عودة إلى الصفحة الرئيسية

يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. أ.د كمال حطاب

21 December 2022

هذا العنوان شطر بيت شعر في النشيد الوطني الجزائري الذي كنا ننشده في الطابور الصباحي في مدارس الأردن في الستينات من القرن الماضي حين كنت في المرحلة الابتدائية .. وفي تتمة النشيد .. يا فرنسا إنّ ذا وقت الحساب .. فاستعدي وخذي منا الجواب .. إنّ في ثورتنا فصل الخطاب ..وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر .. فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا .
تذكرت هذا النشيد مع هزيمة فرنسا في كأس العالم ، ومع أنها هزيمة في ملاعب كرة القدم إلا أنها لامست قلوب المظلومين في معظم أنحاء الأرض .. فما أجمل النصر عندما يكون على دولة ظالمة كفرنسا ، حتى ولو كان نصرا معنويا رمزيا من خلال كرة القدم ، وإذا كان لهذا النصر الرمزي طعمه وحلاوته التي ذاقها نصف سكان الأرض ، فلا شك أن النصر الحقيقي سيكون أجمل وأعظم ، عندما يطرد الاحتلال الفرنسي نهائيا من دول عديدة ، في إفريقيا وغيرها .. وعندما تعترف فرنسا بجرائمها واستغلالها ونهبها لثروات الدول التي استعمرتها ، وتعمل على إعادة هذه الثروات وتقدم التعويضات عن جرائمها .
حيث تفيد بعض التقارير بأن أربعة عشر بلدا إفريقيا لا تزال تدفع الضرائب لفرنسا حتى الآن ، بعد نيلها الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي ، وأن فرنسا تحتفظ بخزائنها بما قيمته 500 مليار دولار من احتياطيات المستعمرات التي كانت خاضعة لها .
ما أعظم النصر عندما يكون نصرا حقيقيا يُقتص فيه من المجرمين الذين لا يزالون يحتفظون في متاحفهم بجماجم الجزائريين الأحرار الذين ثاروا ضد الاحتلال الفرنسي ، ويفتخرون أمام العالم بجرائمهم ..
إن تقديم المجرمين المتطرفين وكل من يدعمهم إلى محاكم العدل الجنائية الدولية ، يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق النصر الحقيقي ..وإنصاف المظلومين وأبنائهم وأحفادهم وذرياتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على من أساء إليه وداوم على هذه الإساءة ودعم المسيئين له ، وباسم الحرية دعم الرسومات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه باسم الحرية أيضا لا يستطيع أن يدعم الحجاب ، بل يحارب الحجاب ولا يسمح به في أماكن العمل ..
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد بسبب دينهم وعرقهم .. وآخرهم أعضاء فريق المنتخب الفرنسي ذوي الأصول الإفريقية الذين تعرضوا لأبشع أشكال التمييز العنصري بعد هزيمتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا على من توعدوا بشطب اسم محمد صلى الله عليه وسلم من دوائر تسجيل المواليد في فرنسا .
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا على من رفعوا شعار المثلية أو توعدوا برفع هذا الشعار في حالة فوزهم بكأس العالم ..
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد والإغراق في البحر من اللاجئين والمهاجرين ، وعندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للتمييز والعنصرية بسبب لباسهم أو لونهم أو عرقهم ..
من حق العرب والمسلمين والأفارقة وكافة المظلومين من قبل فرنسا ، من حقهم أن يفرحوا بهزيمة فرنسا ، الدولة الأكثر بشاعة في استعمارها لإفريقيا ، الأكثر وحشية في الجزائر وتونس والمغرب العربي وسوريا ولبنان ، وكافة الدول التي لا تزال خاضعة للاستغلال والظلم الفرنسي ..
من حق الناس أن يفرحوا لأي إشارة تدل على هزيمة الظلم والظالمين .. ومن حقهم أن يأملوا ويستبشروا بزوال الظلم ..
فرح الرسول صلى الله عليه وسلم وفرح المسلمون عندما غَلب الروم النصارى ، الفرس المشركين في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت معجزة قرآنية تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الروم ..
إن للمسلمين والمنصفين والباحثين عن العدالة من جميع الأديان الحق في أن يفرحوا عندما ينتصر المظلوم على الظالم حتى ولو كان نصرا رمزيا من خلال كرة القدم .. من حق شعوب العالم الثالث أن تفرح بهذا الانتصار ، ومن حق دول الجنوب أن تفرح بهذا الانتصار على دول الشمال ..
وليس في هذا الفرح بأي حال من الأحوال ، تغذية للكراهية المذمومة ، فكراهية الظلم أمر محمود ، يتفق عليه العقلاء والمنصفون من كافة الشعوب والأمم ، كما يتفقون على نصرة العدالة وإنصاف المظلومين .

