
بدأ مصطلح العولمة في الظهور والانتشار عالميا في التسعينات من القرن الماضي، وقد استمر في تصدر الأدبيات الاقتصادية إلى أن ظهرت الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، حيث احتلت الأزمة المالية العالمية المكانة الأولى في الأخبار الاقتصادية على مستوى العالم ، وليس معنى ذلك أن مصطلح العولمة قد اختفى أو أنه آخذ بالانحسار ، ولكن ذلك يعني أن قوى العولمة قد أصابها ما أصاب العالم من تراجع وتباطؤ وركود وبالتالي خسائر وانهيارات وإفلاسات لحقت بكافة مرافق وقطاعات الاقتصادات المتقدمة والمتخلفة .
إن قوى العولمة المتمثلة في الشركات المتعددة الجنسية والمنظمات الاقتصادية والمالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة العالمية ، قد اصيبت بالشلل بفعل الأزمة المالية العالمية ، ولا تزال تتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس ، ولا يستطيع أحد أن يجزم حول النهايات الأكيدة لهذه الأزمة .. غير أن ما يمكن الجزم به هو أن العالم بكافة قطاعاته الاقتصادية والمالية بحاجة إلى سنوات طويلة لكي يتعافى من هذه الأزمة ، وهو لا شك بحاجة إلى فترة نقاهة طويلة يتخلص خلالها من إدمانه الربوي وأنشطته المالية العبثية العقيمة . كما أنه بحاجة ماسة إلى أن يتعاطى شيئا من القيم والمثل والفضيلة إضافة إلى أنشطة مالية أكثر عدالة وإنتاجية .
فمع ظهور الأزمة المالية العالمية والتي كانت نتيجة حتمية لتغول قوى العولمة وطغيانها .. أخذ العالم يعترف شيئا فشيئا بصوابية العمل المصرفي الإسلامي وبطلان العمل المصرفي الربوي الذي أوصل العالم إلى هذه النهاية المأساوية .
ويمكن القول بأن بعض الفضل في الانتشار السريع للعمل المصرفي الإسلامي يرجع إلى العولمة وسعيها الدؤوب لتحقيق الأرباح ، حيث تقاطع هذا السعي مع توافر رأس المال الإسلامي الذي يخوض العالم بحثا عن فرص الاستثمار الأكثر أمانا والأقل خطرا .
وقد احتضنت البنوك والمؤسسات المالية الدولية التقليدية رؤوس الأموال الإسلامية ووفرت لها نوافذ إسلامية وصناديق استثمار إسلامية وصناديق تحوط إسلامية ومؤشرات داو جونز إسلامية .. الخ ، بل تطور الأمر إلى أن طورت كثير من الدول الغربية من تشريعاتها لكي تشمل العمل المصرفي الإسلامي ، ولعل من أبرز هذه الدول بريطانيا والتي تعتبر أول بلد أوروبي يسن تشريعات قانونية للإشراف والمراقبة على المؤسسات المالية الإسلامية من قبل الجهات المعنية ، وقد منحت ترخيصا في عام 2004 ، للمصرف الإسلامي البريطاني لمزاولة نشاطه فيها .
