عودة إلى الصفحة الرئيسية
27 April 2023
في ظل التطورات المتسارعة في العلوم التطبيقية والإنسانية في العصر الحاضر ، أفرز اقتصاد السوق تخصصات علمية جديدة لم تكن من قبل ، ونظرا لتزايد الطلب على بعض التخصصات العلمية ، سارع الأكاديميون والمتخصصون إلى وضع مناهج وأوصاف مساقات لبعض التخصصات غالبا ما توصف بأنها متسرعة ، وربما تكون بعيدة عن الواقع ، وربما تفتقد إلى أدنى المعايير أو المواصفات العلمية .
هذا ما حدث مع ظهور علم الاقتصاد الإسلامي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، حيث وجد هذا التخصص إقبالا منقطع النظير ، مما سرع في فتح تخصصات فرعية منبثقة عنه مثل المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي والوقف الإسلامي .. إلخ
بدأت العديد من الجامعات بتدريس هذا التخصص دون تنسيق مع هيئات الاعتماد الخاصة بالمناهج ، ودون التنسيق مع مؤسسات الخدمة المدنية بحيث يتم الحصول على اعتماد الوصف الوظيفي لهذا التخصص من قبل هيئات اعتماد رسمية محلية أو دولية .
وكان غياب المعايير الصارمة والأوصاف المنضبطة الدقيقة للمساقات هو السمة البارزة على مستوى مرحلة البكالوريوس مما أدى إلى ظهور خريجين تائهين لا يعرفون إلى أي قطاعات المجتمع يتجهون ، ولا تتقبل الفعاليات الاقتصادية في المجتمع هؤلاء الخريجين ببساطة .
ولم يقف الأمر عند مرحلة البكالوريوس حيث فتحت برامج الدراسات العليا في هذا التخصص والتخصصات الفرعية المنبثقة عنه مما شجع أعدادا كبيرة من الطلبة الطامحين إلى الحصول على شهادات عليا على الالتحاق بأحد هذه البرامج .. مما أوجد عددا كبيرا من حملة شهادات الدكتوراه في هذا التخصص دون تنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنية أو حتى مع وزارات التعليم العالي .
مما أدى إلى معاناة الخريجين في كثير من الدول التي أطلقت هذه التخصصات ، كما أدى ذلك إلى زيادة حالة التيه التي يعاني منها هؤلاء الخريجون ، فلا هم ينتمون إلى علوم الاقتصاد والعلوم الإدارية ، ولا هم مقبولون في الكليات الشرعية . ومن جهة أخرى فإن كثيرا من هؤلاء الخريجين لا يمثلون إضافات علمية أو تراكمات علمية في الحقل الذي درسوه إما لعدم الحاجة إليه أو لأنها دراسات نظرية تاريخية تخلو من أية آليات تنفيذية يمكن أن تستفيد منها المجتمعات المعاصرة .
إن إعادة بناء مساقات الاقتصاد الإسلامي بما ينسجم مع التطورات المعاصرة وتحصيل الاعتمادات الرسمية اللازمة لها، والمسميات الوظيفية الخاصة بها ، بات مطلبا أساسيا ، قبل الاستمرار في قبول الطلبة وتخريج دفعات لا تستطيع مواكبة تطورات الأسواق ولا تجد لها القبول الرسمي أو الأهلي في المجتمع .
ولعله من المفيد تقسيم هذا التخصص إلى تخصصات فرعية عديدة ، تغطي الجوانب الفنية والمهنية الأكثر انتشارا في الأسواق المعاصرة ، والتي تواكب التطورات الاقتصادية والمصرفية والنقدية والوقفية والمخاطر والأسواق ودراسات الجدوى والتطورات الرقمية والافتراضية … إلخ ، وغيرها من التخصصات العملية التي يمكن أن تواكب حاجات الأسواق بشكل أكبر ، ولا بد قبل اعتماد مثل هذه التخصصات الفرعية من عمل دراسات تتضمن استبانات ومقابلات مع الفعاليات الاقتصادية والمؤسسات المالية المتواجدة في السوق للتعرف على حاجاتها المستقبلية ، كما يمكن التنسيق معها من أجل مواءمة نسب النمو فيها مع نسب النمو في الطلبة الخريجين .