لأول مرة يحدث في مونديال قطر أ.د كمال حطاب

11 December 2022

لم تكن الرياضة قبل مونديال قطر 2022 كما هي أثناء المونديال وبعده ، حيث كان معظم المثقفين والمفكرين ينظرون إلى الرياضة على أنها مضيعة للوقت ، وإلهاء للشعوب العربية والإسلامية عن قضايا الأمة المصيرية وعن التحديات الحقيقية التي تواجه الشعوب .
غير أن نظرة كثير من المفكرين قد تغيرت مع هذا المونديال ، فلأول مرة في تاريخ العرب المعاصر ، تتحد كلمة العرب على رأي واحد ، ولأول مرة يرفع علم فلسطين في الملاعب دون أن يعترض أحد ، ويُنكس علم دولة الاحتلال ويُضيق عليه دون أن ينصره أحد ، لأول مرة في هذا التاريخ المعاصر تستطيع دولة عربية واحدة أن تفعل ما لم تستطعه الأوائل .. من فرض شروطها الأخلاقية وتمسكها بقيمها ومبادئها ومحاربة السلوكيات الشاذة وشرب الخمور وغيرها من الرذائل والمفاسد .. استطاعت قطر أن تفرض هذه الشروط على شعوب العالم وهي دولة صغيرة في حجمها وعدد سكانها ، ولكنها كبيرة بثوابتها وقيمها الإسلامية والإنسانية ..
كنا نعتقد أن معظم الدول النامية ومنها العربية والإسلامية مغلوبة على أمرها ولا تستطيع أن تفرض شروطها ، وأنها تعيش في تبعية كاملة للدول الأجنبية ، ولكن تجربة قطر أثبتت عكس ذلك ، حيث تستطيع معظم الدول العربية والإسلامية أن تتمسك بثوابتها وقيمها وتقاليدها ..
تستطيع معظم الدول رفض اتفاقية سيداو وما تمثله من اعتداء على الأخلاق والفضيلة .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما يسمى بالقوانين التي تحمي الطفل وهي تدمره وتخرجه من حماية عائلته إلى الشؤون الاجتماعية .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما أطلق عليه تمكين المرأة وهو شعار في الحقيقة لا يراد منه نصرة المرأة بقدر ما يراد به استغلال المرأة وامتهانها وإطلاق حريتها للابتذال والعيش في كنف رجال لا يغارون عليها ولا يهمهم سترها أو كرامتها ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض المثلية والحرية المنفلتة وكافة الرذائل التي ينادي بها بعض المارقين على الأنظمة والمصادمين للفطرة الإنسانية السليمة ..
تستطيع هذه الدول أن تقاطع الاحتلال الصهيوني وكل من يدعمه من المحتلين والظالمين وتستطيع أن تضيق عليهم ولا تتعامل معهم ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض شروط الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها صندوق النقد الدولي على معظم الدول النامية ، كما فعلت ماليزيا وتركيا ..
إن تجربة قطر هي البداية ، وسوف يكون لها ما بعدها ، إذا استمرت متمسكة بالثوابت والقيم والفضيلة ، رافضة للباطل والرذيلة وكل من يمثلها .
إن تجربة قطر هي المثال والقدوة ، وسوف تكون محلا للدراسة والتحليل ، وأخذ الدروس والعبر ، لكل من يرغب بالنجاح والتفوق وحسن الأداء والمحافظة على الثوابت والقيم والأصالة والكفاءة والإحسان .
وبالإضافة إلى ما تقدم ، فلأول مرة يحدث في مونديال قطر ان يحقق العرب انتصارا تاريخيا من خلال تقدم الفريق المغربي إلى تصفيات نصف النهائي ، ومع أنه انتصار رمزي معنوي .. فإنه يمكن أن يكون مقدمة لايقاظ الحمية التي انطفأت واسترجاع الكرامة التي ضاعت ، وعلى أمل أن يتحقق الانتصار الأعظم بتحرير المقدسات ، وتحرير القدس وتحرير فلسطين من أيدي الصهاينة المحتلين ..

