عودة إلى الصفحة الرئيسية
07 July 2023
لا يكاد يمر يوم في فلسطين دون أن يرتقي شهداء أو يدخل المستشفى جرحى أو يزج في الزنانين أسرى مخطوفون من أبناء فلسطين .. في ظل احتلال همجي جبان لا يقيم وزنا لأحد ، ويضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية التي تنص على حماية الأراضي والشعوب المحتلة ..
ففي كل يوم يقوم المحتل المجرم بإراقة الدماء ، والاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ ، أمام الكاميرات والشاشات التي تبث الصورة إلى جميع الأحياء في هذا العالم .. دون أن يتحرك أحد لنصرة المظلومين ..
غير أن الاعتداء الأخير في جنين ومخيم جنين ليس كغيره من الاعتداءات ، وما نجم عنه من آثار ستكون له ما بعده ، إن هذا الاعتداء سيغير المعادلات وقواعد الاشتباك في الضفة .. فلن تتمكن قوات الاحتلال من بعد ، من الاعتداء دون أن يعتدى عليها ، لن يتمكنوا من دخول جنين بسهولة دون أن يتكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات .. إن منظر الآليات المصفحة التي تمزقت في جنين هو بداية تمزيق كيانهم الهش وسقوط دولتهم بيت العنكبوت ، إن انطلاق الصواريخ من جنين ، وسقوط الطائرات المسيرة فوق جنين هو بداية التغيير في المعادلة وميزان القوى ..
إن هذا الاحتلال لا يعرف غير لغة واحدة هي لغة القوة ، أو لغة البندقية والرصاص ، لغة العبوات الناسفة ، لغة الصاروخ ، لن يحسب هذا الاحتلال الجبان حسابا لأحد ، إلا لمن يحمل الصاروخ والبندقية ، وبغير ذلك لا يعترف بقانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو أي ميثاق إنساني ..
لقد رأينا جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين ، وسمعنا أصواتهم وصراخهم عندما أصابتهم الصواريخ أو شظيات الصواريخ ..رأيناهم يهربون مذعورين كالجرذان .. إنه الذعر والرعب والهلع هو الذي سيخرجهم من أرض فلسطين ، ليعودوا من حيث جاؤوا .. فليعودوا إلى البلدان التي جاؤوا منها قبل أن تكون فلسطين مقبرتهم .
إن الآلام والمعاناة التي تعيشها القدس ونابلس وجنين ، ينبغي أن تعيشها تلك المدن التي احتلها اليهود وظنوا أنه مانعتهم حصونهم فيها .. فلا يصح أن يأمن المحتل على أي شبر من أرض فلسطين مهما طال الزمان ..
إن سقوط الصواريخ على المدن المحتلة التي ظن الصهاينة أنها في مأمن ، مهمة عظيمة مقدسة ، أتقنتها المقاومة في غزة ، وسوف تتقنها المقاومة في جنين ونابلس وكافة المناطق المحتلة .. وإن استمرار هذه الحالة هي مسؤولية المقاومة الباسلة ، المقاومة المقدسة ، المقاومة التي تقدم الدماء وتقدم الشهداء في سبيل الله ، وفي سبيل التحرير والحرية والكرامة ..
إن جنين لا تختلف كثيرا عن غزة وسائر المدن الفلسطينية ، وكما تحررت غزة ، يمكن أن تتحرر جنين ، وكذلك نابلس والخليل وطولكرم وسائر مدن الضفة الغربية ..
إن دماء الشهداء والجرحى الغالية على كل إنسان حر ، هي وقود الثورة ووقود التحرير ، وهي التي تحيي موت القلوب ، كما تحيي الضمائر والعزائم والحمية .. الحمية للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات واسترداد الحقوق المغتصبة .
