عودة إلى الصفحة الرئيسية

تسويق المظلومية .. أ.د كمال حطاب

18 May 2024

مما لا شك فيه أن اليهود قد أبدعوا في تسويق مظلوميتهم أو تسويق دور الضحية من خلال الهولوكوست أو المحرقة ، وذلك من خلال مئات بل آلاف الأفلام السينمائية والوثائقية التي تعرض لهذه المظلومية وتستجدي تعاطف العالم معهم ، كما أبدعوا في إيجاد الحصانة والحماية لهذه المظلومية على مستوى معظم دول العالم ، وذلك من خلال استصدار تشريعات في معظم الدول الكبرى تجرم ما أطلق عليه معاداة السامية ، فكل من يتعرض لليهود أو ينكر المحرقة أو الهولوكوست فهو معاد للسامية ، ويستحق عقوبة السجن وفقا لقوانين معظم الدول الغربية .. كما فعلوا مع المفكر الفرنسي رجاء جارودي وغيره من المفكرين ..
ولم يكن استصدار مثل هذه القوانين مجرد تعاطف أو اقتناع بمظلوميتهم ، ولكن اليهود عملوا ومن خلال لوبيات منظمة في كل دولة على التأثير على المشرعين وإخضاع معظمهم بأساليب أخلاقية وغير أخلاقية قد تصل إلى التهديد بالقتل .. كما يروي بول فيندلي صاحب كتاب ” من يجرؤ على الكلام ” والذي يفضح دور اللوبي الصهيوني في السيطرة على الكونغرس الأمريكي ..
وقد بقيت هذه القوانين مقدسة في معظم الدول لا يمكن الاقتراب منها ، وبقيت مظلومية اليهود هي الفكرة الأكثر رواجا في العالم ، حتى السابع من أكتوبر ، فقد اكتشف العالم ولأول مرة بأن هذه المظلومية مبالغ فيها كثيرا ، وأنه قد توجد وجهات نظر أخرى ، كما اكتشف العالم أن ما يقوم به الصهاينة من إجرام وقتل وتدمير وتشريد لم يسبق له مثيل في التاريخ ، وبالتالي فإن هؤلاء الذين يدعون المظلومية هم ظلمة في الحقيقة ، بل من أفظع وأقسى أشكال الظلمة أو المجرمين ..
غير أن طغيان الإعلام المتعاطف مع الصهاينة لا يزال حتى الآن يسوق المظلومية ، ويدعي أن كل هذا الإجرام الذي يقومون به هو من باب الدفاع عن أنفسهم ، وأن لهم الحق بأن يدافعوا عن أنفسهم ، مع ما في ذلك من مخالفة للقوانين الدولية التي تمنح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال حق المقاومة والدفاع عن النفس ولا تمنح ذلك لقوات الاحتلال .
إن التغير في مواقف السياسيين والمسؤولين على مستوى العالم لا يزال ضعيفا خوفا على مصالحهم وأموالهم وحتى أنفسهم ، فهؤلاء على مدى عقود من الزمن رأوا من الصهاينة إجراما فظيعا ، وثّقَهُ عدد كبير من الباحثين والمؤلفين ، مثل وليم غار في كتابه أحجار على رقعة الشطرنج ، وكتابه اليهود وراء كل جريمة ..