إنهم يفكرون بأقدامهم .. أ.د كمال حطاب

21 November 2022

في بداية السبعينات ، حضرت مباراة لكرة القدم مع أحد زملائي في المدرسة ، على ستاد المدينة الرياضية في عمان ، وكانت المباراة تبث بشكل مباشر ، وكان والد زميلي هو مدير التصوير في التلفزيون الأردني المسؤول عن البث المباشر ، حضرنا المباراة وكانت ممتعة جدا ، ولما عدنا إلى البيت في الزرقاء ، لاحظنا أن الناس يشيرون إلينا ويتهامسون ونحن لا ندري لماذا ، وتبين لاحقا أن بث المباراة كان ينقل صورنا كلما توجهت الكاميرا إلى الجماهير .. وبذلك أصبحنا من المشاهير في حارتنا في ذلك الوقت .
ومرت الأيام والسنون ، وصرنا نسمع عبارة تتردد كثيرا على ألسنة بعض الدعاة والمشايخ . أمة تفكر بأقدامها أكثر من عقولها .. كلما ظهر اهتمام مبالغ فيه حول كرة القدم وغيرها من أشكال الرياضة التي تجتذب الجماهير الغفيرة .. وربما كان ذلك صحيحا عندما تكون نتيجة المباراة شغب وفوضى ومشكلات اجتماعية لا تنتهي ..
غير أن الرياضة اليوم باتت شيئا آخر رغم ما يرافقها من مشكلات وسلبيات أحيانا ، وباتت الرياضة صناعة راقية ، تزيد في الناتج القومي الإجمالي ، والتشغيل وتسهم في خفض البطالة .. وثقافة تدعو إلى التعايش المشترك بين الشعوب .
وبعد أن فازت قطر بتنظيم بطولة كأس العالم كأول دولة عربية مسلمة ، أشارت الإحصاءات إلى أنها ستحقق دخلا يقدر ب 17 مليارا نتيجة لتنظيم هذه البطولة إضافة إلى البنية التحتية القوية التي ستستفيد منها الأجيال القادمة في قطر وفي الأمة العربية كذلك ، كما أنها سوف تجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتي ستمكنها من زيادة الناتج القومي الإجمالي بشكل كبير ..
باتت الرياضة مدخلا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية بين الشعوب وللمزيد من التفاعل الحضاري والإنساني ونشر الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية ، ثقافة الرحمة والإنسانية ، ثقافة العدالة والتكافل الاجتماعي ، ثقافة نبذ الظلم والعنف والاعتداء والاستغلال .. وكافة معاني الخير والقيم الإنسانية الرفيعة ..
ومع استقطاب قطر لعدد من الدعاة المشهورين في الساحة الإسلامية مثل ذاكر نايك وغيره من الدعاة العالميين فإن الفرصة متاحة لتوضيح الظلم الذي لحق بالمسلمين وبالإسلام من خلال ما أطلق عليه فوبيا الإسلام أو الإرهاب أو غيره من التهم والشبهات التي يروج لها الإعلام الغربي المتصهين .
إن الفرصة كبيرة من أجل توضيح حق الشعب الفلسطيني في تحرير فلسطين .. وتوضيح مكانة القدس والمسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية المحتلة .. الفرصة كبيرة لكشف ممارسات دولة الاحتلال الصهيوني اليومية في قتل وتشريد واعتقال الفلسطينيين المدافعين عن حقوقهم ..
إن الرياضة لم تعد تفكيرا بالأقدام بقدر ما أصبحت ثقافة يمكن من خلالها استخدام العقول والفكر والقيم والأخلاق من أجل نصرة الحق والمظلومين والأخذ على يد الظالم وتقديمه للمحاكم المحلية والإقليمية والدولية حتى ينال جزاءه بأسرع وقت ممكن .
لم تعد الرياضة تفكيرا بالأقدام وإنما صناعة وعرض وطلب واقتصاد وأسهم وسندات ، ولاعبين تقدر قيمة جهودهم بملايين الدولارات ، وعندما يحققون انتصارا ترتفع أسهم نواديهم ويزداد إقبال الناس على شرائها ، وعندما يخسرون يتخلص كثيرون من أسهم نواديهم فتنخفض قيمتها .. وهكذا باتت النوادي الرياضية تشكل قطاعا اقتصاديا وماليا مهما في الاقتصادات العالمية ، وباتت بعض النوادي تباع وتشترى بمبالغ طائلة ، مما يؤكد وجود قيمة اقتصادية كبيرة لها ..
إن في الإسلام متسع للفروسية والرياضة ، وكل ما من شأنه زيادة القوة ، حتى ولو كان جريا وراء كرة كما يقولون ، طالما كان هذا الجري منضبطا بالأخلاق ، ولا يترافق مع إثارة الشغب والمشكلات والنعرات وكل ما يمكن أن يفرق الناس أو يبعدهم عن الخلق القويم ..
إن الروح الرياضية واحترام الآخر والفرح بالنصر وتقبل الهزيمة من أجل زيادة الاستعداد والتدريب والقوة بما يؤدي إلى تحقيق النصر في النهاية هو الأمر المطلوب وهو الحافز الذي يزيد في الشغف والتشويق والرغبة في التشجيع من أجل تحقيق النصر في الرياضة وفي كافة المجالات .