وفي ظل قوله تعالى ” فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ “َ ( البقرة ، 194) وقوله تعالى ” وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ” ( النساء ، 104) وقوله تعالى “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ” وغيرها من الآيات التي تحدد قواعد الاشتباك مع العدو .. يمكن أن يتحقق النصر والتحرير .. لا يتحقق النصر باتفاقيات سلام تمكن المحتل من الأرض .. وتمكنه من الغطرسة وانتهاك القوانين الدولية .. إذا كان ولا بد من اتفاقيات فلتكن اتفاقيات عزة وكرامة ومعاملة بالمثل .. ولتكن قواعد الاشتباك مستمدة من القرآن الكريم .. ” وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ” فليخرجوا من أرضنا ومقدساتنا .. وليذهبوا حيث شاؤوا فلا شأن لنا بهم .. وإلا فلينتظروا مصيرهم المحتوم .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
30 June 2023
كنا نقرأ قديما عن السويد وأنها من أكثر الدول غنى ورفاهية ونزاهة وشفافية ، وأنها الأقل فسادا وتعديا على المال العام .. كما كنا نقرأ بأنها من أعلى الدول في معدلات الانتحار .. وكنت دائما أحاول تفسير هذا التناقض بين زيادة الرفاهية وزيادة الانتحار على أنه الخواء الروحي والنفسي والاجتماعي ، فهؤلاء القوم ربما تقدموا ماديا ولكنهم روحيا ونفسيا يعانون من أشد حالات فقر الروح .. القلق والاضطراب والأمراض النفسية التي لا تنتهي .. ولعل من الأمراض والأحقاد النفسية ما قام به متطرف جبان حاقد مريض نفسيا وروحيا ، وسمحت به حكومة السويد ، من حرق المصحف الشريف والإساءة إلى الإسلام .. و توجيه الإهانة والازدراء لما يقارب ملياري مسلم ، دون أدنى شعور بالخجل أو الخوف أو القلق لما يمكن أن تكون عليه ردة فعل المسلمين ..
إنه الخواء الروحي والعقد النفسية هي التي تدفع هؤلاء إلى الانتحار وإلى القيام بأفعال ربما تسول لهم بها أنفسهم الخبيثة بأنهم سيحققون شهرة عالمية تشبع أرواحهم الخبيثة ولكن هيهات هيهات .. فلم يكن التعدي على الآخرين ومقدساتهم ليشفي أمراضهم النفسية . ولذلك فإن خير وسيلة أمامهم للإشباع الروحي .. هي الانتحار ..
إنه الانتحار هو الدواء الشافي لمن أظلمت نفوسهم واسودت قلوبهم .. بأحقادها البغيضة ووساوسها الملعونة ..
كنت دائما أدعو إلى مقاطعة السلع التي تنتجها هذه الدول المسيئة ، وحتى الخدمات التي تقدمها شركاتهم .. غير أنني اليوم لا أجد المقاطعة كافية …وربما توجد حلول أخرى لأمثال هؤلاء المسيئين للأديان والمقدسات ..
كنت دائما أقول بأن المقاطعة هي خيار فردي تقوم به الشعوب وربما لا تقوى عليه الحكومات نظرا للعلاقات الدبلوماسية الدولية ..
غير أنني اليوم أقول بأن مقاطعة الشعوب لا تكفي .. ولا بد أن تقوم الدول والحكومات بالمقاطعة ، ولا تكتفي بالشجب والتنديد ، لا بد أن تنتفض حكومات الدول الإسلامية التي تمثل ما يقارب الملياري مسلم ، في وجه هؤلاء المسيئين ، وتوقفهم عند حدهم . إن هذا الفعل الشنيع قام به شخص مع طائفة متطرفة بموافقة نظام قضائي يمثل دولة السويد .. وبالتالي فإن الدول الإسلامية مطالبة بأن تقوم بدورها لإيقاف هؤلاء وغيرهم من الحاقدين المعتدين .
أي نظام قضائي وأي عدالة وأي حرية تعبير هذه التي تسمح بالتعدي على ملياري مسلم .. وأي نزاهة وشفافية وتقدم هو هذا الصنيع القبيح .. فإذا لم يكن هذا فسادا وإجراما فما هو الفساد والإجرام ..
إن أمراضهم النفسية وأحقادهم الدفينة هي التي جعلتهم يحرقون المصحف .. حرق الله قلوبهم .. وزادهم شقاء واضطرابا .. وخواء روحيا .. ومتعهم بلذة الانتحار وسهل لهم سبل الموت الرحيم .
إن المسلمين مطالبون بردة فعل تجاه هذه الأفعال المسيئة ، فبالإضافة إلى المقاطعة لا بد أن يعكف المسلمون على مصاحفهم ، ويعرفوا أهميتها ومكانتها وقيمتها ، لا بد أن يعيشوا قرآنهم ، ويعايشوا كلمات ربهم ، ويتعايشوا معها في حياتهم ، من خلال التطبيق اليومي لهذه الآيات ..
