عودة إلى الصفحة الرئيسية

عام الرمادة في غزة .. أ.د كمال حطاب

21 July 2025

عام الرمادة في غزة
أ.د كمال حطاب
في عام 18هــ ، ضربت المجاعة المدينة المنورة وامتدت إلى سائر جزيرة العرب ، وأطلق على ذلك العام عام الرمادة ، حيث تحول التراب إلى رماد لشدة الجفاف وانقطاع المطر وتحرك الطبقات البركانية في الأرض .. وبدأ الناس يتساقطون من شدة الجوع .. وكان خليفة المسلمين في ذلك الوقت هو عمر رضي الله عنه .. الذي كان يحاسب نفسه على بغلة عثرت بأرض العراق .. فكيف سيكون حسابه لنفسه على موت الناس وعدم قدرته على إنقاذهم بسبب الجوع ..
وفي عام 1447هــ ضربت المجاعة أرض غزة ، ولم تكن مجاعة طبيعية بسبب المطر أو الطبيعة ، ولكنها مجاعة مفتعلة أو هي حرب تجويع يُمنع فيها مليونان من شعب غزة من الوصول إلى الطعام والماء وكافة أسباب الحياة .. بل إنهم يُجوّعون ويقتلون ويتساقط المئات منهم يوميا بسبب الجوع والمرض والقتل المستهدف ..
وما يهمنا هنا ، هو هل يمكن الاستفادة من الاجراءات التي قام بها عمر رضي الله عنه ، رغم أنها كانت إجراءات اجتهادية غالبا ، وفي ظروف تختلف كثيرا عن الظروف المعاصرة ؟
مما لا شك فيه ، أنه يمكن الاستفادة مما قام به عمر رضي عنه .. وعلى مدى تسعة شهور .. حيث استغاث عمر رضي الله عنه بعمرو بن العاص واليه على مصر ، وكذاك معاوية واليه على الشام ، وسعد واليه على العراق ، فأرسلوا إليه القوافل المتتالية محملة بالغذاء والمؤن .. وبعث إليه عمرو بن العاص بأنه سيبعث إليه بقوافل يكون أولها في المدينة وآخرها في مصر .. وبالفعل تم ذلك وبدأ الناس يتعافون وأعداد الموتى تنخفض يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر ..
أما في غزة فقد أطلقت نداءات الاستغاثة ودُقت نواقيس الخطر .. ولم يستطع أحد من الشرفاء في العالم تقديم أي شيء حتى الآن .. ووقفت الحكومات الصديقة والشقيقة تراقب بصمت دون أن يتحرك لها ساكن أو يستيقظ لها ضمير ..
استقبل عمر رضي الله عنه أهل البادية من حول المدينة وبنى لهم المخيمات وكلف من يشرف على إطعامهم ، وأحصى الناس، وراقب أوضاعهم الصحية ، وعدد الذين يدفنون يوميا وكانوا بالمئات ، وعمل على تقليل هذا العدد ، بكافة الوسائل .. وفي غزة اليوم حاصر الأشقاء والأصدقاء من الدول المحيطة بغزة .. حاصروا غزة حصارا مطبقا .. وتركوهم يتعرضون وحدهم للموت بعد أن منعوا دخول الماء والدواء والطعام .
