عودة إلى الصفحة الرئيسية

مصير اليهود بعد غزة … أ.د كمال حطاب

31 December 2023

مما لا شك فيه أن ما أطلق عليه دولة إسرائيل كيان محتل ، ولا بد للاحتلال من الرحيل عاجلا أم آجلا ، هذا ما تقول به السنن التاريخية والتجارب البشرية .. غير أن هذا الكيان يبدو أن له عمرا محدودا ، هذا ما أشار إليه الناطق الرسمي باسم كتاب القسام عندما ذكّر هذا الكيان بلعنة العقد الثامن .. وكان رئيس الوزراء الأسبق إيهود بارك قد أبدى مخاوفه حول هذه اللعنة بقوله بأنه على مر التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة ، وكذلك صرح النتن ياهو رئيس وزراء الحالي للكيان بأنه متخوف من نفس اللعنة ، بقوله أنه حريص على أن تصل إسرائيل إلى المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة ..
إن هذه التصريحات ومن قبلها تصريحات لعدد من العلماء والقادة المسلمين .. سواء أصابت أم أخطأت التقدير ، فإنه مما لا يمكن التشكيك به ، وهو جزء من عقيدة كل مسلم ، ما ورد في الأحاديث الكثيرة من أحداث آخر الزمان حول هزيمة اليهود .. ويبدو أن هذا الحدث ليس ببعيد مما يحدث الآن ..
والأمر لا يعد غريبا أو خارقا ، فالدول كالأفراد تشب وتشيب وتموت كما ذكر ابن خلدون في مقدمته ، وكم من دول وحضارات ، عاشت وتمكنت وسيطرت واستمرت قرونا.. غير أنها تلاشت في النهاية وكأنها لم تكن.. هذا في الأحوال الطبيعية فما بالكم بدولة نشاز مصطنعة قامت على الاحتلال والقتل والمستوطنات وتهجير الناس من بلادهم ..
عندما فتح عمر رضي الله عنه القدس أمّن أهلها في بيوتهم وكنائسهم وحفظ حقوقهم وخصوصياتهم وكتب لهم العهدة العمرية الشهيرة التي تنص على أنه لا تهدم كنائسهم ولا تكسر صلبانهم … ولا يسكن معهم يهود .. وبقيت فلسطين وبيت المقدس تحت حكم المسلمين إلى أن احتلها الصليبيون وأقاموا لهم مملكة في بيت المقدس ، وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة ، ورفعوا الصليب على قبة الصخرة أكثر من مئة عام ، ومع ذلك انتهى حكمهم على يد صلاح الدين الأيوبي ، بعد هزيمتهم في معركة حطين عام 1187م ، وعندما تم فتح بيت المقدس أمن صلاح الدين الأيوبي أهلها وخيرهم بين الرحيل إلى أي مكان يشاؤون أو البقاء آمنين مطمئنين في ظلال حكم المسلمين .. فرحل منهم عدد كبير حاملين ذهبهم ومتاعهم وكل ما يستطيعون حمله ، وبقي منهم عدد ليس بالقليل في بيت المقدس تحت حكم المسلمين .
فهل يمكن أن تتكرر هذه المواقف في العصر الحاضر ؟ وما هو مصير اليهود بعد هزيمة جيش الاحتلال وأساطيله وكافة طواقمه وتجهيزاته العسكرية .. ما هو المصير الذي ينتظر اليهود في فلسطين ؟
مما لا شك فيه أن المقاومة ستعاملهم ، كما عامل عمر رضي الله عنه أهل إيلياء ، وكما عامل صلاح الدين الأيوبي الصليبيين يوم فتح بيت المقدس وحرر فلسطين ، بتخييرهم بين الرحيل أو البقاء في فلسطين آمنين مطمئنين .. ولا شك أن معظمهم سيرحلون إلى البلدان التي جاؤوا منها ، وقد رحل منهم حتى الآن وخلال شهرين فقط أكثر من نصف مليون .. وبالرغم من دفع المكافآت والحوافز لسكان غلاف غزة من المستوطنين من أجل العودة إلى البيوت التي هربوا منها بعد السابع من أكتوبر إلا أنهم لم يرجعوا ، ولن يرجعوا .. وكذلك سكان شمال فلسطين من المستوطنين .. لن يرجعوا إلى البيوت والمستوطنات التي يسكنون فيها ، وسوف يؤثرون الرحيل إلى بلدانهم الأصلية ..
ولا شك أن سكان وسط فلسطين سوف يصيبهم ما أصاب سكان الشمال والجنوب من رعب ، وبالتالي يفرون من غير رجعة قبل أن يتخطفهم الموت على أيدي المقاومة الباسلة ، ولا شك أن من يخدع نفسه بمحاولة الانتصار على المقاومة سوف تتكشف له الحقائق بعد أن يقع في الأسر أو يصاب بإعاقة دائمة أو يسقط قتيلا فهذا هو المصير الذي ينتظرهم .