إن هذا التعدي على المصحف الشريف لم يكن ليحدث لو أن المسلمين يعظمون كتاب ربهم ويعطونه المكانة اللائقة والرفيعة .. ويصفونه الوصف الذي وصفه به الوليد بن المغيرة قبل الإسلام ” والله إن له لحلاوة، وان عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى ” ..
ربما لا يجد كثير من المسلمين حلاوة القرآن كما وجدها ذلك الجاهلي المنصف ، الذي لم يكن مسلما ، قبل أن يعود لجاهليته ويقول إنه لسحر يؤثر .. وربما لا يعرف المسلمون اليوم طلاوته ولا أعلاه أو أسفله .. وربما لا يعرفون لماذا يعلو ولا يعلى عليه .. وربما يصدق فينا قول الشاعر :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم .. ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ، ودنسوا .. محياه بالأطماع حتى تجهما
مما لا شك فيه أن علم القرآن هو أشرف وأقدس العلوم ، وهو أساس كل العلوم التي عرفها البشر ..
إن هذه الأفعال المشينة والمسيئة من قبل أعداء الإسلام – على بشاعتها وشناعتها وقبحها – تمثل فرصة للمسلمين لكي يتقربوا أكثر من القرآن ، ويعظموه ويوقروه بتطبيق ما جاء فيه .. إنها فرصة مهمة لعودة المسلمين إلى كتاب ربهم ليعرفوا قيمته ويرفعوه فيرتفعوا به ، ويعزوه ويكرموه ، فيزدادوا عزة وكرامة ومكانة بين الشعوب .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
06 June 2023
يبدو أن الأمم المتحدة ، قد تخصصت في تنظيم الاحتفالات على مستوى العالم ، من خلال توزيع أيام السنة على المناسبات الأكثر أهمية ، وليس مهما ما إذا كانت مناسبات حزينة أو سعيدة ، فالمهم هو أن تحتفل دول العالم.. تحتفل بيوم البيئة وتهتف ضد استخدام البلاستيك … ، ولا ندري هل كان تخصيص يوم الخامس من حزيران للاحتفال بيوم البيئة مقصودا ، كمحاولة لإلهاء العالم ، عن جريمة كبرى قام بها الصهاينة قبل 56 عاما، باحتلال فلسطين كاملة واحتلال سيناء ، والجولان ، هل كان تخصيص هذا اليوم للاحتفال مقصودا ، أم أنهم لا يأبهون بفلسطين ولا يتذكرون هذه الجريمة ، وقد غدا الاحتلال دولة قائمة معترف بها من معظم دول العالم ، بما فيها العديد من الدول العربية ؟
ولعل البعض يقول بوجود شبه كبير بين المناسبتين ، فالعالم في الوقت الحاضر ، قد أجرم بحق البيئة ، وقد ظهر الفساد في البر والبحر ، وحتى في الجو وما فوق الغلاف الجوي ، الذي أصبح ملوثا ببقايا الصواريخ والمركبات الفضائية وغيرها من الملوثات ، أجرمت الشركات الكبرى بحق البيئة من خلال تلويث البحار والأنهار بالسموم الكيماوية وحتى النووية ، كما أجرموا بحق الكائنات الحية ، فانقرضت مئات الأصناف من الكائنات الحية من البحار والأنهار والأدغال ، من خلال الصيد الجائر ، أجرموا بحق الأرض من خلال التجارب النووية واستنزاف الموارد مما زاد من التلوث بالإشعاع وزاد من التصحر واتساع ثقب الأوزون ودخول الإشعاعات الضارة وزيادة الأمراض والأوبئة التي لم تظهر في الأقوام السابقة ..
إن الجرائم بحق البيئة هي جرائم فظيعة يلمس آثارها كل إنسان على وجه هذه الأرض ، وعلى قدر فظاعة هذه الجرائم ، فإن الجرائم التي قام بها الصهاينة كانت أشد وأفظع ، ففي الخامس من حزيران من عام 1967 قامت عصابات الصهاينة بالاعتداء على ثلاث دول عربية ، فقتلت عشرات الآلاف وجرحت مئات الآلاف وهجرت الملايين من نساء وأطفال وشيوخ من بيوتهم ومن قراهم ومدنهم ، لكي يتشتتوا في أراض الشتات، كما أطلقوا عليها .. ولكي يصبحوا لاجئين أو نازحين في مخيمات لا تليق بإنسانية الإنسان ولا تحفظ كرامته ..
لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا بل قامت بشرعنة الاحتلال وأظهرت القلق على العنف المتبادل بين الجانبين ، ودعت جميع الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس ، أظهرت القلق على ما تمارسه سلطات الاحتلال من قتل وأسر وتشريد وهدم واعتداء على كافة المقدسات التي عرفها البشر .. غير أن الأمر لا يستدعي أن تحرك ساكنا ، ولا يستدعي حتى الشجب والإدانة ، فقد غدا الاحتلال أمرا طبيعيا ، وقامت الأمم المتحدة بواجبها في هذا الصدد وأصدرت مئات القرارات التي لم ينفذ منها قرارا واحدا ضد الاحتلال ..
ولذلك دعونا نحتفل بالبيئة !! ونقوم بحملات إعلانية ضد البلاستيك ، فالبلاستيك خطير جدا ، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نوقف شركات البلاستيك أو نحد من قدرتها على الإنتاج ، فالبلاستيك مفيد أيضا في صناعات كثيرة !!
لقد غدت منظمة الأمم المتحدة أشبه بمؤسسات أو شركات تنظيم الاحتفالات والأعراس والمناسبات ، أو جمعيات تكفين الضحايا ودفن الموتى ، فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يتحرك إلا بإمرة الأقوياء ، لإسكات المظلومين وحماية الظالمين ، لإسكات المقاومين وحماية المحتلين ..
لم تعد الأمم المتحدة وسيطا نزيها ، وربما لم تكن في يوم من الأيام وسيطا نزيها ، ولذلك فإن الأمم الحرة هي التي تدافع عن حقها ، ولا تتنازل عن حقوقها ، وتستمر في مقاومتها إلى أن تسترد حقوقها كاملة ، مهما طال الزمن . وسيبقى يوم الخامس من حزيران ، ذكرى أليمة ، تدفع إلى المزيد من التمسك بالحقوق المفقودة ، ذكرى أليمة تذكر المحتلين بأنهم طارئون على هذه الأرض ، وأن مصيرهم إلى الزوال .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
27 May 2023
من المتفق عليه فنيا واقتصاديا أن البنوك التجارية تخلق كميات ضخمة من النقود .. تتناسب مع مرونة تشريعات البنوك المركزية فيما يتعلق بنسبة الاحتياطي أو الرصيد النقدي ، فكلما زادت هذه النسبة انخفضت قدرة البنوك على خلق نقود جديدة ، وكلما انخفضت هذه النسبة زادت قدرة البنوك على خلق نقود جديدة .. وهذا يعني أن هذه النسبة إذا كانت صفرا فإن قدرة البنوك على خلق النقود ستكون مطلقة وبلا حدود .. وربما هذا ما يفسر حقيقة أن البنوك قد تخلق نقودا من لا شيء .
ومهما بلغ حجم البنك ، وقوة سمعته ، وتصنيفه الائتماني ، فإنه عندما يتعرض لموجات سحب كبيرة جدا ، فإنه سيتعرض للإفلاس ، لأنه ببساطة قد أقرض أموالا طائلة لا يمتلكها .. كما حدث لبنك سيليكون فالي ، وسيغنيشر ، وغيرها من البنوك ، وكما حدث لأكثر من 500 مصرفا عالميا منذ الأزمة العالمية عام 2008 .
إن حقيقة أن البنوك تخلق نقودا من لا شيء ، هي أشبه بحقيقة أن النقد الدولي أو الدولار يُطبع من لا شيء ، وتتمتع أمريكا وحدها بمزايا إصدار الدولار ، ومبادلته بجهود وسلع وخدمات العالم دون مقابل ، وبالرغم من أن هذه الحقيقة معروفة ، إلا أن أحدا من الدول أو الحكومات لا يستطيع التغيير أو الاعتراض .