ولذلك لا نزال نسمع ونرى من يتعاطف مع المجرمين ، ويلتمس لهم العذر فيما يقومون به ، غير أن الغالبية من شعوب العالم باتت تعرف المظلوم من الظالم ، وباتت تناصر المظلومين ، وتلعن الظالمين ومن يقف معهم ، وحتى على مستوى محكمة العدل الدولية ، والجمعية العامة في الأمم المتحدة ، صدرت قرارات بإدانة الحرب الوحشية التي يمارسها الصهاينة يوميا ..
إن استخدام أسلوب التباكي وتسويق دور الضحية لن ينجح بعد السابع من أكتوبر ، لأن العالم يسمع ويرى ويراقب يوميا ما يقوم به هؤلاء الذين يمثلون دور الضحايا ..
فلأول مرة في تاريخهم يقفون في موقف المتهم المجرم أمام محكمة دولية ، ولأول مرة في تاريخهم تصدر قرارات بإدانتهم من محكمة دولية ، ولأول مرة تنقل هذه القرارات عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، فتنكشف جرائمهم وفضائحهم والمتواطئين معهم ..
لأول مرة يتم فضح أكاذيبهم على الهواء مباشرة ، سقطت أكاذيبهم حول جيشهم الأكثر أخلاقية رغم محاولاتهم إخراج أفلام هوليودية لتلميعه وأنسنته .. سقطت أكاذيبهم حول العرب المتوحشين الذين يحيطون بهم ويريدون القضاء عليهم ..
ولأول مرة منذ نشوء كيانهم الزائل تظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وحدها أن 58% ممن استطلعت آراؤهم ينادون بزوال إسرائيل وإعادة فلسطين للفلسطينيين ..
إن هذه الاستطلاعات وغيرها ، ووقوف معظم شعوب العالم ، ومعظم أحرار العالم مع فلسطين ضد الصهاينة يوضح أن ما أقيم على باطل فهو باطل وأن كيان الاحتلال لا بد من زواله ..
إن مظلومية صهاينة اليهود لم تعد تنطلي على أحد ، وبالتالي فقد آن الأوان لكشف هؤلاء الظلمة ومحاسبتهم ومعاقبتهم على جرائمهم .
آن الأوان لأن يترجم التعاطف العالمي على شكل حملات قانونية دولية تقدم المجرمين إلى محاكمات دولية في كل مكان ، آن الأوان لكي تقوم الأجهزة القضائية في كل دولة في العالم ومن خلال نقابات المحامين بتقديم هؤلاء الصهاينة المجرمين لمحاكمات عادلة .. آن الآوان لأن يقوم كل مؤثر من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي بدوره في تعرية أكاذيبهم وفضح إجرامهم والدعوة إلى محاكمتهم .