يوم الخجل العالمي .. أ.د كمال حطاب

09 December 2023

وجهت الأمم المتحدة اليوم التاسع من ديسمبر ، رسالة إلى العالم بمناسبة اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع تكرار هذه الجريمة ..دون إية إشارة إلى الإبادة الجماعية الجارية في غزة ، ودون إبداء أي شعور بالقلق كما جرت العادة ، حول ما يجري في غزة .. وحثت الرسالة على تكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع وقوع الإبادة الجماعية وكأنها تتحدث عن كوكب آخر غير كوكب الأرض .. ويبدو أن مسؤولي الأمم المتحدة لا يشاهدون ما يجري حولهم ، أو أنهم شهود زور على التاريخ والمجازر والإبادة الجماعية التي تجري في غزة وفلسطين ..
إنه من المخجل والمؤسف أن تقوم الأمم المتحدة بإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ، والإبادة الجماعية مستمرة في غزة ، لليوم الخامس والستين ، ولا يقومون بأية خطوة عملية من أجل إيقافها ، سوى إظهار الشعور بالقلق أو إطلاق التصريحات الوصفية التي تصف حجم الضحايا .. دون أي فعل أو إجراء قانوني أو سياسي أو غيره
إنه من المخجل المحزن أيضا أن يوجد يوم عالمي للطفل ويوم عالمي للمرأة ، وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى في غزة هم من النساء والأطفال ، ومع ذلك لا يقوم هؤلاء المسؤولون في الأمم المتحدة بأية خطوة عملية من أجل وقف مسلسل قتل النساء والأطفال الجاري في غزة .. ولا يزال مسلسل القتل والتشريد والإبادة الجماعية مستمر ..
إنه من المخجل والمعيب أن يوجد يوم عالمي للبيئة في الوقت الذي أُلقي فيه على غزة من القنابل أضعاف ما ألقي على هيروشيما وناغازاكي .. دون أن يشعر العالم ومنظمات الأمم المتحدة بأي تأنيب ضمير أو شعور بالخجل ..
ويبدو أن الأمم المتحدة قد انكشفت سوءتها بما لا يمكن تغطيته ، وافتضح أمرها وكافة منظماتها الإنسانية التابعة أو الشريكة ، من صليب أحمر أو حقوق إنسان أو منظمة العفو الدولية أو اليونيسيف أو الصحة العالمية ، أو محكمة العدل الدولية ، أو المحكمة الجنائية الدولية وغيرها ، فكلها منظمات شريكة في الجريمة أو متواطئة مع المعتدين ، وليس أدل على ذلك مما صرح به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عند زيارته غلاف غزة قبل أيام ، حيث انتصر للصهاينة المحتلين المعتدين ، وأدان الضحايا من أصحاب الأرض ، وطالب بتحرير أسرى العدو دون أي مطالبة بتحرير الأسرى الفلسطينيين ..
إن العالم اليوم ليس بحاجة إلى يوم عالمي لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية أو يوم للطفل أو المرأة ، فالإبادة الجماعية للأطفال والنساء مستمرة في كل يوم .. إنه بحاجة إلى شيء من الأخلاق أو إلى شيء من خجل ، أو إلى يوم عالمي للخجل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى : إذا لم تستحْيِ فاصنَعْ ما شئتَ ” .

