الاقتصاد الإسلامي وفرص عمل الخريجين أ.د كمال حطاب
13 March 2022 عندما بدأت دراسة الاقتصاد الإسلامي في بداية الثمانينات في جامعة أم القرى ، كان برنامج الاقتصاد الإسلامي عبارة عن فرع أو شعبة تابعة لقسم أصول الفقه في الدراسات العليا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ، أما اليوم فالاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى عبارة عن كلية قائمة بذاتها تسمى كلية العلوم المالية والاقتصادية الإسلامية ، تضم أربعة أقسام ، قسم للاقتصاد ، وآخر للتأمين ، وثالث للمصارف والأسواق المالية ، ورابع للتمويل ، وفي كل قسم برامج للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه غالبا ، وكما ورد على موقع الكلية فإن كل برنامج له مراكز وظيفية بعد التخرج معلن عنها على موقع الجامعة سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة ، كما أن لهذه البرامج اتفاقيات تدريبية مع المؤسسات الحكومية والخاصة قبل التخرج ..
ومنذ نهاية السبعينات من القرن الماضي تأسس المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة ، وقد استمر هذا المركز سنوات طويلة في رفد مسيرة البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي بمئات وآلاف الأبحاث في التخصص ، غير أنه تحول أخيرا إلى مؤسسة أكاديمية هي معهد الاقتصاد الإسلامي ، يضم ثلاثة أقسام ، قسم لعلوم وتطبيقات الاقتصاد الإسلامي ، وآخر لإدارة المخاطر والتأمين ، وثالث للتمويل الإسلامي .. ، ولو استعرضنا عددا من الأقسام المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي في عدد من الجامعات والمعاهد العالمية لوجدناها تتطور وتتغير ، بحيث تواكب التطورات المعاصرة الاقتصادية والمالية ، وبما يتوافق مع تطورات أسواق العمل ..
ومما تقدم ، يمكن القول بأن المسؤولية كبيرة على أقسام الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية في كل بلد أو في كل جامعة ، من أجل إعادة النظر في الخطط الدراسية بما يتناسب مع التغيرات والتطورات في سوق العمل ، فربما نكون بحاجة إلى برامج جديدة تتفرع عن أقسام الاقتصاد الإسلامي .. فمثلا يمكن أن توجد حاجة ماسة إلى برامج فرعية متعلقة بالحوكمة والإفصاح والنزاهة والشفافية ، أو برامج في التنمية أو مكافحة الفقر والبطالة ، أو في إدارة المخاطر ، والتأمين ، أو في الأسواق المالية ، أو الصكوك ، أو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد السلوكي .. إلخ وربما وجدت حاجة الماسة إلى برامج أخرى أكثر مواكبة لسوق العمل .
إن الدول التي يغلب عليها القطاع الزراعي ، ويزدهر فيها الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية ، تتطلب أن تركز البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على التمويل الزراعي من خلال السلم أو المشاركة بالمزارعة أو المساقاة .. ولذلك ينبغي أن تركز برامج الاقتصاد الإسلامي في الجامعات على هذه الجوانب ، فيكون الخريجون أكثر إلماما بها ، وأكثر كفاءة فيها .. بعكس الدول التي يغلب عليها القطاع الصناعي أو التجاري والائتماني ، وتتطلب التمويل من خلال الصكوك أو التأجير التمويلي أو المشاركة المتناقصة .. إلخ ، فينبغي أن تركز برامج الاقتصاد الإسلامي على هذه الجوانب ، حتى يكون الخريجون أكثر كفاءة وتميزا فيها ، وبالتالي تكون لهم الأولوية في التوظيف بعد التخرج .. وهكذا
إن مسؤولية إيجاد فرص عمل للخريجين تقع على أطراف عديدة ، لعل من أهمها الأقسام الأكاديمية والبرنامج الأكاديمي الذي يدرسه الطالب ، فبقدر ارتباط هذا البرنامج بسوق العمل ، ومراعاته لحاجة المجتمع ، بقدر ما يجد الخريجون فرص عمل تنتظرهم ، أما إذا كان البرنامج وخطة التخرج بعيدة عن الواقع يغلب عليها الجانب التنظيري ، فإن الخريجين سوف يعانون كثيرا قبل الوصول إلى فرص عمل .
إن المطلوب من الأقسام الأكاديمية المتخصصة عقد اجتماعات وورش عمل ودعوة كافة الأطراف ذات العلاقة بما فيها الأجهزة الحكومية من أجل اعتماد ما له أولوية كبرى ، وبما يتفق مع متطلبات سوق العمل ، بحيث يتم تفعيل هذه البرامج في خدمة المجتمع والنهوض بكافة قطاعاته ومؤسساته .
إن هذه الاجتماعات والورش المقترحة ينبغي أن تكون منعقدة بشكل دائم ، بحيث يتم مراعاة كافة المستجدات والمتغيرات على الواقع الأكاديمي وعلى سوق العمل ، وكذلك مراعاة مؤشرات الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية .