عودة إلى الصفحة الرئيسية

أوروبا بين البرد والظلام أ.د كمال حطاب

24 December 2022

قبل عدة سنوات كنت عائدا من لندن إلى الكويت على متن الخطوط البريطانية بعد حضور أحد المؤتمرات، وكانت الرحلة بعد منتصف الليل ، ولما كنت لا أستطيع النوم في الطائرة وكان مقعدى على نافذة الطائرة ، فقد أمضيت تلك الليلة أراقب خارطة الرحلة على الشاشة ، وما يماثلها من دول وأماكن على الأرض .. وكان المنظر بديعا عجيبا ، كانت معظم دول أوروبا التي مررنا فوقها مضاءة بأنوار ساطعة متلألئة ، وكانت الخيالات والتصورات تزدحم في رأسي ، كانت الطائرة تسير بسرعة فوق الألف كيلومتر في الساعة ، ومع ذلك لا نشعر بأي اهتزاز ، ومعظم ركاب الطائرة يغطون في نوم عميق ، وأنا أفكر في سر هذه الإضاءة الساطعة فوق دول أوروبا ، وهل هي رفاهية زائدة ، أو زيادة الاستهلاك والترف ، أم أن هذه الإضاءة هي سر التقدم والتنمية .. ، تذكرت أن من خصائص الدولة المتقدمة زيادة نسبة استهلاك الكهرباء .. فلما صارت الطائرة فوق تركيا ، لاحظت أن الجزء الأكبر من مساحة تركيا مضاءة ولكنها ليست كإضاءة أوروبا ، فلما مرت الطائرة فوق العراق لاحظت الظلام الدامس ، إلا من نار مشتعلة تظهر من بعيد بين الفينة والأخرى ، يبدو أنها نيران بعض مصافي النفط ، وتساءلت كيف لرابع أو خامس دولة في العالم من حيث احتياطي النفط أن تعيش في ظلام ؟ فقلت ربما هو الاحتلال الأمريكي أو ثمرات الديمقراطية الجديدة في العراق!! وصلنا إلى الكويت مع بزوغ الفجر ، وكانت الإضاءة الساطعة في سماء الكويت تكاد تختفي مع تباشير الفجر .
تذكرت هذه الرحلة اليوم ، وعرفت أن سر تلك الإضاءة الساطعة كان الغاز الروسي ، فبعد انقطاع الغاز الروسي أصبحت أوروبا مهددة بشتاء قارس وظلام دامس .. بعد توقف معظم المولدات الكهربائية والمحطات النووية عن العمل .. واتجاه معظم قادة أوروبا إلى دول النفط وإلى إفريقيا من أجل تأمين الغاز اللازم للإنارة والتدفئة وتشغيل المولدات والآلات الصناعية وأجهزة الكمبيوتر والرادارات والمطارات .. بمعنى آخر إعادة الحياة إلى أوروبا ..
ويبدو أن الطاقة الخضراء والطواحين والألواح الشمسية لا تزال محدودة جدا في أثرها وانتشارها رغم اتفاقية باريس وغيرها من الاتفاقيات التي تدعو إلى الحد من الغازات المنبعثة المدمرة للبيئة ..
