عودة إلى الصفحة الرئيسية

يوم الثمانية بلايين نسمة أ.د كمال حطاب

15 November 2022

وفقا للأمم المتحدة فإن اليوم الثلاثاء 15 -11-2022 يعتبر هو اليوم الذي وصلت فيه البشرية إلى ثمانية بلايين نسمة .. وقد أطلقوا من قبل على اليوم الحادي عشر من تموز عام 1987 يوم الخمسة بلايين نسمة ، أي أن البشرية قد ازدادت ثلاثة بلايين نسمة خلال خمس وثلاثين سنة ، هذا بعد خصم الملايين وربما المليارات من الوفيات نتيجة الإجهاض والمجاعات وسوء التغذية والأمراض والجوائح وضحايا الحروب ..إلخ
وقد كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة وأبواقها المنتشرة على مستوى العالم ، تدق ناقوس الخطر وتحذر العالم من الانفجار السكاني ، وتعلن إحصاءات خطيرة حول التزايد السكاني السريع ، فيقولون مثلا بأنه مع مطلع شمس كل يوم تزداد الأفواه التي تطلب الطعام أكثر من مئتين وخمسين ألف فم ، وفي كل شهر تضاف الى العالم مدينة جديدة في حجم مدينة القاهرة .
ويرددون النبؤة المالتوسية بأن كوكب الأرض لا يمكنه تحمل الزيادة السكانية التي سوف تكون خطرا على الموارد النادرة ، والتي لن تكفي البشر .. وقد ثبت علميا خطأ نظرية مالتوس وفشلها عمليا وتاريخيا ..
أما مسألة الندرة بمعنى أن الموارد لن تكفي البشر فهي أيضا خطأ علمي تم تسويقه لأغراض سياسية واقتصادية ومن أجل السيطرة على الموارد وإخضاعها لتحكم الشركات العالمية الكبرى كما حاصل في الوقت الحاضر..
وقد تحدث عن هذا الخطأ كل من فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتبابهما صناعة الجوع خرافة الندرة حيث وجدا أن معظم المناطق التي ضربتها المجاعة في العالم كانت بسبب سيطرة القلة على الموارد ومنع معظم الناس من الوصول إليها ,.
إن المتابع عن كثب للتحذيرات من زيادة السكان يجد أن معظم هذه التحذيرات تطلق في الدول النامية والدول الإسلامية بشكل خاص ، بينما في الدول المتقدمة يشجعون بكافة الأدوات والحوافز زيادة السكان ، ويقدمون المكافآت على الولد الأول ويضاعفونها على الثاني وهكذا ..
إنهم ببساطة يعتبرون الزيادة السكانية في الدول النامية خطرا على رفاهيتهم .. وتهديدا لما يتمتعون به من موارد ورفاهية ..
إن الانفجار السكاني أو القنبلة السكانية هي أكذوبة كبرى يراد بها تحقيق أغراض سياسية واقتصادية.. من خلال تمكين القلة من أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى المتعددة الجنسية من التحكم في معظم ثروات العالم .
لقد عملت معظم حكومات الدول الإسلامية على تطبيق سياسات تحديد النسل أو تنظيم النسل والمباعدة بين فترات الحمل فانخفضت نسبة الزيادة السكانية في معظم الدول الإسلامية خلال الثلاثين سنة الماضية ، ورافق ذلك أيضا انخفاض مستويات الدخول ومستويات المعيشة والرفاهية ، ونسبة الرعاية الصحية والتعليمية في معظم هذه الدول ، مما يؤكد على أن الزيادة السكانية ليست هي السبب في التخلف والفقر .. وإنما السبب يعود إلى فشل السياسات التي تمارسها هذه الدول في ظل انتشار الفساد والمحسوبية والتبعية الاقتصادية والسياسية ..
إن عملية المباعدة بين فترات الحمل بقصد التربية ومراعاة الظروف الصحية للمرأة من الأمور المقبولة والمطلوبة شرعا .. غير أن انتشار ثقافة تحديد النسل هو الأمر المرفوض شرعا وفقا لكافة المجامع الفقهية المعتبرة .. فتنظيم النسل أو المباعدة بين فترات الحمل هو أمر خاص بكل زوجين لأنهما الأعرف بظروفهما الصحية والتربوية .. أما إصدار قرار بتحديد النسل على مستوى الأمة أو الدولة فهو الأمر المرفوض شرعا ..
إن عملية تحديد النسل أو تنظيمه ليست هي الحل لمشكلات البشرية ، وإنما الحل في تكامل الأغنياء مع الفقراء والأقوياء مع الضعفاء والارتقاء بالشعوب الفقيرة والمعدمة .. حتى ينعم الجميع بمعدلات متقاربة من المعيشة الإنسانية ومستويات لائقة من الرفاهية .
إن يوم الثمانية بلايين نسمة ينبغي أن يكون تذكيرا للناس بأخوتهم الإنسانية ، وأن كل إنسان محسوب ضمن الثمانية بلايين نسمة له الحق في التمتع بكافة الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والإنسانية ..