صنع عمر رضي الله عنه من نفسه قدوة عليا ونموذجا يصعب الوصول إليه ، فحرم نفسه وأهل بيته من كثير من المباحات ، وحرم على نفسه السمن واللحم واللبن إلى أن تنقضي المجاعة .. وقد رأينا قادة فصائل المقاومة يتقدمون الناس في الاستشهاد والمجاعة .. غير أنه لا يزال عدد من المشاهير والمؤثرين والتجار يعيشون حياة مرفهة وكأنهم ليسوا في غزة ..وهذا يتطلب أن يتخلى هؤلاء عن كثير مما لديهم طواعية .. ويقوموا بتوزيعه على الجائعين والمحرومين الذين لا يجدون كسرة خبز .. قبل أن يُجبروا على ذلك ..
كان منهج عمر رضي الله عنه أن يأكل الناس نصف شبعة ، وكان يقول : لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عددهم ، فيقاسموهم أنصاف بطونهم لفعلت ، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم .. وهذا يعنى أن يكفل الناس بعضهم البعض ، فإن لم يفعلوا يرغموا على ذلك ، بأن يتكفل من يجد طعاما بمن لا يجد ، فيتقاسم الناس طعامهم ، مهما قل ، فإنهم لن يموتوا على أنصاف بطونهم .. ولا على أرباع بطونهم ..ولا على أقل من ذلك شريطة أن يصل هذا القليل إلى الجميع .
وهذا يتطلب أن تقوم الحكومة في غزة أو من يمثلون الجهاز القضائي ، بحصر المحتكرين أو المخزنين للطعام والذين يرفعون أسعاره عشرات أو مئات الأضعاف ، ومصادرة ما بأيديهم مما يزيد عن حاجاتهم وتوزيعه على الجوعى والمرضى ومن لا يجد لقمة الخبز ..
لم يطبق عمر رضي الله عنه حد السرقة في عام الرمادة نظرا لحاجة الناس ، وقال : ” والله لولا خشية أن ينتشر في الناس البغي والتعدي لأعلنت فيهم أن ليس على السارق هذا العام حرج فيما سرق “.. وهذا يتطلب من الجهاز القضائي في غزة تأجيل تنفيذ الكثير من العقوبات التي كان من الممكن تنفيذها في غير هذه الظروف .. ومراعاة حالات الضرورة والمجاعة .. والتركيز على إغاثة الناس ومحاولة إنقاذهم .
لا بد من استمرار إطلاق نداءات الإغاثة .. الغوث الغوث ثم الغوث .. ومخاطبة جميع شرفاء العالم .. القريب والبعيد .. ولتؤجل الخلافات والنزاعات .. وليتم تجاوز الانقسامات .. ويتم التركيز على المجاعة فقط ..
يمكن للجهات الاقتصادية أن تصدر كوبونات مضمونة من المنظمات الدولية كالأنروا أو أية جهات موثوقة.. يتم توزيعها على الناس بحيث يمكن استخدامها في الحصول على الطعام ..وعلى أن يتم استبدالها والحصول على قيمتها بعد انتهاء المجاعة وتوقف العدوان الوحشي الصهيوني .