يبدو أن خبراء التنمية لم يكونوا مخطئين عندما جعلوا نسبة استهلاك الكهرباء من أهم مؤشرات التنمية إضافة إلى درجة التعقيد الصناعي ومعدل دخل الفرد ، ومعدل الإنفاق على الرعاية الصحية والعلمية ، ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة ..إلخ ..
ويبدو أنه يوجد خيط رفيع جدا بين التنمية والتخلف .. فالكهرباء وحدها كفيلة بعودة البشرية إلى العصور المظلمة في حالة انعدامها.. وعندها فسوف تفقد البشرية أكثر من 90% من إنتاجها الحضاري المادي ..
غير أن من أهم خصائص الدول المتخلفة التي كنا ندرُسها ونُدرّسها في موضوع التنمية ، اعتماد الدولة على سلعة واحدة ، كالنفط ، حتى ولو كانت من أهم الدول المصدرة للنفط ، فإن اعتماد أي دولة على سلعة واحدة فقط يدرجها ضمن الدول المتخلفة ، فلماذا صنفت دول أوروبا ضمن الدول المتقدمة ، واقتصادها قائم في معظمه على مادة خام واحدة .. هي الغاز ، إضافة إلى أن هذه السلعة مستوردة وليست منتجة محليا ؟
يبدو أن تقدم دول أوروبا كان نتيجة اتفاقات الإذعان التي وقعتها مع الدول المستعمَرة التي كانت خاضعة لها ، والتي تسمح لدول أوروبا بمصادرة الاحتياطيات واستغلال ونهب الثروات من الدول المستعمَرة ، ومن جهة أخرى فإن اتفاق دول أوروبا على إقامة السوق الأوروبية المشتركة ، والاتحاد الأوروبي وإصدار عملة واحدة هي اليورو ، كان هو العامل الأبرز في تقدمها ، وهي نفس الخطوات التي بنت أمريكا قوتها عليها ، فقد كانت الحرب تعصف بالولايات الأمريكية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، ولم يصبح لها اسم أو كيان إلا بعد الوحدة وظهور الولايات المتحدة الأمريكية ..
ولعل مما لا يختلف عليه اثنان ، أن من أهم أسباب تخلف الأمة العربية والإسلامية هو الانقسام والتفكك وغياب أي مظهر من مظاهر الوحدة والتكامل الحقيقي بين هذه الدول .. فمتى تعي هذه الدول أن سر قوتها يكمن في وحدتها ، وأن تخلصها من التبعية الاقتصادية والسياسية للدول الغربية يتحقق من خلال وحدتها وتكاملها مع بعضها .. وأن الدين هو العامل الأول الذي يمكن أن يزيل كافة الحواجز التي تمنع من الوحدة وتحول دون التكامل والتضامن والاتحاد ..
إن الأمة العربية والإسلامية لا ينقصها غاز أو بترول ، حيث تعتبر الأولى على العالم في احتياطيات النفط والغاز ، ولكن الذي ينقصها الإرادة والعزيمة من أجل الاتحاد وتحقيق التكامل والتمسك بثوابتها ودينها قال تعالى ” إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ” ( الأنبياء ، 92) ..

يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. أ.د كمال حطاب

21 December 2022

هذا العنوان شطر بيت شعر في النشيد الوطني الجزائري الذي كنا ننشده في الطابور الصباحي في مدارس الأردن في الستينات من القرن الماضي حين كنت في المرحلة الابتدائية .. وفي تتمة النشيد .. يا فرنسا إنّ ذا وقت الحساب .. فاستعدي وخذي منا الجواب .. إنّ في ثورتنا فصل الخطاب ..وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر .. فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا .
تذكرت هذا النشيد مع هزيمة فرنسا في كأس العالم ، ومع أنها هزيمة في ملاعب كرة القدم إلا أنها لامست قلوب المظلومين في معظم أنحاء الأرض .. فما أجمل النصر عندما يكون على دولة ظالمة كفرنسا ، حتى ولو كان نصرا معنويا رمزيا من خلال كرة القدم ، وإذا كان لهذا النصر الرمزي طعمه وحلاوته التي ذاقها نصف سكان الأرض ، فلا شك أن النصر الحقيقي سيكون أجمل وأعظم ، عندما يطرد الاحتلال الفرنسي نهائيا من دول عديدة ، في إفريقيا وغيرها .. وعندما تعترف فرنسا بجرائمها واستغلالها ونهبها لثروات الدول التي استعمرتها ، وتعمل على إعادة هذه الثروات وتقدم التعويضات عن جرائمها .
حيث تفيد بعض التقارير بأن أربعة عشر بلدا إفريقيا لا تزال تدفع الضرائب لفرنسا حتى الآن ، بعد نيلها الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي ، وأن فرنسا تحتفظ بخزائنها بما قيمته 500 مليار دولار من احتياطيات المستعمرات التي كانت خاضعة لها .
ما أعظم النصر عندما يكون نصرا حقيقيا يُقتص فيه من المجرمين الذين لا يزالون يحتفظون في متاحفهم بجماجم الجزائريين الأحرار الذين ثاروا ضد الاحتلال الفرنسي ، ويفتخرون أمام العالم بجرائمهم ..
إن تقديم المجرمين المتطرفين وكل من يدعمهم إلى محاكم العدل الجنائية الدولية ، يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق النصر الحقيقي ..وإنصاف المظلومين وأبنائهم وأحفادهم وذرياتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على من أساء إليه وداوم على هذه الإساءة ودعم المسيئين له ، وباسم الحرية دعم الرسومات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه باسم الحرية أيضا لا يستطيع أن يدعم الحجاب ، بل يحارب الحجاب ولا يسمح به في أماكن العمل ..
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد بسبب دينهم وعرقهم .. وآخرهم أعضاء فريق المنتخب الفرنسي ذوي الأصول الإفريقية الذين تعرضوا لأبشع أشكال التمييز العنصري بعد هزيمتهم .
ما أجمل النصر عندما يكون انتصارا على من توعدوا بشطب اسم محمد صلى الله عليه وسلم من دوائر تسجيل المواليد في فرنسا .
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا على من رفعوا شعار المثلية أو توعدوا برفع هذا الشعار في حالة فوزهم بكأس العالم ..
ما أعظم النصر عندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للاضطهاد والإغراق في البحر من اللاجئين والمهاجرين ، وعندما يكون انتصارا لمن تعرضوا للتمييز والعنصرية بسبب لباسهم أو لونهم أو عرقهم ..
من حق العرب والمسلمين والأفارقة وكافة المظلومين من قبل فرنسا ، من حقهم أن يفرحوا بهزيمة فرنسا ، الدولة الأكثر بشاعة في استعمارها لإفريقيا ، الأكثر وحشية في الجزائر وتونس والمغرب العربي وسوريا ولبنان ، وكافة الدول التي لا تزال خاضعة للاستغلال والظلم الفرنسي ..
من حق الناس أن يفرحوا لأي إشارة تدل على هزيمة الظلم والظالمين .. ومن حقهم أن يأملوا ويستبشروا بزوال الظلم ..
فرح الرسول صلى الله عليه وسلم وفرح المسلمون عندما غَلب الروم النصارى ، الفرس المشركين في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت معجزة قرآنية تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الروم ..
إن للمسلمين والمنصفين والباحثين عن العدالة من جميع الأديان الحق في أن يفرحوا عندما ينتصر المظلوم على الظالم حتى ولو كان نصرا رمزيا من خلال كرة القدم .. من حق شعوب العالم الثالث أن تفرح بهذا الانتصار ، ومن حق دول الجنوب أن تفرح بهذا الانتصار على دول الشمال ..
وليس في هذا الفرح بأي حال من الأحوال ، تغذية للكراهية المذمومة ، فكراهية الظلم أمر محمود ، يتفق عليه العقلاء والمنصفون من كافة الشعوب والأمم ، كما يتفقون على نصرة العدالة وإنصاف المظلومين .