زيارة إلى جامعة إم آي تي… أ.د كمال حطاب

10 November 2022

وفقا لتصنيف كيو إس فإن جامعة إم آي تي أو معهد ماساشوستس للتقنية هو الأول على العالم ، ووفقا لتصنيف التايمز فإنه الخامس على مستوى العالم ، ويضم هذا المعهد 85 استاذا من الحاصلين على جائزة نوبل ، و58 فائزا بالميدالية الوطنية للعلوم ، كما يضم ألف عضو هيئة تدريس وأحد عشر ألفا من الطلبة ، وقد أنشأ خريجو هذا المعهد أو الجامعة أكثر من 30 ألف شركة ، وأوجدوا 4.6 مليون وظيفة ، وحققوا ما يقارب 1.9 تريليون دولار إيرادات سنوية ، وفقا لإحصاءات موقع التايمز البريطاني على الإنترنت ، ولا شك أن هذه الأرقام توضح مدى أهمية هذا المعهد ، وتدعو كل المهتمين بشؤون التعليم العالي في الدول العربية والإسلامية إلى دراسة هذه التجربة وأسرار نجاحها وتفوقها .
ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لهذا المعهد أو الجامعة فقد كنت حريصا على زيارتها في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة ، وبشكل خاص عندما كنت في ولاية ماساشوستس ، حيث تتواجد الجامعة ، وقد رأيت دعوة لحضور سيمنار في كلية الاقتصاد على موقع الجامعة ، فاعتبرتها فرصة لزيارة الجامعة .
تجولنا بين مباني الجامعة ، ومما لاحظته أن مباني الجامعة متداخلة مع المباني التجارية والسكنية ، ولا يوجد أسوار للجامعة أو بوابات ضخمة عليها حراسات مشددة كما هي جامعاتنا العربية ، .. فالكل يروح ويجيء دون رقابة أحد ، سواء كانوا طلابا أو زائرين ، صغارا أو كبارا ، فالجامعة مفتوحة على المجتمع المحلي متداخلة فيه ولا يوجد حدود أو قيود على الناس أو المواصلات .. كما هو الوضع في كثير من جامعاتنا العربية.. وبالرغم من التصنيف المرتفع جدا لهذه الجامعة عالميا ، فإن المباني قديمة في الغالب ، وليست مميزة بتصاميم معمارية غير عادية ، كما هو الوضع في كثير من جامعات البلاد العربية .
ومما لاحظته أيضا تنوع الطلبة من جنسيات متعددة أو من أصول متعددة وإن كان يغلب عليهم الجنس الصيني أو الياباني أو جنوب شرق آسيا ، فهؤلاء كانوا الأغلب فيما رأينا ، وبمراجعة الإحصاءات على الإنترنت تبين أن 33% من الطلبة هم طلبة دوليون ، يعني أن نسبة الطلبة الدوليين هي الثلث ، وهي نسبة كبيرة تفوق ما تتطلبه التصنيفات العالمية للجامعات ، وبمقارنة هذه النسبة بمعظم الجامعات في الدول العربية فإننا نجد أن نسبة الطلبة الدوليين في الجامعات العربية منخفضة جدا ، مما يسهم في خفض تصنيف هذه الجامعات .. وهي ظاهرة تدل على الانطوائية والعزلة من جهة ، ومن جهة أخرى عدم وجود سياسات لاستقطاب الطلبة الدوليين في معظم هذه الجامعات .
