عودة إلى الصفحة الرئيسية

عندما ينطق الحجر والشجر أ.د كمال حطاب

02 April 2024

عندما نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة الثلاثة الذين آووا إلى مغارة في جبل ، فهبت عاصفة ، فأغلق باب الكهف بصخرة كبيرة ، فقالوا لن يخرجنا اليوم مما نحن فيه إلا أن يدعو كل منا بصالح عمله ، فأخذ كل منهم يتذكر عملا ، قام به خالصا لله تعالى ، والحديث طويل ومعروف .. وبعد أن انتهى كل منهم من ذكر قصته دعا بصالح عمله ، وقال اللهم إن كان هذا العمل قد قمت به لأجلك ففرج عنا ما نحن فيه … فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون …
عندما نتذكر هذا الحديث ، نعلم أنه من أجل حدوث المعجزات والخوارق لا بد أن تكون أعمال البشر في طاعة الله ، هي أقرب إلى المعجزات والخوارق ، وهذا ما قام به الأشخاص الثلاثة الذين ذكرهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك تحركت الصخرة عن باب المغارة ..
وفي المقابل نجد أن بعض البشر يمكن أن يصلوا بأعمالهم إلى قمة الخسة والنذالة والغدر والكذب والخيانة والحقد ، وبالتالي سوف تحدث معهم الخوارق ، ولكن بطريقة عكسية ، وسوف تكون النتيجة الحتمية أن يقاتلهم الحجر والشجر .. وأن يواجهوا الخسف والمسخ والهلاك نتيجة سوء صفاتهم وأفعالهم ..
وإذا نظرنا في واقع البشر في الماضي والحاضر ، فسوف نجد أن ما وصل إليه الصهاينة من صفات خسيسة ودنيئة في الوقت الحاضر يعد شيئا فوق العادة في عرف البشر ، فإذا كان للكذب درجات فسوف نجد هؤلاء قد وصلوا إلى أعلى مراتب الكذب عبر التاريخ ، فهم يكذبون ويكذبون ويكذبون ، ويصدقون أكاذيبهم ، ويقدمون الحجج الواهية للتدليل على صدق أكاذيبهم المفضوحة ، ونظرا لامتلاكهم معظم وسائل الإعلام في العالم ، فنجد لأكاذيبهم رواجا ، ونجد لها أبواقا مأجورة في كل مجتمع ..
وإذا كان للنذالة والخسة وانعدام الشرف والمروءة من مراتب ودرجات فسوف نجد أن هؤلاء الصهاينة قد وصلوا قمة النذالة والخسة وانعدام الشرف والمروءة والإجرام ، فلم يمر في التاريخ البشري أن يُحكم الناس بالسجن أحكاما مؤبدة بالعشرات بل بالمئات ، ولم يعرف التاريخ البشري حبسا للجثث أو مقابر للأرقام أو سرقة لأعضاء الموتى أو قصفا وتدميرا للمستشفيات وما فيها من مرضى وطواقم طبية ، أو تدميرا للمدارس والمساجد والكنائس وسيارات الإسعاف ومخيمات النازحين ..وحتى المقابر لم تسلم من إجرامهم .
إن ما يقوم به الصهاينة من إجرام ونذالة وخسة وانعدام شرف يمكن أن يسجل في كتب الأرقام القياسية إذا وجد من يضع للنذالة والخسة والإجرام أرقاما قياسية .
وإذا كان للغدر ونقض العهود من حدود ودرجات فإن ما وصل إليه هؤلاء في الوقت الحاضر يعد في أعلى درجات الغدر ، فلم يحترموا عهدا ولا ميثاقا ، ولم يلتزموا بأي اتفاق ، ولم يحترموا حتى من طبع معهم أو عقد معهم اتفاقيات للسلام أو الأمن ..
وكما أن من يتصف بأعلى درجات الأمانة والعفاف وبر الوالدين يمكن أن تحدث له المعجزات والخوارق والكرامات ، ويمكن أن تتحرك الصخور والجبال عند دعائه ، فإن من يتصف بأعلى درجات الكذب والغدر والإجرام والخسة والنذالة وانعدام الشرف لا بد أن تتحرك الصخور ضده وأن تزلزل الأرض تحت أقدامه .. ولا بد أن ينطق الحجر والشجر ويقول : يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .. في الحديث الصحيح .