إن مثل هذه الدراسات تمثل ضرورة قصوى ، قبل فتح أية تخصصات جديدة في كافة المجالات ، من أجل تأهيل الطلبة وتسليحهم بالعلم والمعرفة المطلوبة من جهة ، ومن جهة أخرى من أجل تأمين وظائف للخريجين بحيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
19 April 2023
مما هو متفق عليه بين العلماء أن الإعجاز في القرآن الكريم ليس محصورا في جانب واحد كالجانب البياني، وكذلك فإن جوانب الإعجاز لا يمكن أن تنتهي ، فكلما ازداد الإنسان علما ، واتسع أفقه في أي مجال من المجالات ، رجع إلى القرآن فوجده قد كشف عن هذا المجال قبل أن يهتدي الإنسان إليه .. وينطبق ذلك في المجالات اللغوية والبيانية والبلاغية والعلمية والطبية والهندسية والفيزيائية والكيميائية ، كما ينطبق في العلوم الاجتماعية والاقتصادية وسائر العلوم الإنسانية .
فالقرآن معجز بكافة مضامينه وموضوعاته ، وهو محل تحدٍ للبشر في عصر النبوة ، وفي كافة العصور إلى قيام الساعة .. هذا التحدي قائم في كافة المجالات العلمية الطبيعية والإنسانية .. قال تعالى ” وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”( البقرة ، 23) .
ومن المجالات التي حظيت بالاهتمام الشديد في هذا العصر ، المجال الاقتصادي .. فهل يوجد في القرآن الكريم إعجاز أو تحد في الجانب الاقتصادي ؟ وكيف نثبت ذلك ؟
إن الجانب الاقتصادي في حياة البشر جانب متغير ، غير مستقر ، يتصف بالتقلبات الاقتصادية كما هي التقلبات الجوية ، ويصف الاقتصاديون هذه الظاهرة بالدورات الاقتصادية ، وقد سعوا بمختلف مدارسهم لوضع نماذج وتصورات لكيفية تحقق التوازن الاقتصادي ، بعد ظهور الأزمات أو التقلبات ، غير أن معظم تلك النماذج كانت تعيش في عالم الأحلام النظرية البعيدة عن الواقع .. فهل يمكن إيجاد نموذج أو منهج حقيقي يمكن أن يحقق الاستقرار والتوازن بحيث تختفي فيه المشكلات والأزمات أو تنخفض حدتها إلى أقل درجة ممكنة ؟ إذا تمكن البشر من إيجاد هذا النموذج فسوف يكون نموذجا معجزا ؟ غير أن دراسة التاريخ الاقتصادي الإنساني تفيد بوضوح بعدم وجود مثل هذا المنهج أو النموذج إلا في عالم الأحلام ، كما ورد في نموذج باريتو للأمثلية ، وفقا لدراسة محمد عمر شابرا .
مما لا شك فيه أن نموذج التوازن أو المنهج المطلوب لتحقيق التوازن ، موجود فقط في القرآن الكريم ، وقد ضمن الله عز وجل لمن أخذ بهذا المنهج الاستقرار والطمأنينة سواء كان على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع ..
فإذا ما حرص الأفراد أو المجتمع على الالتزام بهذا المنهج وتطبيق كافة ما ورد فيه ، فسوف تنخفض حدة المشكلات أو التقلبات إلى أدنى درجة ممكنة ، وقد تم تجريب هذا المنهج في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم في عصر النبوة ، كما تم تجريبه في العصور الإسلامية الزاهرة التي حقق فيها المسلمون أعلى درجات الرفاهية والتقدم الاقتصادي والعلمي والحضاري في كافة المجالات .
ويبدو هذا المنهج واضحا في آيات القرآن الكريم ، فمن خلال العمل بما ورد في القرآن الكريم من توجيهات وضوابط وتشريعات ، يمكن للمجتمع الوصول إلى أعلى درجات الاستقرار والتوازن والطمأنينة والازدهار .