صفقة التبادل ووقف إطلاق النار أ.د كمال حطاب

26 November 2024

ليس هناك من شك في أن كل إنسان عاقل في هذا العالم ، يتطلع إلى تحقيق وقف إطلاق النار في كل في غزة ولبنان .. وفي كافة أنحاء العالم.. مهما كانت النتيجة والآثار المترتبة على ذلك .. فإيقاف المجازر المستمرة هو مطلب إنساني لا يشكك فيه كل من لديه ذرة من المشاعر الإنسانية.. ومع ذلك فان في حسابات الربح والخسارة قراءات ومعان أخرى .
فمما لا شك فيه أن أسرى الصهاينة من الجنود هم أكبر ورقة رابحة بيد المقاومة تستطيع من خلالها التفاوض لتحقيق شروطها ، غير أن هذا الاحتلال الصهيوني الأثيم يرى نفسه متفوقا ، ويرى أنه قادر على سفك أكبر كمية من الدماء وقتل أكبر عدد من الضحايا الأبرياء ، في وقت لا يزال دعم الدول الكبرى له مستمرا ، وبالتالي فلن يخضع لشروط المقاومة .. مهما قدمت من تنازلات .. ما لم يتألم ألما شديدا .. لم يشعر به من قبل .. ويجد نفسه مهددا تهديدا حقيقيا ، فلا يجد لنفسه مكانا يؤيه أو يخلد فيه إلى الراحة ..
ولذلك يبدو أنه ليس أمام المقاومة إلا استخدام عناصر أخرى غير ورقة الأسرى أو صفقة التبادل ..ورقة أشد فتكا وإيلاما ، ولا شك أن للمقاومة رصيدا هائلا من الصبر والصمود والطاقة الروحية ، كما أن لديها رصيدا هائلا من الأدوات الأشد إيلاما .. إضافة إلى رصيد كبير من الداعمين في مختلف دول العالم .
إن إنجاز صفقة تبادل في الوقت الحاضر سوف يوقف مؤقتا سيل الدماء النازف في غزة ولبنان ، ويخفف قليلا من الآلام والمصائب والكوارث الجارية .. غير أنه لن يعيد الضحايا والمفقودين ولن يجلب إعادة الإعمار كما هو الحال في صفقات سابقة مع العدو الغادر والوعود الكاذبة من المجتمع الدولي .
إن إنجاز الصفقة سوف يمنح دولة الاحتلال أمنا وأمانا ويطيل في عمرها وعمر احتلالها ، كما أنه سوف يحمي جنودها ويزيد في غطرستهم وإجرامهم ، إضافة إلى إعادة تجديد علاقاتها الدولية ، وكسب المزيد من التأييد الشعبي العالمي عبر وسائل الإعلام الخاضعة لها .
إن عدم إنجاز الصفقة معناه التعجيل بسقوط دولة الصهاينة من خلال هزائمهم المتوالية في المواجهات الحقيقية بين المقاومين وجيشهم الجبان المدعوم بالمرتزقة من كل الأجناس والأسلحة من معظم الدول الظالمة ..
إن عدم إنجاز الصفقة معناه زيادة في الفضائح للنظام العالمي الظالم والشرعية الدولية العوراء والتي تقيس بمعايير بمكاييل متعددة .. والتعجيل بتغيير هذا النظام الظالم نحو أنظمة أكثر عدالة وإنصافا ..
إن عدم إنجاز الصفقة معناه زيادة كشف للمتواطئين والداعمين للصهاينة في عدوانهم الأثيم على الأبرياء وافتضاح أمرهم وعمالتهم أمام شعوبهم .. وزيادة الأثمان التي سيدفعونها والتبريرات التي سيقدمونها والترقيعات التي سيبررون بها أفعالهم الخبيثة .
إن عدم إنجاز الصفقة سوف يزيد في كراهية العالم لهؤلاء المجرمين وربما يوجد تحالف شعبي دولي من أجل اقتلاعهم من أرض فلسطين وإعادتهم إلى حيث جاؤوا ، مدحورين منبوذين كما كانوا من قبل ، معزولين مجفوين في معازلهم كما نشأوا وعاشوا قرونا طويلة ..
إن الفيصل في هذه القضية يكمن المقولة الشهيرة ” إنما النصر صبر ساعة ” وإن المقاومة صبرت آلاف الساعات .. وإن لديها الإمكانات والقدرات والطاقات التي تمكنها أن تصبر في الساعة الأخيرة ، التي يوشك فيها العدو على الانهيار والهزيمة .
وبالرغم من قوة حسابات الربح والخسارة فإن حسابات العواطف والمشاعر الإنسانية تقول شيئا آخر .. وليس بالضرورة أن تتفق حسابات العواطف والمشاعر مع حسابات الربح والخسارة المادية ..