لأول مرة يحدث في مونديال قطر أ.د كمال حطاب

11 December 2022

لم تكن الرياضة قبل مونديال قطر 2022 كما هي أثناء المونديال وبعده ، حيث كان معظم المثقفين والمفكرين ينظرون إلى الرياضة على أنها مضيعة للوقت ، وإلهاء للشعوب العربية والإسلامية عن قضايا الأمة المصيرية وعن التحديات الحقيقية التي تواجه الشعوب .
غير أن نظرة كثير من المفكرين قد تغيرت مع هذا المونديال ، فلأول مرة في تاريخ العرب المعاصر ، تتحد كلمة العرب على رأي واحد ، ولأول مرة يرفع علم فلسطين في الملاعب دون أن يعترض أحد ، ويُنكس علم دولة الاحتلال ويُضيق عليه دون أن ينصره أحد ، لأول مرة في هذا التاريخ المعاصر تستطيع دولة عربية واحدة أن تفعل ما لم تستطعه الأوائل .. من فرض شروطها الأخلاقية وتمسكها بقيمها ومبادئها ومحاربة السلوكيات الشاذة وشرب الخمور وغيرها من الرذائل والمفاسد .. استطاعت قطر أن تفرض هذه الشروط على شعوب العالم وهي دولة صغيرة في حجمها وعدد سكانها ، ولكنها كبيرة بثوابتها وقيمها الإسلامية والإنسانية ..
كنا نعتقد أن معظم الدول النامية ومنها العربية والإسلامية مغلوبة على أمرها ولا تستطيع أن تفرض شروطها ، وأنها تعيش في تبعية كاملة للدول الأجنبية ، ولكن تجربة قطر أثبتت عكس ذلك ، حيث تستطيع معظم الدول العربية والإسلامية أن تتمسك بثوابتها وقيمها وتقاليدها ..
تستطيع معظم الدول رفض اتفاقية سيداو وما تمثله من اعتداء على الأخلاق والفضيلة .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما يسمى بالقوانين التي تحمي الطفل وهي تدمره وتخرجه من حماية عائلته إلى الشؤون الاجتماعية .. تستطيع هذه الدول أن ترفض ما أطلق عليه تمكين المرأة وهو شعار في الحقيقة لا يراد منه نصرة المرأة بقدر ما يراد به استغلال المرأة وامتهانها وإطلاق حريتها للابتذال والعيش في كنف رجال لا يغارون عليها ولا يهمهم سترها أو كرامتها ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض المثلية والحرية المنفلتة وكافة الرذائل التي ينادي بها بعض المارقين على الأنظمة والمصادمين للفطرة الإنسانية السليمة ..
تستطيع هذه الدول أن تقاطع الاحتلال الصهيوني وكل من يدعمه من المحتلين والظالمين وتستطيع أن تضيق عليهم ولا تتعامل معهم ..
تستطيع هذه الدول أن ترفض شروط الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها صندوق النقد الدولي على معظم الدول النامية ، كما فعلت ماليزيا وتركيا ..
إن تجربة قطر هي البداية ، وسوف يكون لها ما بعدها ، إذا استمرت متمسكة بالثوابت والقيم والفضيلة ، رافضة للباطل والرذيلة وكل من يمثلها .
إن تجربة قطر هي المثال والقدوة ، وسوف تكون محلا للدراسة والتحليل ، وأخذ الدروس والعبر ، لكل من يرغب بالنجاح والتفوق وحسن الأداء والمحافظة على الثوابت والقيم والأصالة والكفاءة والإحسان .
وبالإضافة إلى ما تقدم ، فلأول مرة يحدث في مونديال قطر ان يحقق العرب انتصارا تاريخيا من خلال تقدم الفريق المغربي إلى تصفيات نصف النهائي ، ومع أنه انتصار رمزي معنوي .. فإنه يمكن أن يكون مقدمة لايقاظ الحمية التي انطفأت واسترجاع الكرامة التي ضاعت ، وعلى أمل أن يتحقق الانتصار الأعظم بتحرير المقدسات ، وتحرير القدس وتحرير فلسطين من أيدي الصهاينة المحتلين ..

