عودة إلى الصفحة الرئيسية

الهجرة النبوية .. نظرات اقتصادية أ.د كمال حطاب

20 July 2023

بالرغم من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يترك في بيته دينار ولا درهم .. إلا أنه كانت له أموال وتجارة من أيام خديجة رضي الله عنها .. وبالتالي فهو لم يترك مكة.. مفلسا .. هاربا .. من بلده بسبب الظروف الاقتصادية أو المالية ، كما يفعل كثير من الناس في وقتنا الحاضر ..
وإنما كان منفذا لأمر الله بالخروج من مكة إلى المدينة حيث يمكن بناء أول كيان دولي إسلامي مستقل .. تعترف به الأمم الأخرى وتحسب له ألف حساب .. خاصة بعد أن وقع جميع ساكني المدينة وما حولها من قبائل على وثيقة المدينة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة دستور للدولة يتضامن فيه كافة سكان المدينة من مسلمين وغيرهم من عرب ويهود على الدفاع عن المدينة وأن يكفلوا بعضهم ويفدوا بعضهم ويتكافلوا في الديات وغيرها مما يستلزمه الوئام والعيش المشترك بين الناس .
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين في عرف قريش وأهل مكة ، وقد عرفوه قبل البعثة صادقا أمينا كريما وفيا واصلا للرحم ، وكان بيته صلى الله عليه وسلم أشبه بمصرف لودائعهم ..، ومع ذلك رفض معظم العتاة العتاولة الدخول في دين الله .. استكبارا وعلوا .. وحسدا من عند أنفسهم .. وحفاظا على تقاليدهم الجاهلية ..
لم تكن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هجرة فرد واحد أو اثنين ، وإنما كانت هجرة مجتمع بالكامل ، وبالتالي فلا شك أنها كانت محسوبة مدروسة ، وكان الأغنياء في هذا المجتمع المؤمن ، يتحملون معظم التكاليف .. خاصة وان كثيرا من المسلمين قد تركوا بيوتهم وأموالهم في مكة ..
كانت البداية بالمؤاخاة .. وهو نظام غير مألوف في ذلك الزمان .. ومع ذلك فقد نجح هذا النظام في توطيد الأواصر الإيمانية ، وفي القضاء على شح النفوس .. فقام الأنصار بمقاسمة أموالهم وبيوتهم مع أخوانهم المهاجرين بطيب نفس وكرم أخلاق .. حتى باتوا كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص ..
سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناء المسجد الجامع لأداء الصلاة وليكون مركزا ومنطلقا للمسلمين في خطواتهم القادمة .. كما عمل المسجد على أن يكون مركز إيواء لمن لا مأوى له في البداية .. حيث كان يلجأ إليه من أطلق عليهم أهل الصفة .. وكان الناس يتسابقون إلى وضع حبال التمر في المسجد لإطعام كل جائع ..
كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم على إنشاء سوق خاصة بالمسلمين .. وفي ذلك تخلص من التبعية لأسواق اليهود واقتصاداتهم الربوية ..
