حرب أوكرانيا والمجاعة القادمة .. أ.د كمال حطاب
04 June 2022 تحدثت مجلة الإيكونومست في عددها الأخير حول الآثار الكارثية الناجمة عن حرب أوكرانيا ، حيث تتوقع دخول مئات الملايين من الناس في حلقة الفقر المفرغة ، وانتشار الاضطرابات والقلاقل السياسية والاجتماعية ، وانتشار ظاهرة تقزم الأطفال ، والكثير من الأمراض الناجمة عن سوء التغذية ..
ويقدر المقال وجود نقص في الأغذية الأساسية التي يحتاجها البشر ، حيث فرضت 23 دولة قيودا على صادراتها الغذائية ، في الوقت الذي تعاني فيه معظم الدول النامية نقصا حادا في الغذاء ..
ويضيف المقال بأن ارتفاع أسعار الأغذية زاد عدد الذين لا يستطيعون التأكد من الحصول على كفايتهم من الغذاء ، من 440 مليونا إلى 1.6 مليارا من البشر ، منهم 250 مليونا على حافة المجاعة .
وما لم يتخذ العالم خطوات جادة للتخفيف من آثار الحرب ، فسوف تستمر الكوارث وتتلاحق ، لتشمل معظم دول العالم ، وسوف ترتفع أسعار الغذاء والدواء بشكل فلكي ، ولن يجد معظم الناس حاجاتهم الغذائية أو العلاجية ، مما سيؤدي إلى كوارث غير مسبوقة من قبل .. ولكن ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل الحد من هذا السيناريو البشع ؟
ينصح المقال دول العالم بمساعدة أوكرانيا والدول المصدرة للغذاء على تصدير حبوبها ومنتجاتها الغذائية .. والابتعاد عن سياسات الامتناع عن التصدير من قبل الدول ذات الفوائض الغذائية .. إضافة إلى ضرورة دعم الدول المستوردة بالقروض اللازمة لمواجهة الارتفاع الحاد في الفواتير الغذائية ..
وسواء أكانت الأرقام التي أوردتها المجلة دقيقة ، أو أنها جاءت لأغراض سياسية ، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن العالم الإسلامي هو الأكثر استيرادا للغذاء ، حيث تستورد الدول الإسلامية أكثر من ربع انتاج العالم من القمح سنويا ، وكذلك من الذرة والشعير والزيوت النباتية وغيرها ، وهذا يعني أن نبوءة المجاعة إذا ما تحققت فسوف تكون الدول العربية والإسلامية هي الأكثر تضررا .. لأنها الأكثر اعتمادا على غيرها في موضوع الغذاء .
وبالرغم من الدعوات المتزايدة لتحقيق الأمن الغذائي منذ السبعينات من القرن الماضي ، وحتى وقتنا الحاضر إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال هي جهود ضعيفة، نظرا لحالة التفرق والتشرذم التي تعيشها الأمة الإسلامية ، ففي ظل حالة التفكك والانقسام ، لم تستطع أية تجربة تكاملية أو وحدوية تحقيق النجاح ، وبالتالي كانت مشروعات التكامل الاقتصادي أو الزراعي أو الغذائي هي مشروعات طموحة ناجحة نظريا ، ولكنها لم تتقدم خطوة واحدة في الجانب العملي ..
إن تحقيق الأمن الغذائي لا يمكن أن يتم على الصعيد القطري المصغر ، فإذا ما نجح ، فإنه يمكن أن يستمر لعدة شهور ، أما النجاح الدائم لهذا المشروع فإنه يتطلب التكامل الإقليمي ، بمعنى إعادة الحياة لتجارب السوق العربية المشتركة أو السوق الإسلامية المشتركة أو تفعيل غرف المقاصة للسلع الغذائية بين الدول الإسلامية، أو غيرها من المشروعات التي وجدت نظريا وعمليا ، ولكنها لم تؤت ثمارها الحقيقية ، نظرا لغياب الإرادة السياسية العليا بين الدول العربية والإسلامية .
لقد كانت جائحة كورونا رغم قساوتها وآلامها فرصة عظيمة لرجوع الناس إلى رشدهم ومحاولة الاعتماد على أنفسهم ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية ، ولكن ما تحقق عمليا في هذا المجال لا يكاد يذكر حتى الآن .. وبالتالي فإن النتائج التي تتوقعها مجلة الإيكونومست إذا ما تحققت فعلا ، فإن المسلمين سيكونون هم الأكثر تضررا .
وفي ظل هذا الواقع المؤلم ، فإن الشعوب مطالبة بأن تقوم بدورها في ظل الغياب الرسمي للدول والحكومات ، وتستطيع أجهزة المجتمعات المدنية ممثلة في الجمعيات والمنظمات الأهلية ، خاصة ذات العلاقة بالفلاحة والزراعة والغذاء ، تستطيع توجيه الناس نحو الزراعة والفلاحة ، بحيث يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية على مستوى كل مدينة أو قرية أو حي شعبي .. يستطيعون التوجيه حول نوعية البذور والطرق الحديثة في الزراعة والري ، بحيث يتم تجاوز العجز الذي يمكن أن يحدث فجأة في الأسواق ، ويوقع الناس في حرج شديد . تستطيع الجمعيات والمنظمات الأهلية توجيه الناس إلى زراعة حدائق منازلهم بالطريقة الرأسية المكثفة ،بحيث يتم الاستفادة من كل متر مربع ،أقصى استفادة ممكنة وبأقصر وقت ممكن وأقل تكلفة ممكنة.
إن الأزمة ستكون خطيرة جدا وكارثية ، ما لم يقم العقلاء في كل مجتمع ، بمحاولة سد النقص من كل ما هو مستورد ، وذلك بقيام كل متخصص بأي علم من العلوم ، وخاصة في العلوم الزراعية والغذائية ، ببذل الجهود لإيجاد البدائل التي يمكن أن تسعف الناس في حالة النقص والعجز والحرج الشديد ..