العقوق العالمي والكورونا أ.د كمال حطاب
19 April 2020العقوق العالمي والكورونا
أ.د كمال حطاب
كان الناس في الشرق والغرب يتهامسون خفية حول كبار السن ، وأنهم يشكلون عبئا على الأولاد والأحفاد ، كما يشكلون عبئا على موازنات الدول التي تكفل لهم الرعاية الصحية والاجتماعية والمكافآت والمزايا الخاصة ، ويزداد الهمس حدة إذا ما كان هؤلاء الكبار أصحاب ثروات ، فيقول من حولهم من أبناء وأحفاد وأقارب ، متى يرحلون أو متى يسافرون إلى الدار الآخرة ؟ ماذا ينتظرون ؟ ألم يشبعوا من نعيم الدنيا وملذاتها ؟ فليتركوا شيئا لمن بعدهم .
لم يكن يخطر ببال أحد أن يأتي اليوم الذي يظهر العقوق لكبار السن بهذا الشكل الفظيع ، الذي يكاد يصل إلى حد الجرائم الإنسانية ، فمنذ ظهر وباء الكورونا وكبار السن في معظم دول العالم يتساقطون بالمئات والآلاف وعشرات الآلاف، ويساقون إلى المحارق للتخلص من جثثهم بعد أن لم يجدوا لهم مقابر على الأرض .. وكأن هذا الوباء قد جاء قاصدا كبار السن ، وكأن بينه وبينهم ثأرا أو انتقاما ، أو كأنه جيء به من أجل التخلص من كبار السن كما أظهرت بعض المقالات والكتابات في مواقع التواصل الاجتماعي .
هل يمكن أن تصل الوحشية بالرأسمالية إلى هذا الحد ؟ هل يمكن أن يصل العقوق العالمي إلى هذا الحد ؟ فعندما نسمع تصريحات عدد من رؤساء الدول الغربية يحثون على توديع الأحبة ، وتبني سياسة حماية القطيع ، فمعنى ذلك أنهم يتخلصون من الضعفاء وكبار السن ، وعندما تُخرج الأمم المتحدة من هم فوق الستين من حجم القوى العاملة ، وعندما يتم التركيز على الإنتاجية وزيادتها دون الأخذ بأي اعتبار أخلاقي ، فمعنى ذلك أنه من المتصور نظريا أن يتم التخلص ممن لا ينتمون إلى القوى العاملة ، من أجل التخلص من العبء الذي يمثلونه .. هذه هي مبادئ الرأسمالية وأخلاقياتها وقوانينها القائمة على قوى السوق والعرض والطلب والدارونية الاجتماعية.
إن المشاهد الفظيعة حول كيفية التخلص من كبار السن تزيد من احتمالية المؤامرة ، وتدق ناقوس الخطر حول اندثار ما تبقى من قيم إنسانية أسرية اجتماعية .وتحول المجتمعات البشرية إلى غابات بشرية متوحشة ، تخجل من سلوكياتها وقيمها الحيوانات المتوحشة الحقيقية .
إن ما يجري هو أمر لا يليق بالإنسانية والمعاني والقيم التي تتبناها .. وبالتالي لا بد أن يتداعى العقلاء وتتداعى المنظمات الإنسانية من أجل محاولة تدارك ما تبقي من قيم إنسانية هزيلة ، قبل أن يأتي يوم ينسى الإنسان فيه أنه ينتمي إلى جنس البشر وأنه كانت لديه قيم الأخوة والرحمة والمحبة واحترام الكبار ورعايتهم وكفالتهم والاعتزاز بهم .