وقبل كل ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإنفاق في سبيل الله في أحاديث كثيرة .. وكان يبدأ بنفسه فلا يترك في يده أو بيته درهم ولا دينار إلا وقد أنفقه لمن يحتاجه .. وهكذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم .. وقد كانت الآيات القرآنية ومن خلال سورة البقرة وغيرها من السور تبني في هذا المجتمع سلوكيات الإنفاق والتكافل والإحساس بالآخرين وتنزع من نفوسهم الشح والبخل والتعلق بالمال وكنزه ..
عمل النبي صلى الله عليه وسلم على بناء اقتصاد ذاتي بسيط من خلال الحث الدائم على العمل والاكتساب والحث على الإنفاق وتجنب الربا والمتعاملين بالربا .. والحث على القرض الحسن والتعامل الحسن والصدق والأمانة وعدم الغش والاحتيال والخداع ..
واستمر اقتصاد المدينة بسيطا.. صغيرا في حجمه إلى أن حدثت غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة .. حيث فُتح للمسلمين باب جديد من الإيرادات الضخمة الناجمة عن الغنائم وفداء الأسرى وما يتعلق بها .. وجاءت سورة الأنفال تقرر بأن كافة الغنائم هي لله.. ولرسوله .. يضعها حيث شاء في الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل .. إلخ .. في قوله تعالى ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” ( الأنفال ، 1)
افتتحت السورة بتقرير حقيقة أن الأنفال والغنائم والأموال هي لله وللرسول ، وبالتالي فلا حق لأحد بالسؤال ، وحتى لو وزعت هذه الأموال على المسلمين جميعا أو على الفئات الضعيفة فقط، فلا حق لأحد بالاعتراض ، فالمال مال الله ، يعطيه لمن يشاء ، وهو في أيديكم أمانة يجب عليكم أن تتقوا الله في كيفية إنفاقها وتداولها .. وتبدأ السورة بتقوية الصف من خلال إصلاح ذات البين .. وإصلاح ذات البين مصطلح ذو دلالة عظيمة ..فهو يسبر أعماق النفوس والقلوب لكي يصلح كل ما قد يكون علق بها من غل أو حقد أو حسد أو كراهية بين المؤمنين ..
لم يعترض أحد من المسلمين على توزيع الغنائم .. وهذا يشير إلى أن الغزوات والمعارك في تاريخ الإسلام لم تكن لأسباب اقتصادية .. وإنما كانت لإعلاء كلمة الله .. وفي هذا رد على افتراءات المستشرقين وأعداء الإسلام ممن قالوا بأن الفتوحات الإسلامية كانت لمطامع اقتصادية .
فلو كان الباعث وراء الفتوحات الإسلامية .. المطامع الاقتصادية .. لما دخلت الأمم الأخرى في دين الله ، ولما وجدنا الآلاف وعشرات الآلاف من الصحابة يروون بدمائهم أراضي الشام والعراق ، ولما انتصر هذا الدين ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .

جنين .. وما بعدها أ.د كمال حطاب

07 July 2023

لا يكاد يمر يوم في فلسطين دون أن يرتقي شهداء أو يدخل المستشفى جرحى أو يزج في الزنانين أسرى مخطوفون من أبناء فلسطين .. في ظل احتلال همجي جبان لا يقيم وزنا لأحد ، ويضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية التي تنص على حماية الأراضي والشعوب المحتلة ..
ففي كل يوم يقوم المحتل المجرم بإراقة الدماء ، والاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ ، أمام الكاميرات والشاشات التي تبث الصورة إلى جميع الأحياء في هذا العالم .. دون أن يتحرك أحد لنصرة المظلومين ..
غير أن الاعتداء الأخير في جنين ومخيم جنين ليس كغيره من الاعتداءات ، وما نجم عنه من آثار ستكون له ما بعده ، إن هذا الاعتداء سيغير المعادلات وقواعد الاشتباك في الضفة .. فلن تتمكن قوات الاحتلال من بعد ، من الاعتداء دون أن يعتدى عليها ، لن يتمكنوا من دخول جنين بسهولة دون أن يتكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات .. إن منظر الآليات المصفحة التي تمزقت في جنين هو بداية تمزيق كيانهم الهش وسقوط دولتهم بيت العنكبوت ، إن انطلاق الصواريخ من جنين ، وسقوط الطائرات المسيرة فوق جنين هو بداية التغيير في المعادلة وميزان القوى ..
إن هذا الاحتلال لا يعرف غير لغة واحدة هي لغة القوة ، أو لغة البندقية والرصاص ، لغة العبوات الناسفة ، لغة الصاروخ ، لن يحسب هذا الاحتلال الجبان حسابا لأحد ، إلا لمن يحمل الصاروخ والبندقية ، وبغير ذلك لا يعترف بقانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو أي ميثاق إنساني ..
لقد رأينا جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين ، وسمعنا أصواتهم وصراخهم عندما أصابتهم الصواريخ أو شظيات الصواريخ ..رأيناهم يهربون مذعورين كالجرذان .. إنه الذعر والرعب والهلع هو الذي سيخرجهم من أرض فلسطين ، ليعودوا من حيث جاؤوا .. فليعودوا إلى البلدان التي جاؤوا منها قبل أن تكون فلسطين مقبرتهم .
إن الآلام والمعاناة التي تعيشها القدس ونابلس وجنين ، ينبغي أن تعيشها تلك المدن التي احتلها اليهود وظنوا أنه مانعتهم حصونهم فيها .. فلا يصح أن يأمن المحتل على أي شبر من أرض فلسطين مهما طال الزمان ..
إن سقوط الصواريخ على المدن المحتلة التي ظن الصهاينة أنها في مأمن ، مهمة عظيمة مقدسة ، أتقنتها المقاومة في غزة ، وسوف تتقنها المقاومة في جنين ونابلس وكافة المناطق المحتلة .. وإن استمرار هذه الحالة هي مسؤولية المقاومة الباسلة ، المقاومة المقدسة ، المقاومة التي تقدم الدماء وتقدم الشهداء في سبيل الله ، وفي سبيل التحرير والحرية والكرامة ..
إن جنين لا تختلف كثيرا عن غزة وسائر المدن الفلسطينية ، وكما تحررت غزة ، يمكن أن تتحرر جنين ، وكذلك نابلس والخليل وطولكرم وسائر مدن الضفة الغربية ..
إن دماء الشهداء والجرحى الغالية على كل إنسان حر ، هي وقود الثورة ووقود التحرير ، وهي التي تحيي موت القلوب ، كما تحيي الضمائر والعزائم والحمية .. الحمية للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات واسترداد الحقوق المغتصبة .
وفي ظل قوله تعالى ” فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ “َ ( البقرة ، 194) وقوله تعالى ” وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ” ( النساء ، 104) وقوله تعالى “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ” وغيرها من الآيات التي تحدد قواعد الاشتباك مع العدو .. يمكن أن يتحقق النصر والتحرير .. لا يتحقق النصر باتفاقيات سلام تمكن المحتل من الأرض .. وتمكنه من الغطرسة وانتهاك القوانين الدولية .. إذا كان ولا بد من اتفاقيات فلتكن اتفاقيات عزة وكرامة ومعاملة بالمثل .. ولتكن قواعد الاشتباك مستمدة من القرآن الكريم .. ” وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ” فليخرجوا من أرضنا ومقدساتنا .. وليذهبوا حيث شاؤوا فلا شأن لنا بهم .. وإلا فلينتظروا مصيرهم المحتوم .