الدولة العالة .. والجيش الجبان

28 August 2024

إن من يراقب حجم المساعدات والمعونات والدعم الذي قدمته أمريكا ومعظم دول العالم لدولة الاحتلال يدرك دون أدنى شك بأن هذه دولة ما وجدت لتبقى ، لأنها دولة بنيت أعمدتها على الظلم والاعتداء وسلب حقوق الآخرين .. إنها دولة لا تستطيع الوقوف على قدميها دون مساعدة الآخرين من أعوان الاحتلال والمساندين له عبر العالم .
إنها دولة مسخ جمعت شذاذ الآفاق ، جاؤوا من كافة بقاع الأرض ، يحملون حقدهم وحسدهم ، وعاهاتهم وأمراضهم النفسية ، لا يجمع بينهم شيء سوى هذه العنصرية المقيتة ، الكبر والتعالي والحقد على البشرية جميعا .. دولة لا جذور لها ولا أصل ، أقيمت على أرض فلسطين .. بمساعدة الإنجليز وكافة قوى الاستكبار والظلم العالمي .. ومع مرور أكثر من 75 سنة على هذا الحدث الجلل ، فإن هذه الدولة المسخ لا تزال تترنح وتتمايل توشك على السقوط القريب ، والتبار الرهيب .. لا تزال هذه الدولة لا تستطيع الوقوف على قدميها إلا بمساعدة الآخرين ..
وقد كشف طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عن هذا الضعف وهذه الهشاشة والخوار في الأسس التي أقيمت عليها هذه الدولة العالة على الآخرين .. وتبين للقاصي والداني أنها دولة لا يمكن أن تقف وحدها ، فهي تعتمد على غيرها في كل شيء .. وخاصة في الأسلحة والطعام والشراب ، فهي تستورد الأسلحة من أمريكا وأوروبا وكافة دول العالم .. وتستورد الغاز والنفط ، وكذلك الخضار والطعام وكافة المستلزمات البشرية .. ومع ذلك تراهم يكابرون ويفاخرون بأنهم الأقوى وأنهم الأكثر إنتاجية ؟؟ .
ولعل من أبرز الأركان التي أقيمت عليها هذه الدولة ممارسة الكذب حتى النخاع وتسويق دور الضحية وركوب الموجات الإعلامية وممارسة ترويج الأكاذيب من خلال استئجار أبواق إعلامية في الغرب والشرق من أجل تأكيد مظلوميتهم وضعفهم .. وفي المقابل شيطنة كل من يطالبون بحقهم واتهامهم بالكراهية والإرهاب ومعاداة السامية .. إلخ من التهم التي تكفي لقمع أي معارضة أو طمس أي حقيقة ..
وبالرغم من نجاحهم في أداء دور الضحية خلال العقود الماضية .. ونجاحهم في السيطرة على الإدارات الحكومية في معظم الدول الغربية .. إلا أن جرائمهم في غزة قد كشفت حقيقتهم وما ينطوون عليه من كذب وغدر وحقد على الإنسانية .. وبالتالي لم تعد رواياتهم الكاذبة مقبولة لدى الجميع .. ولم تعد مظلوميتهم تنطوي على أحد .. فكل من في هذا العالم يرى ويسمع ويشاهد على مدار الساعة جرائم الإبادة التي يمارسونها طيلة الشهور الماضية ..
ومن جهة أخرى فقد كانوا يروجون لجيشهم بأنه الجيش الأكثر أخلاقية ، وقد انكشف للعالم حقيقة هذا الجيش الجبان ، الذي يقاتل من وراء جدر .. ومن وراء التحصينات في الدبابات أو الدروع أو الطائرات ، ويقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال .. ويقصف المستشفيات ويقتل الأطقم الطبية والمرضى والجرحى ، ويقيم المقابر الجماعية في ساحات المستشفيات ..
إنهم جيش من الجبناء الذين تحركهم العقائد الملوثة بالدماء .. إضافة إلى الأطماع المادية التي يوعدون بها.. ولعل الكثيرين منهم من مرتزقة دول أخرى قدموا من أجل كسب المال وممارسة الإجرام .. إنهم في الحقيقة مخلوقات متوحشة جبانة طفيلية مهزوزة مرعوبة ، بلا شعور أو قيم أو إحساس أو أية معاني إنسانية .
إن هؤلاء الجبناء لا يستطيعون الانتظار ، وقد رأينا من بقي من لواء غولاني يوم سحبوا من غزة أول مرة كيف أقاموا الاحتفالات بنجاتهم .. إنهم لا يستطيعون الصمود ولا التحمل أو الصبر ..إنهم لا يعرفون التضحية أو الإيثار .. أنهم أكثر الناس حرصا على الحياة .. غدا سيقولون لقادتهم .. اذهبوا قاتلوا وحدكم .. إنا ها هنا قاعدون .. غدا سيعلنون استسلامهم ، وسيحسبون ألف حساب قبل أن يحاولوا الخروج من جحورهم مرة أخرى .