ولكي لا يكون الكلام عاطفيا فقط ، نستعرض عددا من الموضوعات التي وردت في القرآن الكريم ، ونركز على جوانب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي التي تضمنتها هذه الموضوعات بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي يظهر من خلالها ملامح الإعجاز الاقتصادي في القرآن الكريم .
فلو نظرنا إلى آيات التوحيد والعقيدة التي وردت في سور عديدة ، لعل من أشهرها سورة هود ، فإننا نلاحظ أن هذه الآيات تقود إلى التسليم بوجود إله واحد هو المعبود بحق وهو الحاكم والمشرع وهو الخالق والرازق … ، وبالتالي فلا تشتيت ولا زيغ ولا اضطراب في التصور أو السلوك ، وهذا ما يؤدي إلى استقرار ووضوح في الحياة العملية ، فيتجه كل إلى عمله وهو يستشعر مراقبة الله له ويعلم علم اليقين بأنه سوف يرى نتيجة عمله في الحياة الآخرة ، فيخلص في عمله ويبذل أـقصى ما لديه من أجل زيادة العطاء والإنتاج ونفع المجتمع.. فعلى قدر قوة العقيدة والإيمان يزداد المجتمع قوة وتقدما وازدهارا .
ولو نظرنا إلى الآيات التي تتحدث عن العبادات فلا شك أن لها جوانب وأبعادا اقتصادية تزيد في الطمأنينة والاستقرار ، فكلما ازداد الإنسان طهرا ماديا وروحيا امتلك طاقات إيجابية تزيده عطاء وتضحية وإيثارا ورغبة في زيادة الخير والتقليل من الشر .. زيادة الطيبات والصالحات والتقليل من الخبائث والفواحش .. وهو ما يؤدي إلى الاستقرار والتوازن الاقتصادي .
وعندما تتحدث الآيات عن المعاملات وتحرم الربا والغرر والغش والاحتيال والخداع والاستغلال .. وتأمر بأداء الأمانات وتوثيق المداينات والوفاء بالعقود .. إلخ ، فالأمر كذلك ، فالمعاملات السليمة تسرع عجلة الاقتصاد كما تزيد من شيوع الثقة والاستقرار في الأسواق ، وهكذا في كافة المجالات الحياتية التي نزلت فيها تشريعات قرآنية ، لا يمكن أن نفصل الجوانب الاقتصادية عنها .
إن الإعجاز الاقتصادي يبدو واضحا جليا ، عندما يتم الالتزام بالتعاليم القرآنية بشكل كامل ، وينجم عن هذا الالتزام زيادة في الاستقرار والتقدم الاقتصادي ، فمهما كانت الظروف أو الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالأسواق وكافة القطاعات الاقتصادية ، فإن الالتزام بالتعاليم القرآنية وتطبيقها ، سوف يحد من الأزمات على الفور ويعمل على تلاشيها .. وإذا كانت هذه التعاليم القرآنية مطبقة بشكل دائم فإن الأزمات والمشكلات الاقتصادية لن تظهر إلا بقدر ضعف التمسك بهذه التعاليم ..
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
15 March 2023
هل يمكن أن يكون العاملون في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية مجندين لخدمة أصحاب رؤوس المال دون أن يشعروا بذلك ؟ هل يمكن أن تكون الفتاوى وقرارات مجامع الفقه وفتاوى الهيئات الشرعية موجهة لخدمة أصحاب رؤوس الأموال دون قصد من الفقهاء والخبراء والمفتين .. لماذا ينفق أصحاب رؤوس الأموال أموالهم على المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية المحلية والعالمية ؟
إن معظم المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية تقوم على النفعية والمصلحة المتبادلة والدعاية والإعلان والتسويق .. وهي شكل من أشكال الحوافز والمكافآت التي تقدمها بعض المؤسسات المالية الإسلامية للمطبعين معها والموقعين على عقودها وتقاريرها دون أي اعتراض .. فعندما يعلن عن أي مؤتمر في مكان ما في العالم ، تنظمه مؤسسة مالية إسلامية ، فإن معظم المشاركين سيكونون ممن لديهم مقاعد دائمة في هذا المؤتمر .. حيث يكون الاتفاق بين هذه المؤسسة والمؤسسات الأخرى التي تنظم ملتقيات دورية مشابهة على مدار السنة ، من أجل ترشيح شخصين أو ثلاثة أو أكثر لكل مؤسسة ، بحيث تشملهم المكافآت والمنافع التي تقوم هذه المؤسسات بتوزيعها .