سألت عن الدراسات العليا في هذه الجامعة ، فتبين لي أن دراسة الدكتوراه في هذه الجامعة وفي معظم الجامعات الأمريكية عبارة عن منح تقدمها الجامعات للمتفوقين ، مقابل قيامهم بالعمل فيها كمساعدي تدريس ، فلا رسوم تدفع من قبل طلبة الدكتوراة وإنما يتقاضون مكافآت أثناء دراستهم وعملهم في الجامعة . ويقوم الأساتذة المشرفون على الطلبة بجلب التمويل للطلبة من قبل الشركات أو الحكومة قبل قبولهم في الجامعة .. ولذلك لا بد أن يجد الطالب أستاذا مشرفا عليه يمنحه القبول والمنحة الخاصة به طيلة فترة دراسته .
وهذا يفسر تضخم نسبة الطلبة الدوليين في هذه الجامعة ، فالجامعة ومن خلال الأساتذة والمشرفين تعمل على استقطاب المتفوقين من الطلبة من كافة أنحاء العالم ، وتعمل على الاستفادة منهم ، وربما توظيفهم بعد التخرج في مشروعات علمية عملية تسهم في استمرارية التطور العلمي والاقتصادي والحضاري .
ولما حان وقت الصلاة سألنا عن مكان للصلاة ، فوجدنا مبنى مخصصا للصلاة لجميع الديانات يطلقون عليه مركز النشاطات الدينية يحتوي على مصلى وقاعات للطلبة المسلمين ، ووجدنا مصلى واسعا للرجال مفروشا بسجاد فاخر ، مفصولا عن مصلى النساء الذي يعادله في المساحة ، وذلك يدل على عناية واهتمام واحترام كبير من الجامعة وإدارتها للطلبة المسلمين .
وبعد الانتهاء من الجولة بحثنا عن مطعم أو كافتيريا فكان الأقرب إلينا مطعم كلية الهندسة ، فدخلنا واشترينا الطعام وشاركنا الطلبة على طاولاتهم دون أن يعترض أحد ، بل كان الجميع بشوشا مرحبا بوجودنا ، بعد ذلك تجولنا في الشوارع والطرقات المحيطة بمباني الجامعة ، ووصلنا إلى جسر على نهر ( تشارلز ) المطل على معظم مدينة بوسطن من الجهة الغربية ، وهو جسر أشبه بالجسور المعلقة على مضيق البسفور في تركيا .. ومن هناك طلبنا سيارة أوبر وقفلنا راجعين إلى البيت .
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجامعة تعتمد في ميزانيتها على أصول وقفية بما يقارب سبعة مليارات دولار ، ولا شك أن هذا التمويل الوقفي هو من أهم وأبرز أسباب تقدم وتطور وتفوق الجامعة عالميا .. وهذا يدعو للتساؤل حول دوافع التمويل الوقفي في الجامعات الغربية ، ولماذا لا يوجد مثل هذا التمويل الوقفي في جامعاتنا العربية والإسلامية ؟