وجهت الأمم المتحدة اليوم التاسع من ديسمبر ، رسالة إلى العالم بمناسبة اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع تكرار هذه الجريمة ..دون إية إشارة إلى الإبادة الجماعية الجارية في غزة ، ودون إبداء أي شعور بالقلق كما جرت العادة ، حول ما يجري في غزة .. وحثت الرسالة على تكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع وقوع الإبادة الجماعية وكأنها تتحدث عن كوكب آخر غير كوكب الأرض .. ويبدو أن مسؤولي الأمم المتحدة لا يشاهدون ما يجري حولهم ، أو أنهم شهود زور على التاريخ والمجازر والإبادة الجماعية التي تجري في غزة وفلسطين ..
إنه من المخجل والمؤسف أن تقوم الأمم المتحدة بإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ، والإبادة الجماعية مستمرة في غزة ، لليوم الخامس والستين ، ولا يقومون بأية خطوة عملية من أجل إيقافها ، سوى إظهار الشعور بالقلق أو إطلاق التصريحات الوصفية التي تصف حجم الضحايا .. دون أي فعل أو إجراء قانوني أو سياسي أو غيره
إنه من المخجل المحزن أيضا أن يوجد يوم عالمي للطفل ويوم عالمي للمرأة ، وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى في غزة هم من النساء والأطفال ، ومع ذلك لا يقوم هؤلاء المسؤولون في الأمم المتحدة بأية خطوة عملية من أجل وقف مسلسل قتل النساء والأطفال الجاري في غزة .. ولا يزال مسلسل القتل والتشريد والإبادة الجماعية مستمر ..
إنه من المخجل والمعيب أن يوجد يوم عالمي للبيئة في الوقت الذي أُلقي فيه على غزة من القنابل أضعاف ما ألقي على هيروشيما وناغازاكي .. دون أن يشعر العالم ومنظمات الأمم المتحدة بأي تأنيب ضمير أو شعور بالخجل ..
ويبدو أن الأمم المتحدة قد انكشفت سوءتها بما لا يمكن تغطيته ، وافتضح أمرها وكافة منظماتها الإنسانية التابعة أو الشريكة ، من صليب أحمر أو حقوق إنسان أو منظمة العفو الدولية أو اليونيسيف أو الصحة العالمية ، أو محكمة العدل الدولية ، أو المحكمة الجنائية الدولية وغيرها ، فكلها منظمات شريكة في الجريمة أو متواطئة مع المعتدين ، وليس أدل على ذلك مما صرح به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عند زيارته غلاف غزة قبل أيام ، حيث انتصر للصهاينة المحتلين المعتدين ، وأدان الضحايا من أصحاب الأرض ، وطالب بتحرير أسرى العدو دون أي مطالبة بتحرير الأسرى الفلسطينيين ..
إن العالم اليوم ليس بحاجة إلى يوم عالمي لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية أو يوم للطفل أو المرأة ، فالإبادة الجماعية للأطفال والنساء مستمرة في كل يوم .. إنه بحاجة إلى شيء من الأخلاق أو إلى شيء من خجل ، أو إلى يوم عالمي للخجل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى : إذا لم تستحْيِ فاصنَعْ ما شئتَ ” .

السادية .. والإسراف في القتل أ.د كمال حطاب

02 December 2023

السادية .. والإسراف في القتل
عندما هاجم جيش الاحتلال مستشفيات غزة .. كانت الذريعة التي أطلقها هي استخدامها لأغراض عسكرية وعندما ثبت كذب هذا الاتهام .. اعترف قادة الاحتلال ووسائل إعلامهم بأن هدفهم هو قتل أكبر عدد من أبناء الشعب الفلسطيني وأنهم لا يريدون أن يتركوا فرصة لنجاة أي فلسطيني كبيرا كان أو صغيرا ، ذكرا كان أو أنثى .. ولذلك كان وجود المستشفيات يمثل عائقا أمام تحقيق هذا الهدف ..
وكذلك الأمر عند استهداف سيارات الإسعاف فالمقصود هو عدم معالجة الجرحى من أجل أن يموتوا .. هذه هي الحقيقة .. ونفس السياسة الإجرامية متبعة عندما يصاب أي فلسطيني في الضفة ، فهم لا يسمحون بإسعافه ولا وصول سيارات الإسعاف إليه إلى أن يفارق الحياة ..
وما يمارسونه الآن في غزة .. عندما يلقون قنابل توزن بالأطنان على عمارات سكنية ، فالقصد هو قتل أكبر عدد ممكن من الناس .. حتى ولو كانوا أطفالا ونساء .. وربما تكون هذه الفئة هي المستهدفة بشكل أكبر .. لأنهم لا يريدون أجيالا قادمة من هذا الشعب ..
إن عقيدة القتل عند الصهاينة لها أصول في تلمودهم .. ولها نصوص توراتية يتعبدون بها .. وليس أدل على ذلك مما ورد في كلمات النشيد القومي لدولتهم .. حين نغرس رماحنا في صدورهم .. ونرى دماءهم تراق ورؤوسهم مقطوعة …. وعندئذ نكون شعب الله المختار .
إن كل هذا القتل وسفك الدماء والسادية والوحشية التي يمارسونها في غزة .. وقتل آلاف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ .. له تبريرات عقدية نفسية مستمدة من نصوص محرفة .. وتاريخ وتراث أسود مرتبط بما قاموا به ممارسات وسلوكيات إجرامية قديما وحديثا ..
لم يشبع المجرمون الصهاينة من قتل الناس وسفك دمائهم ولكنهم أمعنوا وأسرفوا في القتل فارتكبوا ممارسات إجرامية لم يعرفها أسلافهم من المجرمين عبر التاريخ .. فهم يحتجزون جثامين الشهداء ويسرقون أعضاءهم ، ويدفنون بعضهم في ما يسمى مقابر الأرقام ، دون أن يكونوا معروفين لأحد ..كما أنهم يرفضون أن يدفنوا من ماتوا في سجونهم وعليهم عقوبة حتى تنتهي مدة العقوبة .. وخلال فترات العقوبة يبقى من ماتوا في الثلاجات .. إمعانا في الأذى والاضطهاد للأموات وذويهم من الأحياء .. وهذا ما لم يحصل مع أي أمة من الأمم حتى آكلي لحوم البشر ..
ومن جهة أخرى فهم يفاخرون بأن لديهم أكبر بنك للجلود البشرية والأعضاء البشرية على مستوى العالم .. ولا شك أن هذا المخزون تحقق من خلال قتل الفلسطينين وسرقة أعضائهم وجلودهم ..
إن هؤلاء الصهاينة فاقوا بوحشيتهم ودمويتهم كافة القصص والأساطير التي تناقلها البشر عبر التاريخ .. فحتى الأساطير الخرافية كدراكولا والزومبي لم يستطيعوا أن يحيطوا بالخيالات المريضة وأشكال الفصام والشيزوفرينا الصهيونية التي تتغذى على القهر والحقد وسفك الدماء .
إن كافة الممارسات الإجرامية التي يقومون بها، سوف تعجل برحيلهم ، خاصة وأنهم باتوا مكشوفين أمام العالم .. وباتت شعوب العالم كافة ، تلفظهم وتشجب أعمالهم وتطالب بمحاكمتهم وإيقاع أشد العقوبات بحقهم ..