حرق الله قلوبهم … أ.د كمال حطاب

30 June 2023

كنا نقرأ قديما عن السويد وأنها من أكثر الدول غنى ورفاهية ونزاهة وشفافية ، وأنها الأقل فسادا وتعديا على المال العام .. كما كنا نقرأ بأنها من أعلى الدول في معدلات الانتحار .. وكنت دائما أحاول تفسير هذا التناقض بين زيادة الرفاهية وزيادة الانتحار على أنه الخواء الروحي والنفسي والاجتماعي ، فهؤلاء القوم ربما تقدموا ماديا ولكنهم روحيا ونفسيا يعانون من أشد حالات فقر الروح .. القلق والاضطراب والأمراض النفسية التي لا تنتهي .. ولعل من الأمراض والأحقاد النفسية ما قام به متطرف جبان حاقد مريض نفسيا وروحيا ، وسمحت به حكومة السويد ، من حرق المصحف الشريف والإساءة إلى الإسلام .. و توجيه الإهانة والازدراء لما يقارب ملياري مسلم ، دون أدنى شعور بالخجل أو الخوف أو القلق لما يمكن أن تكون عليه ردة فعل المسلمين ..
إنه الخواء الروحي والعقد النفسية هي التي تدفع هؤلاء إلى الانتحار وإلى القيام بأفعال ربما تسول لهم بها أنفسهم الخبيثة بأنهم سيحققون شهرة عالمية تشبع أرواحهم الخبيثة ولكن هيهات هيهات .. فلم يكن التعدي على الآخرين ومقدساتهم ليشفي أمراضهم النفسية . ولذلك فإن خير وسيلة أمامهم للإشباع الروحي .. هي الانتحار ..
إنه الانتحار هو الدواء الشافي لمن أظلمت نفوسهم واسودت قلوبهم .. بأحقادها البغيضة ووساوسها الملعونة ..
كنت دائما أدعو إلى مقاطعة السلع التي تنتجها هذه الدول المسيئة ، وحتى الخدمات التي تقدمها شركاتهم .. غير أنني اليوم لا أجد المقاطعة كافية …وربما توجد حلول أخرى لأمثال هؤلاء المسيئين للأديان والمقدسات ..
كنت دائما أقول بأن المقاطعة هي خيار فردي تقوم به الشعوب وربما لا تقوى عليه الحكومات نظرا للعلاقات الدبلوماسية الدولية ..
غير أنني اليوم أقول بأن مقاطعة الشعوب لا تكفي .. ولا بد أن تقوم الدول والحكومات بالمقاطعة ، ولا تكتفي بالشجب والتنديد ، لا بد أن تنتفض حكومات الدول الإسلامية التي تمثل ما يقارب الملياري مسلم ، في وجه هؤلاء المسيئين ، وتوقفهم عند حدهم . إن هذا الفعل الشنيع قام به شخص مع طائفة متطرفة بموافقة نظام قضائي يمثل دولة السويد .. وبالتالي فإن الدول الإسلامية مطالبة بأن تقوم بدورها لإيقاف هؤلاء وغيرهم من الحاقدين المعتدين .
أي نظام قضائي وأي عدالة وأي حرية تعبير هذه التي تسمح بالتعدي على ملياري مسلم .. وأي نزاهة وشفافية وتقدم هو هذا الصنيع القبيح .. فإذا لم يكن هذا فسادا وإجراما فما هو الفساد والإجرام ..
إن أمراضهم النفسية وأحقادهم الدفينة هي التي جعلتهم يحرقون المصحف .. حرق الله قلوبهم .. وزادهم شقاء واضطرابا .. وخواء روحيا .. ومتعهم بلذة الانتحار وسهل لهم سبل الموت الرحيم .
إن المسلمين مطالبون بردة فعل تجاه هذه الأفعال المسيئة ، فبالإضافة إلى المقاطعة لا بد أن يعكف المسلمون على مصاحفهم ، ويعرفوا أهميتها ومكانتها وقيمتها ، لا بد أن يعيشوا قرآنهم ، ويعايشوا كلمات ربهم ، ويتعايشوا معها في حياتهم ، من خلال التطبيق اليومي لهذه الآيات ..
إن هذا التعدي على المصحف الشريف لم يكن ليحدث لو أن المسلمين يعظمون كتاب ربهم ويعطونه المكانة اللائقة والرفيعة .. ويصفونه الوصف الذي وصفه به الوليد بن المغيرة قبل الإسلام ” والله إن له لحلاوة، وان عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى ” ..
ربما لا يجد كثير من المسلمين حلاوة القرآن كما وجدها ذلك الجاهلي المنصف ، الذي لم يكن مسلما ، قبل أن يعود لجاهليته ويقول إنه لسحر يؤثر .. وربما لا يعرف المسلمون اليوم طلاوته ولا أعلاه أو أسفله .. وربما لا يعرفون لماذا يعلو ولا يعلى عليه .. وربما يصدق فينا قول الشاعر :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم .. ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ، ودنسوا .. محياه بالأطماع حتى تجهما
مما لا شك فيه أن علم القرآن هو أشرف وأقدس العلوم ، وهو أساس كل العلوم التي عرفها البشر ..
إن هذه الأفعال المشينة والمسيئة من قبل أعداء الإسلام – على بشاعتها وشناعتها وقبحها – تمثل فرصة للمسلمين لكي يتقربوا أكثر من القرآن ، ويعظموه ويوقروه بتطبيق ما جاء فيه .. إنها فرصة مهمة لعودة المسلمين إلى كتاب ربهم ليعرفوا قيمته ويرفعوه فيرتفعوا به ، ويعزوه ويكرموه ، فيزدادوا عزة وكرامة ومكانة بين الشعوب .