دم لفطير صهيون… أ.د كمال حطاب

28 October 2022

في أيام المدرسة ، وبالتحديد في المرحلة الثانوية ، قرأت معظم قصص الأديب المصري الرائع نجيب الكيلاني ، ومما أذكر منها .. ليالي تركستان .. عذراء جاكرتا .. وعمالقة الشمال .. ورمضان حبيبي .. وعمر يظهر في القدس .. وغيرها ، غير أن ما لا أستطيع أن أنساه من تلك القصص ، قصة حقيقية واقعية ، وقعت أحداثها في حارة اليهود في دمشق القديمة ، قصة ” دم لفطير صهيون ” حيث كان لدى اليهود مناسبة دينية يصنعون فيها الفطير .. وكان شرط صناعة الفطير عندهم أن يُجبل بدم مسيحي أو مسلم .. وكان الضحية في ذلك الوقت راهب الدير .. حيث قتلوه وصنعوا الفطير من دمه ، ثم قطعوا جثته وأخفوها في مكان يصعب الوصول إليه .. ولما كان لذلك الراهب أهميته وشعبيته فقد قامت دمشق كلها تبحث عنه وعن جثته .. إلى أن أُسقط في أيدي المجرمين ، وقُدموا للمحاكمة ، ولا تزال وثائق تلك المحاكمة التي جرت أيام الدولة العثمانية موجودة .. وقد أرفق الكاتب بعضا منها في نهاية القصة على ما أذكر .
ولعل تلك القصة تشبه إلى حد كبير قصة تاجر البندقية لشكسبير ، والتي مثلت أيضا أحداثا حقيقية جرت في مدينة البندقية ” فينيسيا ” ، وكان من أبرز شخصياتها تاجر يهودي جشع ، فالتشابه كبير بين القصتين .. فتاجر البندقية المرابي الجشع شيلوك قرر أن يسترد دينه وفقا للشرط الذي أخذه على المدين ، بقطع كيلوغرام من لحمه وهو حي ، لأنه تأخر في السداد ، ورغم وقوف معظم الناس في المدينة ضد هذا السلوك ، وتعهد الحاكم لهذا التاجر المرابي ، بالسداد ومضاعفة المبلغ ، إلا أنه أصر على تطبيق القانون ، واقتطاع كيلو لحم من جسم المدين كما تم الاتفاق ، وفقا للصك الذي يحتفظ به ذلك المرابي ..وبالطبع فالمرابي يعلم بأن هذه العملية ستترافق مع نزيف من الدماء ربما تؤدي إلى موت المدين ، ولكنه لا يبالي ..
والقصة معروفة ومشهورة ونهايتها كانت بإصدار القاضي قرارا يسمح له بتنفيذ الشرط الذي اشترطه في الصك .. ولكن المحامي أصر عليه أن ينفذ ما كتب في الصك فقط .. كيلو لحم فقط .. دون أية قطرة من الدماء .. وعندها أسقط في يد ذلك المرابي .. وأخذ يتوسل ويطلب العفو عنه .. غير أن أهل المدينة حكموا عليه بالخروج من مدينتهم ومصادرة أملاكه وأمواله ..