الصوم السياسي أ.د كمال حطاب

22 March 2024

يطلق الصوم السياسي عند استخدام الصوم كسلاح ضد الظالمين أو الطغاة أو المحتلين ، وقد يأخذ شكل الإضراب عن الطعام ، كما يفعل الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني ، وقد يكون من خلال الامتناع عن استهلاك أو استيراد سلع المحتلين ، كما فعل غاندي في الهند ، فقد أعلن الصوم والمقاطعة لكل منتجات بريطانيا المحتلة للهند في ذلك الوقت .. واستمر هو وأتباعه في صومهم حتى تمكنوا من إخضاع المحتل لشروطهم وأجبروه على الرحيل .. وقد صام معه كافة فئات الشعب الهندي من هندوس ومسلمين وغيرهم .
ويستطيع المسلمون اليوم أن يوجهوا صومهم لطرد الصهاينة المحتلين ، ولوقف جريمة الإبادة الجارية في غزة ، ولكنهم بحاجة إلى تجميع كلمتهم في هذا الاتجاه ، من خلال المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرهم .. فليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يفطروا على منتجات شركات ودول تدعم المحتلين الصهاينة وتسهم في الإبادة الجماعية التي تجري في غزة وفلسطين ، وهذه تتطلب مؤسسات مقاطعة أشبه بحركة مقاطعة إسرائيل ((BDS أو حركة مقاطعة منتجات مستوطنات الاحتلال…
ليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يتسلوا في رمضان على مسلسات وأفلام يدعم منتجوها الصهاينة المعتدين المجرمين .. ليس من المعقول أن يصوم المسلمون لكي يفطروا على موائد يدعم أصحابها الصهاينة والاحتلال من خلال تصدير المنتجات الغذائية وغيرها ..
إن المسلمين اليوم يشكلون قريبا من ربع سكان العالم ، وهذا يعني ربع مستوردات العالم من المواد الأساسية وغير الأساسية .. فهم يستوردون ما يقارب ربع انتاج العالم من الغذاء .. من القمح والأرز والشعير والذرة والسكر وكافة أنواع الطعام والشراب .. عدا عن الإنتاج الصناعي والزراعي ..وغيرها من المنتجات الترفية والكمالية ..
فإذا افترضنا أن المسلمين ملتزمون بشروط وأركان ومتطلبات الصيام الذي فرضه الله عز وجل في رمضان ، فمعنى ذلك أن ينخفض الاستهلاك ، وينخفض الاستيراد لكافة السلع الغذائية ، وحتى السلع الترويحية التي تحيط بها شبهات الحرمة كالأفلام والألعاب العقيمة وغيرها من أدوات المقامرة والعبث ..
إن خفض استهلاك ملياري مسلم تقريبا على مستوى العالم بمقدار الربع أو النصف سوف يؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير ، فماذا لو وجدت إرادة لدى المسلمين لوقف مستوردات أي دولة تعادي المسلمين أو تسهم في الاعتداء على المسلمين أو تدعم الصهاينة الذين يقومون بحرب إبادة ضد المسلمين ..لا شك أن ذلك سوف يكون له أثره القوي في التأثير على مواقف هذه الدول ، بحيث تعود عن غيها ودعمها للمعتدين ..
إن صيام رمضان مدرسة يتخرج منها المسلم وقد صقل إرادته وشحن عزيمته بالوقوف مع أمته ونصرة قضاياها ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .. إن صيام المسلمين هو إعادة ترتيب لأولوياتهم وقضاياهم وإعادة توجيه وبناء لعلاقاتهم مع الدول الأخرى التي تناصر المسلمين أو تعاديهم أو تناصر أعداءهم .
إن ما يجري في غزة من إجرام غير مسبوق في تاريخ البشر ، يتطلب من المسلمين ومن كافة أحرار العالم أن يبذلوا كل ما يستطيعونه من فعل أو ترك فعل ، وذلك من خلال الصوم أو المقاطعة لمنتجات كل من يدعم الصهاينة ، وهو مصرٌ على هذا الدعم رغم الجرائم الوحشية التي يرتكبونها يوميا .
إن كل قرش يدفع لشراء منتجات يدعم أصحابها الصهاينة يسهم في قتل الفلسطينيين ، لأن هذه القروش سوف تدفع ثمنا لأسلحة الجريمة والدمار ، فكم قتل المسلمون من الفلسطينيين ؟ وكم أسالوا من دمائهم ؟؟