فهل تصح مثل هذه السلوكيات الانتهازية النفعية من قبل مؤسسات تدعي أنها إسلامية أو تحرص على المشروعية ؟
وليت المسألة تقف عند المؤتمرات ، فالدورات التدريبية والورش والندوات والشهادات المصرفية .. إلخ في معظمها تدور في فلك المتاجرة بالقضية ، فقد وجدت اتفاقيات بين مؤسسات مالية مصرفية إسلامية على تقاسم شهادات مصرفية وتقاسم مدربين ، ومتدربين وإصدار اعتمادات مهنية ، دون أي مرجعية علمية مهنية عالمية أو إقليمية أو حتى محلية .. كل ذلك من أجل تقاسم المزيد من الأرباح واغتنام الطلب المتزايد في السوق ..
إضافة إلى ما تقدم ازدهرت تجارة المؤتمرات المالية الإسلامية التي تقيمها بعض المؤسسات والشركات والتي تجمع أكبر عدد من الداعمين والممولين الماسيين والذهبيين والفضيين ، وتقوم بتوزيع بعض المكافآت على الأسماء اللامعة الذين وجهت لهم الدعوات والاستكتابات ، كما تقوم بدفع مصاريف الإقامة والتذاكر .. ويبقى لديها من أموال الدعم ورسوم التسجيل ما تحقق به أرباحا طائلة .. وهذا هو الهدف الأساسي من مثل هذه المؤتمرات ، أما المحتوى والقرارات والتوصيات ، فهي أحبار على أوراق أو ذبذبات إلكترونية على أجهزة كمبيوتر أو مواقع يتم تسويقها من أجل الاستمرار في الحشد للمؤتمرات القادمة .
في ظل هذه الأوضاع والظروف ؟ لنا أن نتساءل كيف يمكن الحد من شبهات الفساد في المصرفية الإسلامية وكثير ممن يطلق عليهم خبراء أو علماء الصيرفة الإسلامية يشاركون في هذه السلوكيات بعلمهم أو دون علمهم ؟ كيف يمكن تطهير الصناعة المالية الإسلامية من الربا والغرر والغش والاحتكار ، ودعاة الصيرفة الإسلامية يشغلون أنفسهم في الزخرفة والبهرجة في مؤتمرات الصيرفة الإسلامية .
للأسف الشديد أن معظم العلماء الممثلين للصناعة المالية الإسلامية اليوم يحصرون دورهم في كتابة بحث هنا أو هناك وإصدار رأي أو فتوى وهم بذلك يظنون أن ذممهم قد برئت وأنهم في وضع سليم طالما عبروا عن رأيهم أو أصدروا قرارات هنا أو هناك ..
ومع احترامنا لهؤلاء العلماء وأهمية ما يقومون به إلا أن المنفذين لأدوات الصناعة المالية الإسلامية يطبقون ما يشاؤون مما يضمن لهم ولمؤسساتهم أكبر الأرباح .. ويستندون إلى ما يؤيد تطبيقاتهم من الآراء المبثوثة هنا وهناك .. بل ويحشدون جموع العلماء لمباركة مثل هذه الآراء .
وأنا أقول بانه لا بد أن يتداعى العلماء إلى ميثاق شرف يتعاهدون جميعا على بعض الأسس والثوابت التي لا يجوز الخروج عليها .. فمثلا صدرت قرارات مجمعية بتحريم التورق المنظم .. ومع ذلك يمكن القول بأن كثيرا من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لا تزال تتعامل بالتورق والمرابحات الدولية .. وبناء على ذلك ، لا بد من اتخاذ إجراءات رادعة بحق المؤسسات التي تخالف القرارات المجمعية ، وتعمل على تشويه وانحراف وتأخر الصيرفة الإسلامية ، من خلال زيادة الحيل والشبهات والمخالفات الشرعية .