إن هؤلاء الظلمة القتلة .. معروفون عبر التاريخ بأنهم قتلة الأنبياء .. فكيف يتورعون عن غير الأنبياء .. وها هم اليوم يقتلون الناس بدم بارد ، ويمارسون الإجرام ليل نهار ..
لقد كانوا يجدون الفتاوى المبيحة للقتل من حاخاماتهم .. ومن كتبهم المحرفة .. وفي طقوسهم الغريبة المتوحشة .. وها هم اليوم يجدون التأييد والدعم من معظم الدول التي تسمى بالمتقدمة .. كما لا يعترض عليهم كثير من الدول العربية والإسلامية ..
إنهم لا يحسبون حسابا لأحد .. بل يجاهرون ليل نهار في نشيدهم الوطني بقولهم ” حين نغرس رماحنا في صدورهم .. ونرى دماءهم تراق ورؤوسهم مقطوعة …. وعندئذ نكون شعب الله المختار ” .
وبناء على ذلك كان الحل النهائي لهذه الشرذمة هو القتل والاستئصال وعلى أيدي المسلمين ، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بما معناه ” لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبدالله ، هذا يهودي ورائي ، تعال فاقتله ” إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود” .
وإلى أن يتحقق الحل النهائي فلا بد من تفعيل العمل بالتشريع السماوي الذي أنزله الله على موسى عليه السلام كما أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وكافة الأنبياء من قبله .. قال تعالى ” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ .. ” ( المائدة ، 45 )
هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجدي معهم ، ومع كل معتد غاشم ، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، ولا يفل الحديد إلا الحديد ..
إن هذه الشرذمة المكونة من مزيج من الأحقاد والعنصرية والأمراض النفسية التاريخية .. لا تقر بشريعة ولا أخلاق ولا قوانين إنسانية دولية .. ولكنهم يقرون ويعترفون بالقوة .. ويحسبون لها ألف حساب .. ولذلك لا بد من امتلاك القوة .. فمن خلال القوة قهرتهم غزة .. وقهرتهم جنين ونابلس وشعفاط .. وسوف تقهرهم وتهزمهم كل مدن فلسطين بإذن الله تعالى .