الهولوكوست ” الفلسطيني أ.د كمال حطاب”

11 May 2024

الهولوكوست كلمة ألمانية ، من أقرب معانيها ” المحرقة الجماعية ” وقد احتكر الصهاينة استخدام هذا المصطلح ، وروجوا له ، وقاموا بتسويق مظلوميتهم من خلاله ، رغم أنهم يرتكبون اليوم مجازر جماعية ومحارق يومية بحق الشعب الفلسطيني دون أن يوقفهم أحد ، بل إن كثيرا من حكومات العالم لا تزال تدعمهم وتتأثر بمظلوميتهم ، وتروج لكذبهم وادعاءاتهم المعاصرة ، رغم وجود الكاميرات والبث الحي في كل مكان ..
كثيرا ما كنت أفكر وأتساءل لماذا قام هتلر بتنفيذ الهولوكوست ضد اليهود ؟ وبالرغم من وجود إجابات عديدة إلا أنها لم تكن مقنعة ، غير أن الكثير من الدهشة والاستغراب سوف تختفي اليوم عند كل من يتساءل أو يتعجب مما قام به هتلر .. فما يقوم به صهاينة اليهود اليوم في فلسطين وفي غزة بشكل خاص ، يصعب أن يتخيله أو يتصوره بشر .. فحجم الإجرام الذي يرتكب ، وحجم الغدر والكذب ، وحجم الدمار والإبادة الجارية في غزة ..كل ذلك يقود إلى توضيح الأسباب التي دفعت هتلر إلى القيام بما قام به .. فهؤلاء تفوقوا بإجرامهم على كل المجرمين الذين عرفوا في التاريخ الحديث والقديم وارتكبوا فظائع لم يرتكبها أحد من البشر ..
فلو بعث هتلر من جديد ، وتمكن من هؤلاء ، فلا شك أنه سيقوم بما قام به في ألمانيا ، ولربما تخلص منهم بأساليب أكثر وحشية ودموية ..
أن مسلسل الإجرام المستمر في غزة تحت مرأى العالم وسمعه لا يمكن التنبؤ بما سوف تكون عليه نهايته .. وبالرغم من أن تعاليم الإسلام السمحة لا تسمح ولا تبرر ولا تقبل ما فعله هتلر في الحرب العالمية .. إلا أن من يتعرضون للإبادة اليوم لا يمكن أن نتنبأ بما يمكن أن يقوم به بعضهم إذا ما ظفروا بالمجرمين وانتصروا عليهم .
إن الهولوكوست الفلسطيني أشد وأفظع من أي جرائم أو محارق تاريخية ، وهو يحدث أمام نظر العالم وسمعه على مدار اللحظة والساعة ومن خلال معظم شاشات التلفزة وفيديوهات اليوتيوب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ، ومع ذلك لا يتحرك أحد لوقفه ، رغم قدرة كثير من دول العالم على وقفه على الفور .. ورغم قدرة كثير من الدول العربية والإسلامية على وقفه .. ولكن يبدو أن معظمهم لا يتطلعون إلى تحقيق شرف هذه المهمة العظيمة ، أو نيل هذا المجد الرفيع أو صناعة التاريخ من جديد . قال تعالى ” وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ” ( التوبة ، 46 )
ولم يقف الأمر عند القعود وعدم التدخل من أجل وقف العدوان ، بل نجد كثيرا من صهاينة العرب والفلسطينيين يتواطؤن مع الصهاينة من أجل قتل الفلسطينيين وتجويعهم وحصارهم وهدم مستشفياتهم وقتل المرضى والأطباء والأطفال والنساء …
ومع ذلك فلا تزال المقاومة قوية صامدة ، تلحق الخسائر تلو الخسائر بجيش المعتدين الصهاينة ومن معهم من المرتزقة ، وكما وعدهم الناطق الرسمي باسم المقاومة ، إما أن تقتلوا أو تقعوا في الأسر أو تصابوا بعاهات دائمة جسدية ونفسية ..
إن من المتفق عليه في القانون الإنساني الدولي تقديم المجرمين للمحاكمة العادلة ، والحرص على معاقبة المجرمين .. ومع ذلك فإن قانون السماء لا يترك مجرما دون عقوبة ، ولعل من أبرز العقوبات التي ينالها هؤلاء المجرمون تلك الأمراض النفسية التي تلاحقهم ، والتي يعاني منها عشرات الآلاف من الجنود المشاركين في العدوان ، وتعج بهم المستشفيات الصهيونية ..
هذا بعض عقابهم في الدنيا ، ولا شك أن عقابهم في الآخرة سيكون أكبر وأعظم ، فهؤلاء المجرمون القتلة ، لم يقتلوا واحدا أو اثنين ، بل قتلوا البشرية جميعا ، قال تعالى ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ( المائدة ، 32 )