يوم الثمانية بلايين نسمة أ.د كمال حطاب

15 November 2022

وفقا للأمم المتحدة فإن اليوم الثلاثاء 15 -11-2022 يعتبر هو اليوم الذي وصلت فيه البشرية إلى ثمانية بلايين نسمة .. وقد أطلقوا من قبل على اليوم الحادي عشر من تموز عام 1987 يوم الخمسة بلايين نسمة ، أي أن البشرية قد ازدادت ثلاثة بلايين نسمة خلال خمس وثلاثين سنة ، هذا بعد خصم الملايين وربما المليارات من الوفيات نتيجة الإجهاض والمجاعات وسوء التغذية والأمراض والجوائح وضحايا الحروب ..إلخ
وقد كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة وأبواقها المنتشرة على مستوى العالم ، تدق ناقوس الخطر وتحذر العالم من الانفجار السكاني ، وتعلن إحصاءات خطيرة حول التزايد السكاني السريع ، فيقولون مثلا بأنه مع مطلع شمس كل يوم تزداد الأفواه التي تطلب الطعام أكثر من مئتين وخمسين ألف فم ، وفي كل شهر تضاف الى العالم مدينة جديدة في حجم مدينة القاهرة .
ويرددون النبؤة المالتوسية بأن كوكب الأرض لا يمكنه تحمل الزيادة السكانية التي سوف تكون خطرا على الموارد النادرة ، والتي لن تكفي البشر .. وقد ثبت علميا خطأ نظرية مالتوس وفشلها عمليا وتاريخيا ..
أما مسألة الندرة بمعنى أن الموارد لن تكفي البشر فهي أيضا خطأ علمي تم تسويقه لأغراض سياسية واقتصادية ومن أجل السيطرة على الموارد وإخضاعها لتحكم الشركات العالمية الكبرى كما حاصل في الوقت الحاضر..
وقد تحدث عن هذا الخطأ كل من فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتبابهما صناعة الجوع خرافة الندرة حيث وجدا أن معظم المناطق التي ضربتها المجاعة في العالم كانت بسبب سيطرة القلة على الموارد ومنع معظم الناس من الوصول إليها ,.
إن المتابع عن كثب للتحذيرات من زيادة السكان يجد أن معظم هذه التحذيرات تطلق في الدول النامية والدول الإسلامية بشكل خاص ، بينما في الدول المتقدمة يشجعون بكافة الأدوات والحوافز زيادة السكان ، ويقدمون المكافآت على الولد الأول ويضاعفونها على الثاني وهكذا ..
إنهم ببساطة يعتبرون الزيادة السكانية في الدول النامية خطرا على رفاهيتهم .. وتهديدا لما يتمتعون به من موارد ورفاهية ..
إن الانفجار السكاني أو القنبلة السكانية هي أكذوبة كبرى يراد بها تحقيق أغراض سياسية واقتصادية.. من خلال تمكين القلة من أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى المتعددة الجنسية من التحكم في معظم ثروات العالم .
لقد عملت معظم حكومات الدول الإسلامية على تطبيق سياسات تحديد النسل أو تنظيم النسل والمباعدة بين فترات الحمل فانخفضت نسبة الزيادة السكانية في معظم الدول الإسلامية خلال الثلاثين سنة الماضية ، ورافق ذلك أيضا انخفاض مستويات الدخول ومستويات المعيشة والرفاهية ، ونسبة الرعاية الصحية والتعليمية في معظم هذه الدول ، مما يؤكد على أن الزيادة السكانية ليست هي السبب في التخلف والفقر .. وإنما السبب يعود إلى فشل السياسات التي تمارسها هذه الدول في ظل انتشار الفساد والمحسوبية والتبعية الاقتصادية والسياسية ..
إن عملية المباعدة بين فترات الحمل بقصد التربية ومراعاة الظروف الصحية للمرأة من الأمور المقبولة والمطلوبة شرعا .. غير أن انتشار ثقافة تحديد النسل هو الأمر المرفوض شرعا وفقا لكافة المجامع الفقهية المعتبرة .. فتنظيم النسل أو المباعدة بين فترات الحمل هو أمر خاص بكل زوجين لأنهما الأعرف بظروفهما الصحية والتربوية .. أما إصدار قرار بتحديد النسل على مستوى الأمة أو الدولة فهو الأمر المرفوض شرعا ..
إن عملية تحديد النسل أو تنظيمه ليست هي الحل لمشكلات البشرية ، وإنما الحل في تكامل الأغنياء مع الفقراء والأقوياء مع الضعفاء والارتقاء بالشعوب الفقيرة والمعدمة .. حتى ينعم الجميع بمعدلات متقاربة من المعيشة الإنسانية ومستويات لائقة من الرفاهية .
إن يوم الثمانية بلايين نسمة ينبغي أن يكون تذكيرا للناس بأخوتهم الإنسانية ، وأن كل إنسان محسوب ضمن الثمانية بلايين نسمة له الحق في التمتع بكافة الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والإنسانية ..