كما وجدت في بريطانيا برامج دراسية متخصصة على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا في التمويل والمصارف الإسلامية من قبل بعض الأقسام أو المراكز العلمية التابعة لجامعات إما بمفردها أو بالتعاون مع مؤسسات إسلامية لاعتماد برامجها التعليمية ، ومنها :جامعة هريوت وات بأدنبرة في اسكتلندا ، وجامعة درم ، وجامعة لفبرة ، وجامعة بورتسثموث وجلوستر ، وليستر ن وداربي ، وبرادفورد … وكذلك مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية … الخ
وتسير كثير من الدول الأوروبية كفرنسا على نفس النمط البريطاني في التعامل مع التمويل الإسلامي ومؤسساته ، وهذا يؤكد حقيقة أن العولمة قد مهدت الطريق للتمويل الإسلامي ومؤسساته للانتشار في الغرب وفي سائر دول العالم .
لقد ساهمت العولمة ودون قصد منها بالارتقاء بالعمل المصرفي الإسلامي فنيا ومهنيا وذلك عن طريق العمل بمقررات بازل 1 وبازل2 ووكالات التصنيف الائتمانية العالمية ، وتطوير الصكوك الإسلامية عالميا ، وظهور ابتكارات ومنتجات مالية إسلامية عالمية من خلال الهندسة المالية الإسلامية .
إن الاتجاه نحو الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي أصبح حقيقة واضحة لا يستطيع أحد أنكارها ، وقد ساهمت العولمة دون قصد منها أو إعجاب بالنظام المصرفي الإسلامي ، ساهمت في تعزيز الاتجاه نحو الصيرفة الإسلامية سعيا وراء الأرباح والسيطرة على الأسواق وجذب أكبر كمية من المدخرات العالمية .
وسواء كان هذا الاتجاه بقصد التطهر والتسامي والاستفادة من بركات الصيرفة والتمويل الحلال وهو أمر مشكوك فيه . أم كان بقصد اغتنام الفرص وجذب أكبر عدد من العملاء الذين يحرصون على تطهير أنفسهم وأموالهم من مستنقع الربا والفوائد الربوية ، فإن الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي قد غدا حقيقة لا تقبل الشك ، يتطلع إليه المسلمون في العالم ، كما يتطلع إليه المنصفون والمؤيدون للأنشطة الطيبة النافعة والمقاطعون للأنشطة الخبيثة والضارة على مستوى كافة دول العالم .
إن هذه المكانة العالمية للعمل المصرفي الإسلامي تزيد في المسئولية الملقاة على كاهل الخبراء والباحثين والمتخصصين في هذا المجال من أجل استمراية المحافظة على سلامته الشرعية وكفاءته المالية والاقتصادية .