الذكاء الاصطناعي تطبيقاته وآثاره القانونية.. أ.د كمال حطاب

09 May 2024

كان هذا عنوان المؤتمر العاشر لكلية القانون الكويتية العالمية ، والذي شاركت فيه بورقة علمية يومي الأربعاء والخميس 1-2/5/2024 ، وقد امتاز مؤتمر هذا العام عن المؤتمرات السابقة ، بأهمية الموضوع وقوته وضرورته ومواكبته للتطورات الحديثة ، فموضوع الذكاء الاصطناعي هو موضوع الساعة ، غير أن الجوانب القانونية والشرعية في هذا الموضوع لا تزال محدودة ، وبالتالي فإن البحوث التي قدمت في المؤتمر تمثل تغطية مهمة جدا للأدب النظري والعملي في هذا الموضوع ، وقد لفت نظري حجم التطور الكبير والمتسارع في هذا الموضوع .. وقد عرض أحد الباحثين جوانب مهمة في استخدام الذكاء الاصطناعي في كلية القانون الكويتية ، في مجال تسجيل الطلاب ومجالات أخرى عديدة ..، والكلية بذلك تمثل نموذجا رائدا في تبني الذكاء الاصطناعي نظريا وعمليا .
كما تميز المؤتمر عن المؤتمرات السابقة بتبني ونصرة القضية الفلسطينية وأهل غزة بشكل خاص ، من خلال توزيع الشال الفلسطيني على نظاق واسع على المشاركين والحضور ، والذين قام معظمهم بارتدائه ، ولعل ارتداء رئيس الكلية ورئيس المؤتمر لهذا الشال طيلة فترة حضوره ، كان يمثل قدوة حسنة للمشاركين ، غير أن عددا لا بأس به من الأجانب لم يرتدي ذلك الشال ، ومع ذلك فعندما سألت بعضهم وجدتهم مناصرين للقضية الفلسطينية ، ويعتبرون ما يجري في غزة جريمة إبادة ..
إن مناصرة القضية الفلسطينية والتنديد باستخدام الذكاء الاصطناعي في قتل الفلسطينين كان ظاهرا في معظم جلسات المؤتمر ، ولذلك كانت المطالبة بإيجاد التشريعات القانونية العاجلة من أجل ضبط الذكاء الاصطناعي وتوجيهه فيما يفيد البشرية ، وعدم السماح باستخدامه لأغراض الحرب والدمار أو الإفساد في الأرض .
إن الاستخدامات الإيجابية للذكاء الاصطناعي في حقل التعليم والصحة والحقول العلمية الأخرى كانت محاور الجلسات العلمية التي عقدت على مدى يومين كاملين ، ولعل من هذه الاستخدامات المهمة ، استخدام الذكاء الاصطناعي في التمويل الإسلامي والصيرفة الإسلامي ، حيث وجدت دراسات عديدة ، ومؤشرات قوية من لجنة بازل وغيرها على أن الذكاء الاصطناعي سوف يزيد من الكفاءة المصرفية والشمول المالي ، وإن استخدام الروبوت الإسلامي المستشار سوف يطور من الخدمات المصرفية الإسلامية ، هذا بعض ما تعرضت له في ورقتي البحثية حول دور الذكاء الاصطناعي في تطوير التمويل الإسلامي ، وكذلك ما تعرض له الزملاء في الجلسة التي عرضت فيها ورقتي …
ولعل من أبرز القضايا التي شاركت فيها بالمناقشة والإضافة ، قضية سعر الفائدة ، فبالرغم من اتفاق كافة العلماء المعتبرين في هذا العصر على أن فوائد البنوك هي الربا الحرام ، إلا أنه لا يزال بعض الباحثين جهلا منهم أو جرأة على الدين ، لا يزال ينكر حرمة الربا وسعر الفائدة ، ويشجع على استخدام سياسة سعر الفائدة ، واستشهدت باحثة على صحة قولها بأن ما قام به أردوغان من محاولة خفض سعر الفائدة أو إلغائها أدى إلى زيادة معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة .. ولذلك كان منهج أردوغان ومحاولته إلغاء سعر الفائدة خاطئا .. وقد رددت على هذه الباحثة بأنه بغض النظر عن تطبيقات البشر ، الرئيس أردوغان أو غيره ، فنحن نحتكم إلى رب البشر ، الذي أرسل إلينا شريعة واضحة تضمنت حرمة الربا أو سعر الفائدة ، وهذا ثابت في القرآن والسنة ، فما حرم الله شيئا إلا لما فيه من مفسدة وما فرض شيئا إلا لما فيه من مصلحة ، وبناء على ذلك لا يمكن أن يكون سعر الفائدة مفيدا في أي حال من الأحوال .. ومن جهة أخرى فإن عددا كبيرا من علماء الاقتصاد منهم إنزلر Enzler و كونارد Conard وجونسون Johnson أثبتوا أن رأس المال قد أسي استخدامه في الاقتصادات المعاصرة بسبب سعر الفائدة ، فالفائدة أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد. هذا ما اعترف به عدد من الاقتصاديين غير المسلمين .. وبالتالي فإن دفاع بعض المسلمين عن سعر الفائدة أمر غريب ومستهجن وغير مقبول .

