نحو بنوك إسلامية خضراء أ.د كمال توفيق حطاب
20 March 2015نحو بنوك إسلامية خضراء
أ.د كمال توفيق حطاب
في شهر يناير 2015 شاركت في المؤتمر العالمي للعلوم الإنسانية والتربوية والذي انعقد في جامعة كورنيل فرع مانهاتن ، كانت نيويورك وكافة مدن الساحل الشرقي لأمريكا تكسوها الثلوج ، مما أضفى على النفس المزيد من الصفاء والنقاء .. ضم المؤتمر عشرات الباحثين من تخصصات مختلفة ، ولكنها بدت تخصصا واحدا عندما تناولت الجوانب الإنسانية لهذه التخصصات .. فاللغات والآداب والموسيقى والتربية والاقتصاد والاجتماع والصناعة والتكنولوجيا .. كلها لها جوانب إنسانية يتفق الجميع على أهميتها وضرورة مراعاتها ..
فالموسيقى وآثارها المهدئة للنفس الإنسانية ، كانت الباحثة تعرض لآثار غناء الأمهات لأطفالهن الرضع بلغات مختلفة من أجل يناموا ، وبالفعل كانت النتيجة فعالة ، عرض الباحثون بحوثا عن اللغات وأصولها الإنسانية المرتبطة بالبيئة وكذلك لآثار التكنولوجيا على البيئة .. وكان الباحث الذي قبلي يركز على ضرورة أن تكون صناعة السيارات في البرازيل صناعة خضراء ..
كان بحثي عن “الدور الإنساني للبنوك الإسلامية” ، ووجدتني أبدأ بالحديث عن البنوك الإسلامية الخضراء ، التي تحرص على الجوانب الإنسانية والبيئية والأخلاقية أكثر من حرصها على الربح .
بدأت حديثي باعتبار أن البنوك الإسلامية هي مؤسسات بشرية ليست كاملة وأنها معرضة للنقد والمراجعة والتطوير ولذلك جاء هذا البحث من أجل تفعيل الجوانب الإنسانية لهذه البنوك التي ترفع شعار الإسلام في أهدافها ومعاملاتها .. وبالتالي لا بد أن تكون على قدر هذا الشعار قولا وفعلا وتطبيقا ..
ويتفق الجميع على أن البنوك الإسلامية تلتزم في تمويل المشروعات الحلال .. الطيبة .. التي لا تلحق الضرر بالإنسان أو البيئة كما تلتزم باختيار المشروعات الأكثر أولوية ونفعا للمجتمع .. ولكن من جهة أخرى .. هل هي بعيدة عن الاستغلال والإذعان في عقودها ؟ هل تراعي حاجة المحتاجين أو العاجزين ؟ هل تلتزم بإنظار المعسرين أو معونة الغارمين ؟ هل تلتزم بإنشاء صناديق للقرض الحسن ؟ هل لديها صناديق وقفية مثلما لديها صناديق ادخار واستثمار ؟
هذه أسئلة كثيرة طرحت بعضها في المؤتمر .. ووجدت تفاعلا من الحضور الذين لا يجدون فرقا بين بنوك إسلامية أو غير إسلامية .. فجميعها في الوقت الحاضر تلتزم بمعايير المسؤولية الاجتماعية ، وربما تلتزم البنوك التقليدية بخدمة المجتمع والحرص على العاملين فيها ومراعاة البيئة وقضايا التلوث .. إلخ أكثر من البنوك الإسلامية ..
ومن هنا فإن الدور الإنساني المطلوب من البنوك الإسلامية المعاصرة هو أكبر بكثير مما تتطلبه معايير المسؤولية الاجتماعية .. فبالإضافة إلى ما سبق لا بد أن تلتزم البنوك الإسلامية بمراعاة العاجزين وغير القادرين على العمل ، ومراعاة الجوانب الصحية والتعليمية ، وقضايا المرأة وحرية التعبير وتكافؤ الفرص والرضا الوظيفي والشفافية والحوكمة والإدارة البيئية .. ومن أجل تكون بنوكا إسلامية خضراء .. لا بد أن تلتزم بمعايير التنمية المستدامة وحقوق الإنسان وتقليل استخدام الأوراق والقرطاسية التي تزيد في تدمير الغابات ..
في عام 2010 أطلق معيار الآيزو 26000 الخاص بالمسؤولية الاجتماعية ، وبعد هذا التاريخ وجدنا معظم البنوك والشركات والمؤسسات تسارع إلى ذكر دورها في الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية على مواقعها الإلكترونية .. ولا شك أن البنوك الإسلامية منذ انطلاقتها قبل أربعة عقود كانت تحرص على التنمية الاجتماعية .. ولكن المطلوب في الوقت الحاضر هو أكبر من الدور الاجتماعي أو المسؤولية الاجتماعية .. المطلوب أن تكون بنوكا إنسانية خضراء