زيارة إلى جامعة إم آي تي… أ.د كمال حطاب

10 November 2022

وفقا لتصنيف كيو إس فإن جامعة إم آي تي أو معهد ماساشوستس للتقنية هو الأول على العالم ، ووفقا لتصنيف التايمز فإنه الخامس على مستوى العالم ، ويضم هذا المعهد 85 استاذا من الحاصلين على جائزة نوبل ، و58 فائزا بالميدالية الوطنية للعلوم ، كما يضم ألف عضو هيئة تدريس وأحد عشر ألفا من الطلبة ، وقد أنشأ خريجو هذا المعهد أو الجامعة أكثر من 30 ألف شركة ، وأوجدوا 4.6 مليون وظيفة ، وحققوا ما يقارب 1.9 تريليون دولار إيرادات سنوية ، وفقا لإحصاءات موقع التايمز البريطاني على الإنترنت ، ولا شك أن هذه الأرقام توضح مدى أهمية هذا المعهد ، وتدعو كل المهتمين بشؤون التعليم العالي في الدول العربية والإسلامية إلى دراسة هذه التجربة وأسرار نجاحها وتفوقها .
ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لهذا المعهد أو الجامعة فقد كنت حريصا على زيارتها في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة ، وبشكل خاص عندما كنت في ولاية ماساشوستس ، حيث تتواجد الجامعة ، وقد رأيت دعوة لحضور سيمنار في كلية الاقتصاد على موقع الجامعة ، فاعتبرتها فرصة لزيارة الجامعة .
تجولنا بين مباني الجامعة ، ومما لاحظته أن مباني الجامعة متداخلة مع المباني التجارية والسكنية ، ولا يوجد أسوار للجامعة أو بوابات ضخمة عليها حراسات مشددة كما هي جامعاتنا العربية ، .. فالكل يروح ويجيء دون رقابة أحد ، سواء كانوا طلابا أو زائرين ، صغارا أو كبارا ، فالجامعة مفتوحة على المجتمع المحلي متداخلة فيه ولا يوجد حدود أو قيود على الناس أو المواصلات .. كما هو الوضع في كثير من جامعاتنا العربية.. وبالرغم من التصنيف المرتفع جدا لهذه الجامعة عالميا ، فإن المباني قديمة في الغالب ، وليست مميزة بتصاميم معمارية غير عادية ، كما هو الوضع في كثير من جامعات البلاد العربية .
ومما لاحظته أيضا تنوع الطلبة من جنسيات متعددة أو من أصول متعددة وإن كان يغلب عليهم الجنس الصيني أو الياباني أو جنوب شرق آسيا ، فهؤلاء كانوا الأغلب فيما رأينا ، وبمراجعة الإحصاءات على الإنترنت تبين أن 33% من الطلبة هم طلبة دوليون ، يعني أن نسبة الطلبة الدوليين هي الثلث ، وهي نسبة كبيرة تفوق ما تتطلبه التصنيفات العالمية للجامعات ، وبمقارنة هذه النسبة بمعظم الجامعات في الدول العربية فإننا نجد أن نسبة الطلبة الدوليين في الجامعات العربية منخفضة جدا ، مما يسهم في خفض تصنيف هذه الجامعات .. وهي ظاهرة تدل على الانطوائية والعزلة من جهة ، ومن جهة أخرى عدم وجود سياسات لاستقطاب الطلبة الدوليين في معظم هذه الجامعات .
سألت عن الدراسات العليا في هذه الجامعة ، فتبين لي أن دراسة الدكتوراه في هذه الجامعة وفي معظم الجامعات الأمريكية عبارة عن منح تقدمها الجامعات للمتفوقين ، مقابل قيامهم بالعمل فيها كمساعدي تدريس ، فلا رسوم تدفع من قبل طلبة الدكتوراة وإنما يتقاضون مكافآت أثناء دراستهم وعملهم في الجامعة . ويقوم الأساتذة المشرفون على الطلبة بجلب التمويل للطلبة من قبل الشركات أو الحكومة قبل قبولهم في الجامعة .. ولذلك لا بد أن يجد الطالب أستاذا مشرفا عليه يمنحه القبول والمنحة الخاصة به طيلة فترة دراسته .
وهذا يفسر تضخم نسبة الطلبة الدوليين في هذه الجامعة ، فالجامعة ومن خلال الأساتذة والمشرفين تعمل على استقطاب المتفوقين من الطلبة من كافة أنحاء العالم ، وتعمل على الاستفادة منهم ، وربما توظيفهم بعد التخرج في مشروعات علمية عملية تسهم في استمرارية التطور العلمي والاقتصادي والحضاري .
ولما حان وقت الصلاة سألنا عن مكان للصلاة ، فوجدنا مبنى مخصصا للصلاة لجميع الديانات يطلقون عليه مركز النشاطات الدينية يحتوي على مصلى وقاعات للطلبة المسلمين ، ووجدنا مصلى واسعا للرجال مفروشا بسجاد فاخر ، مفصولا عن مصلى النساء الذي يعادله في المساحة ، وذلك يدل على عناية واهتمام واحترام كبير من الجامعة وإدارتها للطلبة المسلمين .
وبعد الانتهاء من الجولة بحثنا عن مطعم أو كافتيريا فكان الأقرب إلينا مطعم كلية الهندسة ، فدخلنا واشترينا الطعام وشاركنا الطلبة على طاولاتهم دون أن يعترض أحد ، بل كان الجميع بشوشا مرحبا بوجودنا ، بعد ذلك تجولنا في الشوارع والطرقات المحيطة بمباني الجامعة ، ووصلنا إلى جسر على نهر ( تشارلز ) المطل على معظم مدينة بوسطن من الجهة الغربية ، وهو جسر أشبه بالجسور المعلقة على مضيق البسفور في تركيا .. ومن هناك طلبنا سيارة أوبر وقفلنا راجعين إلى البيت .
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجامعة تعتمد في ميزانيتها على أصول وقفية بما يقارب سبعة مليارات دولار ، ولا شك أن هذا التمويل الوقفي هو من أهم وأبرز أسباب تقدم وتطور وتفوق الجامعة عالميا .. وهذا يدعو للتساؤل حول دوافع التمويل الوقفي في الجامعات الغربية ، ولماذا لا يوجد مثل هذا التمويل الوقفي في جامعاتنا العربية والإسلامية ؟

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]