غزة .. والمرجفون في المدينة

24 November 2023

غزة .. والمرجفون في المدينة
أ.د كمال حطاب
يزاود بعض المنبطحين في بيوتهم المترنحين بين أطايب الطعام والشراب والمتابعون لأحداث غزة كمن يتابعون كرة القدم .. يزاودون على المقاومة بقولهم ، ما كان ينبغي ، وكان ينبغي ، وما داموا لا يستطيعون حماية السكان ، فلماذا المغامرة والتهور والتسبب في قتل الناس ؟ وقد كان الناس يعيشون في بيوتهم آمنين مطمئنين يأكلون ويشربون .. إلخ ، وينسى هؤلاء بأن أهل غزة محاصرون منذ 17 عاما برا وبحرا وجوا ..وأن الاعتداءات الصهيونية عليهم لا تتوقف.. وأنهم لم يكونوا يعيشون مطمئنين في يوم من الأيام .. كما ينسى هؤلاء بأن سكان غزة هم أهل رجال المقاومة .. آباؤهم وأمهاتهم وأخواتهم وأولادهم وأقاربهم .. وهم أكثر الناس حرصا على حياتهم وأمانهم وطمأنينتهم .. غير أن المراقبين من بعيد ليسوا كمن يكتوي بنار الحصار والدمار .
إن لسان حال هؤلاء اللائمين كلسان أولئك المنافقين ” الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” ( آل عمران ، 168)
ويمعن بعض المرجفين والمشككين في غوغائهم فيتهمون قادة المقاومة بأنهم يعيشون في القصور والفنادق ولديهم الأموال الطائلة في البنوك .. وينسى هؤلاء أن معظم قادة المقاومة الأوائل قدموا أرواحهم لله ابتداء من الشيخ أحمد ياسين .. فالرنتيسي الذي كان يفضل الموت بالأباتشي وغيرهم كثير .. ولا يزال من بعدهم من القادة على الطريق ، وقد قدم اسماعيل هنية عشرات الشهداء من عائلته خلال طوفان الأقصى فقط .. كان آخرهم حفيدته وحفيده .. فهنيئا للشهداء ، ولا نامت أعين الجبناء والمرجفين ، سواء كانوا في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو في أية مدينة وفي أي زمان .. قال تعالى ” ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ” ( الأحزاب ، 60 ) .
إن حال المرجفين في المدينة المثبطين للمقاومين، والمشككين بالنصر، هو حال المهزومين نفسيا، الفاقدين لانتمائهم لأمتهم .. وهو حال المنافقين في كل زمان ومكان .. التثبيط والخذلان والطعن في الظهر .. ولذلك جاءت سورة كاملة في القرآن الكريم باسم ” المنافقون ” تصف حالهم وتحذر منهم .. ” وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ” ( المنافقون ، 4 ) .