المعجزات والكرامات … أ.د كمال حطاب

14 August 2024

المعجزات والكرامات
أ.د كمال حطاب
أثار كتاب ” آيات الرحمن في معجزات الأفغان ” للشيخ الدكتور عبدالله عزام رحمه الله في الثمانينات من القرن الماضي ، انتقادات كبيرة ، وردودا عنيفة ، اتهم فيها الشيخ بأنه يبالغ كثيرا حول انتصارات الأفغان ، والكرامات والمعجزات التي تحدث على أيديهم .. وكان رد الشيخ رحمه الله في إحدى محاضراته بقوله على ما أذكر : إن من يجلسون تحت المكيفات ويأكلون أطيب الطعام والشراب لا يمكن أن تحدث لهم الكرامات والمعجزات .. ولا يمكنهم أن يتصوروا حدوث هذه الكرامات .. فالكرامات لا تكون لشعوب مرفهة وادعة .. لا تُحدث شيئا ولا تقدم شيئا لله .. الكرامات تكون لمن يبيع نفسه لله ، الكرامات تكون لمن ينامون في كهوف الجبال على الطوى بلا ماء ولا طعام لأيام عديدة ..
وقد تحققت بالفعل المعجزات والكرامات على أيدي الأفغان ، وهزموا الاتحاد السوفييتي ، وأسهموا في تفتيت الدولة الشيوعية ، وأزاحوا اسمها من الخارطة ، كما هزموا أخيرا الولايات المتحدة وأخرجوا قواتها من أفغانستان مذمومة مدحورة ، ولو أن إدارات هذه الدول تخجل أمام شعوبها لما اعتدت على غيرها مرة أخرى .. ولما دعمت أي احتلال أو اعتداء .. وللزمت الحياد الإيجابي والوقوف مع الحق .
غير أنهم لا يخجلون ولا يراعون إلا ولا ذمة ، همهم مصالحهم أو ما يظنونه مصالحهم ، ولكنهم واهمون ، فليست المصلحة في احتلال أراض إو إخضاع شعوب أو ارتكاب المجازر الجماعية ..
لا شك أن للشعب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية كرامات ومعجزات ، ولعل أكبر معجزة يشهد عليها الأعداء قبل الأصدقاء .. هذه المقاومة الباسلة المستمرة .. والتي صمدت أكثر من عشرة شهور حتى الآن .. رغم الفرق الهائل في التسليح وفي العتاد ورغم استخدام الطائرات والأقمار الصناعية ومشاركة دول عديدة في دعم الصهاينة دعما كاملا .. إلا أن المقاومة لا تزال تذيقهم يوميا عذابات وقتل وقنص وتدمير للآليات والدبابات .. إن مجرد استمرار هذه المقاومة .. هو معجزة في الأعراف العسكرية ..وإن هذا الصمود الأسطوري هو كرامة لهذا الشعب المقاوم .

إن المعجزات والكرامات ثابتة لأولياء الله ، وتوجد أحاديث نبوية وآثار عديدة تدعم وجود الكرامات مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة الذين آووا إلى غار في جبل .. والأثر المشهور عن عمر رضي الله عنه ” يا سارية الجبل الجبل ” وغيره كثير ..
غير أن الكرامات لا تكون معروفة أو ظاهرة ابتداءً ، كما لا يمكن السماح بترك الأسباب اعتمادا على الكرامات .. بل لا بد من الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية والروحية بشكل كامل ..
ومن جهة أخرى فلا يمكن أن تتحقق الكرامات لبعض البشر وهم على معصية الله أو في معصية الله إلا إذا كان الأمر دجلا وشعوذة وتلبيسا شيطانيا .. فليس من الكرامات أن يعلن أحدهم وهو في مرتبة مفتي بأن لديه كرامة أو عرضت عليه كرامة بأن يرى الناس عرايا فرفض .. ، فهذه ليست كرامة وإنما أمراضا نفسية شهوانيا أو فصاما شيزوفرينيا جنسيا .. ثم ما الذي عرض عليه وقبله .. ومن الذي عرض عليه ؟؟
إن الكرامات والمعجزات تتطلب أعمالا خارقة في طاعة الله ، وإن ما يقوم به أهل غزة من مقاومة وصمود دفاعا عن الأرض والعرض .. لهو من أشد الطاعات وأقرب القربات .. ولذلك فإن النصر سيكون حليفهم بإذن الله .. قال تعالى ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين ” وقال تعالى ” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ”