ربما تكون المؤتمرات التي تقيمها الجامعات والمعاهد العلمية ، ومن خلال الأقسام الأكاديمية العلمية فيها هي المؤتمرات الوحيدة التي يمكن أن تكون بريئة من الشبهات ، ولعلها الطريقة الأكثر مهنية وشفافية وعلمية ، حيث يجتمع المتخصصون في أي علم ، فتتلاقح الأفكار العلمية وتتوالد الأفكار الجديدة فيحصل التراكم العلمي الذي يقود إلى التقدم والتنمية .. بعيدا عن تدخلات أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المصالح ،
ولذلك تعتبر الأقسام الأكاديمية في الاقتصاد والمصارف الإسلامية هي الجهات الأكثر مهنية وشفافية وحرصا على استمرار سلامة مسيرة المصرفية الإسلامية ، غير أن دورها لا يكاد يظهر ، في ظل الزخرفة الإعلامية لمؤتمرات المصرفية الإسلامية الممولة من قبل أصحاب رؤوس الأموال .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
12 March 2023
لست عنصريا ، ولا أؤيد من يتهم الناس بسبب عرقهم أو لونهم ، فالناس سواسية ، ولا فرق بين أبيض وأسود .. إلخ ، غير أن استقراء أحوال الشعوب والتاريخ ، يوضح أن لكل شعب أو ملة أو طائفة خصائص ربما تتجذر فيهم حتى في جيناتهم ، وقد يعود ذلك بسبب اختلاف بيئاتهم وظروف معيشتهم بما ينعكس على سلوكياتهم وأخلاقهم وحتى أشكالهم .
فعرب الجاهلية في معظمهم ، كما أورد أبو الحسن الندوي الهندي في كتابه السيرة النبوية عند بحثه عن سر اختيار جزيرة العرب مهبطا للوحي ، فوصف العرب بأنهم ” اكتسبوا من الصحراء الخشونة والقساوة والصفاء وسلامة الفطرة ، ومن أكل الجمال الغيرة والغلظة” .
وبعض الشعوب قد تكون لهم صفات خشونة وقسوة وقوة تحمل ، كالقبائل الجبلية في القوقاز واليمن والأفغان وغيرهم ..
أما اليهود في معظمهم ، فقد وصفوا عبر التاريخ ، بالانطوائية والعزلة كما وصفوا بالشح والبخل والحرص على الحياة ، والجشع والمراباة والظلم والاستغلال والجبن ونقض العهود والمواثيق .. وردت صفاتهم في الكتب السماوية وفي كتب التاريخ ، وقد أكد بعض هذه الصفات شكسبير في مسرحيته الشهيرة ” تاجر البندقية ” والتي كانت تعرض على مسارح لندن وباريس قبل أكثر من 200 عام .
ولا يمنع ذلك أن بعض اليهود الذين أسلموا كانوا من كبار الصحابة الذين نترضى عليهم بعد إسلامهم ، وعلى أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ، ولا يمنع كذلك من وجود يهود معارضين للصهاينة وللاحتلال الصهيوني البغيض مثل جماعة ناطوري كارتا .
ولذلك فإن الحديث التالي يخص اليهود الفاسدين المفسدين الذين ذكرت بعض أوصافهم في القرآن الكريم ، ونفس الأوصاف تنطبق على المحتلين الغاصبين لفلسطين ، القتلة المجرمين ، المعتدين على البشر والشجر والحجر ، وعلى كافة المقدسات ، المنتهكين للحرمات والقداسات ، والمنتهكين لحرمة الأحياء والأموات ..
إنه الحقد الصهيوني الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ، أحكام بالسجن بعشرات المؤبدات ، واعتقال للأحياء والأموات .. فهناك اعتقال واختطاف وحجز لجثامين الشهداء من الرجال والنساء لعشرات السنوات ..