ماذا يمكن أن يفعل صندوق النقد الدولي تجاه التمويل الإسلامي أ.د كمال حطاب

23 January 2011

ماذا يمكن أن يفعل صندوق النقد الدولي تجاه التمويل الإسلامي
أ.د كمال حطاب
وجد صندوق النقد الدولي في أعقاب مؤتمر بريتون وودز عام 1944 ، ليمد يد العون لكافة الدول الأعضاء بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي العالمي .
ومنذ السبعينات من القرن الماضي تدخلت السعودية وبالتحديد عام 1979 لإنقاذ الصندوق الذي كان يوشك على الإفلاس ، وذلك بإقراضه عشرة مليارات دولار ..
ومع ازدهار البلدان الإسلامية والتمويل الإسلامي في الثمانينات ، فقد أعطى الصندوق اهتماما أكبر لرؤوس الأموال الإسلامية ، وللتمويل الإسلامي بشكل خاص .
وفي وقت متأخر من التسعينات أخذ الصندوق يشير في تقاريره إلى التمويل الإسلامي ، ويشيد بمؤشرات الأداء لمؤسسات التمويل الإسلامي .
وقد ركز الصندوق بشكل خاص على عمليات إصدار الصكوك الإسلامية بدلا من السندات من خلال تقديم الخبرات الفنية ودعم التصنيفات الائتمانية ، إضافة إلى مشاركته في إنشاء مجلس الخدمات المالية الإسلامية ، وعدد من المؤسسات الداعمة للصيرفة الإسلامية .
وقبل إن نتطلع إلى مستقبل علاقة الصندوق مع التمويل الإسلامي ، وهل سيتبنى التمويل الإسلامي أم سيعمل على عرقلة انتشاره ومحاربته ؟ لا بد من النظر في واقع الصندوق وحجمه في الوقت الحاضر ، خاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية .

فقد اعترف دومينيك ستراوس- كان ، المدير الحالي لصندوق النقد الدولي – وأثناء لقائه مجموعة من طلبة الشرق الأوسط – بأن الصندوق قد فشل في مواجهة الأزمة المالية العالمية المعاصرة ، وما ترتب عليها من فوضى اقتصادية على مستوى العالم .
وهذا يشير إلى أن الصندوق يجد نفسه حاليا في وضع حرج ، لا يكاد يجد طريقة للخروج منه . وبالتالي فإن الصندوق بحاجة إلى إعادة تسويق نفسه وتحسين صورته وتجميل أدائه على مستوى العالم ، ولعل هذا يفسر الجولة الأخيرة التي قام بها المدير الحالي للصندوق والتي يمكن أن تدخل تحت إطار جولات العلاقات العامة ، أو الدعاية السياسية ، حيث التقي مع طلاب من الشرق الأوسط ، وأعلن صراحة وقوفه إلى جانب الطلبة ومستقبلهم وتشغيلهم .
وبالرجوع إلى موضوع التمويل الإسلامي فإن الصندوق يعترف بصراحة ومن خلال مسئوليه بأن مهمته تنحصر في إطفاء الحرائق ، يعني معالجة الاختلالات الطارئة ، كما أنه يمكن أن يدعم كل ما من شأنه أن يحقق مصالحه ، ومصالح الدول التي تمتلك معظم الحصص ، فهذه الدول كما يرى ستراوس كان من حقها أن تحافظ على مصالحها ، وتحمي أموالها التي يديرها الصندوق .
ومعنى ذلك أن التمويل الإسلامي يخضع لمصالح هذه الدول الكبرى ، فإن كان في مصلحتها دعم التمويل الإسلامي والتعامل معه فإن الصندوق سوف يقوم بتبنيه ، وربما يدعو حكومات الدول الإسلامية إلى تبنيه، أما إذا كان التمويل الإسلامي ضد مصالح الدول المتقدمة ، فلا شك أن الصندوق سوف يحاربه ويقف ضده .
وبما أن التمويل الإسلامي لا يتعارض مع سعي المؤسسات والأفراد لتحقيق مصالحهم، بل هو يحث على القيام بكل ما من شأنه زيادة المصالح ودرء المفاسد ، فإنه لا يبدو أن هناك تعارضا ظاهرا بين أهداف الصندوق الظاهرة وأهداف التمويل الإسلامي ، وبالتالي فلا يوجد ما يمنع من إشادة الصندوق المتكررة بنظام التمويل الإسلامي ، وهذا ما حدث بالفعل في عدد من تقارير الصندوق .
غير أن الصندوق يسعى لتحقيق مصالحه بعيدا عن القيم الإنسانية والاجتماعية ، فمن المعروف أنه يدعم الحكومات المطيعة لبرامجه ، ولا يتدخل في التفاصيل ، وبالتالي فإنه ليس له علاقة بالديمقراطية أو حقوق الإنسان .
ومن جهة أخرى فإن أكثر من ستين عاما من التطبيق تثبت أن الصندوق فشل في القيام بمعظم أهدافه التي أعلنها في اتفاقية إنشائه . فقد غرق العالم في تقلبات عنيفة لأسعار صرف العملات ، وعجوزات هيكلية لموازين المدفوعات ، ومديونات هائلة . ونقد دولي غير مستقر ، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الدول الأعضاء في تسيير وتسوية مدفوعاتها .
إن صندوق النقد الدولي بحاجة إلى إصلاح في آلياته ووظائفه وحصصه وطريقة تصويته وبالتالي فهو بحاجة ماسة إلى الأخذ بآليات نظام التمويل الإسلامي ، وفيما لو حصل ذلك فسيكون في ذلك مصلحة لكافة دول العالم بكافة مؤسساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية . ولكن ذلك يقتضي أن يؤخذ بالتمويل الإسلامي دون تشويه أو تحريف أو تحايل ، كما يعني عدم تطعيم أدوات التمويل الإسلامي بالتمويل الربوي ، كما يعني المحافظة على القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية التي يقوم عليها نظام التمويل الإسلامي .