يوم البيئة العالمي ويوم النكسة .. أ.د كمال حطاب

06 June 2023

يبدو أن الأمم المتحدة ، قد تخصصت في تنظيم الاحتفالات على مستوى العالم ، من خلال توزيع أيام السنة على المناسبات الأكثر أهمية ، وليس مهما ما إذا كانت مناسبات حزينة أو سعيدة ، فالمهم هو أن تحتفل دول العالم.. تحتفل بيوم البيئة وتهتف ضد استخدام البلاستيك … ، ولا ندري هل كان تخصيص يوم الخامس من حزيران للاحتفال بيوم البيئة مقصودا ، كمحاولة لإلهاء العالم ، عن جريمة كبرى قام بها الصهاينة قبل 56 عاما، باحتلال فلسطين كاملة واحتلال سيناء ، والجولان ، هل كان تخصيص هذا اليوم للاحتفال مقصودا ، أم أنهم لا يأبهون بفلسطين ولا يتذكرون هذه الجريمة ، وقد غدا الاحتلال دولة قائمة معترف بها من معظم دول العالم ، بما فيها العديد من الدول العربية ؟
ولعل البعض يقول بوجود شبه كبير بين المناسبتين ، فالعالم في الوقت الحاضر ، قد أجرم بحق البيئة ، وقد ظهر الفساد في البر والبحر ، وحتى في الجو وما فوق الغلاف الجوي ، الذي أصبح ملوثا ببقايا الصواريخ والمركبات الفضائية وغيرها من الملوثات ، أجرمت الشركات الكبرى بحق البيئة من خلال تلويث البحار والأنهار بالسموم الكيماوية وحتى النووية ، كما أجرموا بحق الكائنات الحية ، فانقرضت مئات الأصناف من الكائنات الحية من البحار والأنهار والأدغال ، من خلال الصيد الجائر ، أجرموا بحق الأرض من خلال التجارب النووية واستنزاف الموارد مما زاد من التلوث بالإشعاع وزاد من التصحر واتساع ثقب الأوزون ودخول الإشعاعات الضارة وزيادة الأمراض والأوبئة التي لم تظهر في الأقوام السابقة ..
إن الجرائم بحق البيئة هي جرائم فظيعة يلمس آثارها كل إنسان على وجه هذه الأرض ، وعلى قدر فظاعة هذه الجرائم ، فإن الجرائم التي قام بها الصهاينة كانت أشد وأفظع ، ففي الخامس من حزيران من عام 1967 قامت عصابات الصهاينة بالاعتداء على ثلاث دول عربية ، فقتلت عشرات الآلاف وجرحت مئات الآلاف وهجرت الملايين من نساء وأطفال وشيوخ من بيوتهم ومن قراهم ومدنهم ، لكي يتشتتوا في أراض الشتات، كما أطلقوا عليها .. ولكي يصبحوا لاجئين أو نازحين في مخيمات لا تليق بإنسانية الإنسان ولا تحفظ كرامته ..
لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا بل قامت بشرعنة الاحتلال وأظهرت القلق على العنف المتبادل بين الجانبين ، ودعت جميع الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس ، أظهرت القلق على ما تمارسه سلطات الاحتلال من قتل وأسر وتشريد وهدم واعتداء على كافة المقدسات التي عرفها البشر .. غير أن الأمر لا يستدعي أن تحرك ساكنا ، ولا يستدعي حتى الشجب والإدانة ، فقد غدا الاحتلال أمرا طبيعيا ، وقامت الأمم المتحدة بواجبها في هذا الصدد وأصدرت مئات القرارات التي لم ينفذ منها قرارا واحدا ضد الاحتلال ..
ولذلك دعونا نحتفل بالبيئة !! ونقوم بحملات إعلانية ضد البلاستيك ، فالبلاستيك خطير جدا ، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نوقف شركات البلاستيك أو نحد من قدرتها على الإنتاج ، فالبلاستيك مفيد أيضا في صناعات كثيرة !!
لقد غدت منظمة الأمم المتحدة أشبه بمؤسسات أو شركات تنظيم الاحتفالات والأعراس والمناسبات ، أو جمعيات تكفين الضحايا ودفن الموتى ، فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يتحرك إلا بإمرة الأقوياء ، لإسكات المظلومين وحماية الظالمين ، لإسكات المقاومين وحماية المحتلين ..
لم تعد الأمم المتحدة وسيطا نزيها ، وربما لم تكن في يوم من الأيام وسيطا نزيها ، ولذلك فإن الأمم الحرة هي التي تدافع عن حقها ، ولا تتنازل عن حقوقها ، وتستمر في مقاومتها إلى أن تسترد حقوقها كاملة ، مهما طال الزمن . وسيبقى يوم الخامس من حزيران ، ذكرى أليمة ، تدفع إلى المزيد من التمسك بالحقوق المفقودة ، ذكرى أليمة تذكر المحتلين بأنهم طارئون على هذه الأرض ، وأن مصيرهم إلى الزوال .

