البنك المركزي الكويتي والرقابة الشرعية أ.د كمال حطاب
01 January 2020البنك المركزي الكويتي والرقابة الشرعية
أ.د كمال حطاب
ليس من قبيل المبالغة اعتبار كلمة الدكتور محمد الهاشل محافظ البنك المركزي الكويتي في افتتاح مؤتمر شورى الثامن ، من أهم الكلمات التي قيلت في تنظيم وتقييم المصرفية الإسلامية في عام 2019 .
فقد أثارت كلمة الدكتور الهاشل ، وما زالت تثير العديد من ردود الفعل ، التي امتازت في معظمها بالثناء على الجرأة والصراحة والمكاشفة لواقع الرقابة الشرعية على البنوك الإسلامية في العالم .
ذكر الدكتور الهاشل أنه من الظلم لهيئات الرقابة الشرعية أن يكون ثمانية أشخاص متواجدين في أكثر من ثلاثين هيئة شرعية ، كما أن ثلاثة من هؤلاء الثمانية هم أعضاء في أكثر من سبعين هيئة شرعية ، وعزا ذلك إلى ندرة من يجمع بين العلم الشرعي وعلم الاقتصاد والمالية ، مما يفهم منه بأن هؤلاء هم المتخصصون المتفردون بهذه العلوم ..
وقد يكون هذا الكلام دقيقا بالنسبة لبعض أعضاء الهيئات الشرعية ، ولكن المتأمل في السير الذاتية للأعضاء الأكثر انتشارا في الهيئات الشرعية ، يجد أن معظم هؤلاء من خلفية شرعية وليس لديهم أية شهادات مصرفية أو مالية أو اقتصادية .. وربما يكون الجامع بينهم شهرتهم الدينية في بلادهم أو كثرة الفتاوى المنشورة لهم ، وقد حاولت بعض البنوك المركزية كالبنك المركزي الماليزي ، معالجة هذه المشكلة ، وذلك بمنع أي مراقب شرعي من الاشتراك بأكثر من ثلاث هيئات شرعية ، ويبدو أن هذا الحل هو العلاج المناسب ، خاصة في ظل تفاقم عملية احتكار الرقابة الشرعية على مستوى العالم .
ولعل من أبرز ما ورد في كلمة المحافظ الهاشل أنه دعا إلى قيام المالية الإسلامية على مبادئ الاقتصاد الإسلامي وليس على المقاصد والغايات ، ومعنى ذلك أن تكون المالية الإسلامية مبنية على أصول ومبادئ إسلامية ولا تكون مجرد متوافقة مع المبادئ الإسلامية ، وهذه دعوة صريحة واضحة إلى الكف عن الحيل والتكييفات الشرعية التي استفحل انتشارها ، فالأصل أن يكون المتخصصون في المالية الإسلامية مبدعين ومبتكرين ، لا أن يكونوا مقلدين أو مكيفين للعقود والمنتجات الربوية فيعملوا على تكييفها أو جعلها متوافقة مع الشريعة الإسلامية .
واستكمالا لهذه الملاحظة دعا الهاشل إلى تنويع المنتجات الإسلامية وإحياء عقود المشاركة والاستصناع والسلم بدلا من الاقتصار على المرابحة والإجارة ، ومعظم التمويل يتركز على سلع استهلاكية مستوردة مما يفقد هذه المصارف أي دور إيجابي في عملية التنمية ، كما أنه تمويل ضار بالبيئة ..
وفي مسألة الإضرار بالبيئة أشار إلى توجه بعض الدول التي تنتج زيت النخيل إلى اجتثاث الغابات المطرية من أجل زراعة أشجار زيت النخيل وذلك لتلبية طلبات التورق التي تعتمد بشكل كبير على زيت النخيل .. مما ينجم عنه أضرار كبيرة على البيئة .
ولست أدري كيف ترضى الهيئات الشرعية ببدعة زيت النخيل مع يقينهم أنه لا أحد من المتورقين يستلم زيت النخيل ، وإنما هي عمليات تغطية بنقل الزيت من الصهريج أ إلى الصهريج ب ، ثم إعادته مرة أخرى ، من خلال سندات أو فواتير حكمية تمثل عملية البيع والشراء يتم إصدارها وإلغاؤها يوميا ..
وفي الختام أقول إن البنك المركزي وبصفته بنك البنوك أي المسؤول عن البنوك كافة ، يستطيع أن يصدر تعليمات للحد من التورق والمرابحة ، كما أن له أن يصدر تعليمات تنظم سوق الرقابة الشرعية ولا تسمح لعضو الهيئة الشرعية أن يكون عضوا في ثلاثين أو سبعين أو مئة هيئة شرعية ، كما أن للبنك المركزي أن يتشدد في الحد من المنتجات المتوافقة مع الشريعة ، ويشجع المنتجات المنبثقة من الشريعة ..
وقد خطا بنك الكويت المركزي خطوات كبيرة في الجوانب السابقة وغيرها ، حيث صدرت تعليمات لاعتماد التدقيق الشرعي الخارجي .. كما اشترط على من يمارس التدقيق الحصول على شهادة تدقيق خاصة من البنك المركزي الكويتي .. وهذه خطوات سليمة مباركة وربما تعقبها خطوات أخرى من أجل تطهير سوق المصرفية الإسلامية من الحيل والخزعبلات ، وإعادته إلى أصول الصيرفة الإسلامية الحقيقية .