إنهم يفكرون بأقدامهم .. أ.د كمال حطاب

21 November 2022

في بداية السبعينات ، حضرت مباراة لكرة القدم مع أحد زملائي في المدرسة ، على ستاد المدينة الرياضية في عمان ، وكانت المباراة تبث بشكل مباشر ، وكان والد زميلي هو مدير التصوير في التلفزيون الأردني المسؤول عن البث المباشر ، حضرنا المباراة وكانت ممتعة جدا ، ولما عدنا إلى البيت في الزرقاء ، لاحظنا أن الناس يشيرون إلينا ويتهامسون ونحن لا ندري لماذا ، وتبين لاحقا أن بث المباراة كان ينقل صورنا كلما توجهت الكاميرا إلى الجماهير .. وبذلك أصبحنا من المشاهير في حارتنا في ذلك الوقت .
ومرت الأيام والسنون ، وصرنا نسمع عبارة تتردد كثيرا على ألسنة بعض الدعاة والمشايخ . أمة تفكر بأقدامها أكثر من عقولها .. كلما ظهر اهتمام مبالغ فيه حول كرة القدم وغيرها من أشكال الرياضة التي تجتذب الجماهير الغفيرة .. وربما كان ذلك صحيحا عندما تكون نتيجة المباراة شغب وفوضى ومشكلات اجتماعية لا تنتهي ..
غير أن الرياضة اليوم باتت شيئا آخر رغم ما يرافقها من مشكلات وسلبيات أحيانا ، وباتت الرياضة صناعة راقية ، تزيد في الناتج القومي الإجمالي ، والتشغيل وتسهم في خفض البطالة .. وثقافة تدعو إلى التعايش المشترك بين الشعوب .
وبعد أن فازت قطر بتنظيم بطولة كأس العالم كأول دولة عربية مسلمة ، أشارت الإحصاءات إلى أنها ستحقق دخلا يقدر ب 17 مليارا نتيجة لتنظيم هذه البطولة إضافة إلى البنية التحتية القوية التي ستستفيد منها الأجيال القادمة في قطر وفي الأمة العربية كذلك ، كما أنها سوف تجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتي ستمكنها من زيادة الناتج القومي الإجمالي بشكل كبير ..
باتت الرياضة مدخلا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية بين الشعوب وللمزيد من التفاعل الحضاري والإنساني ونشر الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية ، ثقافة الرحمة والإنسانية ، ثقافة العدالة والتكافل الاجتماعي ، ثقافة نبذ الظلم والعنف والاعتداء والاستغلال .. وكافة معاني الخير والقيم الإنسانية الرفيعة ..
ومع استقطاب قطر لعدد من الدعاة المشهورين في الساحة الإسلامية مثل ذاكر نايك وغيره من الدعاة العالميين فإن الفرصة متاحة لتوضيح الظلم الذي لحق بالمسلمين وبالإسلام من خلال ما أطلق عليه فوبيا الإسلام أو الإرهاب أو غيره من التهم والشبهات التي يروج لها الإعلام الغربي المتصهين .
إن الفرصة كبيرة من أجل توضيح حق الشعب الفلسطيني في تحرير فلسطين .. وتوضيح مكانة القدس والمسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية المحتلة .. الفرصة كبيرة لكشف ممارسات دولة الاحتلال الصهيوني اليومية في قتل وتشريد واعتقال الفلسطينيين المدافعين عن حقوقهم ..
إن الرياضة لم تعد تفكيرا بالأقدام بقدر ما أصبحت ثقافة يمكن من خلالها استخدام العقول والفكر والقيم والأخلاق من أجل نصرة الحق والمظلومين والأخذ على يد الظالم وتقديمه للمحاكم المحلية والإقليمية والدولية حتى ينال جزاءه بأسرع وقت ممكن .
لم تعد الرياضة تفكيرا بالأقدام وإنما صناعة وعرض وطلب واقتصاد وأسهم وسندات ، ولاعبين تقدر قيمة جهودهم بملايين الدولارات ، وعندما يحققون انتصارا ترتفع أسهم نواديهم ويزداد إقبال الناس على شرائها ، وعندما يخسرون يتخلص كثيرون من أسهم نواديهم فتنخفض قيمتها .. وهكذا باتت النوادي الرياضية تشكل قطاعا اقتصاديا وماليا مهما في الاقتصادات العالمية ، وباتت بعض النوادي تباع وتشترى بمبالغ طائلة ، مما يؤكد وجود قيمة اقتصادية كبيرة لها ..
إن في الإسلام متسع للفروسية والرياضة ، وكل ما من شأنه زيادة القوة ، حتى ولو كان جريا وراء كرة كما يقولون ، طالما كان هذا الجري منضبطا بالأخلاق ، ولا يترافق مع إثارة الشغب والمشكلات والنعرات وكل ما يمكن أن يفرق الناس أو يبعدهم عن الخلق القويم ..
إن الروح الرياضية واحترام الآخر والفرح بالنصر وتقبل الهزيمة من أجل زيادة الاستعداد والتدريب والقوة بما يؤدي إلى تحقيق النصر في النهاية هو الأمر المطلوب وهو الحافز الذي يزيد في الشغف والتشويق والرغبة في التشجيع من أجل تحقيق النصر في الرياضة وفي كافة المجالات .