غزة .. والنصر القريب أ.د كمال حطاب

20 November 2023

قد يظن كثيرون بأن ما قامت به المقاومة في غزة هو تهور واندفاع وعدم تقدير للعواقب .. غير أن المتأمل جيدا في حال الأمة الإسلامية وما وصل إليه الاحتلال من غطرسة وعربدة واعتداء على المقدسات وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى ومحاولات لهدمه واعتداء على الحرائر والشيوخ على أعتاب المسجد الأقصى .. يدرك جيدا بأن ما قامت به المقاومة في غزة كان في مكانه ووقته الصحيح ، لا سيما وأنهم قد عرفوا بوجود مخطط لتهجير أهل غزة واجتثاثهم من أرضهم ..
حققت المقاومة نصرا مؤزرا رفع رأس كل حر شريف في هذا العالم ، ودمر الأسطورة والخرافة التي قامت عليها دولة الاحتلال ، كما دمر أسطورة الجيش الذي لا يقهر .. وكشف عن بداية النهاية لدولة الاحتلال .. وخراب بيت العنكبوت ..
غير أن النصر لا يمكن أن يكون بغير ثمن ، وهذا الثمن دفعته الفئة المؤمنة على مدار التاريخ ، ودفعه الأنبياء والرسل .. قال تعالى ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ( البقرة ، 214 )
فهذا حال الفئة المؤمنة في كل عصر ، وهذا ما حدث في غزوة الأحزاب ، وهو ما سيحدث بإذن الله مع الفئة القليلة المؤمنة في غزة .. وقد كانت البداية نصرا مؤزرا .. وسوف تكون النهاية نصرا مؤزرا بإذن الله ..
ولو تأملنا في السيرة النبوية فسوف نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل غزوة الأحزاب خطط وعمل وأعد العدة لهذه المعركة عندما علم بخطط الكفار لغزو المدينة .. ورغم كونه نبي .. ودعاؤه مستجاب .. إلا أنه أخذ بالأسباب الدنيوية كاملة .. فقام بحفر الخندق .. وهو عمل شاق جدا .. شارك فيه معظم سكان المدينة واستغرق وقتا طويلا .. ولا شك أنهم تزودوا بالسلاح والمؤن من تمور ومياه وغيرها .. وأعدوا الأماكن التي سوف يتحصنون فيها .. ونقاط الرصد والمراقبة .. وتأكدوا من حماية حدود المدينة من كافة الجهات .. ومع ذلك .. لم يتركوا الدعاء والصلاة والاتصال بالله عز وجل ..
.. صدم الكفار صدمة عظيمة من شدة المفاجأة عندما رأوا مشهد الخندق العظيم الذي يحول بينهم وبين دخول المدينة والقضاء على محمد وصحبه .. صعقوا وأسقط في أيديهم .. وأقاموا على أطراف الخندق أياما يحاولون اقتحامه دون جدوى ..
إن الظروف الإيمانية التي تعيشها المقاومة في غزة هي من جنس تلك الطاقات الإيمانية التي عاشها الصحابة يوم كانوا يخرجون من أماكنهم يتصيدون الكفار بالسهام .. وهم على أطراف الخندق ..وإن الآيات القرآنية التي وصفت حال المسلمين يوم الأحزاب تنطبق بشكل كبير على حال المسلمين في غزة .. ” إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ” .. كما أن غدر بني قريظة في ذلك الوقت هو نفس الغدر الذي يمارسه كثير من العرب والمسلمين هذه الأيام .. وإن المفاجآت التي تقوم بها المقاومة اليوم .. هي من جنس المفاجآت التي تعرض لها الغزاة يوم الأحزاب ..
إن البلاء الواقع بأهل غزة اليوم هو أشبه بما وقع فيه المسلمون يوم الأحزاب ، فماذا كانت النتيجة ، لقد نصرهم الله ونجاهم وهزم الأحزاب وحده ولكن بعد امتحان عسير زلزل فيه المسلمون زلزالا شديدا . قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
إن من سنة الله تعالى أن ينصر الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة العدد ، الكبيرة العدة والعتاد ، ولكن بعد أن ينجحوا في امتحان الصبر واليقين بالله ، وبعد أن يتيقنوا بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، قال تعالى ” حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ” ( يوسف ، 110 )
ولا شك أن زيادة أعداد الشهداء رغم الألم والحزن الكبير ، هي دليل على مكانة وكرامة هذه الفئة المؤمنة ، فليس كل المؤمنين مؤهلين للاصطفاء ، فالشهادة اصطفاء ، قال تعالى ” ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ” ( آل عمران 140) .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]