أدوات الاستثمار الإسلامية والنموذج النظري أ.د كمال حطاب

23 January 2011

أدوات الاستثمار الإسلامية
والنموذج النظري
أ.د كمال حطاب

ترافق ظهور معظم أدوات الاستثمار الإسلامية مع النهضة الفقهية المعاصرة في النصف الثاني من القرن العشرين ، وقد جاءت هذه الأدوات والصيغ حصيلة اجتهاد رصين محترم ، من قبل معظم العلماء المتخصصين في فقه المعاملات أو في الاقتصاد الإسلامي .
ونظرا لأن فقه المعاملات مبني على مراعاة العلل والمصالح ، فقد وجدت اختلافات عديدة حول هذه الأدوات ، ومع تراجع أدب الاختلاف في مجتمعات المسلمين في الوقت الحاضر ، فقد تعالت الصيحات والاتهامات ورأينا اختلافات لم يسبق لها مثيل في عهد الفقهاء السابقين من السلف الصالح .
وبالرغم من كثرة الخلافات المثارة حول هذه الصيغ والأدوات والتي ما تزال مستمرة حتى وقتنا الحاضر ، فإن هذه الصيغ ما تزال تعمل وتتطور وتنتشر في معظم دول العالم ، وذلك يشير بوضوح إلى مدى كفاءة هذه الصيغ ونجاحها وتفوقها على صيغ الاستثمار التقليدية .
وقد تبنى العديد من الباحثين ضرورة أن تتركز هذه الصيغ حول المضاربة أو النموذج النظري كما أسموه ، وذهب هؤلاء إلى أن الصيغ الحديثة وعلى رأسها المرابحة للآمر بالشراء هي تشويه أو انحراف للصيرفة الإسلامية عن النموذج النظري .. بينما ذهب آخرون إلى أن المضاربة من أكثر صيغ الاستثمار الإسلامي خطرا وأقلها عائدا ، والخلافات حول جزئياتها وفروعها لا تنتهي ، إضافة إلى أن هذه الصيغة ليس فيها نص من كتاب أو سنة ، فقد تعامل بها الناس منذ الجاهلية ، وحصل الإجماع على مشروعيتها بسبب انتشار التعامل بها من صدر الإسلام حتى وقتنا الحاضر .
وفي الحقيقة فإن جهود العلماء الأوائل في إيجاد نموذج نظري لأدوات الصيرفة الإسلامية لا شك أنها كانت مخلصة ، ولا يمكن التقليل منها أو الشك فيها . غير أن حصر الاجتهاد الفقهي في صيغة واحدة هي المضاربة ، يتعارض مع المرونة المعروفة في الفقه الإسلامي ، وبالتالي فإن أية صيغة يمكن أن تحقق المقاصد الشرعية وتلبي مصالح المسلمين بعيدا عن الشبهات أو المخالفات الشرعية هي صيغة مقبولة ويمكن أن تضاف إلى النموذج النظري المطلوب .
إن صيغة المرابحة للآمر بالشراء هي صيغة جائزة شرعا بقرار من مجمع الفقه الإسلامي شريطة دخول السلعة في ملك المصرف وتحمل المصرف خطر هلاك السلعة وتبعة الرد بالعيب الخفي .
وقد انتشر التعامل بهذه الصيغة في معظم المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على تفاوت بينها في مدى تطبيق ما ورد في قرار مجمع الفقه ، وبالتالي فإن العيب ليس في الصيغة نفسها ، وإنما في مدى سلامة تطبيقها .
وتوجه إلى هذه الصيغة انتقادات عنيفة تتركز حول كونها صيغة تمويل استهلاكي لا تسهم في التنمية ولا تضيف إلى الأصول الإنتاجية . مع أن الحقيقة أن هذه الصيغة تتبع واقع المسلمين ومدى تقدم مجتمعاتهم ، فإذا كانت مجتمعات المسلمين متقدمة صناعية ، فإن هذه الصيغة يمكن أن تكون صيغة إنتاجية تنموية تمول مشروعات استثمارية صناعية .
لست من مؤيدي المرابحة أو المدافعين عنها فإن فيها من المخالفات التطبيقية ما لا حصر له ، وكذلك لست من مؤيدي المضاربة – خاصة في هذا الزمان الذي فسدت فيه الذمم – فإن في تطبيقاتها من الثغرات والمشكلات ما لا حصر له ..
ولكنني من المؤيدين والمدافعين عن الصيغ الاستثمارية الإسلامية بنماذجها النظرية ، فلا يمكن أن توجد صيغة نظرية إسلامية يتم تطبيقها بشكل كامل بعيدا عن المخالفات أو الشبهات الشرعية .
إن المسلمين في تطبيقاتهم وأدائهم لفرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج يرتكبون مخالفات شرعية لا حصر لها ، وكذلك الحال في كل سلوك بشري ، لا بد أن يعتريه النقص والخلل والانحراف .
ولا يعني ذلك الموافقة أو الإقرار لصيغ وأدوات إستثمارية تسمى بالإسلامية وهي غير مقبولة من قبل جماهير علماء العصر، ولا تستند إلى نموذج نظري يعتد به ، فهذه الصيغ مرفوضة ويجب الاتفاق على عدم التعامل بها ، وتحذير الناس من الاقتراب منها .
إن المشكلة ليست في أدوات الاستثمار الإسلامية وإنما في تطبيق هذه الأدوات من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ، كما أن المشكلة ليست في الإسلام ونظمه الاقتصادية والمالية والاجتماعية ، وإنما المشكلة في المسلمين ومدى التزامهم بنظام ربهم .