الدراجات وعجلة الاقتصاد في ماليزيا.. أ.د كمال حطاب

16 October 2022

في صبيحة كل يوم وقبل شروق الشمس يتجه آلاف الموظفين والعاملين في البنوك والمؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة من كافة الضواحي باتجاه كوالالمبور العاصمة يقودون دراجاتهم يسابقون الريح .
وما هي إلا دقائق حتى يصل كل منهم إلى عمله متجنبا زحمة السير التي تشتهر بها مدينة كوالالمبور في كل صباح ومساء ، وهم بذلك يختصرون الوقت والجهد والتكلفة .
ومما يلفت النظر أن العدد الأكبر من سائقي الدراجات في ماليزيا هم من الإناث ، مما يدل على درجة أمان وسلامة عالية جدا . ويستحيل أن تجد في ماليزيا سائق دراجة لا يرتدي خوذة الرأس الخاصة بسائقي الدراجات .
وتنتشر قيادة الدراجات في ماليزيا بشكل كبير ولا تكاد تستثني فئة من الشعب من قيادة الدراجات ، ويبدو أنها هواية لدى البعض إضافة إلى كونها وسيلة رخيصة وسريعة للوصول إلى أماكن العمل ، بالرغم من وجود مختلف أشكال القطارات المعلقة والمترو والكهربائية وغيرها .
ومن جهة أخرى فإن هناك عناية فائقة في أدوات وأجهزة السلامة المتعلقة بقيادة الدراجات ، خاصة خوذات الرأس ، حيث تقوم جهات ومراكز علمية حكومية مثل ( سيريم ) باختبارات الجودة المتكررة لكافة الصناعات والمنتجات ، ومنها لخوذات الرأس بحيث تضمن سلامتها وعدم قابليتها للكسر ، من خلال تعريضها لصدمات عنيفة جدا .
كيف سمحت ماليزيا بقيادة الدراجات ؟ ولماذا تنعدم ظاهرة قيادة الدراجات في الكثير من الدول العربية ؟ يبدو أن الطبيعة الجغرافية للمدن العربية إضافة إلى مساحات الطرق وتنظيمها وطبيعة أعراف الناس كلها عوامل تؤثر في سلوكيات الشعوب نحو الدراجات أو غير ذلك .
فبعض الشعوب العربية قد لا تعتبر الدراجة مظهر رفاهية ، إضافة إلى السلوك القلق والمتوتر عند معظم الشعوب العربية مقارنة بالشعب الماليزي الذي يمتاز بالهدوء والبساطة في الغالب ، وبالتالي فإن الدراجة لا تعد عيبا أو نقصا بقدر ما تعد وسيلة لتسهيل الانتقال إلى أماكن العمل بأقل جهد وتكلفة .
هل من المصلحة بشكل عام السماح بقيادة الدراجات في الدول العربية ؟
يبدو أن قيادة الدراجات في معظم الدول العربية ترتبط بعوامل أمنية قبل عوامل السلامة ، وبالتالي فلا بد لها من الموافقات الأمنية قبل رخصة القيادة ، غير أن انتشار تطبيقات التوصيل أو “الدلفري” واعتياد معظم الناس على تطبيقات التوصيل المنزلي بعد انتشار وباء الكورونا زاد من ظهور الدراجات في الشوارع شيئا فشيئا ، مما أوجد فرص عمل جديدة ، وساعد في زيادة الاستهلاك ، وبالتالي زيادة الإنتاج وتحسين مستوى المعيشة .
إن الدراجات هي أشبه بمسننات الآلات ، فبقدر ما تدور وتشتغل ، سوف تدور عجلة الاقتصاد ، ويزداد الإنتاج ، ويتحقق الازدهار الاقتصادي ، فإذا ما توقفت ولم يكن لها بديل ، فسوف يتوقف الإنتاج ويحدث الانكماش ، وبالتالي يمكن أن يحدث الكساد الاقتصادي .
إن مصلحة أي اقتصاد وجود الوسائل السريعة لنقل السلع والخدمات ، فبقدر ما تكون هذه الوسائل سريعة وسهلة وأقل تكلفة ، بقدر ما تزدهر صناعة هذه السلع ويزداد الإنتاج والتشغيل ويتحقق التقدم الاقتصادي ، ويحدث العكس في حالة الوسائل البطيئة أو وجود العقبات والعراقيل أو انعدام هذه الوسائل .
هل يمكن أن تنتشر ظاهرة الدراجات في الدول العربية في غير التوصيل المنزلي ، بحيث تتكاثر أعداد الدراجات مقارنة بالسيارات ؟ يبدو أن الأمر ليس سهلا ، لأن ذلك يتطلب تغيير ثقافة المجتمع .. إضافة إلى استحضار ضوابط وتشريعات خاصة بهذه الوسيلة ، من أجل المحافظة على معايير سلامة متقدمة ، وقبل ذلك لا بد من وجود مؤسسة مواصفات ومقاييس خاصة بهذه الدراجات أشبه بمعهد البحوث القياسية والصناعية في ماليزيا ( سيريم ) ، من أجل ضمان التأكد من جودة الدراجات وملاءمتها للبيئة الجغرافية وطبيعة الطرقات ومدى وجود مسارب خاصة بالدراجات .. إلخ