هل يمكن إيجاد مؤسسة للمقترضين وبضمان الحكومة ، تسجل فيها ديون المقترضين ، وربما تتحول إلى سندات بضمان الحكومة ، بحيث يتم السداد والإغلاق لهذه الديون ، ومن خلال تشريعات قانونية تنظم هذه العملية وتفرق بين المقترض المستثمر والمقترض السيء والمقترض المقامر .. أو بمعنى آخر، بين المقترض الإيجابي والمقترض السلبي ؟ فما دام يسمح للبنوك بإقراض مبالغ تفوق عشرات ومئات المرات حجم رأسمالها ، فلماذا لا يسمح للمقترضين الإيجابيين بإغلاق ديونهم على شكل سندات بضمان الحكومات ، فالمهم هو وجود تشريعات قانونية تحمي هذه الديون … كما هو جار حاليا في كثير من دول العالم ، حيث يوجد حماية لكثير من المؤشرات والخيارات والمستقبليات وأذونات الخزانة الأمريكية وغيرها.. والتي لا تمثل سوى أرقاما أو ديونا تخضع لتداول منظم قانونا .
إن مسألة النقود في نظري هي مسألة قوة الدول وقوة تشريعاتها ، وقوة كبار أصحاب المصالح ، تلك القوة المولدة للطلب أو المضاربة على العملة ، مهما كانت هذه العملة ورقية أو رقمية أو افتراضية أو أي شيء آخر يتم التعارف عليه . وهذه القوة تستمد من قوة رأس المال ، فكبار الرأسماليين هم من يقررون كل شيء ، هم من قرروا قانونية العملات الورقية وهم من يستطيعون إلغاءها ، وهم من قرروا قانونية العملات الائتمانية ويستطيعون إلغاءها ، كما يمكنهم أن يقرروا قانونية العملات الرقمية أو الافتراضية أو قانونية الديون والأرقام التي تمثلها أو أي شيء آخر.
إن المسألة ببساطة تعتمد على مدى وجود تشريعات منظمة لهذه الديون ، بحيث يكون تداولها ، بما يحقق مصلحة الاقتصاد وتقدمه .
إن التشريعات المنظمة لأسواق السندات والصكوك هي في الحقيقة تشريعات لتنظيم الديون سواء كانت مغطاة بأصول أو غير مغطاة بأي شيء .. وطالما كانت التشريعات قوية وتخدم مصالح المجتمع والفئات التي تدير الاقتصاد ، فإن الأوضاع الاقتصادية وأوضاع البنوك ستبقى قوية ومستقرة.
إن تحركات أسواق التداول هي المؤشر الوحيد حول سلامة النقود الورقية أو الائتمانية أو الافتراضية ومدى قوتها وانتشارها ، وتبقى آليات العرض والطلب التي يتحكم فيها كبار أصحاب المصالح هي الآليات الوحيدة المعتمدة ، وتبقى الحاجة ماسة لوجود تشريعات تنظم إسقاط الديون عن المقترضين الإيجابيين ، في حالة كان هذا الإسقاط يؤدي إلى خدمة الاقتصاد وخدمة المجتمع .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
17 May 2023
كثرت في الآونة الأخيرة الأخبار المثيرة حول احتمالية انهيار الاقتصاد الأمريكي مع بداية الشهر القادم إذا ما عجزت أمريكا عن سداد ديونها .. واشتعل اليوتيوب بمئات وربما آلاف الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الأمر ، وعن قرب انهيار الدولار ، نظرا لاتفاق دول بريكس الخمسة على تجنب التعامل به ، واتفاق كثير من الدول على التبادل التجاري فيما بينها بالعملات المحلية .. إلخ من هذه الأفكار التي تتزايد يوما بعد آخر .
ومما لا شك فيه أن كثيرا من هذه الأخبار تتضمن توقعات محتملة ، ولكنها احتمالات ضئيلة ، وتتطلب ظروفا ربما يصعب أو يستحيل وجودها .. فبالنسبة لحجم الدين الأمريكي والمتمثل أساسا بسندات الخزينة الأمريكية ، ووجود قانون يمنع زيادة سقف الدين عن الحد الحالي . فإن هذا الأمر تكرر سابقا مرات عديدة ، وتكلموا عن إغلاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية ، وما يسمى بالهاوية المالية .
ولكن الأمر سرعان ما تم حله من خلال الاتفاق في الكونغرس الأمريكي بين الحزبين الأساسيين على السماح برفع سقف الدين ، وعندما يتم السماح تنتهي المشكلة .. إذن المسألة ببساطة هي مسألة سياسية وليست مسألة اقتصادية ، فبمجرد اتفاق الحزبين على السماح بزيادة سقف الدين إلى حد معين أو بشكل مفتوح ، سوف تنتهي المشكلة وتبدأ المطابع بالطباعة وضخ الدولار الأخضر الذي يتسابق ويتهافت عليه معظم البشر ، شعوبا وحكومات .. مهما كان موقفهم السياسي من أمريكا والاقتصاد الأمريكي .