وقد أورد القرآن الكريم بعض عقدهم النفسية المرضية والتي تنطبق على معظمهم حتى وقتنا الحاضر ، مثل العنصرية المقيتة ، والاستعلاء والتكبر على الآخرين ، فقد سولت لهم نفوسهم المريضة أنهم شعب الله المختار ، وأنهم قد ضمنوا الدنيا وكذلك الآخرة ، فأوضح الله كذبهم بتحديهم بتمني الموت ، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا ، فهم أشد شعوب الأرض حرصا على الحياة، ، قال تعالى ” وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون ” ( البقرة ، 96 )
ومن عقدهم النفسية المرضية نقض العهود ، استخفافا وانتقاصا لبقية البشر ، فقد نقضوا عهودهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نقضوا عهودهم مع موسى عليه السلام . وها هم اليوم ينقضون العهود والاتفاقيات على مرأى العالم وسمعه .. كما أنهم عبر التاريخ قتلة الأنبياء وقتلة المصلحين الذين يأمرون الناس بالقسط ، وقتلة الأطفال والنساء والشيوخ .. وفي العصر الحاضر وجدت كتب كثيرة لمؤلفين غربيين تُجمع على أنهم في الغالب ، وراء كل جريمة أو اغتيال أو إفساد في الأرض ..
وما يقومون به في فلسطين يوميا من قتل وتشريد وأسر واعتقال وهدم للبيوت واعتداء على الحجر والشجر والمحاصيل الزراعية لا يخفى على أحد ..
إن هذه العقد النفسية المرضية ، وهذا الإجرام الذي يمارسونه ، لا يمكن أن يستمر ، فلكل فعل رد فعل ، وكما تدين تدان ، سواء على مستوى الأفراد أو الشعوب أو الدول .. إن هذه الفئة المجرمة لا بد أن تواجه القصاص، ولا يمكن أن تعيش بسلام ، لأن في هذا خلاف للمنطق وخلاف للتاريخ وخلاف للنواميس والسنن الكونية .
إن هؤلاء المجرمين لا يزالون مستمرين في طغيانهم وجرائمهم بحق الشعب الفلسطيني ، ففي كل يوم يسقط شهداء وجرحى في فلسطين ، وفي كل يوم مصادرة أراض، واعتداءات على البيوت والأشجار والمحاصيل الزراعية ، وحتى المقابر لم تسلم منهم .. إنهم مستمرون في طغيانهم وإجرامهم .
وبالتالي لا بد أن ينالوا جزاءهم الذي وعدوا به في قوله تعالى ” وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ” ( الإسراء ، 7 ) فلا بد أن يصيبهم التبار وهو الهلاك والخراب والدمار ، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام ” وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ” ( نوح ، 28 ) ، لا بد أن يجدوا نتيجة ما قدموا .. ويواجهوا مصيرهم النهائي الذي يخلص الأرض من شرورهم وظلمهم وطغيانهم ، ولا شك أن ذلك سيكون قريبا بإذن الله .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
05 March 2023
عايشت مصطلح ” المهنية ” لمدة عامين ، حين عملت في ماليزيا وكيلا للجامعة للشؤون الأكاديمية ، وكان لدينا موظفون ماليزيون وعرب ، وكان الفرق في أداء الأعمال كبيرا ، فمعظم الموظفين الماليزيين يؤدون أعمالهم بمهنية عالية دون تذمر أو ضجر بعكس غير الماليزين من العرب غالبا ، فمعظمهم يؤجلون أعمالهم ويكثرون الشكوى والتذمر بخصوص الراتب وصعوبة العمل .. إلخ .
لعل أقرب المعاني لمصطلح المهنية هو الإتقان أو الإحسان أو الكفاءة العالية في أداء أي عمل ، وبكلمات أخرى أن يؤدى العمل وفقا للمواصفات والشروط المطلوبة بحرفية كاملة ..