هل يمكن إيجاد عملة إسلامية موحدة ؟ .. أ.د كمال حطاب

20 September 2022

إن ضعف وتفكك وانقسام معظم دول العالم ومنها الدول الإسلامية ، مقارنة بأمريكا ، يجعلها عاجزة عن الاتفاق على إصدار عملة موحدة بديلة للدولار ، وبناء على هذه الحقيقة فإنه ليس أمام أية دولة تريد أن تقلل خسائرها بسبب تقلبات العملات، سوى أن تربط عملتها بعملة قوية من العملات الصعبة التي تشكل جزءا كبيرا من تجارتها الدولية ، ومن خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي منظم الاتفاقيات النقدية الدولية ، والمسؤول عن تسيير المدفوعات الدولية .
وفي هذه الحالة فإن صندوق النقد الدولي يطلب من البنك المركزي لهذه الدولة التدخل في أسواق العملات الدولية مشتريا لعملته المحلية في حالة انخفاض سعر صرفها عن سعر عملة الربط ، أو بائعا للعملة المحلية بالدولار في حالة ارتفاع سعر الصرف عن سعر صرف عملة الربط .. ويمكن أن يتعهد الصندوق بتوفير العملة الصعبة في حالة نقصها .
فإذا كانت عملة الربط هي الدولار ، وكانت التجارة مع الولايات المتحدة تشكل نسبة كبيرة من حجم التجارة الدولية التي تقوم بها هذه الدولة كأن تكون ٩٠٪ ، عندها يكون قرار ربط العملة بالدولار قرارا رشيدا ، أما إذا كانت التجارة لا تشكل هذه النسبة ولا نصفها أو ثلثها فإن قرار الربط في هذه الحالة يكون خاطئا .
ويمكن أن تقوم الدولة بالربط بسلة عملات وفقا لنسب حجم تجارتها مع كل دولة ، فيمكن أن تتشكل السلة من 50% دولار ، 30% يوان صيني 10% يورو ، 10% حقوق سحب خاصة . أو بأية نسب أخرى وفقا لنسب حجم التجارة مع كل دولة يتم ربط عملتها بها .
تستطيع الدول المتضررة من هذا الوضع ومنها الدول الإسلامية، أن تعمل على إيجاد عملة دولية موحدة ،تصدرها جهة إصدار مستقلة ، بعيدا عن الأمم المتحدة ومنظماتها ، بحيث تدار هذه العملة من قبل ممثلين عن هذه الدول . بما يضمن لهذه العملة أن تكون وسيطا محايدا ومعيارا عادلا للقيم بعيدا عن أسواق العملات الدولية وما يجري فيها من مضاربات ومقامرات عبثية .
غير أن الدول المتضررة ، هي متضررة بانقسامها وتفككها أولا ، ولا تستطيع الاندماج أو التحالف أو التكامل مع أية دول أخرى ، دون إذن الدول التي تدور في فلكها حاليا .. وهذا المشهد من الصعب تغييره ، بل من المستحيل ، ما لم تحصل معجزات كارثية تغير من أوضاع الدول المتحكمة ، وبشكل خاص ما أطلق عليه الدول السبعة العظام أو ( G7 ) .
إن ما يجري حاليا من أحداث عالمية في أوكرانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وبدء الحديث عن حروب نووية تكتيكية يعني مصغرة ، هي أقرب إلى هذه المعجزات الكارثية التي يمكن أن تغير من وضع الدول المتحكمة في العالم ، وبالتحديد مجموعة السبعة العظام ، ومجموعة العشرين ، وصندوق النقد الدولي ، وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية .. غير أن هذه المعجزات الكارثية لا يستطيع أحد التنبؤ بما سينجم عنها ، وكيف سيكون شكل العالم بعد هذه الكوارث ؟ وهل ستحدث تحالفات جديدة ؟ وموازين قوى جديدة ؟ هل يمكن أن تفقد أمريكا ودولارها السيطرة على الأمور ؟
جميع المؤشرات الحالية تشير إلى أن هذا الوضع بعيد جدا .. وأن الأوضاع لا بد أن تستقر في اللحظات الأخيرة .. وأن جميع العناصر المؤثرة تحت السيطرة .. ولذلك ينبغي على العقلاء والمفكرين والمؤثرين اقتصاديا وسياسيا ، التخطيط لكافة الظروف ووضع كافة السيناريوهات المتوقعة من أجل الخروج من هذه الأزمات بأقوى ما يمكن وبأقل الخسائر الممكنة .
وإذا عدنا إلى نفس السؤال الأول ، فإن إصدار عملة موحدة يتطلب أولا وقبل كل شيء الاتفاق بين الدول الإسلامية ، كما يتطلب توفر الإرادة السياسية والاقتصادية لتنفيذ الاتفاق ، وبدون ذلك ستبقى عملات الدول الإسلامية تدور في فلك الدولار وغيره من العملات الدولية .. وستبقى بحاجة ماسة إلى العملات الدولية الصعبة ، والتي لن يكون من بينها أية عملة عربية أو إسلامية ، بسبب وحيد ، وهو حالة التفرق والتشرذم التي تعيشها الدول الإسلامية ، وحالة عدم إمكانية وجود اتفاق جاد وحقيقي بين هذه الدول .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]