المزايدة في الورع أو شيطنة المشايخ أ.د. كمال حطاب

23 January 2011

المزايدة في الورع أو شيطنة المشايخ
أ.د. كمال حطاب
على هامش مؤتمر “مستقبل التمويل الإسلامي استشراف الغد” فوجئت بحجم التعقيبات على المؤتمر الأخير لعلماء الشريعة، ولما كنت من المقيمين في ماليزيا حاليا، فقد تلقيت دعوة من المدير التنفيذي لأكاديمية “إسرا” لحضور المؤتمر، وقد لبيت الدعوة وحضرت جانبا من المؤتمر في يومين متتاليين، ففي البداية لفت انتباهي وجود عدد كبير من الإخوة الباحثين من الدول العربية، وأشفقت عليهم من مشقة السفر، فقد قطعوا آلاف الكيلومترات، وما يزيد على عشر ساعات بالطائرة، من أجل حضور مؤتمر، وهو أمر يدل على همة وعزيمة غير عادية .
وجهت انتقادات كبيرة للعلماء الحاضرين، ولكنني أرى الأمر من زاوية أخرى، فكم من الناس مستعد لتمضية عشرات الساعات في الطائرات. وكم من الناس مستعدون لمفارقة أهلهم وأولادهم وأوطانهم؟
وقد أثار انتباهي بشكل كبير كلمة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق التي ألقاها في بداية المؤتمر، وجدد فيها دعوته القديمة الجديدة إلى الدينار الإسلامي وإلى مقاطعة الدولار الأمريكي، وإلى ضرورة قيام التمويل الإسلامي على العدالة الاجتماعية قبل تحقيق الأرباح، وإلى محاولة تخليص التمويل الإسلامي من الشوائب الربوية. كما أثار انتباهي تركيز البنك المركزي الماليزي على العناية الفائقة بالكتاب والبحث العلمي، حيث كانت الهدايا التي تم تبادلها مع كبار الضيوف هي بعض الإصدارات العلمية الأخيرة لـ “إسرا” .
وقد لفت انتباه الجميع طريقة تقديم الكتب، التي كانت محفوظة في بيت زجاجي أو جليدي قام مهاتير محمد ذو الأربعة وثمانين عاما بتكسيره بالمطرقة من أجل إخراج الكتب وسط تصفيق الحضور .
كانت القضية الأبرز هي حوكمة الهيئات الشرعية، والحوكمة بمعنى تحديد العلاقات وتنظيمها وترشيدها وهو مطلب الجميع، ولكن البعض لدية حساسية كبيرة نحو هذا الموضوع .
مسألة إثراء الأدب النظري في موضوع الرقابة الشرعية أمر في غاية الأهمية، وبالتالي ينبغي أن يشجع من الجميع .
عملية المزايدة في الورع والتقوى أمر غير مقبول، واعتبار كل من في الهيئات الشرعية تجارا، فيه تجن كبير واتهام وقذف للناس وتشهير بهم، وكذلك إعطاء الحصانة الكاملة لهم أمر غير سليم .
فمن وضع نفسه في مكان المسؤول والمراقب عليه أن يتحمل مراقبة الآخرين ويتقبل نصائحهم، وما دامت الأمور في مجال التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن وجود النقد العلمي البعيد عن الاتهام والتشكيك في النيات، يؤدي إلى تقويم المسيرة وتصحيحها، كما يؤدي إلى الارتقاء بأداء هيئات الرقابة الشرعية وغيرها من الهيئات العاملة في مجال المصرفية الإسلامية .
إن المشكلات والسلبيات التي يعانيها التمويل الإسلامي بشكل عام والهيئات الشرعية بشكل خاص هي جزء من المشكلات التي تعانيها الأمة الإسلامية بشكل عام، فمما لا شك فيه أن خصائص التخلف أو خصائص البيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية في الدول المتخلفة من تسيب ومحسوبية ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وتحديد المركز الاجتماعي للفرد مسبقا، وغياب الشفافية، وعدم تكافؤ الفرص، وانخفاض مستوى الحرية والتعليم والصحة والرفاهية .. إلخ كل ذلك ينعكس على المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي، كما ينعكس على المؤسسات والدوائر كافة في دول العالم الثالث .
ومن هنا فإن انتشار التمويل الإسلامي في بعض الدول الإسلامية المتقدمة مثل ماليزيا، وبعض الدول الغربية المتقدمة مثل بريطانيا قد يكون طوق نجاة له، لتخليصه من خصائص التخلف المحيطة به في دول العالم الثالث. وقد يكون في الأخذ بما وصلت إليه التشريعات البريطانية في مجال التمويل الإسلامي مصلحة كبيرة لمؤسسات التمويل الإسلامي لكيلا تظل حبيسة البيئات المتخلفة، كي ترتقي بخدماتها وكوادرها ومراقبيها وطرق الرقابة التي تتبعها .
إن التمويل الإسلامي في الوقت الحاضر يتطلب من المنتمين إليه كل جهد مخلص، من أجل تنقيته من الشوائب الربوية، وتمكينه من أداء أدواره: المحلي والإقليمي والعالمي .
إن من كمال عقيدتنا أن نعتقد أن المستقبل للإسلام بكافة أنظمته، ومنها الاقتصاد الإسلامي، والتمويل الإسلامي، شاء من شاء وأبى من أبى. ولكن هذا الاعتقاد لا يعني أن نجلس في انتظار هذا المستقبل، وإنما يعني أن نعمل بأقصى طاقاتنا من أجل تحقيق هذا المستقبل الموعود. “ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” (التوبة ـــ 32).
عدد القراءات: 456
مجلة المصرفية الإسلامية الأربعاء 25-12-31 هـ. الموافق 01 ديسمبر 2010 العدد