عندما يسود هذا المصطلح في كافة المرافق والمجالات في المجتمع ، فإن المجتمع سيتحول إلى مجتمع متقدم بلا شك .. ففي مجال التعليم الجامعي عندما يكون لكل مساق أوصاف محددة معتمدة من هيئات اعتماد معتبرة ، يتم الالتزام بها من قبل عضو هيئة التدريس ومن قبل الطلبة ، عندئذ يمكن أن يقال بانه توجد مهنية في التعليم ، وكذلك عندما يكون لعضو هيئة التدريس مؤهلات وخبرات محددة يتم التقيد بها عند التوظيف عندئذ توصف المؤسسة بالمهنية ويوصف عضو هيئة التدريس بالمهنية كذلك .
وفي مجال أداء الوظائف العامة وتقديم الخدمات العامة ، نقول بأنه عندما تؤدى الوظائف وتقدم الخدمات العامة للناس في أقصر وقت وأقل جهد وتكلفة وبأفضل نوعية نقول بأن الخدمات تؤدى بمهنية عالية وهكذا في جميع الأعمال والخدمات التي يتبادلها الناس في المجتمع ..
وعندما تؤدى الخدمات الطبية بأقل وقت انتظار وأقل تكلفة وأفضل معالجة صحية ، وأعلى وأرقى مشاعر إنسانية ، يمكن أن يقال بأن الطبيب ذو مهنية عالية ..
وإذا نظرنا إلى حال معظم دول العالم فسوف نجد أن الدول المتقدمة تزداد فيها المهنية والاحترافية أما الدول المتخلفة فإن المهنية والاحترافية هي في أقل درجاتها وأسوأ أشكالها ..
وعندما نبحث في السبب فسوف نجد أن خصائص البيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية في الدول المتخلفة هي السبب في انخفاض المهنية والكفاءة ، ولعل من أبرز هذه الخصائص .. المحسوبية والواسطة وتحديد المركز الاجتماعي للفرد مسبقا ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب والتسيب والغياب عن العمل .. إلخ
وتنعكس هذه الخصائص على كافة قطاعات ومرافق المجتمعات النامية وفي الدول العربية بشكل خاص، في التعليم والصحة والقطاع التجاري والصناعي والزراعي والخدمات والقطاع العسكري والأمني .. وقطاع الشباب والرياضة والتدريب والتأهيل ..
ولعل من أبرز خصائص البيئات المتخلفة التي لا يشار إليها في كتابات التنمية الخصائص النفسية التي تتسم بها الأجيال الناشئة في البيئات المتخلفة، ففي ظل غياب الحريات في معظم هذه الدول والشعور بالظلم والقهر ، وغياب العدالة الاجتماعية ، تنشأ الأجيال خائفة مذعورة ذليلة .. ومثل هذه الأجيال لا ينتظر منها أن تحقق تقدما أو نهوضا حضاريا .
إن غياب الحرية والكرامة لا يمكن أن تحفظ مهنية أو احترافية أو كفاءة أو مصداقية ، ففي ظل غياب الحرية والكرامة والعدالة سوف تنتشر كافة أشكال الظلم والتسيب والانتهازية والنفاق الاجتماعي ، ولن تقوم لهذه الأمة قائمة حتى تسترد حريتها وكرامتها ، وتعيش في ظل العدالة والأمانة والكفاءة والإحسان والمهنية ..
إن المهنية ليست شعارا أو خاصية يمكن اكتسابها فجأة أو دون تخطيط أو مقدمات ، ولكنها منهج حياة تتطلب تغييرا في سلوك المجتمع بالكامل ، إن المهنية تتطلب تغييرا في مناهج التعليم ابتداء من الحضانة والمدارس الابتدائية وانتهاء بالتعليم الجامعي ، مناهج تتضمن تقديس العمل والإنجاز والإخلاص والكفاءة ، مناهج يعدها متخصصون يفخرون بتاريخهم وأمجادهم وقيمهم واستقلالهم ، وليست مناهج تكرس التبعية والهزيمة النفسية ..
إن المهنية في ماليزيا ، وكما أعلن مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا ، بدأت بـــكلمة ” اقرأ ” ، وركزت على بناء الإنسان في كافة المجالات العلمية والحضارية ، الإنسان الذي يعتز بقيمه وأخلاقه وكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يأخذ الحكمة والعلم عن الشرق أو الغرب .. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
/*php get_sidebar();*/ ?>