الخذلان الكبير والمقاطعة الاقتصادية أ.د كمال حطاب

20 January 2024

ما لا شك فيه أن شعب غزة قد خُذلوا من معظم شعوب وحكام العالم .. غير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أربعة عشر قرنا في وصفه أهل الرباط في بيت المقدس .. بأنهم لا يضرهم من خذلهم .. وبأنهم في خير رباط ، وذلك في الحديث الصحيح ” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك” قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وفي رواية أخرى ” لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ ” .
وبالرغم من أن الخذلان لا يضر الفئة المنصورة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .. فإنه مع ذلك يضر المتخاذلين ويلحق بهم العار أبد الدهر .. وهو خذلان مؤلم ومذموم ، خاصة عندما يكون من ذوي القربى وممن يعدون أهلا وسندا ..
الخذلان متحقق على كافة المستويات ، حكاما وشعوبا ، مؤسسات ومنظمات دولية وإنسانية ، فما دامت المجازر مستمرة وشلال الدم متدفق في غزة ، ومادام الأقوياء في العالم لا يستطيعون أو لا يريدون إيقاف مسلسل القتل للمدنيين والنساء والأطفال ، فإن الخذلان قائم بل يمكن القول بأن المؤامرة مستمرة ..
وبالرغم من المظاهرات المليونية في عواصم العالم ، والأنشطة المنددة بالاحتلال والجرائم الصهيونية ، فإن مسلسل التخاذل والتآمر مستمر وإن كان متفاوتا بين شعب وآخر ودولة وأخرى ..
إن الحميّة القوية التي دفعت الشعوب إلى الخروج في المظاهرات .. تتطلب وجود حميّة داخلية للمقاطعة الحقيقية للسلع والبضائع والخدمات التي تقدمها الشركات التي تدعم العدو الصهيوني .. كما تتطلب وجود مؤسسات متابعة لهذه المقاطعة ، بحيث تكون مقاطعة مؤثرة ، يمكنها أن تحدث تغييرا أو تسهم في تخفيف الظلم الذي يتعرض له أهل غزة ..
أبدعت ماليزيا في مسألة المقاطعة حكومة وشعبا .. عندما قاطع الجميع كافة السلع الأمريكية والأوروبية التي تدعم الاحتلال .. ووضعت “ستكرات” أو طوابع في كافة أماكن البيع على كل سلعة مقاطعة .. وكتب عليها بأن جزءا من ثمن هذه السلعة سوف يذهب لقتل الأطفال في غزة ..كما أبدعت الحكومة بمنع السفن التي ترفع راية دولة الاحتلال من الرسو في موانئها .
إن من مصلحة الدول والحكومات العربية والإسلامية ، مقاطعة السلع التي تنتجها الشركات التي تدعم الصهاينة .. فمن أبرز فوائد مقاطعة السلع الأجنبية ، تخفيض المستوردات وبالتالي تخفيض الحاجة إلى العملات الصعبة ، وكذلك زيادة الاعتماد على الإنتاج الوطني بما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على النفس بما يزيد من تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي ..
إن الأرباح التي تجنيها الشركات الأجنبية تمثل نزيفا للعملات الصعبة الشحيحة غالبا في بلاد المسلمين ، ولذلك كانت المقاطعة إيقافا لهذا النزيف ، وزيادة للانتاج الوطني بما يؤدي في النهاية إلى زيادة التصدير وزيادة الوفورات في العملات الأجنبية ..
إن معظم دول العالم تمارس سياسات حمائية لإنتاجها الوطني ، وذلك من خلال فرض الرسوم الجمركية ..وبالرغم من وجود منظمة التجارة العالمية وانضمام معظم دول العالم إليها إلا أن السياسات الحمائية لا تزال مستمرة ، ولا تزال الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف تعمل بين كثير من الدول ..
إن من مصلحة شعوب وحكومات الدول العربية والإسلامية مقاطعة الدول التي تدعم الصهاينة مشاركة منها في دعم المظلومين في غزة ومحاولة لتخفيف الظلم والإجرام الذي يتعرضون له من جهة ، ومن جهة أخرى فإن في المقاطعة تقوية للاقتصاد المحلي وزيادة للانتاج الوطني والاكتفاء الذاتي وتعزيز للأمن الاقتصادي بكافة جوانبه ومن أبرزها الأمن الغذائي والصحي ..إضافة إلى زيادة التجارة البينية بين الدول العربية والإسلامية بما يؤدي إلى إعادة إحياء الأحلام العربية والإسلامية بوجود سوق عربية أو إسلامية مشتركة .