يوم الثمانية بلايين نسمة أ.د كمال حطاب

15 November 2022

وفقا للأمم المتحدة فإن اليوم الثلاثاء 15 -11-2022 يعتبر هو اليوم الذي وصلت فيه البشرية إلى ثمانية بلايين نسمة .. وقد أطلقوا من قبل على اليوم الحادي عشر من تموز عام 1987 يوم الخمسة بلايين نسمة ، أي أن البشرية قد ازدادت ثلاثة بلايين نسمة خلال خمس وثلاثين سنة ، هذا بعد خصم الملايين وربما المليارات من الوفيات نتيجة الإجهاض والمجاعات وسوء التغذية والأمراض والجوائح وضحايا الحروب ..إلخ
وقد كانت الأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة وأبواقها المنتشرة على مستوى العالم ، تدق ناقوس الخطر وتحذر العالم من الانفجار السكاني ، وتعلن إحصاءات خطيرة حول التزايد السكاني السريع ، فيقولون مثلا بأنه مع مطلع شمس كل يوم تزداد الأفواه التي تطلب الطعام أكثر من مئتين وخمسين ألف فم ، وفي كل شهر تضاف الى العالم مدينة جديدة في حجم مدينة القاهرة .
ويرددون النبؤة المالتوسية بأن كوكب الأرض لا يمكنه تحمل الزيادة السكانية التي سوف تكون خطرا على الموارد النادرة ، والتي لن تكفي البشر .. وقد ثبت علميا خطأ نظرية مالتوس وفشلها عمليا وتاريخيا ..
أما مسألة الندرة بمعنى أن الموارد لن تكفي البشر فهي أيضا خطأ علمي تم تسويقه لأغراض سياسية واقتصادية ومن أجل السيطرة على الموارد وإخضاعها لتحكم الشركات العالمية الكبرى كما حاصل في الوقت الحاضر..
وقد تحدث عن هذا الخطأ كل من فرانسيس مورلابيه وجوزيف كولينز في كتبابهما صناعة الجوع خرافة الندرة حيث وجدا أن معظم المناطق التي ضربتها المجاعة في العالم كانت بسبب سيطرة القلة على الموارد ومنع معظم الناس من الوصول إليها ,.
إن المتابع عن كثب للتحذيرات من زيادة السكان يجد أن معظم هذه التحذيرات تطلق في الدول النامية والدول الإسلامية بشكل خاص ، بينما في الدول المتقدمة يشجعون بكافة الأدوات والحوافز زيادة السكان ، ويقدمون المكافآت على الولد الأول ويضاعفونها على الثاني وهكذا ..
إنهم ببساطة يعتبرون الزيادة السكانية في الدول النامية خطرا على رفاهيتهم .. وتهديدا لما يتمتعون به من موارد ورفاهية ..
إن الانفجار السكاني أو القنبلة السكانية هي أكذوبة كبرى يراد بها تحقيق أغراض سياسية واقتصادية.. من خلال تمكين القلة من أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى المتعددة الجنسية من التحكم في معظم ثروات العالم .
لقد عملت معظم حكومات الدول الإسلامية على تطبيق سياسات تحديد النسل أو تنظيم النسل والمباعدة بين فترات الحمل فانخفضت نسبة الزيادة السكانية في معظم الدول الإسلامية خلال الثلاثين سنة الماضية ، ورافق ذلك أيضا انخفاض مستويات الدخول ومستويات المعيشة والرفاهية ، ونسبة الرعاية الصحية والتعليمية في معظم هذه الدول ، مما يؤكد على أن الزيادة السكانية ليست هي السبب في التخلف والفقر .. وإنما السبب يعود إلى فشل السياسات التي تمارسها هذه الدول في ظل انتشار الفساد والمحسوبية والتبعية الاقتصادية والسياسية ..
إن عملية المباعدة بين فترات الحمل بقصد التربية ومراعاة الظروف الصحية للمرأة من الأمور المقبولة والمطلوبة شرعا .. غير أن انتشار ثقافة تحديد النسل هو الأمر المرفوض شرعا وفقا لكافة المجامع الفقهية المعتبرة .. فتنظيم النسل أو المباعدة بين فترات الحمل هو أمر خاص بكل زوجين لأنهما الأعرف بظروفهما الصحية والتربوية .. أما إصدار قرار بتحديد النسل على مستوى الأمة أو الدولة فهو الأمر المرفوض شرعا ..
إن عملية تحديد النسل أو تنظيمه ليست هي الحل لمشكلات البشرية ، وإنما الحل في تكامل الأغنياء مع الفقراء والأقوياء مع الضعفاء والارتقاء بالشعوب الفقيرة والمعدمة .. حتى ينعم الجميع بمعدلات متقاربة من المعيشة الإنسانية ومستويات لائقة من الرفاهية .
إن يوم الثمانية بلايين نسمة ينبغي أن يكون تذكيرا للناس بأخوتهم الإنسانية ، وأن كل إنسان محسوب ضمن الثمانية بلايين نسمة له الحق في التمتع بكافة الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والإنسانية ..

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]