أسود غزة .. أ.د كمال حطاب

06 May 2024

من حضر برنامج ” جيت لحالك ” وهو برنامج كاميرا خفية تم تصويره في غزة في العامين أو الثلاثة الماضية ، وتجري الأحداث فيه، في سيارة تاكسي ، حيث يقوم السائق ( الممثل ) بمحاولة استفزار الراكب ، والذي يكون غالبا متجها إلى عمله ، وليس لديه وقت للاستفزار أو حتى الكلام ، ومع ذلك ينجح السائق في استفزاز الراكب ، وبالتالي يجد في الغالب رد فعل عنيف يكاد أن يودي به .
من شاهد ذلك البرنامج يدرك كم هو حجم المعاناة والمشقة والتعب الذي يبذله العاملون في غزة من أجل تأمين قوت يومهم ، ويدرك أهمية الوقت بالنسبة لهم ، ويدرك كم هو حجم الانفعال والشدة والمصداقية والبراءة ، وحجم الانتماء والولاء للقضية الفلسطينية ، و حجم الامتنان والعرفان للأسرى في سجون الاحتلال ..
إحدى الحلقات كانت عن الأسرى ، وكان السائق يحاول التقليل من أهمية الأسرى ، وأنه يريد أن يعيش ولا علاقة له بالأسرى أو غيرهم ، وقد وجد من كل راكب سمع هذا الكلام ردة فعل عنيفة ، وذلك باتهامه بالخيانة والعمالة تارة أو السلبية المفرطة أو عدم الانتماء لوطنه ..وفي مشهد آخر كان السائق يمدح العمل مع الاحتلال ، وأنه يدر عليه دخل كبير ، وقال بأنه مستعد للعمل مع الاحتلال في أي شيء ، وعندها وعلى الفور طلب الراكب إيقاف السيارة ، وحاول القبض على هذا السائق العميل ..
في أحد المشاهد كان السائق يحاول ابتزاز الراكب من خلال أخذ الأجرة مرتين ، قال له الراكب أنا من بيت حانون ، بتعرف المثل السائد عند أهالي بيت حانون ” الحانوني بشم على إيده بشبع ” يعني في خير ونعمة من الله ، وحتى لو لم يكن لدينا شيء ، فالهواء يكفينا ..
لولا العجرفة والغطرسة والعنصرية الصهيونية لعرفوا واعترفوا بأنهم لن يتمكنوا من هزيمة أهل غزة ، ولو أنهم راقبوا وحللوا ودققوا في ذلك البرنامج فقط لأدركوا بأنهم أمام أسود لا يمكنهم التغلب عليهم ، مهما ارتكبوا من مجازر أو دمروا من بيوت أو مستشفيات أو مدارس أو أماكن إيواء ..
كل تلك المشاهد كانت قبل السابع من أكتوبر ، أما بعد السابع من أكتوبر .. وبعد أن ذاق أهل غزة طعم النصر ، واستنشقوا هواء الحرية والكرامة ، وحققوا بعض امنياتهم في النيل من الاحتلال الذي حاصرهم سبع عشرة سنة وشن عليهم أربعة حروب طاحنة ، دمر فيها غزة ، وقتل وجرح الآلاف وعشرات الآلاف في كل مرة ..
من يراقب تصريحات معظم أهل غزة بعد القتل والدمار ، يجد الشموخ والعزة والأنفة والصبر والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره ، يجد فيهم أروع الأمثلة في الصبر والصمود والإصرار على المقاومة ودعم المقاومة .. يجد فيهم أروع الأمثلة في الحرص على الشهادة وفي تكريم الشهداء وتمجيدهم ..
من يراقب الجزيرة مباشر وجولاتها في أسواق غزة ورفح وسائر مناطق غزة ، يجد أن الحياة مستمرة ، والعمال يعملون ، والمحلات التجارية مفتوحة تعرض بضائعها ، والناس يشترون حاجياتهم .. ورغم ارتفاع الأسعار ، بسبب الحصار وظلم ذوي القربى ، فإنهم مستمرون في حياتهم ، يحمدون الله على ما أصابهم ، ويؤمنون إيمانا عميقا بأنهم منتصرون في النهاية ، وأن هذا الاحتلال زائل لا محالة ، إنهم يعشقون الحياة بكرامة ، كما يعشقون الموت في سبيل الله .