العقيدة الملوثة بالدماء … أ.د كمال حطاب

10 August 2024

برر اليوم كثيرون ممن كتبوا أو علقوا على مجزرة الفجر التي قام بها الاحتلال في مسجد مدرسة التابعين ، وارتقى فيها أكثر من مئة شهيد ، وعشرات الجرحى ، برروا هذه المجزرة بأن الاحتلال لا يريد التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار .. وربما يكون هذا الكلام صحيحا ، ولكن الأصح هو أن هذا الاحتلال الصهيوني يقوم على فكر وعقيدة استئصالية هدفها القتل وسفك الدماء وقد ظهر ذلك جليا في تصريحات عدد من المسؤولين الصهاينة الذين يطالبون بقصف غزة بالنووي أو إعدام الأسرى أو تعذيبهم بما لا يتوافق مع المعايير البشرية ولا الحيوانية .
قبل ما يقارب الثلاثين عاما ، وبالتحديد في أعقاب المذبحة التي قام بها صهيوني حاقد في الحرم الإبراهيمي وتذكرنا مذبحة شهداء مسجد مدرسة التابعين باستشهاد أكثر من 50 مصليا وجرح أكثر من 150 من المصلين الراكعين الساجدين في المسجد قبل ثلاثين عاما في الحرم الإبراهيمي في الخليل .. في أعقاب تلك المجزرة ظهرت كثير من الدراسات والأفلام الوثائقية التي تحلل هذه النفسية الصهيونية المشبعة بالإجرام والقتل وسفك الدماء .. وقد تابعت في ذلك الوقت أنشودة صهيونية ينشدها طلبة المدارس الدينية في كل صباح .. ومما ورد فيها :
مهما قتلت من الفلسطينيين فلن أشفي غليلي .. مهما شربت من دمائهم فلن أروي ظمئي .. مهما أنشبت أظافري في لحومهم .. مهما مزقتهم بأسناني .. مهما كسرت من عظامهم .. مهما..مهما ..
كلمات مصاصي دماء آكلي لحوم بشر مجرمين متوحشين إلى أبعد درجات الإجرام المركب .. كلمات إجرامية متوحشة يتربى عليها الصهاينة فتتشربها نفوسهم المريضة.. فيتحولوا إلى قتلة مجرمين وهم يظنون أنفسهم أبطالا وفقا لعقيدتهم الإجرامية تجاه الإنسانية .
كلمات تستمد من العقائد الملوثة بالدماء التي تحث على قتل النساء والأطفال والإبادة الجماعية ، كما ورد في كتبهم المحرفة ..
وكذلك ما ورد في نشيدهم الوطني الذي يرددونه يوميا .. ” حين نغرس رماحنا في صدورهم .. ونرى دماءهم تراق ورؤوسهم مقطوعة …. وعندئذ نكون شعب الله المختار ” .
شعب يعيش على الدماء ويتغذى على الدماء وينام على الدماء .. ولكنها ليست أي دماء.. إنها دماء الآخرين من المسلمين أو المسيحيين لا فرق ، وهو ما أكده ويؤكده فطيرهم الشهير، الذي لا يعد صالحا للأكل إلا إذا كان معجونا بدم مسلم أو مسيحي .. وقصة دم لفطير صهيون والتي قتل فيها الأب توما في دمشق لا تكاد تخفى على أحد .
إن حجم الكراهية التي أشربت بها نفوسهم وتغذت بها أرواحهم هو ما يدفعهم إلى مواصلة مسلسل القتل وسفك الدماء في غزة .. قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ، قتل الأطباء والمسعفين وهدم المساجد والكنائس .. كل هذا الإجرام لا يشفي صدورهم ولا يذهب غيظهم ..
إن هؤلاء المجرمين الملوثين بالدماء .. يشكلون أكبر خطر على العالم .. ولن يستطيع أحد أن يوقفهم أو يردعهم إلا سلاح المقاومة ..
إن استعراض حركات التحرر في العالم يوضح أن معظم هذه الحركات قامت بمقاومة المحتل، ولم تحصل على استقلالها بالمفاوضات .. ، ابتداء من المقاومة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني وانتهاء بالمقاومة الأفغانية ضد الاحتلال الأمريكي ..
إن المقاومة الفلسطينية هي الجهة الأولى القادرة على إيقاف العدوان وهزيمة المحتلين ، فما دام هذا الاحتلال متفوقا ، فلن يتوقف القتال ، ولن يتراجع قيد أنملة عما حققه من مكاسب في الأرض أو القتل أو الأسر ، ولعل أكبر مكاسبه تتحقق عندما يسفك أكبر كمية من دماء الأبرياء من المدنيين من النساء والأطفال .. وبالتالي لا مجال لمفاوضته على انسحاب أو وقف عدوان أو تراجع .. ولا مجال لهزيمته إلا باستمرار المقاومة بكافة الأساليب القانونية والشرعية والتي تقرها كافة الشرائع السماوية والدولية .. ويبدو أن المقاومة الفلسطينية لا يزال لديها الكثير من هذه الأساليب التي لم تجرب من قبل .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]