هل لك سر عند الله ؟ أ.د كمال حطاب

11 January 2024

هذا العنوان مستوحى من قصيدة لشاعر يمني اشتهرت على ألسنة الناس ، خاصة بعد أنشدها بعض المنشدين ، فكانت أنشودة رائعة ولحنا جميلا تطرب له النفس الطيبة .. هل لك سر عند الله .. بينك أنت وبين الله ، هل لك أعمال تخفى .. لا يعلمها إلا الله ..
ومضمون هذه القصيدة منبثق من فكرة ” ادعوا الله بصالح أعمالكم ” التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم عند حديثه عن الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار بصخرة كبيرة ، فلم يخرجوا إلا بعد أن استحضر كل منهم عملا قام به خالصا لوجه الله ، ثم دعا الله بأن يفرج عنهم ما هم فيه ، فتحركت الصخرة ، وخرجوا يمشون .
لا شك أن فكرة أن يدعو كلٌ بصالح عمله ، والتي وردت في هذا الحديث الصحيح هي فكرة متقدمة تؤتي أكلها عندما يوجد في الأمة من أمثال هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم والذين آووا إلى مغارة في جبل فسقطت صخرة فأغلقت باب المغارة .. ، ولا شك أنه يوجد في هذه الأمة من لديه خبيئة أو سر عند الله ، كما أنه يوجد في هذه الأمة الأشعث والأغبر الذي لو أقسم على الله لأبره .، ولا شك أن وضع فلسطين وغزة في الوقت الحاضر هو الأكثر أولوية والأشد حاجة إلى كل دعاء صادق ، من القوي والضعيف، من الغني والفقير ، وبشكل خاص من كل أشعث أغبر ، ومن كلٍ بصالح عمله ، وبالتالي آن الأوان أن يدعو كلٌ بصالح عمله على الصهاينة المعتدين المجرمين .
إن المسلمين اليوم ، وعددهم يقارب المليارين ، مطالبون بأن يدعو كلٌ منهم بصالح عمله من أجل أن ينصر الله أهل غزة ، ويفرج عنهم ، ويجبر خواطرهم ، وأن يهزم الصهاينة المعتدين ويزلزل الأرض تحت أقدامهم ، ويرينا فيهم أياما حسوما ، كأيام عاد وثمود ..
ولا شك أن الدعاء الخالص لله ، لا بد أن يكون مسبوقا أو يترافق مع العمل الجاد والإعداد وبذل كل ما يمكن تقديمه من جهد مادي ومعنوي ..
إن الله عز وجل قادر بكلمة ” كن ” أن يهزم الصهاينة المعتدين ويشتت شملهم ويزلزل الأرض تحت أقدامهم ، قادر على أن يبعث عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات ، وأن يذيقهم سوء العذاب .. ولكنه تعالى يحب أن يلجأ إليه عباده ، وأن يخلصوا في دعائهم ويلحوا في الدعاء بعد أن يبذلوا أقصى جهدهم ويعدوا أقصى إعداد ممكن ..
إن الأعمال الصالحة التي قام بها أولئك النفر الثلاثة هي أعمال عادية يمكن أن يقوم بها أي إنسان في أي مجتمع وفي أي زمان ، وهي لا تتطلب جهدا خارقا أو استثنائيا ، ولكنها تتطلب نية خالصة لله وعزيمة أكيدة على الإخلاص لله ، وبالتالي تحركت لدعائهم الصخرة التي أغلقت باب المغارة ..
إن صخور الصهاينة ودباباتهم التي تحيط بغزة اليوم تتطلب دعوات مخلصة من جنس تلك الدعوات التي قام بها أولئك النفر الثلاثة ، وتتطلب أعمالا خالصة لله ، وأسرارا وخبايا بين العباد وخالقهم ، تؤهلهم لسؤال الله عز وجل ، وتؤهلهم لاستجابة الله عز وجل لطلباتهم ..
وبالإضافة إلى كل ما تقدم يبقى النصر صبر ساعة ، وتبقى حكمة الله عز وجل واضحة في اختبار المؤمنين وتمحيصهم وفي اصطفاء الشهداء ، وهي مكانة عظيمة لا يصل إليها إلا من اصطفاه الله ، من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .

مصير اليهود بعد غزة … أ.د كمال حطاب

31 December 2023

مما لا شك فيه أن ما أطلق عليه دولة إسرائيل كيان محتل ، ولا بد للاحتلال من الرحيل عاجلا أم آجلا ، هذا ما تقول به السنن التاريخية والتجارب البشرية .. غير أن هذا الكيان يبدو أن له عمرا محدودا ، هذا ما أشار إليه الناطق الرسمي باسم كتاب القسام عندما ذكّر هذا الكيان بلعنة العقد الثامن .. وكان رئيس الوزراء الأسبق إيهود بارك قد أبدى مخاوفه حول هذه اللعنة بقوله بأنه على مر التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة ، وكذلك صرح النتن ياهو رئيس وزراء الحالي للكيان بأنه متخوف من نفس اللعنة ، بقوله أنه حريص على أن تصل إسرائيل إلى المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة ..
إن هذه التصريحات ومن قبلها تصريحات لعدد من العلماء والقادة المسلمين .. سواء أصابت أم أخطأت التقدير ، فإنه مما لا يمكن التشكيك به ، وهو جزء من عقيدة كل مسلم ، ما ورد في الأحاديث الكثيرة من أحداث آخر الزمان حول هزيمة اليهود .. ويبدو أن هذا الحدث ليس ببعيد مما يحدث الآن ..
والأمر لا يعد غريبا أو خارقا ، فالدول كالأفراد تشب وتشيب وتموت كما ذكر ابن خلدون في مقدمته ، وكم من دول وحضارات ، عاشت وتمكنت وسيطرت واستمرت قرونا.. غير أنها تلاشت في النهاية وكأنها لم تكن.. هذا في الأحوال الطبيعية فما بالكم بدولة نشاز مصطنعة قامت على الاحتلال والقتل والمستوطنات وتهجير الناس من بلادهم ..
عندما فتح عمر رضي الله عنه القدس أمّن أهلها في بيوتهم وكنائسهم وحفظ حقوقهم وخصوصياتهم وكتب لهم العهدة العمرية الشهيرة التي تنص على أنه لا تهدم كنائسهم ولا تكسر صلبانهم … ولا يسكن معهم يهود .. وبقيت فلسطين وبيت المقدس تحت حكم المسلمين إلى أن احتلها الصليبيون وأقاموا لهم مملكة في بيت المقدس ، وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة ، ورفعوا الصليب على قبة الصخرة أكثر من مئة عام ، ومع ذلك انتهى حكمهم على يد صلاح الدين الأيوبي ، بعد هزيمتهم في معركة حطين عام 1187م ، وعندما تم فتح بيت المقدس أمن صلاح الدين الأيوبي أهلها وخيرهم بين الرحيل إلى أي مكان يشاؤون أو البقاء آمنين مطمئنين في ظلال حكم المسلمين .. فرحل منهم عدد كبير حاملين ذهبهم ومتاعهم وكل ما يستطيعون حمله ، وبقي منهم عدد ليس بالقليل في بيت المقدس تحت حكم المسلمين .
فهل يمكن أن تتكرر هذه المواقف في العصر الحاضر ؟ وما هو مصير اليهود بعد هزيمة جيش الاحتلال وأساطيله وكافة طواقمه وتجهيزاته العسكرية .. ما هو المصير الذي ينتظر اليهود في فلسطين ؟
مما لا شك فيه أن المقاومة ستعاملهم ، كما عامل عمر رضي الله عنه أهل إيلياء ، وكما عامل صلاح الدين الأيوبي الصليبيين يوم فتح بيت المقدس وحرر فلسطين ، بتخييرهم بين الرحيل أو البقاء في فلسطين آمنين مطمئنين .. ولا شك أن معظمهم سيرحلون إلى البلدان التي جاؤوا منها ، وقد رحل منهم حتى الآن وخلال شهرين فقط أكثر من نصف مليون .. وبالرغم من دفع المكافآت والحوافز لسكان غلاف غزة من المستوطنين من أجل العودة إلى البيوت التي هربوا منها بعد السابع من أكتوبر إلا أنهم لم يرجعوا ، ولن يرجعوا .. وكذلك سكان شمال فلسطين من المستوطنين .. لن يرجعوا إلى البيوت والمستوطنات التي يسكنون فيها ، وسوف يؤثرون الرحيل إلى بلدانهم الأصلية ..
ولا شك أن سكان وسط فلسطين سوف يصيبهم ما أصاب سكان الشمال والجنوب من رعب ، وبالتالي يفرون من غير رجعة قبل أن يتخطفهم الموت على أيدي المقاومة الباسلة ، ولا شك أن من يخدع نفسه بمحاولة الانتصار على المقاومة سوف تتكشف له الحقائق بعد أن يقع في الأسر أو يصاب بإعاقة دائمة أو يسقط قتيلا فهذا هو المصير الذي ينتظرهم .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]