عيد العمال … أ. د كمال حطاب

04 May 2024

في أواخر السبعينات ، وحين كنا في نهاية المرحلة الثانوية ، اتجهت مع مجموعة من رفاقنا في المدرسة إلى مصفاة البترول بحثا عن عمل – كما جرت عادة الشباب في العطلة الصيفية في ذلك الوقت – ، وبالفعل حصلنا على عمل وتم قيدنا كموظفين رسميين ..
كانت مصفاة البترول في ذلك الوقت أشبه بالشركات الأجنبية في نظافتها ونظامها وتعاملها مع العمال والموظفين ، وكانت الإدارة فيها على درجة عالية من الرقي والمهنية والإنسانية ، ولما كنا طلبة مدارس فقد وزعونا في مصنع الزيوت التابع للمصفاة ، وأوكلوا إلينا سلسلة من الأعمال الخفيفة في الغالب .. كانت فترة الدوام تنقضي بسرعة ، وما أن تنطلق الصافرة مساء ، حتى يترك الجميع أعمالهم ويتجهون إلى الباصات والتي تنقل الموظفين إلى مساكنهم في الزرقاء غالبا ..
كانت مصفاة البترول في ذلك الوقت نموذجا للشركات المحترمة التي تتمتع بمهنية ومصداقية عالية جدا ، خاصة في تعاملها مع عمالها وموظفيها ، بما يمنحهم التقدير والحافز والتشجيع والمكافأة ، وبما يحافظ على حقوقهم الإنسانية كاملة .
اشتغلنا شهرا أو شهرين وعلى مدى سنتين في العطلة الصيفية وكانت من أمتع اللحظات في حياتنا في ذلك الوقت .. وقد تعلمنا فيها الكثير من دروس الحياة ، كان مدير المصنع يعاملنا كأبنائه ، ولما أخبرته بنيتي السفر لإكمال دراستي الجامعية ، فرح وشجعني على الدراسة ، وسهل لي معاملة الاستقالة ، وأذكر أنني لما توجهت إلى المقر الرئيسي في المصفاة في جبل عمان للحصول على بقية أتعابي وقد عملت قريبا من شهرين فوجئت ، بمضاعفة المبلغ ، فسألت عن ذلك ، فقالوا بأن لك نصيبا من الشهر الثالث عشر والرابع عشر .. ففرحت كثيرا ..
لست أدري إذا كان وضع العمال في مصفاة البترول وفي سائر المصانع والشركات الأردنية ، لا يزال بتلك الصورة الزاهية التي عشناها في السبعينات .. أم أن قسوة الحياة والظروف الاقتصادية التي تعيشها معظم دول العالم قد غيرت من طباع الناس وأخلاقهم ..
إن أكثر ما يسعد العمال ويشعرهم بالراحة والعزة والكرامة ، احترام إنسانيتهم ، وحفظ حقوقهم ، وعدم استغلالهم ، ولعل فكرة الربط القياسي للأجور بمستويات الأسعار هي الأكثر عدالة من أجل تجنب آثار التضخم .
إن مشكلات العمال تتطلب أن تتضافر الحكومات بكافة مؤسساتها ووزاراتها من أجل حلها ، إضافة إلى دور القطاع الخاص وكافة مؤسسات المجتمع المدني ..
فلا يكفي أن تقوم وزارة العمل بدورها أو وزارة التنمية الاجتماعية ، بل لا بد أن تقوم كافة الوزارات بدورها في الحل .. ابتداء من الأوقاف والشؤون الدينية وانتهاء بوزارات الشباب والرياضة والاقتصاد الرقمي والريادة ..
غتستطيع وزارة الأوقاف على سبيل المثال ، ومن خلال استثمار الأراضي الوقفية المعطلة من خلال مشروعات الـــــ ( B.O.T) ( بناء . تشغيل . نقل ملكية ) أو غيرها ، إيجاد فرص عمل لآلاف العمال ، إضافة إلى إسهامها في خدمة التنمية في المجتمع ..
وبنفس الطريقة يمكن لكافة الوزارات الإسهام في تحسين ظروف العمال ورفع المستوى المعيشي لهم بما يخفف من معاناتهم ويزيدهم عطاء وإنتاجية وانتماء ..
إن عيد العمال أو يوم العمال أو ذكرى العمال يعتبر فرصة طيبة من أجل الإحساس بالآخرين ومشاركتهم همومهم ومعاناتهم ومحاولة التخفيف عنهم ولو بالكلمة الطيبة وذلك أضعف الإيمان .
إن منح العمال يوم عطلة عالمي يتنفسون فيه الصعداء .. ويعلنون فيه تضامنهم مع بعضهم البعض .. هو أمر مفيد للعمال ، كما أنه مفيد لأرباب العمل ، فلا شك أن العامل سوف تزداد إنتاجيته ويتحسن أداؤه وتتجدد طاقاته عندما يشعر بالراحة النفسية في عمله .. وسوف يكون أقل إنتاجية عندما يشعر بأنه مظلوم أو مرهق في عمله ..

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]