وبالنسبة لقرب انهيار الدولار فالمسألة أيضا أقرب إلى الاتفاق السياسي بين الدول السبعة التي يطلقون عليها السبعة العظام ( G7 ) ، فما دامت هذه الدول متفقة بينها على تقاسم كعكة الاقتصاد العالمي فسوف يستمر الدولار ويستمر النظام النقدي الدولي الذي تم الاتفاق عليه في بريتون وودز عام 1944 ، وعلى تعديلاته المتتالية ، والتي كان أهمها عام 1971 عندما تم تنحية الذهب عن دوره النقدي العالمي ، وإحلال الدولار مكانه ، وذلك من خلال إعلان إمريكا رفض طلبات تحويل الدولار إلى ذهب ، وبالتالي قبلت دول العالم منذ ذلك الوقت أن يكون الدولار مكان الذهب ، ولا يزال الأمر مستمرا حتى وقتنا الحاضر ..
إن المسألة في غاية البساطة ولا تتطلب كل هذه الإثارة الإعلامية سواء في مسألة سقف الدين الأمريكي أو في مسألة انهيار الدولار ، لأن كلا المسألتين مبنية على اتفاقات سياسية ، الأولى اتفاق سياسي داخلي بين أكبر حزبين في أمريكا على الاستمرار في رفع سقف الدين ، وقد وافق الكونغرس الأمريكي على هذا الأمر أكثر من 80 مرة وفقا لبعض الدراسات ، فما الذي يمنعه من الموافقة في الوقت الحاضر ؟ خاصة بعد إفلاس عدد من البنوك الأمريكية والمخاطر الناجمة عن الحرب الأوكرانية .. إن عدم موافقة البعض على رفع سقف الدين الأمريكي ، ربما تصل إلى درجة الخيانة الوطنية ، ولذلك يستحيل أن يقوموا بذلك في هذه الظروف ..
إن الديون تكون خطيرة وقد تقضي على الاقتصاد عندما تعجز الدول عن السداد ، وهذا ينطبق على كافة دول العالم باستثناء أمريكا ، والتي تنفرد وحدها بطباعة الدولار وبالكمية التي تشاء ، وتستفيد هي وحدها من ضخ الدولارات على مستوى العالم ، إن هذه الميزة في طباعة الدولار بلا حدود أو سقوف هي ميزة ، تتمتع بها أمريكا وحدها دون سائر شعوب الأرض ، ولا يمكن أن تتخلى عنها لمصلحة أحد .
ولا يعني ذلك وجود استحالة عقلية في انهيار الاقتصاد الأمريكي أو الدولار ، فالمسألة تندرج تحت الممكنات العقلية ، ولكنها تتطلب ظروفا عالمية ربما يصعب توفرها في الوقت الحالي .. ومن ذلك أن يكون الدولار عملة غير مقبولة في معظم دول العالم ، وأن تستغني الشعوب عن بطاقات الفيزا والماستر كارد وغيرها من البطاقات الائتمانية العالمية ، وأن تستغني البنوك عن نظم التحويلات المالية الدولية التي تبدأ من أمريكا ، وأن تستغني الشعوب عن مستورداتها من السلع الأمريكية من الغذاء إلى الدواء إلى السلاح إلى الطائرات .. إلخ ، وحتى الأفلام الأمريكية والألعاب الإلكترونية وأدوات الترفيه الأخرى لا تزال محل طلب شديد لدى معظم الشعوب في العالم .
إن الاقتصاد الأمريكي وحده يشكل قريبا من ربع الناتج الإجمالي العالمي ، وإن شعوب وحكومات دول العالم تتسابق وتتنافس وتعمل المستحيل من أجل الحصول على الدولار .. وما دام هذا الوضع مستمرا ، فإن مسألة انهيار الدولار أو الاقتصاد الأمريكي هي مسألة بعيدة الحدوث ، نظريا وعمليا .
كتب في قسم الاقتصاد الإسلامي | لا ردود »
/*php get_sidebar();*/ ?>