هل يمكن إسقاط القروض عن المقترضين الإيجابيين ؟ أ.د كمال حطاب

27 May 2023

من المتفق عليه فنيا واقتصاديا أن البنوك التجارية تخلق كميات ضخمة من النقود .. تتناسب مع مرونة تشريعات البنوك المركزية فيما يتعلق بنسبة الاحتياطي أو الرصيد النقدي ، فكلما زادت هذه النسبة انخفضت قدرة البنوك على خلق نقود جديدة ، وكلما انخفضت هذه النسبة زادت قدرة البنوك على خلق نقود جديدة .. وهذا يعني أن هذه النسبة إذا كانت صفرا فإن قدرة البنوك على خلق النقود ستكون مطلقة وبلا حدود .. وربما هذا ما يفسر حقيقة أن البنوك قد تخلق نقودا من لا شيء .
ومهما بلغ حجم البنك ، وقوة سمعته ، وتصنيفه الائتماني ، فإنه عندما يتعرض لموجات سحب كبيرة جدا ، فإنه سيتعرض للإفلاس ، لأنه ببساطة قد أقرض أموالا طائلة لا يمتلكها .. كما حدث لبنك سيليكون فالي ، وسيغنيشر ، وغيرها من البنوك ، وكما حدث لأكثر من 500 مصرفا عالميا منذ الأزمة العالمية عام 2008 .
إن حقيقة أن البنوك تخلق نقودا من لا شيء ، هي أشبه بحقيقة أن النقد الدولي أو الدولار يُطبع من لا شيء ، وتتمتع أمريكا وحدها بمزايا إصدار الدولار ، ومبادلته بجهود وسلع وخدمات العالم دون مقابل ، وبالرغم من أن هذه الحقيقة معروفة ، إلا أن أحدا من الدول أو الحكومات لا يستطيع التغيير أو الاعتراض .
هل يمكن إيجاد مؤسسة للمقترضين وبضمان الحكومة ، تسجل فيها ديون المقترضين ، وربما تتحول إلى سندات بضمان الحكومة ، بحيث يتم السداد والإغلاق لهذه الديون ، ومن خلال تشريعات قانونية تنظم هذه العملية وتفرق بين المقترض المستثمر والمقترض السيء والمقترض المقامر .. أو بمعنى آخر، بين المقترض الإيجابي والمقترض السلبي ؟ فما دام يسمح للبنوك بإقراض مبالغ تفوق عشرات ومئات المرات حجم رأسمالها ، فلماذا لا يسمح للمقترضين الإيجابيين بإغلاق ديونهم على شكل سندات بضمان الحكومات ، فالمهم هو وجود تشريعات قانونية تحمي هذه الديون … كما هو جار حاليا في كثير من دول العالم ، حيث يوجد حماية لكثير من المؤشرات والخيارات والمستقبليات وأذونات الخزانة الأمريكية وغيرها.. والتي لا تمثل سوى أرقاما أو ديونا تخضع لتداول منظم قانونا .
إن مسألة النقود في نظري هي مسألة قوة الدول وقوة تشريعاتها ، وقوة كبار أصحاب المصالح ، تلك القوة المولدة للطلب أو المضاربة على العملة ، مهما كانت هذه العملة ورقية أو رقمية أو افتراضية أو أي شيء آخر يتم التعارف عليه . وهذه القوة تستمد من قوة رأس المال ، فكبار الرأسماليين هم من يقررون كل شيء ، هم من قرروا قانونية العملات الورقية وهم من يستطيعون إلغاءها ، وهم من قرروا قانونية العملات الائتمانية ويستطيعون إلغاءها ، كما يمكنهم أن يقرروا قانونية العملات الرقمية أو الافتراضية أو قانونية الديون والأرقام التي تمثلها أو أي شيء آخر.
إن المسألة ببساطة تعتمد على مدى وجود تشريعات منظمة لهذه الديون ، بحيث يكون تداولها ، بما يحقق مصلحة الاقتصاد وتقدمه .
إن التشريعات المنظمة لأسواق السندات والصكوك هي في الحقيقة تشريعات لتنظيم الديون سواء كانت مغطاة بأصول أو غير مغطاة بأي شيء .. وطالما كانت التشريعات قوية وتخدم مصالح المجتمع والفئات التي تدير الاقتصاد ، فإن الأوضاع الاقتصادية وأوضاع البنوك ستبقى قوية ومستقرة.
إن تحركات أسواق التداول هي المؤشر الوحيد حول سلامة النقود الورقية أو الائتمانية أو الافتراضية ومدى قوتها وانتشارها ، وتبقى آليات العرض والطلب التي يتحكم فيها كبار أصحاب المصالح هي الآليات الوحيدة المعتمدة ، وتبقى الحاجة ماسة لوجود تشريعات تنظم إسقاط الديون عن المقترضين الإيجابيين ، في حالة كان هذا الإسقاط يؤدي إلى خدمة الاقتصاد وخدمة المجتمع .

All Rights Reserved © www.KamalHattab.info  |  [email protected]