الصيرفة الإسلامية بين المنتمين لها والمنتفعين منها أ.د كمال حطاب

23 January 2011

الصيرفة الإسلامية بين المنتمين لها والمنتفعين منها
أ.د كمال حطاب
تمتاز المصرفية الإسلامية بكثرة المهتمين بها والمنتمين إليها، كما تمتاز بتعدد فئات هؤلاء المنتمين باعتبارات متعددة. وليس بالضرورة أن تكون الكثرة إيجابية دائما، فقد تكون سلبية أحيانا، وهذا ما يحدث في حالة المصرفية الإسلامية، فقد أمست الصيرفة الإسلامية مطية لكل هاو ومغامر.
ولم يعد الأمر مقتصرا على الباحثين الأكاديميين، فهناك رجال الأعمال الذين يقلقون على ثرواتهم وأرباحهم. كما أن هناك المصرفيين والعاملين في المصارف على اختلاف مناصبهم وأدوارهم الفنية والإدارية، كما أن هناك المراقبين والمدققين المحاسبين والشرعيين، إضافة إلى الدارسين والباحثين والأكاديميين المتخصصين في هذا العلم.
ومن جهة أخرى، هناك المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى ما أطلق عليه بالمؤسسات المساندة للصيرفة الإسلامية، مثل المجلس العام للبنوك الإسلامية وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات الإسلامية، وغيرها من المؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي.
ويبدو أن هذه المؤسسات تتنازعها العديد من الخلافات وبالتالي فإن التنسيق بينها ضعيف جدا. ومما يزيد من معاناة البحث العلمي في الصيرفة الإسلامية وجود مؤسسات بحثية بمسميات مختلفة تحكمها لوائح وقرارات إدارية خاضعة لضغوط أصحاب رؤوس الأموال الممولين لهذه المؤسسات وهكذا تبدو الصورة قاتمة جدا.
ومع ذلك فإن علم الصيرفة الإسلامية كسائر العلوم الإنسانية، ليس حكرا على فئة أو أمة من الأمم، وإنما هو هبة الله للمجتهدين في كل أمة. وهذه العلوم تنمو وتتوالد رغما عن رؤوس الأموال وأصحابها، وغالبا ما تنمو العلوم في الاتجاه الصحيح، إذا توافرت البيئات الصحية والنوايا الصادقة والعقول السليمة. ومن هنا فإنه لا توجد خشية على علم الصيرفة الإسلامية، خاصة في هذا الزمان الذي افتضحت فيه المبادئ الرأسمالية، وتهاوت فيه مؤسسات التمويل الربوي العالمية.
وإنما الخشية على من ليس لهم هوية ولا دين فهم رأسماليون ربويون عندما تنتصر الرأسمالية ويعلو شأن الربا والمرابين، وهم إسلاميون لا ربويون عندما يعلو شأن التمويل الإسلامي والصيرفة الإسلامية.
ومن أجل تمحيص الصفوف وتنسيق الجهود وتضافر الهمم لا بد أن يتداعى الأكاديميون إلى جمعيات أو منتديات تعمل على إيجاد معايير رصينة وميثاق شرف يمثل حصانة وحماية للصيرفة الإسلامية من الدخلاء والمتسلقين والنفعيين الذين لا هم لهم سوى أنفسهم ونزواتهم.
إنه من الممكن إيجاد مواثيق دولية من خلال مؤسسات تصنيف إسلامية دولية أو مؤسسات مالية أكاديمية دولية تعمل على دعم ومساندة العمل المصرفي الإسلامي بعيدا عن الخلافات والتدخلات السياسية. لا سيما أن المؤسسات الأكاديمية التي تتبنى الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي آخذة في الانتشار في العالم الغربي أكثر من انتشارها في العالم العربي. وهذا يعني أنه لا بد من التنسيق مع هذه المؤسسات الأكاديمية الدولية من أجل الدعم والمساندة والمحافظة على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
صحيفة الاقتصادية الالكترونية السبت 28 ذو الحجة 1431 هـ. الموافق 04 ديسمبر 2010 العدد 6263
عدد القراءات: 592

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]